تاريخ وعمارة الجامع الأزهر الشريف

تاريخ وعمارة الجامع الأزهر الشريف

في‭ ‬تصديره‭ ‬للسِّفر‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‮»‬،‭ ‬كتب‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬كُتب‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف،‭ ‬عن‭ ‬شيوخه‭ ‬وعلمائه،‭ ‬وعن‭ ‬زخرفته‭ ‬وبنائه،‭ ‬وعن‭ ‬علومه‭ ‬ومناهجه،‭ ‬ومسؤولياته‭ ‬الوطنية‭ ‬والفكرية‭ ‬التي‭ ‬حمل‭ ‬أعباءها‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬وبثقة‭ ‬الأمة‭ ‬فيه‭. ‬وقل‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬مكتباته‭ ‬وأروقته،‭ ‬وشيوخه‭ ‬وطلابه،‭ ‬ومؤتمراته‭ ‬ومؤسساته‭. ‬وهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الشاملة‭ ‬عن‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف،‭ ‬تأتي‭ ‬تعريفاً‭ ‬متكاملاً‭ ‬بهذا‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬صفحات‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المصري‭ ‬العام،‭ ‬وثمرة‭ ‬للتعاون‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬العريقة‭ ‬بدورها‭ ‬المعاصر‭ ‬المرموق‭ ‬عالميّاً،‭ ‬وبين‭ ‬مشيخة‭ ‬الأزهر‭. ‬وهذا‭ ‬التعاون‭ - ‬لا‭ ‬شك‭ - ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬أثره‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي‮»‬‭.‬

يأتي هذا الكتاب الموثّق والدقيق باكورة إنتاج مركز  دراسات الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي المعاصر في مكتبة الإسكندرية، وإذ يعرض لتاريخ ذلك الصرح، فإنه يمثل - كذلك - قراءة بصرية معمَّقة لعمارته، كما يشير د.إسماعيل سراج الدين في تقديمه: 

«مما لا شك فيه أن فن العمارة من الفنون والعلوم التي برع المسلمون وتفنّنوا فيها. وقد جاء تقدمهم فيها اعتماداً على نبوغهم في العلوم التي ترتبط بفن العمارة، وهي علوم الهندسة والميكانيكا والرياضة، بالإضافة إلى نظرة المسلم إلى مفهوم الجمال، حيث يدعو الإسلام أتباعه إلى تأمل جمال خلق الله، هذا فضلاً عن دعوة الرسول   إلى ضرورة إتقان العمل وتجويده... ويعدُّ الجامع الأزهر الشريف مثالاً صادقاً على ما وصلت إليه العمارة الإسلامية من تقدم وازدهار، وما تميّز به العاملون في عمارة المساجد من تفرّد وإبداع، حيث يزخر مبنى الجامع الأزهر بعناصر الثقافة الإسلامية البديعة، ويتميز طرازه المعماري بهندسته الرائعة وبنائه المبدع. وهو من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، ويُعد شاهداً على التطورات المعمارية في عصور الولاة والسلاطين والملوك والرؤساء».

 

عمارة‭ ‬الجامع‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الفاطمية

بدأ تأريخ ذلك الصرح حينما قام القائد الفاطمي أبوالحسن جوهر بن عبدالله الرومي الصقلي الكاتب بتشييد الجامع الأزهر، ليكون مسجداً جامعاً لمدينة القاهرة، التي وضع حجر الأساس لها لتكون عاصمة للدولة الفاطمية في مصر (358-567هـ/969-1711م)، وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى عام 359هـ /أبريل 970م، وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان عام إحدى وستين وثلاثمائة (يوليو 972م)، أي إن الجامع استغرق بناؤه مدة تبلغ  حوالي سنتين وثلاثة شهور.

واختير للجامع موقع في الجنوب الشرقي من المدينة على مقربة من القصر الكبير الذي كان موجوداً حينئذٍ، حيث الديلم وحي الترك في الجنوب. وقد سجل جوهر القائد هذا الإنشاء بكتابة برقبة القبة التي كانت في الرواق الأول على يمين المحراب والمنبر بما نصّه:

«مما أمر ببنائه عبدالله ووليه أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين، على يد جوهر الكاتب الصقلي، وذلك في عام ستين وثلثماية»، وقد اندثرت هذه الكتابة مع القبة الآن.

 

اسم‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر

لم يطلق على الجامع الأزهر مسمى الأزهر في بداية إنشائه، وإنما عرف بجامع القاهرة نسبة لعاصمة الفاطميين الجديدة، وأما تسميته بالجامع الأزهر فقد حدثت في وقت متأخر، حيث أشار إليه المؤرخون قريبو العهد ببناء القاهرة كالمسبحي وابن الطوير وابن المأمون باسم جامع القاهرة، وقليلاً ما أشاروا إليه باسم الجامع الأزهر. وربما أطلق على جامع القاهرة الجامع الأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول  وزوجة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهي التي ينتسب إليها الفاطميون، وقيل إنه سمي كذلك تفاؤلاً بما سيكون له من الشأن والمكانة بازدهار العلوم فيه.

