منذ عشرين عامًا أخرج «بداية ونهاية» المكسيكي ريبستيين.. وسينما السرد المرئي

منذ عشرين عامًا أخرج «بداية ونهاية» المكسيكي ريبستيين..  وسينما السرد المرئي

منذ ربع قرن من الزمان، وبالتحديد في عام 1988، حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، فانتقل قراء رواياته المترجمة للإسبانية من قاعات المستعربين إلى ساحات المقاهي وعربات المترو بإسبانيا ودول قارة أمريكا اللاتينية الناطقة جميعها باللغة الإسبانية، وتدفقت ترجمات روايات كاتبنا العربي الكبير للغة تحتل المرتبة الرابعة في سلَّم المتحدثين عالميا، ويتكلم بها أكثر من أربعمائة مليون شخص. 

ومنذ عقدين من الزمان، وبالتحديد في سبتمبر 1993، انتشيت فرحا وأنا جالس بقاعة عرض أفلام المسابقة الرسمية بمهرجان «سان سباستيان الدولي» بشمال إسبانيا، وهو أحد أهم أربعة مهرجانات أوربية دولية، إلى جانب «كان» الفرنسى و«فينيسيا» الإيطالي و«برلين» الألماني، وذلك حين قرأت اسم كاتبنا الكبير على شاشة فيلم مكسيكي يحمل نفس عنوان روايته «بداية ونهاية» Principio y Fin، قام بإخراجه المخرج الكبير أرتورو ريبستيين، وحصل به على «الصدفة الذهبية» في المهرجان كأفضل فيلم، وغزا به غالبية مهرجانات العالم الكبرى، وتنوعت الجوائز الحاصل عليها ما بين أفضل فيلم وأفضل مخرج، إلى جانب أفضل ممثلة وأفضل ممثل وأفضل تأليف موسيقي وأفضل ديكور، فضلا عن جوائز نقاد السينما وعلى رأسها جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين السينمائيين «الفيبريسي» في مهرجان هافانا السينمائي بكوبا عام 1994.
لم يتوقف منتج «بداية ونهاية» الفريدو ريبستيين – والد المخرج ومنتج أهم أفلام «لويس بونيويل» المكسيكية – عند هذه الرواية القاهرية، بل راح في العام التالي ينتج فيلما عن رواية محفوظ الشهيرة «زقاق المدق»، أخرجه خورخي فونس، وعرض باسم «زقاق العجائب»  El callejon de los milagros دعي الفيلم لأكثر من أربعين مهرجانا دوليا ومحليا وقتها، محققا سبقا متميزا في تاريخ السينما المكسيكية، حيث حصل على جوائز عدة، وأكثر من أي فيلم مكسيكي آخر، فوصل بها إلى 49 جائزة خلال عامي 1994 و1995، حيث حصل من لجان تحكيم المهرجانات على جوائز الأفضل على مستوى الفيلم والإخراج والسيناريو والتصوير والمونتاج والتأليف الموسيقى والأزياء والمكياج والممثلين أول وثان، رجال ونساء، إلى جانب جوائز النقاد والجمهور كأكثر الأفلام مشاهدة ودخلا عام 1995 في أكثر من دولة من دول أمريكا اللاتينية.
أعاد الفيلمان استنبات المادة الروائية المحفوظية في الأرض المكسيكية، ونقلا وقائعها من الثلاثينيات والأربعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، وأخضعا الكثير من دقائقها لبيئة أخرى مغايرة، مما أثر بالتالي في البنية الجمالية للفيلمين، وخلق منهما وجودا مستقلا في ذاته، رغم استلهامهما لمادتهما من الرواية المحفوظية.

