الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي دراما المستعمَر والمستعمِر

الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي  دراما المستعمَر والمستعمِر

قال عنه الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا وهو مقيم خلف أسوار السجن (الذي قضى فيه 27 عامًا): «هناك كاتب يدعى تشينوا أتشيبي قراءة كتبه تجعل جدران السجن تزول». هذه شهادة كبيرة حظي بها الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي (1930 - 2013)، تدلّ دلالة واضحة على عمق التأثير الذي أحدثته رواياته خاصة، وكتاباته عامة، في الوعي الإفريقي في زمان ما بعد الاستقلال والتحرر من الكولونيالية الغربية. لقد كان واحدا من بين قلة من الكتاب صنعوا حاضر الأدب والثقافة الإفريقيين في العصر الحديث، مبدعا خلاقا ومنظّرًا ومفكرًا بارزًا في الهوية الإفريقية، وكذلك في الآثار والجروح العميقة التي تركها الاستعمار في وعي المستعمَر والمستعمِر معًا، فكان بذلك واحدًا ممن مهدوا بعمق لنشوء ما يسمى في النظرية الأدبية نقد ما بعد الاستعمار  (أو خطاب ما بعد الكولونيالية).

يعد أتشيبي، إلى جانب مواطنه النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب وول سوينكا والكيني جيمس نوجي (أو نغوجي واثيونغو)، أشهر كتاب إفريقيا وأكثرهم ترجمة إلى لغات العالم. ويمكن للمرء أن يغامر بالقول إنه أهمهم تجربة وأعمقهم تأثيرًا وأحدّهم نظرة، وحتى أكثرهم انتشارًا ومقروئية، فقد بيع من روايته الشهيرة «الأشياء تتداعى» أكثر من عشرة ملايين نسخة باللغة الإنجليزية التي كتبت بها الرواية، واللغات الخمسين التي ترجمت إليها. ويدلّ هذا الانتشار الواسع لكتاباته على ما يلامسه عمله الإبداعي، وكتاباته النقدية وتعليقاته السياسية والثقافية، في أعماق القراء الذين ينتمون إلى لغات وثقافات مختلفة.
يسعى أتشيبي في رواياته إلى قراءة تجربة الاستعمار الأوربي في إفريقيا، وكذلك إلى تصوير ما حدث بعد رحيل المستعمر وحلول طبقة من الحكام والموظفين الأفارقة الذين تسلطوا وفسدوا وجعلوا حياة الشعوب الإفريقية أكثر صعوبة مما كانت عليه أيام الاستعمار الكولونيالي. ولعل الأعماق الدفينة التي يصل إليها هذا الكاتب البارز هي التي جعلته على مدار ما يزيد على نصف قرن من الزمن أهمّ كاتب إفريقي على الإطلاق. فهو يقوم في كتابته بتشريح آليات عمل السلطة وفساد موظفي الدولة الحديثة في إفريقيا، مُقدّمًا صورةً سوداوية كئيبة عمّا يحدث في بلده نيجيريا، وفي بقية بلدان القارة السوداء. 
من الأشياء الملهمة في حياة أتشيبي أن مهنته ككاتب لم تمنعه من أن يكون مناضلا سياسيا حرا نزيها ملتزما بتطلعات شعبه والمغلوبين والمهمشين من هذا الشعب. ولذلك عارض النظام في نيجيريا، وكان يعيش دائما في قلب الخطر، ولم يقبل محاولات استرضاء الحكم العسكري في بلده له على مدار السنوات، حتى تعرّض لحادث دهس ترك نصفه الأسفل مشلولا منذ عام 1990. وهو ما اضطره إلى المغادرة إلى الولايات المتحدة متفرغا للتدريس في إحدى الجامعات الأمريكية، ليكون قريبا من المستشفيات والمراكز الطبية القادرة على تقديم العلاج له، كما قال في حوار معه.
كان أتشيبي مشاركا وفاعلا سياسيا شجاعا، كما كان ضميرا ومثالا يحتذى في الثقافة كما في السياسة، ما جعل مانديلا يقول عنه قولته الشهيرة تلك التي عنى بها أن كتابة أتشيبي ذات طاقة تحريرية عظيمة؛ إنها تجعل جدران السجون وحوائط الظلم والاضطهاد والعنصرية تتداعى.

حقول إبداعية مختلفة
أصدر أتشيبي خلال حياته عددًا كبيرًا من الكتب التي توزعت على حقول مختلفة من الإنجاز الإبداعي والثقافي. ففي الرواية كتب: «الأشياء تتداعى» (1958)، و«مضى عهد الراحة» (1960)، و«سهم الله» (1964)، و«ابن الشعب» (1966)، و«كثبان السافانا» (1987)؛ وفي القصة القصيرة: «الزواج مسألة شخصية» (1952)، «مسيرة الرجال الموتى» (1953)، و«السلم الأهلي» (1971)، و«البنات في الحرب وقصص أخرى» (1973)؛ وفي الشعر: «انتبه يا أخا الروح وقصائد أخرى» (1971)، و«إفريقيا أخرى» (1998)، و«قصائد مختارة» (2005)؛ وفي النقد والدراسة: «مشكلة إفريقيا» (1984)، و«آمال وعوائق» (1998)، و«الوطن والمنفى» (2000)، إضافة إلى عدد من الكتب الموجهة للأطفال. وفي ما يلي قراءة لأهم ثلاثة أعمال روائية له.    