حظي الجامع الأزهر الشريف باهتمام الأئمة الفاطميين، فقد اهتم به الإمام العزيز بالله (365-386هـ/975-996م) وقام بتجديد بعض أجزاء الرواق الجنوبي الشرقي (ظلة القبلة وزخرفتها) ، واهتم الإمام الحاكم بأمر الله (386-411هـ/996-1021م) بعمارة الجامع، فجدد مئذنته، ورفع سقفه ذراعاً عما كان، وبقي من أعماله باب خشبي ضخم محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ورتب له في عام 400هـ/1009م، مع بعض المنشآت الفاطمية الأخرى أوقافاً ينفق من ريعها على إدارته، وشؤونه، فكانت أول وقفية رتبت للجامع الأزهر.

 

تخطيط‭ ‬الجامع‭ ‬الفاطمي

كان الجامع الفاطمي الذي أنشأه القائد جوهر الصقلي يتكون من مستطيل أبعاده 70x88م2، يتألف من صحن سماوي مستطيل الشكل يحف به ثلاث ظلات من ثلاث جهات فقط. ونظراً لعدم تساوي عرض رواق المحراب مع عرض المجاز القاع، اضطر المعماري إلى تضييقه عند التقائه في المحور بأعمدة إضافية لإيجاد مربع يحمل قبة المحراب.

وقد استعملت عقود من النوع المدبب في رفع سقف الجامع الفاطمي الأول، وهي على غرار العقود المستخدمة في الجامع الطولوني، وإن كان المدبب يظهر فيها أكثر مما يظهر في عقود الجامع الطولوني، والعقود المدببة ترجع إلى أصول ساسانية حيث وجد أقدم أمثلتها في طاق كسرى بالعراق، الذي يعود إلى عصر الملك شابور الأول (242-272م)، وأقدم أمثلتها في العمارة الإسلامية وجد في واجهة المجاز المطلة على صحن الجامع الأموي في دمشق عام 96هـ/714م.

وقد ارتبطت تيجان الأعمدة بالجامع بأسطورة مفادها أن بالجامع طلسماً، فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به، وكذلك سائر الطيور من الحمام واليمام، وهي صور طيور، كل صورة على تاج عمود.

ويقول أوليا جلبي: «لذا لا تجد فيه أثراً للطيور كالعصفور والخطاف والحمام والحدأ، فهي لا تدخله ولا تعشش فيه إنه لطلسم عظيم».

وتاج العمود هو رأس العمود، وهو الجزء الزخرفي العلوي الذي كانت فائدته من الناحية الإنشائية كمخدة أو قاعدة لتلقي الأحمال ونقلها إلى بدن العمود. وقد أضيفت فوق تيجان الأعمدة حدارات يعلوها طنفة وتدنوها قرمة، وهي مجموعة إنشائية تعتبر ابتكاراً في العمارة الإسلامية ببلاد المغرب، شوهدت من قبل في مسجدي القيروان والزيتونة، واستخدمت للمرة الأولى في الجامع الأزهر، وقد قصد بهذا الابتكار معالجة قِصر قامة الأعمدة واختلاف ارتفاعاتها، وإيجاد قواعد ثابتة على مستوى واحد لأطراف العقود، وقد صنعت الحدارات في الجامع الأزهر من الحجارة.

ويلاحظ أن أطراف هذه العقود لم ترتكز مباشرة على تيجان الأعمدة، بل كانت ترتكز كل منها على حدارة تعلوها طنفة وتدنوها قرمة أو طبلية، وقد اختفت هذه الحدارات تحت البياض الجصي الذي صاحب تجديد المسجد، وتبقى البعض منها في الجزء الغربي من ظلة القبلة إلى يمين المتجه إلى المحراب. والحدارة عبارة عن مكعب من البناء ارتفاعه نصف متر تقريباً، أي إن منبت العقد يرتفع عن أرضية المسجد بما يقرب من أربعة أمتار، وتصل رؤوسها إلى ما يزيد على ستة أمتار، ويبلغ ارتفاع الحائط فوق رؤوس العقود ثلاثة أرباع المتر.

 

محاريب‭  ‬الجامع‭ ‬المتعددة

من أساليب بناء المساجد الجامعة المحاريب  المتعددة ، وهو  أسلوب وجد في شمال إفريقيا، خاصة تلك المحاريب التي تطل على الصحن، حيث يقف عندها من يردد تكبيرات الإمام حتى يسمعه المصلون خارج ظلة القبلة، وأقدم نماذج هذه المحاريب الخشبية وجد في جامع عقبة بالقيروان، أما أقدم مثال معروف لتعدد المحاريب في حائط القبلة فوجد في مسجد دير سانت كاترين، إذ توجد ثلاثة محاريب تعود إلى عهد الأمير أبي المنصور أنوشتكين منشئ الجامع ما بين عامي 429-433هـ و1037-1041م  من العصر الفاطمي.

