النظرية في الآداب السلطانية

النظرية في الآداب السلطانية

في‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬مؤلفات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬أفرزتها‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية؛‭ ‬وقد‭ ‬عُرفت‭ ‬هذه‭ ‬المؤلفات‭ ‬بالآداب‭ ‬السلطانية،‭  ‬وهي‭ ‬تشمل‭ ‬نوعاً‭ ‬خاصاً‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الكتابة‭ ‬السياسية،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬انصرفت‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬شغلت‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬والفلسفي‭ ‬والفقهي؛‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلم‭ ‬الكلام‭ ‬والفلسفة‭ ‬والتوفيق‭ ‬بين‭ ‬الشريعة‭ ‬والفلسفة،‭ ‬وبين‭ ‬النقل‭ ‬والعقل،‭  ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬وكانت‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬للمفكرين‭ ‬والفقهاء‭ ‬والفلاسفة‭.‬

كانت دولة الخلفاء الراشدين هي دولة سيادة القانون، وكانت للشريعة فيها الكلمة الفصل على الخليفة والرعية، وذلك على النحو الذي بيّنه الخليفة الأول أبوبكر الصديق في خطبة الاستخلاف: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم». وقد فسّر الفقهاء طاعة الله بالقرآن الكريم وطاعة النبي بالسنة. 

ويقول محمد عابد الجابري في كتابه «العقل السياسي العربي»: إن واقع السلطة يقوم على تقنية مألوفة لدينا، تقنية قوامها راعٍ واحد يقود الأمة برمتها.

ويُعتبر ابن المقفع، الأب الروحي لهذه الآداب، وعبدالحميد الكاتب، في العهد الأموي، من الأوائل الذين أنشأوا هذا النوع من الأدب.

1-‭ ‬تعريف‭ ‬الآداب‭ ‬السلطانية

يمكن تعريف هذه الآداب بما يلي: 

- الكتابات السياسية التي تزامن ظهورها بعد انقلاب الخلافة إلى ملك - كما سبق القول- وكانت في جزء كبير منها نقلاً واقتباساً عن التراث السياسي الفارسي والاستعانة به في تدبير أمور الدولة الإسلامية الوليدة.

تقوم الكتابات في أساسها على مبدأ نصيحة أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم، فهي تتضمن مجموعة هائلة من النصائح الأخلاقية والقواعد المسلكية الواجب على الحاكم اتباعها.

- اعتمدت هذه الآداب في صوغ تصوراتها السياسية والأخلاقية على ثلاث منظومات مرجعية كبرى، هي السياسة الفارسية والحكم اليونانية والتجربة العربية الإسلامية.

- إن هذه النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية واجب على الحاكم اتباعها، بدءاً بما يجب أن يكون عليه في شخصه وطرق التعامل مع رعيته، مروراً  بكيفية اختيار حاشيته وسلوكه مع أعدائه. أما الغاية من النصح، فهي تقوية السلطة ودوام الملك من خلال تصورات وأفكار عملية براغماتية لمصلحة الحاكم والمحكومين. 

- وقد عرّف د. رضوان السيد في مقدمته لكتاب «تدبير الدول» لابن نباتة هذه الآداب، التي أُطلق عليها مرايا الأمراء ونصائح الملوك، بأنها أدبيات كلاسيكية موروثة عن الهنود والفرس واليونان، تهتم بإيراد نصائح عملية للسلاطين وأولادهم في كيفية إدارة الدولة والسلطة، وفي نصيحة السلطان في خاصته وعامته، بما تعتبره مفيداً له ومؤدياً إلى سلامته واستمرار حكمه وقوته.

- لدى مراجعة هذا التراث، تبين أن النصائح اتخذت إما صيغة الرسالة من الناصح إلى السلطان، وإما صيغة الكتاب وما فيه من أبواب تتعلق بأصول الحكم. أما الصيغة الثالثة والأهم، لما تحويه من دروس عملية تطبيقية، فجاءت على ألسنة الحيوانات ونموذجها كتاب «كليلة ودمنة»، وكتاب «الأسد والغواص»، وهي حكاية رمزية عربية من القرن الخامس الهجري، ولم يعرف كاتبه.

