آن - لوي جيروديه «شاتوبريان»

آن - لوي جيروديه «شاتوبريان»

عندما شاهد نابليون بونابرت هذه اللوحة في «معرض العام 1810»، قال عنها: «إنها تبدو كصورة متآمر تسلل من المدخنة».وكان لهذا القول سببان: الأول أن الإمبراطور كان يعرف جيدًا ميول شاتوبريان السياسية المؤيدة للملكية. فالنبيل والكاتب المعادي للثورة كان قد هرب إلى إنجلترا عام 1792م ولم يعد إليها إلا عام 1800م. وعلى الرغم من أن نابليون حذف اسم الرجل من لائحة المهجرين «السوداء» بعد عودته بسنة، فإن ذلك لم يكن كافيًا لنشوء أي مودة بين الرجلين. أما الحديث عن «التسلل من المدخنة»، فيعود إلى طغيان الألوان الداكنة وكثرة استخدام الأسود كما يبدو واضحًا.

ولكن شاتوبريان نفسه أعجبته هذه اللوحة إلى درجة أنه لم يقبل بعدها بالوقوف أمام أي رسام آخر، لأنه أراد أن تبقى هذه الصورة التي تُنقل عنه إلى الأجيال، حسبما قال عنها لاحقًا في «مذكرات من وراء القبر».
رسَّام هذه اللوحة هو الفرنسي آن - لوي جيروديه، الذي ولد عام 1767م، ودرس الرسم أولًا عند جاك - لوي دافيد، ثم في إيطاليا التي سافر إليها قبيل الثورة الفرنسية، ليعود إلى باريس بعدها (1795م)، وفي جعبته جائزة روما للعام 1789م، التي ساعدته على الوصول بسرعة إلى أسرة بونابرت ليرسم صورًا شخصية للعديد من أفرادها.
تميز أسلوب جيروديه أولا بتشابه كبير مع أسلوب أستاذه النيوكلاسيكي دافيد، ولكنه سرعان ما راح يعتمد أكثر فأكثر الألوان الداكنة، ويشدد على تناقض الضوء والظل. كما أنه راح يبحث في الأدب والخيال عن مواضيع للوحات شاء تحميلها شحنات عاطفية أكثر مما كانت عليه الحال عند أستاذه. فرسم في العام 1806م «الطوفان»، التي تعتبر باكورة الرومنطيقية في الرسم، كما تعتبر كتابات شاتوبريان باكورة الأدب الرومنطيقي.
في هذه اللوحة التي تعود إلى العام 1809م، تمكن جيروديه من التعبير عما يتجاوز الملامح والمزاج إلى ما يكاد يكون ملخصًا لسيرة الرجل ورؤيته للعالم. فالكاتب ذو الأصول النبيلة والكبرياء حتى العنجهية، يقف هنا في مكان «أعلى» بقليل من الرسَّام الذي يتطلع إليه.. وهو في الخارج، في الطبيعة التي وحدها تتسع لعظمة تضيق بها الجدران. وأمام الرجل (أو على مستوى خاصرته) أطلال مبنى ضخم يرمز إلى عظمة عصر مضى. وعندما نتطلع إلى الوجه لا نقرأ تحت الشعر الذي يتلاعب به الهواء، سوى نظرة انكسار وصمت من لم يعد لديه حول ولا قوة.. ولكن وقوفه في هذه الوضعية متكئًا على صخرة، يسمو به عن صورة المنهزم الضعيف، ليجعله أقرب إلى المتفرج المكتئب من باب انحناءة عطف على هذا العالم. وكل من قرأ أدب شاتوبريان، لا بد أن يلحظ كم أن هذه اللوحة أمينة في التعبير عن روحية محتوى هذا الأدب، وشخصية صاحبه أيضًا.