أما المنبر المتحرك، فتأثير مغربي ظهر في جامع الزيتونة بتونس وجامع صفاقس وجامع المنستير.

 

المنحوتات‭ ‬والزخارف

ظهر في النحت الفاطمي التأثر بالأساليب الفارسية، فضلاً عن بعض العناصر التي جلبها الفاطميون معهم من شمال إفريقيا، كما تميزت الزخارف الفاطمية المنحوتة بدقة الحفر والميل نحو التماثل والتقابل وتطوير العناصر الهندسية والنباتية والحيوانية.

كما تأثرت الزخارف الجصية في الجامع الأزهر بزخارف جامع أحمد بن طولون في روحها وطريقة حفرها، غير أن زخارف الجامع الأزهر تعتبر أكثر تطوراً من زخارف الجامع الطولوني، ففي الجامع الطولوني لا تستطيع أن تفرِّق في بعض الأحيان بين الأرضية والعنصر الزخرفي بعكس زخارف الجامع الأزهر، كما تميز الجامع الأزهر بالثراء الزخرفي، فامتلأت النوافذ والعقود بعكس الجامع الطولوني، حيث نجد أن الجدران المحصورة بين النوافذ خالية من الزخارف إلا من شريط ضيِّق يدور حول فتحات النوافذ.

وقد ظهرت بين زخارف الجامع الأزهر أشكال خاصة لشجرة الصنوبر تشبه إلى حد كبير مثيلتها في واجهة قصر المشتى وزخارف قبة الصخرة، والمسجد الأقصى وزخارف منبر جامع القيروان، وقد تميزت جذوع تلك الأشجار بأنها مكوّنة من عرقين مضفورين، ما يؤكد وجود صلة بين بعض زخارف الجامع الأزهر وطرز الزخارف الأموية الشامية، وظهرت بعض التأثيرات الساسانية بين الزخارف الفاطمية كالمراوح النخيلية أو الأنثيمون، التي وجدت أمثلة لها في واجهة قصر المشتى، وفي بعض إطارات جدران قبة الصخرة، التي تحتل الأركان الخارجية للأكتاف الثماني للمثمن، وعلى منبر جامع عقبة في القيروان، وهي من التأثيرات الساسانية التي عاشت في الفنون الإسلامية، وسادت في زخارف الجامع الأزهر الفاطمية، وقد استخدمت المراوح النخيلية وأنصافها ضمن زخارف الجامع الأزهر، حيث نجدها متأثرة بمثيلاتها في جامع أحمد بن طولون وذلك في زخارف المحراب.

 

عصر‭ ‬الدولة‭ ‬المملوكية‭ ‬البحرية

قام الملك الظاهر بيبرس البندقداري (658-676هـ/1260-1277م) بإعادة صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر يوم الجمعة 18 من ربيع الأول عام 665هـ/17ديسمبر 1267م بعد انقطاعها مدة تقارب مائة عام، وشمل الجامع برعايته، فقام بعمل طاقية خشبية للمحراب الفاطمي القديم، لاتزال موجودة في الجامع بعد إضافتها للمحراب الذي أقامته لجنة حفظ الآثار العربية عام 1352هـ/1933م، والشُّرَّافات المسننة المنقوشة حول الصحن، ومنبر لم يتبق منه سوى لوحة تذكارية محفوظة في متحف الجزائر، وعهد بذلك إلى الأمير عز الدين أيدمر الحلي نائب السلطنة الذي عمَّر الواهي من أركانه وجدرانه وبيّضه وأصلح سقوفه وبلّطه وفرشه وكساه حتى عاد حرماً في وسط المدينة، واستجد به مقصورة حسنة.

وعمل الأمير بيلبك الخازندار في الجامع مقصورة كبيرة رتَّب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعي، ومحدثاً يسمع الحديث النبوي والرقائق، ورتب بالجامع سبعة قرّاء لقراءة القرآن ومدرساً.

 كما نال الجامع الأزهر اهتماماً كبيراً في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون في فترة حكمه الثانية (698-708هـ/1299-1309م)، على أثر زلزال عام 702هـ/1301م، وتولى عمارة الجامع الأمير سلار وقام بزخرفة كوشتي المحراب الفاطمي القديم، وشيّد في عهده الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش، مدرسة على يمين الداخل من بابي المزينين الآن، عام 709هـ/1309م، وفي عام 725هـ/1324م، جدد القاضي نجم الدين محمد بن حسن الأسعردي محتسب القاهرة عمارة الجامع، وشيَّد الأمير أقبغا عبدالواحد الذي جدّد عمائر الناصر محمد بن قلاوون مدرسة عام 740هـ/1339م هي المدرسة الأقبغاوية، وتقع الآن على يسار الداخل من بابي المزينين، مكان دار الأمير عزالدين أيدمر الحلي.