2-‭ ‬أهم‭ ‬كتَّاب‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الآداب‭ ‬السلطانية

إن أول من كتب في هذا الباب كان عبدالله ابن المقفع - كما سبق القول - وهو فارسيّ، اعتمد في نصائحه على ما جاء من عهود ووصايا تركها ملوك فارس، وقد ترجم كتاب «كليلة ودمنة» من الفارسية إلى العربية، وذلك بعد كتابه «رسالة الصحابة» لنصح الخليفة والتقرب منه، ولكن لم تشفع له هذه النصائح والتودد، فاتُهم بالزندقة وارتاب بأمره الخليفة المنصور فأمر بقتله، وقد لقي المصير نفسه عبدالحميد الكاتب، الذي سار على خطى ابن المقفع في مجال الآداب السلطانية. وفي كلا الكتابين دعوة غير مباشرة إلى العدل في وقت كان فيه المنصور يختزل السلطة في ذاته، وهي سلطة مستمدة من الحق الإلهي. 

وقد سار على خطى ابن المقفع في مجال الآداب السلطانية:  أبوالحسن الماوردي (450 هـ) وعنوان كتابه «تسهيل النظر وتعجيل الظفر» وأبوالكبر الطرطوشي (520 هـ)، وكتابه «سراج الملوك» وابن رضوان (المتوفى 783هـ) في «الشهب اللامعة في السياسة النافعة»، والشيزري (589 هـ) وكتابه «المنهج المسلوك في سياسة الملوك»، والثعالبي (429 هـ) «تحفة السلوك وعدة الملوك»، والغزالي (505 هـ) وكتابه «التبر المسبوك»، والجاحظ (255 هـ) وكتابه «التاج»، وابن خلدون في مقدمته، وغيرهم كثير. والعنصر الجامع بين هذه المؤلفات جميعها، هو النصائح والتوصيات الواردة فيها، إضافة إلى هذه المؤلفات، هناك العهود والرسائل والوصايا التي أعدها الملوك والوزراء لمن يخلفهم. ومن هذه العهود عهد أردشير، ملك ملوك فارس، ويذكر في هذا العهد تجربته السياسية التي أراد أن ينقلها إلى من يخلفه.

وهناك العهود اليونانية، كعهد الملك إلى ابنه. وفي التاريخ الإسلامي عهد الأشتر، الذي كتبه الإمام علي بن أبي طالب للأشتر النخعي، لمّا ولاه على مصر، وضمنّه نصائح عن جباية الخراج، وجهاد العدو، واستصلاح الأرض، وعمارة البلاد (المرجع: كتاب نهج البلاغة).

لقد نصّب الأديب السلطاني نفسه ناصحاً للسلطان، ومستشاراً له، متوهماً أن ما يبديه من نصائح يساهم في ترتيب أمور البيت السلطاني وتقوية دعائمه، غير أن ابن خلدون خالف هذا الرأي، فهو لا يرى للنصائح وأصحابها، مدخلاً وجيهاً لولوج عالم لا يحكمه منطق النصح والوعظ، وهو يربط السلطة من بدئها إلى منتهاها بصاحب العصبية وبالعمران، وبالشوكة والتغلب (الآداب السلطانية: عزالدين العلام)، وبالتالي فلا معنى لنصائح لا تعمل إلا على تغذية وهم الأديب السلطاني بإمكان إطالة أمد دولة تحمل معها شهادة وفاتها عند ميلادها (المصدر السابق) ، وقد نعت ابن خلدون هؤلاء الأدباء بالجهل السياسي (مقدمة ابن خلدون)،

3-‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الآداب

لا شك في أن هذا النوع من الآداب هو فتح جديد في الفكر السياسي الإسلامي، نشأ مع ظهور الدولة المتسلطة والمستبدة، وهي وإن كانت لا تشكك في شرعية الحاكم، أو تناقش مصدر سلطته، اكتفت بتوجيه النصائح، التي لا تتجاوز حدود الأخلاق والنوايا الطيبة. 