عشق الرواية
 في لقاء خاص مع السينمائي المكسيكي أرتورو ريبستيين، الذي وصل إلى سن السبعين نهاية العام الماضي (مواليد ديسمبر 1943)، وذلك بأروقة مهرجان سان سباستيان الدولي بشمال إسبانيا عام 1993، سألته عن سر اختياره لرواية الكاتب العربي، هل بسبب ترجمة الكثير من رواياته للغة الإسبانية بعد حصوله على جائزة نوبل عام 1988؟، أجابنى بأن الترجمة للغة التي يتحدث بها غالبية أبناء أمريكا اللاتينية، والأحاديث الإعلامية والأدبية التي تثار عادة حول الحاصل على الـ«نوبل» في عامه، لهما دورهما في الانجذاب لإبداع الحاصل على الجائزة الشهيرة، ولكنه أكد أيضا على عاملين أساسيين في اختياره لرواية «بداية ونهاية»، أولهما يتعلق بعشقه لفن الرواية، وسعيه الدائم لصياغة السرد الروائي المقروء في بنية درامية مرئية - سمعية، ويرتبط ثانيهما بهذا التشابه الكبير بين القاهرة والمكسيك العاصمة، عندما قرأ أعمال محفوظ، وبصورة خاصة عندما وفد إليه للتعاقد معه في شقته على ضفاف النيل، وهو ما أكدته باث أليثيا جارثيا دييجو زوجته وكاتبة السيناريو للفيلم المحفوظي وغيره من أفلامه المتميزة، والتي تعشق بدورها إعداد الروايات العالمية والعمل على «مكسيكيتها» لتلائم عقل وسبل تلقي المجتمع المكسيكي والأمريكي اللاتيني للسينما ومنجزها الجمالي.
 تكشف القراءة المتأنية لأفلام ريبستيين الممتدة من عام 1965 إلى اليوم، عن ذلك الوله بالرواية والتعلق بأعمال الروائيين الكبار، فأول أفلامه «زمن الموت» 1965، الذي تصدى لإخراجه وهو في الحادية والعشرين من عمره، اعتمد فيه على سيناريو كتبه له كل من الروائيين الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز (ينطق في بلاده «ماركيث») والبنمي كارلوس فوينتس، وفيه يخرج خوان ساياجو من السجن بعد 18 سنة عقوبة لقتله راؤول ترويبا، يريد استعادة الزمن المفقود، ويعيش بهدوء مع حبيبته القديمة مارينا سامبدرو، لكنه يواجه بتحرش دائم من أبناء المقتول للثأر لأبيهم، مفسدين عليه زمنه المأمول، ودافعين إياه لزمن الموت.
في فيلمه الثاني «ألاعيب خطرة» 1966، وكان إنتاجا مكسيكيا - برازيليا، شارك في إخراج الجزء الأول منه، وكتب وأخرج الجزء الثاني البرازيلي لويس الكوريثا، بينما كتب سيناريو الجزء الأول أيضا جارثيا ماركيز، ويدور حول شخصية رجل الدعاية التلفزيونية الشهير هوميرو، الذي يسبق زوجته وأولاده في سفرة إلى ريو دي جانيرو، وفي الطريق يلتقي كلاوديا ولويس، وهما زوجان متزوجان حديثا توقفت سيارتهما في الطريق لعطب فيها، وبينما ينتظر لويس رافعة للسيارة، يحمل هوميرو الزوجة الشابة في سيارته إلى منزلها، ويضطر لأسباب مختلقة للبقاء بعض الوقت مع الزوجة، حيث تعترف له بأنها تزوجت من لويس مجبرة من أبيها لإنقاذ ثروته، مستميلة الرجل إليها، وحين يهم بها يظهر لويس فجأة، كاشفا عن أن كل ما حدث بين الزوجة والرجل تم تصويره، وذلك وفق خطة مدبرة مع فرخينيا (اسم كلاوديا الحقيقي)، لابتزازه أمام زوجته وأولاده الذين وصلوا للفندق المتفقين عليه معه، فلا يملك الرجل غير شجاعة المواجهة، وكشف الحقائق، مما يجبر لويس وكلاوديا على الفرار، بحثا عن فريسة أسهل.