وفي عهد الملك الناصر حسن في فترة حكمه الثانية (755-762هـ/1354-1361م)، قام الأمير سعد الدين بشير الجمدار عام 761هـ/1359م بتجديد عمارة الجامع وإنشاء حانوت على باب الجامع القبلي لتسبيل المياه، وعمل فوقه مكتباً لتعليم أيتام المسلمين، ونتيجة لتلك الأعمال، فقد ظل مؤذنو الأزهر يدعون للسلطان حسن أكثر من مائة عام.

 

المدرسة‭ ‬الطيبرسية

من أعمال الأمير علاء الدين طيبرس بن عبدالله الوزيري الخازنداري نقيب الجيوش في عهد المنصور لاجين (967-698هـ/1296-1299م)، فرغ من عمارتها عام 709هـ/309م. وقد جددها الأمير عبدالرحمن كتخدا عام 1167هـ/1753م، حيث جدد كامل بناء المدرسة ولم يبق من عناصرها الرئيسة إلا شبابيكها النحاسية ودائرة من القاشاني تقع أعلى واجهتها وحائط المحراب، كما جددت مرة أخرى عام 1310هـ/1892م، وفي عامي 1315 -1316هـ/1897-1898م، وفي عام 1317هـ/1899م طلب شيخ الجامع الأزهر عمل دواليب برواق الطيبرسية لزوم الكتبخانة، كما تم عمل ترميم للقبة الملحقة في المدرسة، وفي عام 1326هـ/1908م، تم إصلاح بعض الخلل في المدرسة، وفي عام 1358هـ/1939م، تم إصلاح الشُرَّافات الحجرية أعلى الواجهة، وفي عام 1403هـ/1982م، تم ترميم واجهة المدرسة.

 

نظارة‭ ‬الأزهر‭ ‬

من المناصب التي اختص بها الأمراء والمماليك، وأحياناً كان يتولاها حاجب الحجّاب، ومن نظار الأزهر من وصل لرتبة السلطنة مثل الظاهر جقمق (842-857هـ/1438-1453م).

قبل استحداث هذا المنصب كان هناك مشرف يتولى شؤون الجامع وتحت يديه مجموعة من الموظفين، وكان الأمير بهادر الطواشي، الذي تم تعيينه في عهد الظاهر برقوق (784-801هـ/1482-1399م)، من نُظَّار الجامع، وكان أول أعماله المرسوم الذي صدر لتنظيم المواريث في الأزهر.

ففي عام 784هـ/1382م، ولي الأمير الطواشي المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر، فأصدر مرسوماً من الظاهر برقوق، بأن من مات من مجاوري الأزهر من غير وارث شرعي وترك موجوداً كان من حق مجاوري الجامع، ونقش ذلك على حجر عند الباب الشمالي الغربي، نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، رسم الأمر الشريف السلطاني الملكي الظاهر أبوسعيد برقوق عز نصره أن يكون موجود من يُتوفى إلى الله تعالى من الفقراء المجاورين وأرباب وظايفه ولم يكن له وارث شرعي يكون لصالح جامع الأزهر بمقتضى العلامة الشريفة بتاريخ، سابع من ربيع الأول سنة اثنين وتسعين وسبعماية». وقد كتب هذا النقش بخط الثلث بين خطوط متوازية وبارزة بروز الأحرف نفسها.

وكان ناظر الجامع الأزهر يتولى الإشراف على نظافته، وفرشه والعناية بمن فيه، وكان عادة ما تسند نظارة الجامع الأزهر إلى أحد الأمراء المماليك، فقد تولاها الأمير سودون في عهد المؤيد شيخ (815-824هـ/1412-1421م) عام 818هـ/1415م، والأمير طراباي الحاجب في عهد المظفر أحمد (824هـ/1421م).

 

مآذن‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر

نبدأ بمئذنة قايتباي، التي تتميز بجمال تكوينها وزخارفها وكتاباتها، ويتوصل إليها من خلال مدخل بالرواق الشمالي الغربي على يمين الداخل من باب قايتباي، ويؤدي هذا الباب إلى سلم حلزوني يدور حل عمود ضخم بشكل حلزوني يصل إلى سطح الجامع ومنه إلى المئذنة، وتتكون من قاعدة وثلاث دورات.

