هكذا كان... وأصبح...!

هكذا كان... وأصبح...!

بعد أن بلغ الإرهاق مداه استسلمت العذراء لسباتها العميــق... لكن الشمس في ذاك النهار أشرقت قبل موعدها، فحدث ما لم يكن في الحسبان... لقد بدأت خيوط الشمس تداعب جفونها في دعوة صريحة إلى الصحو، وبدأت الدغدغة، فاستجابت لذلك أصابع «اللغة» فألقت بالتحية على الأذرع، وهذه بدورها قادتها بكل ما تملك من طاقة - تفوق قوة الأصابع قطعاً - نحو التشابك والالتحام... وما كان من هذا إلا أن قاد سيقان «القومية» لرفعها على قواعد اسمها «أقدام» ثابتة تغوص في تاريخ ناصع البياض من ثقافة ذات جذور تحتضنها «تربة» حضارية اسمها «المعين الذي لا ينضب»... وكانت أمة العرب.

بالدين والدنيا عمل القوم على النهوض ونشطوا فيه وتقدَّموا، وهكذا عمَّ ضياؤهم العالم أجمع فأدركتهم النشوة التي أوصلتهم بدورها إلى لعبة «السكرة والفكرة» فأصابنا الغرور وبدأ السباق في لعبة من يصعد الجبل (السلطة) فدارت الرؤوس مع صروف الزمن وتقلباته، يديرها الإنسان يوماً وتديره هي في اليوم التالي، وبرزت المفاهيم الجديدة مثل النتوءات في الجسد. 

وابتدعت هذه النتوءات لنفسها بيوتاً خاصة ضمن تلك المراكز والمواقع المختلفة تحت مظلة الدين تارة والعلمانية تارة أخرى يلحق بذلك المحافظة والحداثة وما يُستحدث من النظم السياسية، كالديمقراطية بين الواقع والادعاء، والحرية بين القيود وتكسيرها.

لكن... يبقى أكبر وأصعب وأعظم وأقسى النتوءات، إنما هو هبوط «المنطق» عن عرشه واعتلاء التهديد والوعيد بالسيف والخنجر، فانشقت الرؤوس وتبحرت العقول واستيقظ القوم على واقع أمرَّ من المرِّ.

واقع يحمل كمّاً من الأسف والحرقة والقلق والدمع سابقاً لكل معاني الرضا والاستقرار والهدوء والابتسام... وهكذا تعمّ أوطاننا – أرضاً وسماءً – حقبة جديدة من الهدم، تستهدف المواطن قبل الوطن، متناسين تماماً أن اللّه تعالى قد أوجدنا وأرسلنا لتعمير الأرض بما في ذلك الإنسان.

يقولون إنه «الجهل»، لكن العاقل لا يقبل هذا المنطق، فالمقولة الحكيمة قالت لنا: «لا يُسأل الجهلاءُ لم يجهلون، قبل أن يُسأل العلماء لمَ لم يعلموا» .