مساحة ود

مساحة ود
        

الهرمونات والعزف على أوتار الجسد

          الهرمون كلمة إغريقية تعني باعث النشاط، والهرمونات رسائل كيميائية تنتجها الغدد الصماء، وتنتقل في الدورة الدموية إلى الخلايا المستهدفة، حيث تنظم عمليات الأيض، ومصطلح الأيض يعني حرفيًا التغيير Change ويستخدم للإشارة إلى جميع التحولات الكيميائية، والمتعلقة بالطاقة التي تحدث في الجسم.

          هناك عدد كبير من الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات، تتمثل في: الغدة النخامية الموجودة داخل الجمجمة والتي تفرز هرمونات تتحكم في نشاط بقية الغدد الصماء، ومصطلح غدة صماء يعني غدة ليست لها قناة تصب من خلالها ما تفرزه وإنما يصل إفرازها إلى الدم مباشرة، وهناك الغدة الدرقية وما تحويه من الغدد الجاردرقية، وهي موجودة في العنق، والغدتان الكظريتان، واحدة فوق كل كلية، والبنكرياس الذي يفرز عددًا من الهرمونات أهمها هرمون الإنسولين، والمناسل ونعني بها الخصيتين والمبيضين، كما أن هناك هرمونات تحرض أو تكبح إفراز هرمونات الفص الأمامي من الغدة النخامية ويفرزها الهيبوثلامس أحد تراكيب المخ المهمة، ويقوم الغشاء المخاطي المبطن للجهاز الهضمي بإفراز عدد من الهرمونات، والغدة الصعترية تفرز هومونًا أو أكثر يتحكم في الخلايا اللمفاوية  وهي من أهم خلايا الجهاز المناعي، والكلية Kidney تفرز ثلاثة هرمونات: أو25 داي هيدروكسي كوليكالسيفيرول، والرينين، وإريثروبويتين، كما أن القلب يفرز هرمونا يسمى الببتيد الأذيني المدر للصوديوم ANP الذي يزيد من إخراج الصوديوم بواسطة الكليتين، والغدة الصنوبرية Pineal body تفرز الميلاتونين هذا الإندول الذي يعتقد أنه يمتلك وظيفة هرمونية.

          هذه الهرمونات تعمل مع بعضها بعضا في حالة من التناغم، ليبدو الجسم ملائمًا للظروف المختلفة، متوافقًا مع الحالات التي يتعرض لها. إنه عزف جماعي منسجم على أوتار الجسد، ولنأخذ مثالاً على ذلك وهو تطور الثديين وإدرار اللبن عند الإناث حيث يقوم هرمون الإستروجين بزيادة عدد القنوات الموجودة في الثديين، ويقوم هرمون البروجستيرون بنمو وتطور الفصوص الصغيرة، التي يتكون منها الثدي، وأثناء الحمل يزداد مستوى هرمون البرولاكتين Prolactin في الدم، وتحت تأثير هرمون البرولاكتين بالإضافة إلى المستويات العالية من الإستروجين والبروجستيرون يحدث التطور الكامل والنمو للفصوص الصغيرة والحويصلات الموجودة بالثديين، ثم يأتي دور هرمون آخر وهو الأوكسيتوسين، الذي يؤدي إلى انقباض الخلايا الطلائية العضلية التي تبطن جدران القنوات الثديية، وبالتالي يحدث قذف اللبن من حلمة الثدي.

          ومن العجيب أن هذه الهرمونات تتواجد في الجسم بنسب دقيقة، إذا قلت أو زادت أدى ذلك إلى حدوث خلل أو مرض، فإذا زاد هرمون النمو - على سبيل المثال - قبل سن البلوغ أدى ذلك إلى العملقة Gigantism أي أن جسم الشخص المصاب يزداد في الطول بطريقة غير طبيعية، وإذا زاد هذا الهرمون بعد سن البلوغ أدى ذلك إلى مرض التضخم الطرفي، والهرمونات تعكس هذا التواصل بين أجهزة الجسم المختلفة، وتلفت النظر إلى معنى لا يمكن إدراكه على وجه الحقيقة، وهو أن أجهزة الجسم تمثل كيانات عاقلة تتبادل رسائل كيميائية تفهمها جميع الأطراف وتستجيب لها بدقة.

          الهرمونات إذن رسائل توجه، ومواهب تعزف، وحوارات تدور، تظهر لنا عظمة الخالق - جل شأنه - وقدر هذا المخلوق، الإنسان، المستخلف لعمارة الأرض، والمكلف، والمسئول عن أفعاله.
-----------------------------
* كاتب من مصر.

 

 

يحيى سنبل*