أما مئذنة الغوري، فتقع إلى اليسار من مئذنة قايتباي،  وقد أمر بإنشائها السلطان قانصوه الغوري عام 920هـ/1514م، وقد أشرف على بنائها الأمير المجيبي أيدمر أمير أخور، حيث يوجد اسمه في ختام الأشرطة الكتابية في الجهة الشمالية بعد ذكر أسماء وألقاب السلطان الغوري، وهي مئذنة فريدة بين مآذن مصر، حيث إن بدنها العلوي يتكون من ستة عشر ضلعاً، بينما أضلاع بقية المآذن لا تتجاوز الثمانية، كما أن هذه المئذنة برأسين، ولم يسبقها إلى ذلك سوى مئذنة مدرسة السلطان حسن، التي سقطت عام 762هـ/1361م، ومئذنة مدرسة أبي النصر جانبلاط، التي أنشأها تجاه باب النصر حوالي عام 905هـ/1500م, واندثرت الآن، ومئذنتي الأمير قانباي السيفي أمير أخور بالرميلة عام 908هـ/1502م، وبالناصرية عام 911هـ/1505م.

 

عصر‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية

يذكر ابن إياس في حوادث عام 923هـ/1517م أن السلطان سليم العثماني (918-926هـ/1512-1520م), بعد أن تم له دخول مصر دخل الجامع الأزهر، وحرص خلال الأشهر الثمانية التي قضاها في مصر على أداء صلاة الجمعة في الجامع، وكانت آخر جمعة قضاها في الجامع الأزهر جمعة السابع عشر من شهر شعبان عام 923هـ/4 من سبتمبر عام 1517م.

وقد عني ولاة مصر في العصر العثماني بالجامع الأزهر وتجديد عمارته، فقد جدّده عام 1004هـ/1595م الشريف محمد باشا في عهد السلطان العثماني محمد الثالث (1003-1012هـ/1595-1603م)، وعمّر به الوزير حسن باشا رواق الحنفية وفرش أرضيته بالبلاط في عام 1014هـ/1605م3، وجدد الأمير إسماعيل بك ابن الأمير إيواظ القاسمي في عام 1136هـ/1723م سقف الجامع.

كما أمر السلطان أحمد الثالث (1114-1142هـ/1703-1730م) بصرف خمسين كيساً من مال الخزانة في مصر لترميم الجامع الأزهر.

وفي عام 1148هـ/1725م، بنى الأمير عثمان كتخدا القزدوغلي زاوية يصلي فيها العميان سميت بزاوية العميان (هدمت في ما بعد)، وكان يربط بينها وبين المدرسة الجوهرية ممر من الحجر يمشى عليه، وكانت تحتوي على أربعة أعمدة وقبلة وميضأة ومراحيض، وفوقها ثلاث غرف للعميان لا يسكنها غيرهم، وجدد رواق الأتراك ورحبته ورواق السليمانية (الأفغانيين) وزاد في رواق الشوام.

كما يذكر الدمرداشي أن إبراهيم جاويش أغا في ولاية أحمد باشا (1162 - 1163هـ/ 1748 - 1749م) شرع في عمارة الجامع الأزهر وتوسعته، «واشترى أماكن في حوض السلطان وحوانيت... ومراده كان أن يدخلها في الجامع الأزهر ليوسعه، وينقل الطريق قرب مطبخ الأزهر، فحصل له أمر أبقاه على خيرات وصدقة جارية».

 

لمسات‭ ‬شيخ‭ ‬البنائين‭ ‬

تعتبر أعمال عبدالرحمن كتخدا، شيخ البنائين في العصر العثماني، من أهم الأعمال المعمارية التي جرت في الجامع الأزهر عبر تاريخه، فقد علّق الجبرتي على هذه الإنشاءات قائلاً: 

«ولو لم يكن له من المآثر إلا ما أنشأه بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك». وقد زاد عبدالرحمن كتخدا من مساحة الجامع خاصة ناحية ظلة القبلة، وأضاف ثلاثة أبواب أحدها يعرف باسم باب المزينين والثاني يعرف بباب الصعايدة، والثالث يعرف بباب الشوربة تجاه الشارع الخارج إلى باب الغريب (البرقية)، بالإضافة إلى قبة ضريحية دفن بها عام 1190هـ/ 1776م، وسبيل يقابل القبة الضريحية، وثلاث مآذن ذات قمة مدببة (خربوش) على النمط العثماني: واحدة عند باب الشوربة خلف حائط القبلة الجديدة، والثانية عند القبة الضريحية على يمين الداخل من باب الصعايدة، والثالثة كانت عند باب المزينين أزيلت عند التوسعة، وبناء الرواق العباسي بواسطة لجنة حفظ الآثار العربية، كذلك قام بترميم المدرسة الطيبرسية وأصلح ما فيها من الأعمدة الرخامية والمحراب.

 

مزاول‭ ‬المواقيت

المزولة من الأدوات الفلكية التي تستخدم لتحديد مواقيت الصلاة عن طريق تعيين الوقت أثناء النهار برصد ارتفاع الشمس في الأفق.