وظل هذا النوع من الأدب مهملاً لوقت طويل، إلى أن تيسر له بعض الباحثين في العصر الحديث، أمثال عبدالرحمن بدوي، وإحسان عباس، ووداد القاضي، ومحمد عابد الجابري، وعبدالله العروي، وأخيراً رضوان السيد، الذي حقق ودرس الكثير من مؤلفات «مرايا الأمراء» ككتاب «تسهيل النظر وتعجيل الظفر» للماوردي، و«الجوهر النفيس في سياسة الرئيس» لابن الحداد، و«تحفة الترك في ما يجب أن يفعل في الملك» وغيرها، إضافة إلى إشرافه على عدد من الدراسات التي تناولت هذه الآداب. 

لقد تناول الفلاسفة والشعراء والكتَّاب هذه الآداب بالبحث والتحقيق، وخلص معظمهم إلى مفهوم النظرة العملية للسياسة التي يجب أن يتبعها السلطان، وكيف يجب أن يتصرف في مختلف الحالات، وفي تدبير أمور الرعية. ولاحظوا أن الأديب السلطاني لا يهمه من الدولة أو السلطة  السياسية البحث في أسسها أو تاريخها أو مدى شرعيتها بقــــدر ما يبحث في الوسائل والإجراءات والخطوات التي من شأنها تقويتها - أي السلطة - والحفاظ على هيبتها.

وأحدث دراسة في بُنية وثوابت الخطاب السياسي أعدها د. عزالدين العلام ونشرها في كتاب «الآداب السلطانية»، (عالم المعرفة العدد 324، الصادر في الكويت).

ويمكننا أن نستخلص من هذه الآداب أهم النصائح والصفات التي يجب أن تتوافر في السلطان والحاشية والجند والرعية وغيرها: 

- أخلاقيات السلطان:  لا يخلو كتاب يتطرق إلى الآداب السلطانية من ذكر أخلاقيات السلطان التي تشمل الحِلم والصبر والكلام والصمت والغضب والرضا والتجبُّر والخضوع والحزم والتفــــــريط والكتـــمان والجــود والإحسان والشجاعة والجُبن والمكر والتداهي والتغافل. 

وقد جعلوا من السلطان الكائن الأول في سلطته إلى حد يصبح قريباً من الصورة التي رسمها هيجل ومونتسكيو، الأول في كتابه «العقل في التاريخ - (دار النور) والثاني في كتابه «السياسة والتاريخ - (دار النور) للمستبد الشرقي. ويذهب الجاحظ إلى أبعد من ذلك حين يقول: «وأَوْلى الأمور بأخلاق الملك إن أمكنها التفرّد بالماء والهواء، ألاّ يُشرك فيهما أحداً، فإن البهاء والعزة والأبهة في التفرد» (المرجع: كتاب التاج في أخلاق الملوك للجاحظ - دار الحداثة).

- الحاشية السلطانية: تتضمن المراتب والخطط السلطانية وكل خدَّام السلطان من وزراء وأطباء وندماء وحجّاب وجنود وكتّاب، والخطط الدينية والعملية، ووالي المظالم ووالي الحسبة ووالي الشرطة وصاحب البريد وعامل الزكاة والسفير (المرجع المرادي، الأبواب 3/6/7/10).

- مقومات المُلك: تشمل قواعد الأجناد، وعطاء الجند، وبيت المال، وعمارة الأرض، والرفق بالرعية.