تتوالى أفلام ريبستيين المعدة سيناريوهاتها عن روايات شهيرة، فيظهر فيلم «ذكريات الغد» 1968 عن رواية المكسيكية إلينا جارّو،  ويقدم فيه قصة الثورة المكسيكية في عشرينيات القرن الماضي، وفيلم «الأرملة السوداء» 1977 عن النص المسرحي «لابد من وجود أساقفة» للمكسيكي «رافائيل سولانا»، عن علاقة شائكة بين أسقف وربة بيت، تنتهي بموته. وعن رواية «المكان بلا حدود» للروائي التشيلي المعروف خوسيه دونوسو قدم ريبستيين عام 1977 فيلما بالعنوان ذاته، حصل به على جائزة التحكيم الخاصة بمهرجان سان سباستيان الدولي، واحتل الفيلم المركز التاسع في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المكسيكية، وفقا لاختيارات النقاد للقائمة التي نشرتها مجلة «Somos» في يوليو 1994.
مع ثمانينيات القرن الماضي، يصعد نجم ريبستيين ويتألق إبداعه، بداية من فيلمه «إمبراطورية الحظ»، الذي كتبت السيناريو له زوجته باث أليثيا جارثيا دييجو، مفتتحة به مشوارها مع أهم أفلامه، ومنطلقة من تقديم رؤية جديدة لرواية خوان رولفو «الديك الذهبي» التي قدمها من قبل المخرج روبيرتو جابلادين في فيلم له عام 1964، شارك في كتابة السيناريو له كل من جابرييل جارثيا ماركيز وكارلوس فوينتس، مقدما به رؤية جديدة ومغايرة للرواية ذاتها التي صاغها اثنان من أبرز كتاب الرواية والسينما في أمريكا اللاتينية.

التوجه للرواية العالمية
 ومع عام 1991 تحول ريبستيين بنظره نحو العالم خارج المكسيك، فالتقط رواية «الميناء» للفرنسي جي دي موباسان، التي سبق للمكسيك إنتاجها عام 1934 بعنوان «امرأة الميناء» من إخراج آركادي بويتلر ورافائيل سيبيا مازجين فيه بين قصة الرواية الأصلية وقصة «ناتاشا» للروسي ليون تولستوي، وحقق هذا الفيلم نجاحا جماهيريا ونقديا، أدخله ضمن أفضل مائة فيلم مكسيكي، وقد كان أحد أسباب التقاط ريبستيين لهذه الرواية تحديا مع فيلم سابق لأحد أبناء بلده، فضلا عن خروجه بروايات أفلامه نحو أوربا، فقامت جارثيا دييجو بكتابة السيناريو الجديد معتمدة فقط على الرواية الفرنسية، وحمل الفيلم الجديد أيضا عنوان «امرأة الميناء»، وقدم ريبستيين من خلاله عالما يبدو شبيها بعالم مسرحية ألبير كامي الشهيرة «سوء تفاهم»، والتي يغيب فيها الابن لسنوات طوال، ليعود ذات يوم إلى حيث تعيش الأم والأخت اللتان تديران فندقا صغيرا على شاطئ بحري، يخفي حقيقته عنهما بغرض المفاجأة، غير أنه يقتل بأمرهما طمعا في ماله، بينما يعود هنا الابن مارو بعد غياب طويل ليهبط كبحار بأحد الموانئ، ليجد المرأة توماسا تدير مع ابنتها الجميلة برلا منزلا للمتعة للبحارة، فيقيم دون أن يدري علاقة محرمة مع أخته، ويتم سرد دراما الفيلم عبر الرؤى المختلفة للشخصيات الثلاث.
