وقوع في الحب

وقوع في الحب

مَن قال إن الحب هو أجمل حالة تحدث للإنسان؟

سألني إبراهيم..! أو هو كان يتحدث مع نفسه بصوت مسموع لكي أسمعه، أعتقد أنه لم يكن بحاجة لجواب منّي.. أجبته بلطف: نعم.. نعم.. تابع مَن قال هذا؟ أليست حقيقة أن يقال «فلان وقع في الحب»؟ وقع، هل سمعت؟ وقوع.. نعم وقوع.. وقعة تكسر ظهره أو رقبته أو يده أو رجله. أجبته بلطف: نعم.. نعم.. أجابني: يعني.. تعني أنك موافق؟ أجبته أيضًا بلطف: نعم نعم.. هنا تغيّرت لهجته.. راح يسرد عليّ قصّته.. قصة أعرفها من ألفها إلى يائها.. لكني أسمع بكل هدوء وبلطف زائد وأنا مطمئن لحالي.. لا موعد عندي.. ولا عمل لأعمله ولا أي شيء، فأنا لا أعمل، ليس لي عمل لأقتات منه، كنت أعمل في السابق، والسابق هنا يعد بأشهر عديدة. لقد طُردت من عملي، كنت محاسبًا في شركة، الحسابات مغلوطة، لعبت في أرقامها، أرقام أتاحت لي أن أشتري سيّارة، وأن أفكّر بالزواج، و.. و.. ذات صباح عند وصولي إلى مكتبي في الشركة، ناداني المدير السيد حبيب، صباح الخير سيد حبيب، لم يجب، أخفيت خوفي، أخبرني وهو ينظر إلى دفاتري الحسابية.. إن هناك لعبًا وتزويرًا في المحاسبة، وأشار إليّ بأصبعه إلى أرقام وأرقام، لم أعترف.. لكني أعرف.. هذا خطّي وهذه حساباتي، لم تمض دقائق حتى خرجت من مكتب السيد حبيب الذي ينطبق عليه المثل «حاميها حراميها»، ولم تمض دقائق حتى أتتني رسالة منه ترجوني ألا أعود إلى العمل في الشركة. وهكذا صرت من زبائن المقهى مع صديقي «العاشق» الذي يعلم ما حلّ بي والذي يحاسب المقهى ويدفع عنّي ثمن فنجان قهوتي.. الذي أجبرني ويجبرني أن أستمع إلى قصّته مع سلمى.
***
الحب.. الوقوع.. إبراهيم.. سلمى.. قلت بعد سكوت لدقائق: ماذا حدث يا صديقي؟ هذا طبيعي، يعشق أو يحب الإنسان ثم يهمد حبّه ويقع ثانية، الوقوع في الحب والوقوع في انتهاء أو في انطفاء الحب.. قاطعني: لا.. أين أنت؟ قلت هنا.. لا، لا.. قال في حياة الإنسان وقوع واحد، الوقوع في الحب، تكسير العظام وتكسير الجسد والروح وغروب الشمس الدائم بلا عودة لها.. قلت: كل هذا لأنك بخلاف مع سلمى؟ الخلاف يمضي يا أخي.. ستتصالحان.. وهذه ليست المرة الأولى، أنت يا قيس وهي يا ليلى.. ثم رحت أضحك، قاطعني: تضحك؟ اضحك ما شئت.. قلت: ضحكي بكاء، خلافك مع سلمى لا شيء، تحزن لسبب عاطفي وتقيم الدنيا وما فيها لأنك على خلاف مع حبيبتك؟ يا أخي ستعود إليك وستعود إليها، أما أنا فلن أعود إلى عملي، هذا هو المشكل الكبير.. ليس الخلاف بين إبراهيم وسلمى، اسمعني.. قاطعني: اسمع أنت ما سأقوله لك.. أنت تعرف سلمى وتعرف تصرّفاتها معي، اعتدت على تصرّفاتها وسلوكها ومعاملتها لي، قلت: عال هذا جيّد، ماذا حصل إذن؟
- الذي حصل، أنها صارت إما تتأخر عن مواعيدها لي وإما لا تأتي، دون أي سبب.. قلت: لابدّ أن هناك سببًا.
- سبب أو لا سبب.. المسألة أنها أصبحت غير سلمى التي أعرفها.
- يا إبرهيم.. سلمى هي الأنثى الأولى التي تعرف.. كلهن هكذا، والرجال أيضًا كلهم مجبولون بجبلة واحدة، اسمع منّي، نصيحة.. اعتبرها.. اعتبر سلمى صديقة كما أنا صديق لك، ولا تفكّر بشيء آخر.. تضرب لها موعدًا.. تأتي أو لا تأتي.. هذا ليس مهمًا، لها أسبابها.. أو أنها لا ترغب بالمجيء، أو أنها وقعت.. نعم وقعت بحب جديد، افرح لذلك، هي صديقة، كانت حبيبة، أصبحت حبيبة لغيرك، أنت غدًا، ستفرح عندما تقع مرة ثانية مع أنثى ثانية وتسعدني صلاتك الإنسانية، وستشكر سلمى التي جعلتك رجلاً ذا تجربة.
***
نادى إبراهيم النادل: فنجان.. رجاء. بعد لحظات عاد النادل بفنجانين، سألني إبراهيم: ستبقى بلا عمل؟ لمَ لا تذهب إلى الشركة وتقابل المدير و.. تسأله أن.. قاطعته قائلاً: سلمى ربّما تعود إليك، أما عملي في الشركة فلن يعود.