- الرعية: الرعية أساس السلطة ورأس الفتنة، بطاعتها للسلطان وانصياعها له تستقر الأمور، وبخروجها عنه تعم الفتن وتحدث القلاقل. وتصور هذه الآداب الرعية أنها في افتقار دائم إليه، وحاجتها المتواصلة إلى رعايته، ويلجأ السلطان في حكم الرعية إلى الترهيب والترغيب. ونجد الأديب السلطاني يردد غير مرة مقولة كِسرى أنو شروان «الناس ثلاث طبقات تسوسهم ثلاث سياسات: طبقة الأبرار نسوسهم بالعطف واللين، وطبقة الأشرار نسوسهم بالغلظة والشدة، وطبقة بين هؤلاء وهؤلاء نسوسهم بالغلظة مرة وباللين مرة، لئلا تخرجهم الغلظة ولا يبطرهم اللين» (الآداب السلطانية لعز الدين العلام).

4-‭ ‬السلطان‭ ‬ظل‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الأرض

 يلاحظ د. محمد عابد الجابري في دراسته «للأيديولوجيا السلطانية» أن العقل السياسي العربي مسكون ببنية المماثلة بين الإله والحاكم، وينحو بعض المحققين المنحى نفسه، ويربطون بين مبدأ طاعة الملوك، واعتبار هؤلاء ظل الله في الأرض، لجمعهم بين الرئاسة الدينية والمدنية. ويرى الغزالي أن الحاكم السياسي هو ذاك الإنسان الذي اصطفاه الله من بين العباد وزوّده باستعدادات كافية من أجل حكم الجماعة (الغزالي، كتاب التبر المسبوك)، ويربط أيضاً طاعة السلطان بظل الله في أرضه (المرجع: الغزالي صفحة 168).

أما الطرطوشي، فيقول إن وجود السلطان نفسه هو «حكمة إلهية ولولاه لما كان لله في أهل الأرض حاجة، بل إن السلطان يصبح من حجج الله على وجوده ومن علاماته على توحيده...».

وقد يسأل سائل، ما الفائدة من بحث هذا الموضوع في عصر ترسخت فيه الدولة الحديثة على أسس دستورية وقانونية وإنسانية وأصبح فيها الحاكم مسؤولاً أمام الشعب، ولا مرجعية دينية لها، وقيمتها بذاتها؟ وقد يكون الجواب على هذا السؤال، أن هذه الثقافة وهذا الفكر السياسي الذي ورثناه لايزال مسكوناً في بنيتنا السياسية والاجتماعية. فمنذ أن حدث انقلاب الخلافة إلى مُلْك، لم تعرف المنطقة العربية والإسلامية إلاّ حكم السلاطين المتفرِّد والمستبد، بمرجعيته الشرعية والدينية، وهو دائماً بحاجة إلى هذه المرجعية.

لقد شخصنت الآداب السلطانية السلطة إلى حد أن أصبحت ملكاً للحاكم، والغريب في هذه المؤلفات أنها لم تذكر شيئاً عن الخلافة، التي بدأ بها الإسلام عهده، وأغلب الظن أن السلاطين كانوا أقوى من الخلفاء، خاصة في العصر العباسي، الذي كتبت فيه معظم هذه المؤلفات.

ومن الواضح أن هذه الآداب نشأت بعد ضعف الخلافة وتحكُّم العسكر الأتراك بها، إلى أن آلت إلى البويهيين فازداد الأمر سوءاً، وجاء بعدهم السلاجقة ثم المماليك، وقد نتج عن ذلك عدم قدرة الخليفة على إدارة الأمور بنفسه وظهور أمراء الاستيلاء والسيطرة على المدن والنواحي بالقوة واضطرار الخليفة إلى الاستعانة بهم خشية انفراط عقد الدولة ودار الإسلام (من مقدمة كتاب «تسهيل النظر» لرضوان السيد).

5- ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول هذه الآداب

- استنتج المحققون والدارسون لهذه الآداب أنها تتـــشــابه تشــــابهاً كاملاً، وكأنها منسوخة عن بعضها، ومن يقرأها كأنه يقرأ في كتاب واحد، وإن تفاوت عدد النصائح بين كتاب وآخر.

