«محاكمة برودسكي»

«محاكمة برودسكي»

 

لم‭ ‬يكن‭ ‬الإجحاف‭ ‬والعسف‭ ‬اللذان‭ ‬لحقا‭ ‬بالشاعر‭ ‬الروسي‭ ‬الشهير‭ ‬جوزف‭ ‬برودسكي‭ ‬سوى‭ ‬تعبير‭ ‬فاقع‭ ‬عن‭ ‬ضيق‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬كما‭ ‬ضيق‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الشمولية‭ ‬التي‭ ‬تعتنقها،‭ ‬بكل‭ ‬كاتب‭ ‬أو‭ ‬فنان‭ ‬يخرج‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬الصارمة‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الستالينية‭ - ‬الجدانوفية‭ ‬للكتابة‭ ‬والفن‭ ‬بأشكـــالهــمــا‭ ‬المخـتـلـفة‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬ورثوا‭ ‬ستالين‭ ‬قد‭ ‬وعدوا‭ ‬شعوبهم‭ ‬الرازحة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬القهر‭ ‬والرعب‭ ‬الدموي‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬التركة‭ ‬الثقيلة‭ ‬للحقبة‭ ‬الستالينية‭ ‬التي‭ ‬حوّلت‭ ‬روسيا‭ ‬وجوارها‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬آهلة‭ ‬بالقيود‭ ‬والمحرّمات‭ ‬والامتثال‭ ‬القطيعي‭ ‬والمجازر‭ ‬المروعة،‭ ‬ولكن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬سوسة‭ ‬الفساد‭ ‬كانت‭ ‬تضرب‭ ‬النظام‭ ‬برمته،‭ ‬وأن‭ ‬مساحة‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬اتسعت‭ ‬قليلاً‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تضيق‭ ‬بأصوات‭ ‬الاعتراض‭ ‬السياسي‭ ‬والمفهــــومي‭ ‬علـــى‭ ‬واقـــع‭ ‬البلاد‭ ‬القاتــــم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬القبضة‭ ‬ظلت‭ ‬محكمة‭ ‬حول‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬الاستقالة‭ ‬من‭ ‬التوصيفات‭ ‬الجاهزة‭ ‬للكتابة‭ ‬الدعوية‭ ‬المدججة‭ ‬بالطاعة‭ ‬وامتداح‭ ‬السلطة‭ ‬وإشاعة‭ ‬روح‭ ‬التفاؤل‭ ‬القسري،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هـــناك‭ ‬مســـوغات‭ ‬معقولة‭ ‬لهذا‭ ‬التفاؤل‭.‬

لقد دفع الأدب الروسي ثمناً باهظاً لذلك التفاوت الحاد والمذهل بين الأحلام العظيمة التي سبقت الثورة البلشفية وبين الانكسار الفظّ والمدوي لتلك الأحلام التي حوّلتها السلطات الحاكمة إلى كوابيس جماعية موزعة بين القتل والسجن والمنفى من جهة، وبين الانتحار الطوعي لعشرات الشعراء والكتّاب من جهة أخرى. هكذا قضى في أوج شبابهم شعراء من وزن ماياكوفسكي ويسينين ومارينا تسفيتاييفا، فيما وقعت آنا أخماتوفا تحت أبشع أنواع القهر والمعاناة العائلية والنفسية، ومثلها كان الوضع مع باسترناك وسولجنتسين وعشرات «المنشقين» المماثلين. ومع أن أسماء موالية من وزن جنكيز إيتماتوف ويفتشنكو ورسول حمزاتوف استطاعت بموهبتها الفذة أن تتعايش مع «العمود» الأيديولوجي والأخلاقي للأدب في تلك الحقبة، فإن الغثاء وحده هو ما طفا على سطح العقود الطويلة والفاصلة بين نشوء الاتحاد السوفييتي، وبين تفككه وتغيير وجهة دوله وأنظمته في العقد الأخير من القرن المنصرم.