 يجيء عام 1993 لينقل توجه ريبستيين للرواية نحو الوطن العربي، فيقوم بإخراج رواية محفوظ «بداية ونهاية»، ويشرف من خلال إنتاج والده على فيلم «زقاق المدق» الذي أخرجه تلميذه خورخي فونس، بينما انشغل ريبستيين بعمل فيلم عن السيرة الحياتية لواحدة من أساطير الغناء الشعبي المكسيكى تدعى لوتشا رييس، وذلك بعنوان «ملكة الليل» في العام نفسه 1994، ثم استلهم موضوع فيلمه التالي «قرمزي عميق» من فيلم سابق أنتجته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969 بعنوان «قتلة شهر العسل» من إخراج مارتين سكورسيسي وليونارد كاستل، وهما معا يحكيان قصة حقيقية حدثت بالولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، وعرفت بقصة «قتلة القلوب الوحيدة»، وهي أشبه بقصة الأختين ريا وسكينة المصرية، ولكنها هنا قصة عاشقين يديران مكتبا لتسفير النسوة خارج البلاد، ومن تأتِ إليهما تُقتل وتختفي، يقدم الفيلم أربع جرائم قتل منها على الشاشة، ومثل القصة المصرية التي تكرر تقديمها على الشاشة، عادت الولايات المتحدة لإنتاج القصة نفسها عام 2006 بعنوان «القلوب الوحيدة» من إخراج تود روبينسون وبطولة سلمى حايك وجارد ليتو مع جون ترافولتا.
 في نهاية تسعينيات القرن الماضي، يعود ريبستيين لعالمه الأثير، عالم السرد الروائي، عائدا في الوقت نفسه للروائي الذي شاركه أفلامه الأولى، بعد أن حقق شهرة عالمية، وهو جابرييل جارثيا ماركيز، فيقدم له روايته الشهيرة «ليس للكولونيل من يراسله» وذلك عام 1999، مقدما هذا الموقف شديد المأسوية لكولونيل وصل لسن التقاعد، وتمر السنون لتبلغ 27 سنة، وهو ينتظر دون جدوى وصول خطاب استحقاقه للمعاش، ومع ذلك فمازال يتباهى بذاته متفاخرا بما أنجزه، مكتفيا في بيته الخرب بصحبة زوجته التي تكرر عليه مأساة موت ابنه في عملية حقيرة، ومكتفيا بديكه الذي يعده تميمته ورفيقه ووسيلته للانتصار على الآخرين في مباريات صراع الديكة. إنه «الديك الذهبي» نفسه الذي ظهر في فيلم «إمبراطورية الحظ» عن سيناريو لماركيز وقصة خوان رولفو.  
 بفيلم «هكذا هي الحياة» عام 2000 يتجه ريبستيين مرة أخرى إلى المسرح، ليقدم عن سيناريو جارثيا دييجو، وبالتصوير الرقمي (الديجيتال)، مسرحية «ميديا» للكاتب الروماني القديم سنيكا في صورة عصرية، تظهر فيها الزوجة جوليا محبة للحياة، ومخلصة للزوج وابنيهما، ومشاركة له في الحياة المنزلية بالعمل كممرضة ببيته، وذات يوم يقع زوجها نيكولاس في هوى أخرى أصغر منها سنا، هي ابنة صاحب بيتها، فينهار العالم الذي صنعته بيديها، بعد أن هجرها الزوج، وطردت من البيت، وتوشك أن تفقد حضانة ولديها، فتقوم بالانتقام من زوجها في ولديهما.
 عن رواية الكاتب الإسباني المولد، الألماني الأصل، المكسيكي الإقامة والكتابة ماكس أوب تكتب جارثيا دييجو سيناريو فيلم «عذراء الرغبة»، ليقدم على الشاشة ريبستيين فيلما مثيرا للخيال، تدور وقائعه في أربعينيات القرن الماضي بمدينة بلا كروث المكسيكية، وذلك حول مجموعة من الإسبان الهاربين من حكم ديكتاتور إسبانيا الجنرال فرانكو، يبرز من بينهم الشاب الخجول إجاناثيو خورادو، الذي يعمل نادلا بأحد المقاهي، لا يفعل شيئا في حياته غير العمل والاستغراق بخياله مع مجموعة من الصور البورنوجرافية، حتى يلتقي بالغانية لولا التي تقابل خجله بالمواجهة الفجة، ويصبح بالتدريج أسيرا لها، بينما تتعلق هي بمصارع ملثم يحتقرها، فلا يملك إجناثيو غير خياله ومجموعة الإسبان اللاجئين  ليصنع منهما عالما يفر إليه ويستقر بأعماقه.