كان يوجد في الجامع سبع مزاول، أربع منها في الصحن لمعرفة وقت الظهر على يمين باب المزينين، وثلاث لمعرفة وقت العصر، ولا يوجد الآن من هذه المزاول إلا مزولة واحدة عملها بنفسه الوزير أحمد باشا كور والي مصر عام 1163هـ 1749م، وقد كتب على تلك المزولة بخط الثلث الأبيات الآتية:

 

مزولة‭ ‬متقنة

نظيرها‭ ‬لا‭ ‬يوجد

راسمها‭ ‬حاسبها

هذا‭ ‬الوزير‭ ‬الأمجد

تاريخها‭ ‬أتقنها

هذا‭ ‬الوزير‭ ‬أحمد

 

والسطر الأخير يؤرخ للمزولة بحساب الجمل، وقد نصبت تلك المزولة على يسار الداخل فوق رواق معمر، ويبلغ طول تلك المزولة متراً وعرضها 80 سم، وتنحرف نحو الجنوب الغربي عن طريق إضافة جزء من معجون الجبس والحجر الجيري للكتب، كما أنها محاطة بسياج خشبي من أطرافها، يحفظها ويقطعها رأسياً خط الزوال بأعلاه ثقب المؤشر، وقسمت خطوط الساعات لما قبل الزوال إلى سبع ساعات كتب بينها درجات الساعات بأرقام بارزة عن سطح الساعة.

ويذكر ربيع حامد خليفة نقلاً عن الجبرتي أن والي مصر أحمد باشا كان من أرباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية، وأنه لما وصل إلى مصر استقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت، خاصة الشيخ حسن الجبرتي، الذي كان على دراية بعلم الحساب، وساعد الباشا في حل كثير من المسائل، وأنعم عليه الوالي بفروة من ملبوسه السمور ثم اشتغل برسم المزاول والمنحرفات حتى أتقنها، ورسم على اسمه منحرفات عدة، على ألواح كبيرة من الرخام صناعة وحفراً بالأزاميل، ونصب واحدة من هذه المزاول بالجامع الأزهر.

 

عمارة‭ ‬الجامع‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث

في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1213هـ/ 1798م، اندلعت ثورة القاهرة  الأولى ضد قوات الاحتلال الفرنسي، وقد استطاع الثوار في هذا اليوم قتل الجنرال ديبوري، واتخذ الثوار من الجامع الأزهر مقراً لهم، ما دفع حاكم القاهرة الجنرال بون الذي خلف ديبوري إلى ضرب المدينة من على تلال الدراسة، فأطلقت أولى القنابل على المدينة وبالتحديد على الجامع الأزهر ظهر يوم 22 أكتوبر عام 1213هـ/ 1798م، فانفجرت في الجامع، ثم انهالت القنابل على الجامع والمنطقة المحيطة به حتى كاد يتداعى، وتغلبت قوة النار على قوة الثوار، فاقتحم الفرنسيون الجامع الأزهر.

يصف الجبرتي تلك اللحظات قائلاً: «ثم دخلوا إلى الجامع وهم راكبون الخيل وبينهم المشاة وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل ما صادفوه به عروه (لتفتيشه)».

وعندما انتصر نابليون بونابرت في حملته على الشام واستولى على مدينة العريش وغزة وخان يونس، طلب الفرنسيون من الشيخ عبدالله الشرقاوي رفع الأعلام الفرنسية على مآذن الأزهر، فتم رفع علمين، أحدهما على مئذنة الأشرف الغوري.

 

أول‭ ‬رسم‭ ‬لتخطيط‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬

في عام 1236هـ/ 1820م، وضع باسكال كوست أول رسم لتخطيط الجامع الأزهر، حيث استطاع التحايل على شيخ الجامع وألقى نظرة عامة عليه من الداخل، ورسم بعض التفاصيل، خاصة تفاصيل باب المزينين.

وقد علَّق باسكال كوست على هذا الرسم قائلاً: «بإلقاء النظر على المسقط الأفقي للجامع الأزهر، نلاحظ أنه يتكون من صحن كبير مكشوف سماوي، محاط بأروقة أربعة تشبه بذلك تخطيط جامع عمرو بن العاص، وهو تخطيط المساجد الأولى، وتتكون ظلة القبلة من تسعة صفوف موازية لحائط المحراب بينها مجاز ينتهي بقبة، ونرى مائتي مصباح معلقة للإضاءة، وهذا الصرح الكبير يوجد فيه 380 عموداً من الرخام بعضها من الجرانيت لها قواعد وتيجان رومانية، وقد أضيفت كما نرى بخطوط الرسم مدارس على الجامع لتدريس علوم القرآن الكريم ومصادره».