 

تجربة‭ ‬قاسية

يعرض كتاب «محاكمة برودسكي»، الذي يتقاسم نصوصه كل من فريدا فيغدورفا وإيفيم إيتكند، الذي ترجمه وقدم له الكاتب العراقي شاكر نوري، واحدة من أكثر التجارب قسوة في سياق المواجهة الضروس بين المفاهيم الجامدة والمعلبة للأدب التي سوّقتها السلطة السوفييتية في حقبة ما بعد ستالين، وبين المفهوم المغاير لصاحب «محطة في الصحراء»، الذي رأى الشعر خياراً فردياً نابعاً من مأزق الوجود الأرضي، واصطدم الشاعر بالعالم، بمعزل عن أي وظيفة أيديولوجية وأخلاقية وتبشيرية. لكن الأمر الباعث على الحيرة والاستغراب هو أن برودسكي لم يقحم قصائده المبكرة واللاحقة في أي شأن سياسي أو ظرفي، ولم يهاجم العقيدة السائدة أو السلطة القيّمة على تطبيقها بالعسف والإكراه. ومع ذلك فلم يغفر له الممسكون بمقاليد الشأنين السياسي والثقافي نأيه بنفسه عن جوقة النفاق العامة التي تتوزع في ما بينها أدوار التطبيل والتهليل للواقع الفاسد، وانكبابه الدائم على تطوير لغته وتحديثها، بما جعله في وقت مبكر أحد أعظم الشعراء الروس في القرن العشرين.

تبدو محاكمة برودسكي - وفق بعض النقّاد ومؤرخي الأدب - شبيهة إلى حد بعيد بما حدث في رواية «المحاكمة» لفرانس كافكا، حيث يُساق البطل إلى قاعة المحكمة ويتم الحكم بإدانته من دون مسوغ يذكر أو تهم واضحة. كأن صاحب «التحوّل» الذي رأى في النظام الرأسمالي تفريغاً للإنسان من إنسانيته وتحويله إلى مجرد حشرة صغيرة تطحنها عجلات البحث عن الربح السريع والثراء الفاحش، يرسم بحدسه الاستباقي المصائر المأساوية التي تنتظر المبدعين في كلا النظامين، الرأسمالي والشمولي، المتصارعين في الشكل، المتفقين في الجوهر على حماية مصالحهما من جميع أشكال التمرّد والعقوق وتقويض الواقع الفاسد. فمحاكمة برودسكي، التي تولت تدوين بعض وقائعها الكاتبة والإعلامية الروسية فريدا فيغدوروفا، قبل أن يعمد القاضي المكلف مسبقاً إدانة الشاعر، إلى منعها من مواصلة التدوين، تبدو بشكل أو بآخر ضرباً من ضروب السوريالية أو مسرح اللامعقول. ذلك أن التهمة الأبرز التي سبقت ضد الشاعر، الذي لم يكن عمره لدى محاكمته عام 1963 يتجاوز الثالثة والعشرين، هي تهمة التطفل الاجتماعي. وهي التهمة نفسها التي كانت توجه في الحقبة الستالينية ضد الفلاحين الرافضين العمل ضمن المزارع الجماعية، أو الكولخوز، قبل أن يتم نفيهم إلى سيبيريا. 

 

تطفل‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر

فقد اعتبر برودسكي متطفلاً على الأدب والشعر لأنه لم يمتثل لموجبات الكتابة «القطيعية» التي تفرض على الكاتب أن ينتمي إلى الاتحاد الرسمي للأدباء والكتَّاب من جهة، وأن ينتمي من جهة أخرى إلى مبادئ الواقعية الاشتراكية التي تتضمن خارطة طريقها الأدبية تمجيد السلطة الثورية القائمة والتغني بمجتمع العمال والفلاحين، وعدم الوقوع في فخ اليأس والإحباط، وجعل التفاؤل قاعدة عامة لخواتيم النصوص والأعمال الفنية في تلك الفترة.