 
عالم المحبطين
مواصلة للنهل من عالم الرواية، يتوجه ريبستيين للدومنيكان ليلتقط مع كاتبة السيناريو الأثيرة جارثيا دييجو رواية «كرنفال سادوم» للكاتب الشاب بدرو أنطونيو بالديث، والتي حققت نجاحا نقديا باهرا حين نشرها لأول مرة عام 2002، ليقدمها عام 2006 في فيلم بالعنوان ذاته، يقدم من خلاله مجموعة من المحبطين في مجتمعهم، يلتقون داخل بيت ليس فوق مستوى الشبهات، ويستعدون للمشاركة في كرنفال القرية السنوى، فيمتزج في علاقتهم بصورة استعارية الفساد والجنس وازدواجية أخلاقية داخل ثقافة مهجنة تصيب أصحابها بالإحباط من كل شيء في المجتمع.
 تشكل الرواية الفرنسية وعوالمها الواقعية، أحد أسس إبداع المكسيكي ريبستيين، فبعد تقديمه رواية موباسان «الميناء»، يقدم في آخر أفلامه حتى الآن معالجة حرة لرواية الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير الشهيرة «مدام بوفاري» باسم «نوازع القلب» 2011، بعد أن سبقه في تقديم الرواية نفسها جان رنوار وكلود شابرول ومانويل دي أوليبييرا، حيث نلتقي بربة البيت «إميليا» المحبطة بدورها من حياتها المتواضعة، بسبب فشل زوجها في العمل، شاعرة بأن كأس صبرها تكاد تفرغ، ومحاصرة داخل بيت أشبه على الشاشة بالسجن أو المستشفى، تبحث عن أيامها الضائعة أمام مرآة تكشف زوال العمر، فلا تملك إلا أن تدخل في المغامرة تلو الأخرى، دون أن تحقق ما تصبو إليه من حياة سعيدة ومستقرة، فتقدم على الانتحار في نهاية المطاف. يتوقف ريبيستيين عن الإخراج في العامين الماضيين، ليظهر أخيرًا كممثل في فيلم ينتمي لعالم السينما المستقلة، بعنوان «الإنترنت المدمن» مع أنخيلا مولينا، من إنتاج وتأليف وإخراج الكولومبي ألكسندر كاتزوفيتش، يسعى للكشف عن الحب المفقود اليوم، بسبب إدمان الإنترنت،  وذلك عبر تشابك مجموعة من العلاقات العاطفية التي تتم بين أماكن متباعدة، يظل أصحابها أسرى العالم الافتراضي دون قدرة على الفكاك منه.
 عشق مخرجنا للرواية ليس عشقا لذاته، بل هو مؤسس على وعي بما تمتلكه الرواية من عمق الموضوعات، وكثافة تكوين الشخصيات، وتعدد المواقف والأماكن والأجواء، فضلا عن أنها تضعه في حالة تحد مع إبداع سابق عليه، وأبنية ترتكز على السرد والوصف للأماكن والأحاسيس، عبر راوٍ يعرف كل شيء عن كل شيء، بينما تتأسس السينما على فن الصور المرئية التي ترصد الأماكن وتقدمها بعيون مصوريها، وتعتمد الحوار وسيلة للكشف عما يدور بالأعماق، وهو ما يضع على كاهل ريبستيين مهمة إعادة تقديم العالم الروائي سينمائيا برؤى مغايرة، وليس فقط ترجمة الكلمة لصورة مرئية، نجح فيها، وأبحر في عالم الشخصيات المحبطة الباحثة عن الخلاص، صائغا عوالم سحرية تسمو بالأجساد المعذبة لفضاءات صوفية تود من خلالها الخلاص من أنظمة مجتمعية محطمة للروح، دون أن تقدر هذه الروح المستضعفة على التمرد على هذه الأنظمة الظالمة.