وفي أواخر عهد محمد علي باشا في عام 1258هـ/ 1842م، زارت مصر السيدة صوفيا لين بول أخت المستشرق إدوارد لين بول، وسجلت مشاهداتها في مصر، ومنها مشاهدتها الجامع الأزهر الذي زارته، ودونت ما رأته قائلة: «تقع البوابة الرئيسة في وسط واجهة المسجد - وهي أقرب المداخل من شارع المدينة الرئيس - داخل هذه البوابة مباشرة وعلى جانبيها يوجد مسجدان صغيران نمر بينهما لنجد أنفسنا في الساحة الكبيرة للأزهر، وهي مرصوفة بالأحجار وتحيط بها أروقة ذات أعمدة، يقع الرواق الرئيس في مواجهة المدخل، والأروقة التي على الجوانب الثلاثة الأخرى مقسمة إلى عدد من الأروقة أو الحجرات، يسكن فيها عدد من الطلبة يؤمون هذه الجامعة الشهيرة من أقصى البلاد في إفريقيا وآسيا وأوربا، وكذلك من أقاليم مصر المختلفة، وبما أن هؤلاء الأشخاص عادة في حالة من العوز والحاجة، فإن الجامع يخصص مالاً لإعالتهم، فيصرف لكل فرد كمية من الخبز والحساء كل ظهر ومساء، كما يعول أيضاً كثيراً من الفقراء المكفوفين. تأثرنا جداً لرؤية بعض هؤلاء وقد أحنى الزمن ظهورهم يسيرون الهوينى بين الأعمدة، يعرفون بالتعود كل منعطف وكل ممر ويبدون مثل مشايخ القبائل القدامى وسط الجمع الحافل، وتُفصل الأروقة عن الساحة وأيضاً عن بعضها بحواجز خشبية تقام بين الأعمدة، وهي صغيرة جداً في الجانب الذي به البوابة الرئيسة، إذ لا يوجد هناك سوى صف واحد من الأعمدة، كما يوجد بعض منها في الطابق العلوي أيضاً، ويخصص كل رواق لأبناء بلد معين أو مقاطعة معينة في مصر، حيث إن الطلبة المصريين أكثر عدداً بطبيعة الحال من أبناء الدول الأخرى».وتستمر الزائرة في وصفها، قائلة: «تجولنا في هذه الأروقة، وبعد أن مررنا بأبناء مقاطعات مصر المختلفة، وجدنا أنفسنا بين قوم من أهل مكة والمدينة، وبعدهم سوريون ثم بعد دقيقة كنا وسط مسلمين من وسط إفريقيا يليهم مغاربة من مواطني شمال إفريقيا في غرب مصر، ثم أتراك من أهل أوربا وآسيا، تركناهم لنقابل إيرانيين ومسلمين من الهند، خُيِّل لنا أننا كنا ننتقل بين البلاد المختلفة لكل منهم، لم يعجبني في القاهرة أي شيء أكثر من داخل الأزهر، وحينما أفكر في كثرة الحوائل الجسيمة التي تقابل الشخص المسيحي وبالذات السيدة المسيحية لدخول هذا المسجد الشهير، أشعر بالفخر لأنني تمتعت بميزة التجول المتمهل بين أروقته المديدة وملاحظة طلبته من مختلف الأجناس وهم يتلقون الدرس على أيدي أساتذتهم».

 

أروقة‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر

الرواق هو المكان المخصص كمقر سكني للطلبة، وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار الجامع الأزهر على طول هذه الأسوار، وكان الرواق يفرش بما يلزم له من الفرش وتلحق به أماكن للغسل وأخرى للوضوء ومطابخ لإعداد الطعام، وكانت تقام بالرواق الأذكار ويحتدم الجدل والنقاش، وكانت لكل طائفة جرايات ومرتبات، ولكل طائفة نقيب وشيخ يحكمهم ويدافع عنهم، وكان لكل طائفة أوقاف وعقارات يصرف عليهم من ريعها، وكان أول من جعل رواقاً لطلاب الأزهر يسكنون فيه هو الإمام العزيز بالله الفاطمي. أروقة الجامع الأزهر الشريف واحد وعشرون رواقًا تحمل هذه الأسماء: الشرقاوية، الهنود، الأكراد، اليمنية، الأتراك، المغاربة، السليمانية، الشوام، أهل دارفور، الحرمين، أهل بلبيس والدلتا، الشنوانية، الفيومية، البحاروة، الصعايدة، الدكارنة الغورية، الجاوة، السنارية، الجبرتية، الحنفية، وأخيرا رواق العباسي.

 

الصلاة‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر

وقد وثق الكتاب المرجع، في جزأين (786 صفحة) وصور الحياة في الجامع الأزهر، وأولى هذه التوثيقات الصلاة في الجامع الأزهر.

كان الأئمة الفاطميون حين يصلون بالناس في الجامع الأزهر الشريف تترجل العساكر كلها وتقف بالرحبة التي أمام الجامع تجاه الباب البحري (الباب الشمالي الغربي) حتى يدخل الإمام إلى الجامع.

وقد كانت أول صلاة يشهدها أحد الأئمة الفاطميين بالأزهر صلاة عيد الفطر في غرة شوال عام 362هـ/ 972م، شهدها الإمام المعز لدين الله الفاطمي بعد وصوله إلى القاهرة بثلاثة أسابيع.