والأمر الأكثر طرافة في هذا السياق، هو أن القاضي لم يكن ليقتنع بأن الشعر والترجمة اللذين تفرّغ لهما برودسكي، يكفيان وحدهما لاعتبار المتهم مفيداً لأمته، وغير عاطل عن العمل. ولعل هذه الإشكالية في بعدها الأعمق ظلت ترافق الشاعر إلى زمن طويل، بحيث احتلت جزءاً لا بأس به من خطابه المؤثر الحافل بالدلالات، الذي ألقاه لدى نيله جائزة نوبل للآداب عام 1987. فقد قال يومها إنه كان يشعر بالحرج لدى تعبئة الخانة المتعلقة بمهنته أثناء السفر. ولأن الشعر لا يملك ملموسية كافية لاعتباره مهنة من المهن، فقد فضّل أن يستبدل بكلمة «شاعر» كلمة «كاتب»، لأن هذه الأخيرة قد تشير إلى وظيفة ما تتصل بالصحافة أو الإعلام أو الوظيفة.

ولم يقف الأمر عند هذه الحدود بالنسبة للقضاة المزعومين، ذلك أن من بين التهم التي وجهت إلى الشاعر تهمة عدم نيله شهادة رسمية عالية ودراسته على نفسه، بما يعني وفق منظورهم الخروج على «العمود» التعليمي والتربوي والمزيد من الإيغال في الفردية. ولعل هذا الربط بين الإبداع المرتكز على الموهبة والإلهام وبين الدراسة الأكاديمية هو ذروة الافتئات على الحقيقة الفنية والأدبية، وخلط متعسف بين الشعراء والنظامين، حيث يراد للشعر أن «يطهى» في المطابخ الأيديولوجية الجاهزة لأنظمة الحكم ذات الطابع الشمولي.

 

ناقد‭ ‬حصيف

لكن الأدهى من كل ذلك أن القاضي المكلف إدانة برودسكي يخلع عن نفسه فجأة عباءة الأحكام والمصطلحات القانونية البحتة ليلبس لبوس الناقد الحصيف العارف بأمور الشعر ومدارسه وإشكالياته.

لذلك فهو يرمي الشاعر الماثل في قفص الاتهام بالإيغال في الغموض بغية التستر على الحقيقة وإطفاء شعلة الأمل في عقول الجماهير المؤمنة بعقيدتها الشيوعية أشد الإيمان. ولم تتورع المحكمة عن اتهام برودسكي بالانحطاط إلى الدرك الأسفل للكتابة، وانتحال صفة الشاعر عن غير وجه حق، ومحاولة تلويث «الشبان الذين يعوون مثل الكلاب من النشوة»، وفق تعبير القاضي، بأكثر أساليب الحداثة انحطاطاً وغرقاً في التفاهة. على الشاعر إذن، وفق السقوف الموضوعة للكتابة، أن يكون بوقاً دعائياً لترويج الأفكار التي يضعها الزعماء والسياسيون من أجل ما يرون فيه الصالح العام للأمة. ومن دون ذلك يصبح مفسداً في الأرض وخائناً للبشر الذين يأتمنونه على أنفسهم وأطفالهم واللغة التي تحثهم على الطاعة والولاء للعقيدة. ومن هذا المنطلق، رأى المدعي العام في بعض قصائد برودسكي رؤية كئيبة للعالم وتثبيطاً لعزائم الملايين من الذين أكّد لهم جوزف ستالين، وهو يتربّع على عرش من الدماء والجماجم المتدحرجة بين مذبحة وأخرى، أن الحياة في عهده «أصبحت أفضل وأكثر مدعاة للبهجة». هكذا اعتُبرت القصيدة التي تحمل عنوان «المقبرة» مديحاً للكتابة ودعوة سافرة لليأس والإحباط، لمجرد أنها تدور حول موضوع الموت.