- لا شك في أن ما كتبه هؤلاء المفكرون كان نتيجة حكم الاستبداد الذي حاولوا تلطيفه بنصائحهم وبتقربهم من السلطان، مستنجدين بالعهود الفارسية والحكم  اليوناني، ولم يجرؤوا قط على انتقاده أو مناقشة مصدر سلطته وشرعيتها.

- لم يكن للحكم السلطاني أي مفهوم للمصلحة العامة أو ما يمكن تسميته بالشأن العام، وهو مبدأ تقوم على أسسه الدولة الحديثة، فضلاً عن مبدأ تداول السلطة الذي لم يعرفه هذا الفكر السياسي إطلاقاً.

- أما الرعية فلا وجود لها في حكم السلطان إلا لدفع الخراج لتمويله وتمويل جنده وحاشيته، فلا مفهوم للمواطنة وما ينتج عنه من حقوق وحرية في اختيار الحاكم.

• لم يتورع بعض الفقهاء عن تطويع الشريعة لتتلاءم مع رغبات الحاكم، فهذا الثعالبي في كتابه «آداب الملوك» يمدح النبيذ ذاكراً مزاياه ومؤكداً أحقية الملوك في الاستفادة بنعمته. ولا شك في أن الجاحظ، صاحب العقل المعتزلي، عندما جعل السلطان يتفرَّد بالماء والهواء إذا أراد، كان يسخر من هذه السلطة الإلهية المطلقة التي لا حدود لها. وقد شكك بعض المحققين للتراث في أن يكون كتاب «التاج» للجاحظ نفسه، بل منسوب إليه.

6- هل لايزال هذا الفكر السياسي المتأصل في تراثنا وفي ثقافتنا مؤثراً في حياتنا السياسية التي ترتكز على حكم الرجل الأوحد بغطاء من الديمقراطية المشوهة، ولايزال الدين القيمة والمرجعية الأساسية للسلطة، ولم نبلغ بعد مرحلة الدولة الحديثة القائمة في العالم المتقدم؟

من المعروف أن الفكر الإسلامي لم يتطرق إلى مفهوم الدولة وأصول الحكم، بل اقتصر على ما يتعلق بالعبادات والمعاملات ونصائح الملوك، للوصول إلى الحكم الصالح. وأغلب الظن أن هذه الآداب السلطانية نشأت ونمت في بيئة سيطر عليها الفساد والدسائس والرشوة واستبداد الحاكم في العصر العباسي، وتهالك معظم الأدباء والمتأدبين والكتَّاب والشعراء على التودد للسلطان، إما لنيل وظيفة لديه، وإما للانضمام لحاشيته. وبكل أسف لا يزال العقل العربي مسكوناً بهذا الفكر السياسي المتخاذل من جهة الذي أدى إلى قيام ثورات عديدة منها ثورة القرامطة، وثورة الزنج، وثورة زيد بن علي، كما أدى إلى فكر إسلامي متطرف نعاني منه اليوم من جهة ثانية. 

ولقد برّر بعض الكتّاب والمحققين نشوء هذه الآداب المسالمة والمتوددة للسلطان وغير القادرة على فرض الشريعة، بسيطرة أقوام من الشعوب من غير العرب وحتى من غير المسلمين على البلاد، فكان على أصحاب الفكر السياسي الإسلامي أن يجتهدوا في تعليم هؤلاء الحكام أصول الدين الإسلامي وطريقة الحكم بالشريعة الإسلامية، كما كان عليهم أن يحفظوا صورة وحدة الجماعة ورأفة الحاكم بالرعية وعدم الجور عليها.

إن أهمية هذه الآداب تتمثل في منظومة الفكر السياسي حيث وضعت هذه الكتابات هياكلها في شتى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية، وطريقة الحكم العادل .