ومن المؤرخين الرحَّالة الذين وثقوا هذه الصور أوليا جلبي بن درويش محمد ظلي (ينطق أوليا شلبي)، الذي ولد في اسطنبول قبل أن يجول أنحاء الامبراطورية العثمانية، وقد عاش من 1611 أو 1616 م، حتى 1640 م. وصف أوليا جلبي الصلاة في الجامع الأزهر قائلاً: ليس في مصر جامع له ما للأزهر من جماعة، فهو مزدحم بالناس ليلاً ونهاراً، لا تجد فيه موضعاً للسجدة.

ومن الاحتفالات التي انتظمت في الأزهر الاحتفال بالمولد النبوي في عصر الدولة الفاطمية، حيث أصبح المركز الرئيس للاحتفال.

وتبدأ مراسم الاحتفال في يوم الثاني من ربيع الأول بركوب القاضي بعد العصر، ومعه الشهود، إلى الجامع، ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوى التي أعدت بالقصر لتفرق على أرباب الرسوم، كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء وغيرهم، فيجلسون في الجامع مقدار الختمة الكريمة ثم يعودون في موكبهم إلى القصر، وينتظرون تحت المنظرة التي يجلس فيها الخليفة، ثم تفتح إحدى طاقات المنظرة ويبدو منها وجه الإمام الفاطمي، ثم يخرج واحد من الأستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليه السلام، ويقرأ القراء ويخطب الخطباء بترتيب معلوم، فإذا انتهى الحفل أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس.

وفي شهر رمضان المبارك نتذكر الاحتفال بهذا الشهر الكريم في الجامع، حيث جرت عادة الأئمة الفاطميين على الخروج في مواكب كبيرة على غرار موكب العام وغرة رمضان، وذلك لصلاة الجُمع الثلاث الأخيرة من شهر رمضان.

فبعد الاحتفال بأول رمضان لا يخرج الإمام للصلاة في الجمعة الأولى، وكانوا يطلقون عليها جمعة الراحة، وفي الجمعة الثانية يركب الإمام إلى جامع الحاكم بأمر الله، وفي الجمعة الرابعة يركب الإمام إلى جامع عمرو بن العاص.

أما الجمعة الثالثة، فيركب الإمام إلى الجامع الأزهر الشريف، حيث يخرج الإمام في موكب كبير مرتدياً ملابس بيضاء غير مذهبة توقيراً للصلاة، وهي عبارة عن «بدلة موكبية من الحرير مكملة منديلها، وطيلسانها بياض»، وحول موكبه قراء الحضرة يرتلون القرآن الكريم، والجنود يحملون الرماح التي في نهاياتها أهلة من ذهب، ويحمل مقدمو الركاب عن يمين الخليفة ويساره أكياساً تحوي أموال الصدقة التي توزع أثناء سير الموكب، وقد زينت الطرقات والحوانيت بالأعلام والزينات المختلفة احتفالاً بمرور الإمام حتى يصل الموكب إلى الجامع، الذي كان يعد في تلك المناسبة بالفرش النفيس، وتعلق على المحراب الستر الحريرية المكتوب عليها البسملة وفاتحة الكتاب والآيات التي سيقرأها الإمام أثناء إمامته للصلاة، وقد عبق المحراب بروائح البخور الذكية.

وبعد دخول الإمام إلى الجامع يتوجه إلى المنبر وحوله الأساتذة والوزير وراءه وفي حراسته الأمراء من صبيان الخاص وبأيديهم الأسلحة، فإذا جلس على المنبر أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد ويقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم تغلق عليه الستائر، وذلك لأن الإمام يلقي الخطبة من كتاب مسطور يخرج له من ديوان الإنشاء، ثم تجرى طقوس الصلاة وفقاً لرسوم محددة، وبعد الصلاة يجلس الإمام لتوزيع الصدقات والهبات بهذه المناسبة، ثم يتحرك الموكب من الجامع إلى القصر في كامل هيئته بين صيحات الجماهير ودقات الطبول وعزف الأبواق .

واجهة‭ ‬ومدخل‭ ‬المدرسة‭ ‬الطبيرسية

الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬وجامع‭ ‬محمد‭ ‬بك‭ ‬أبو‭ ‬الدهب

قام‭ ‬السلطان‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬البندقداري‭ (‬1260‭ ‬ـ‭ ‬1277م‭)‬،‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬المملوكية‭ ‬البحرية،‭ ‬بإعادة‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬إلى‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭ ‬665‭ ‬هجرية،‭ ‬الموافق‭ ‬للسابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬1267م،‭ ‬

والرسم‭ ‬لمدخل‭ ‬قصر‭ ‬السلطان،‭ ‬من‭ ‬بيسيه‭ ‬دافين‭.‬