ومن بين التهم العشر ثمة تهمة قائمة بذاتها تتعلق بقصيدة من القصائد التي عثر عليها في دفتر مدرسي عادي كان برودسكي قد دوّن فوقه بعض نصوصه ومسوداته الشعرية غير المكتملة. وهذه القصيدة التي تحمل عنوان «أثر»، رأت فيها جهة الادّعاء محاولة للنيل من رموز الثورة الكبار عبر أسلوب السخرية والتوريات المبطّنة والحضّ على الكذب وخداع السلطة. وقد أورد الادّعاء النص الكامل للقصيدة التي يجيء فيها:

ارووا‭ ‬النُّصب‭ ‬التذكاري

الذي‭ ‬لا‭ ‬يزعج‭ ‬أحداً

حتى‭ ‬السائقون‭ ‬يُعجبون‭ ‬بظلالهم

الصامدة‭ ‬في‭ ‬الساحة

ويعقدون‭ ‬هناك‭ ‬المواعيد

ارووا‭ ‬النُّصب‭ ‬التذكاري

الذي‭ ‬نمرُّ‭ ‬من‭ ‬أمامه

ونوسع‭ ‬الخطى‭ ‬نحو‭ ‬عملنا،

في‭ ‬جواره‭ ‬يلتقطون‭ ‬صوراً‭ ‬للأجانب

وفي‭ ‬الليل‭ ‬تُضاء‭ ‬من‭ ‬الأسفلِ

كشّافاتُ‭ ‬النور،

ارووا‭ ‬النُّصب‭ ‬التذكاري‭ ‬كذباً

ولا يتوقف أمر الإدانة الصادر بحق الشاعر على النصوص المكتوبة، وعلى وقائع الحياة وتفاصيل العيش فحسب، بل تتم الاستعانة بالنميمة والوشايات الكاذبة، كأن تُنسب إلى الشاعر محاولته الانشقاق عن جسد الثورة الأم وروحها والتخطيط مع صديق له لاختطاف طائرة للنقل والمغادرة على متنها نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بغية الانضمام إلى معسكر الأعداء المتربصين ببلاده. لكن الأمر المثير للسخرية هنا يتعلق بمزاعم الادّعاء أن إخفاق المخطط الجهنمي هذا لا يعود إلى صحوة مفاجئة في ضمير الشاعر، بل إلى خوفه من نفاد الوقود في الطائرة التي ينوي اختطافها! لكن ما يستوقف المرء في تلك المحاكمة «الهزلية» بامتياز هو ألا تجد جهة الدفاع عن برودسكي سوى طلب إجراء الفحوص العقلية والنفسية للشاعر للتأكد من قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة، وهو ما يعني في العمق تسليماً بالتهم الملفقة ضده، وتبنياً للمقولات المعلبة حول العلاقة الميكانيكية والمتعسفة التي تربط الأدب بالواقع. وبالكشف الصحي والنفسي على برودسكي والتأكد من سلامة عقله، لم يجد القضاة حرجاً في الحكم على المتهم بالأشغال الشاقة لسنوات خمس مع النفي إلى سيبيريا، كما يحدث في العادة لمعظم من تكتب لهم النجاة من الموت. ولولا خوف السلطة آنذاك من التماهي الكامل مع الصورة الدموية المرعبة لجوزف ستالين، لما تورعت عن إرسال الشاعر إلى نهايته المهلكة.

 

ضغوط

يصف جوزف برودسكي في فترة لاحقة لحظات اعتقاله بعد صدور الحكم القضائي ضده بالقول: «الليل قارس البرد، وكنت أتمشى في الشارع عندما أحاط بي ثلاثة أشخاص وسألوني عن اسمي. وأنا - كأي مغفّل - أجبتهم نعم إنني الشخص المعني. فاقترحوا عليَّ الذهاب إلى مكان ما لأنهم يريدون التحدث إليَّ. وحين رفضت ضربوني ضربات عديدة، ثم تقدموا بسياراتهم وقيّدوا يديّ إلى الخلف». أما إيغيم إيتكند - أحد مؤلفي الكتاب - الشاهد على المحاكمة والمدافع عن برودسكي، فلم ير في القاضي الذي أصدر الحكم سوى الجزء الظاهر من جليد النظام الحديدي، حيث كانت المخابرات السوفييتية المسمّاة الـ«كي.جي.بي» قد أوعزت إليه بإصدار أشد أنواع العقوبة بحق الشاعر الخائن للثورة، ليكون عبرة لغيره من الكتَّاب والفنانين. ولعل من حسن حظ برودسكي ألا يعدم مدافعين أشدّاء عن حقه في التعبير بين المثقفين الروس الأقل ولاء لثقافة الاستتباع والجمود العقائدي، وأن تترافق الضغوط الداخلية تلك مع ضغوط في الخارج قام بها كتّاب عالميون معروفون، بحيث تم الإفراج عنه بعد سنتين من اعتقاله، قبل أن تُصدر السلطات المعنية أمراً جديداً بنفيه وإبعاده عن البلاد عام 1972، حيث هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولم تكن فرحته بإخلاء سبيله لتكتمل من دون أن تنغصها معرفته لدى الإفراج عنه بوفاة الإعلامية والكاتبة الشجاعة فريدا فيغدورفا قبل شهر ونصف الشهر من ذلك التاريخ، متأثرة بمرض السرطان الذي دهمها على حين غرة. أما محاكمته الغرائبية تلك، فقد تكون عجّلت إلى حد ما بسقوط النظام الجائر الذي أطبق بقبضته على خناقه، كما أنها ألهمت عديداً من شعراء العالم وكتّابه، كما فعل الشاعر الفرنسي شارل دوبزينسكي في قصيدته «رسالة مفتوحة إلى قاضٍ سوفييتي»، حين كتب:

أنت‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬أيها‭ ‬الرفيق‭ ‬القاضي

أننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نضحي‭ ‬بالخبز‭ ‬اليومي

من‭ ‬أجل‭ ‬حب‭ ‬الشعر،

أنت‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نترك

الخيرات‭ ‬المادية

من‭ ‬أجل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬زهرة‭ ‬منسية‭...‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أدافع‭ ‬عن‭ ‬الشاعر

بل‭ ‬أدافع‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬أهنته‭ ‬بشدة

في‭ ‬شخص‭ ‬شاب‭ ‬تعيس‭ ‬حكمت‭ ‬عليه

بالأشغال‭ ‬الشاقة

لأنه‭ ‬ليس‭ ‬ضرورياً‭ ‬في‭ ‬نظرك

ولأنه‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬الرسمية‭ ‬للإنتاج

ولا‭ ‬يُسجَّل‭ ‬بالأطنان‭ ‬في‭ ‬الإحصائيات

لأنه‭ ‬لم‭ ‬يُصنع‭ ‬ضمن‭ ‬مقاييسك

هل‭ ‬لديك‭ ‬فكرةٌ‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬حياةٍ‭ ‬ما

على‭ ‬الرمل،

وفي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الكلمات؟‭...‬

أنت‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أيها‭ ‬الرفيق‭ ‬القاضي

قد‭ ‬قمت‭ ‬بمحاكمة‭ ‬بودلير

وتُدين‭ ‬فرلين‭ ‬ورامبو

وتحقِّر‭ ‬لو‭ ‬تريامون

وبين‭ ‬أحكامكم‭ ‬والقصيدة‭ ‬يمتدُّ‭ ‬بحرٌ‭ ‬من‭ ‬الدماء

دماء‭ ‬يسينين‭ ‬تختلط‭ ‬بدماء‭ ‬مايا‭ ‬كوفسكي

والشعراء‭ ‬لا‭ ‬يموتون‭ ‬للأسباب‭ ‬ذاتها

أيها‭ ‬الرفيق‭ ‬القاضي

أنا‭ ‬أطعن‭ ‬في‭ ‬أحكامك‭...‬