الأشياء تتداعى
ينظر مؤرخو الأدب الإفريقي إلى رواية «الأشياء تتداعى» بوصفها واحدةً من أهم الروايات الإفريقية التي كتبت خلال القرن العشرين. ويؤكد بعضهم أنها وضعت الأدب الإفريقي في قلب الإبداع الروائي العالمي بسبب قدرتها على تطويع الشكل السردي الأوربي للتقاليد السرديّة الشفهيّة التي طوّرتها القبائل والشعوب الإفريقية، إذ استخدم أتشيبي مخزون الحكايات في قبائل الإغبو النيجيرية ليكتب نصًّا سرديًّا فريدًا وأخّاذًا يحتشد بالحكايات والأمثال والأشعار التي تحضر بلغتها الأصليّة في سياق السرد المكتوب بلغة إنجليزية ساحرة تراوح بين سرد الحكايات والحوارات الذكية اللامعة، التي تدور بين الشخصيات، وبين استخدام الأمثال والتعازيم السحريّة التي تطرد الأرواح الشريرة أو تستدعي أرواح الأجداد لتحفظ أبناء القبيلة وتحميهم من أرواح القبائل الأخرى، وكذلك من خروجهم على التقاليد المرعيّة في القبيلة. وقد استطاع الكاتب، من خلال استخدام هذا التوليف الناجح بين الشكل الروائي الأوربي والإرث السرديّ الشفهي للقبائل النيجيرية، أن يجسّد، على صعيد المُتخيَّل، العلامات الأولى للصدام بين الاستعمار الكولونيالي الغربي والشعوب الإفريقية في نهايات القرن التاسع عشر.
تدور حبكة «الأشياء تتداعى» حول حكاية صعود نجم «أوكونكوو» فارس قرية «أومووفيا» (وهي قرية نيجيرية متخيّلة يعيش فيها أبناء قبيلة الإيبو)، وانهياره بعد مجيء الإرساليات التبشيرية والاستعمار الأوربي إلى أرض القبيلة. وتصف الرواية كيف استطاع «أوكونكوو»، وهو ابن رجلٍ فقير سكّير مهملٍ لزوجاته وأبنائه وجبان يخاف منظر الدم، أن يمسح عار والده ويهزم أقوى شجعان القرية، ليصبح - من ثمّ - واحدًا من زعماء القبيلة ومضربَ المثل في الشجاعة بين قرى «الإيبو» السبع. لكن سنوات ازدهار حياة  «أوكونكوو»، كواحد من أشجع رجال القبيلة وأغناهم، لا تستمر طويلًا، إذ يتعرض لنكبات متوالية تدفعه إلى مصيره النهائيّ المحتوم بعد أن يتداعى العالم من حوله على إثر مشاركته في قتل الصبيّ «إيكيميفونا» الذي أودعته القبيلة لديه بعد قتل والد الصبيّ، الذي ينتمي لإحدى القرى المجاورة، امرأةً من «أومووفيا». فقد عاش الصبيّ في كنفه لسنوات، وصار رفيقًا لابنه «نْوويي»، وأصبح مقرّبًا إليه يتعامل معه وكأنه من صلبه. لكن ذكرى والد «أوكونكوو» الجبان والرعديد، الذي يخاف منظر الدم، تدفعه إلى المشاركة في قتل الصبيّ الذي يحتمي به من خناجر أبناء القبيلة بعد أن تقرر العرّافة أنه آن الأوان لقتله. هكذا يبدأ نجم رجل «أومووفيا» الشجاع بالأفول، فقد نصحه صديقه العجوز «إيزيودو» بألا يشارك في قتل الصبيّ لأنه صار بمنزلة الابن له. لكن عدم قبوله النصيحة يؤدي إلى كارثة ثانية عندما يقتل بالخطأ ابن صديقه الحميم «إيزيودو»، لتأمر القبيلة بنفيه عن القرية سبع سنوات، يعود بعدها إلى القرية ليجدها قد تغيّرت وحلّ فيها المستعمر والإرساليات التبشيرية التي اجتذبت كثيرًا من أبناء القبيلة إلى الدين الجديد، وقلبت حياة القرية رأسًا على عقب. وهو ما يدفع  «أوكونكوو» ورجال القبيلة إلى الانتفاض على الإدارة الاستعمارية التي تقوم بسجنهم وتجويعهم وإهانتهم وتحقير تقاليدهم، لتنتهي الرواية بمصرع رسول الإدارة الاستعمارية على يدي «أوكونكوو» الذي يقوم بشنق نفسه. 
يبدأ أتشيبي روايته بأبيات اقتبسها من قصيدة الشاعر الإيرلندي وليم بتلر ييتس (1865- 1939) «المجيء الثاني»: «إذ يحلّق ويدور في دائرة الكون الواسعة/ لا يتمكّن الصقر من سماع صوت صاحبه/ الأشياءُ تتداعى/ المركزُ لا يصمد/ والكثيرُ من الفوضى تندفع من زِمامها لتغرق العالم». وهي تمثّل في الحقيقة مجازَ الرواية، والتكثيفَ الرمزيّ لحبكتها السرديّة، والمعنى العميق لها، والأهمّ من ذلك كلّه أنها تترجم بلغة مجازيّة الجسرَ الذي يبنيه أتشيبي بين نوعٍ من الثقافة الغربيّة، يتضمّن وعيًا عميقًا بالعوامل المنتهكة المُدمّرة للحضارة الغربيّة التي تعصف بالعالم، وبين الثقافة الإفريقية بكلّ ما تملكه من بنى وتقاليد وعقائد راسخة جرى انتهاكها لحظة وصول الاستعمار الأوربي. كما أن هذا الاقتباسَ، الذي يحتلّ الصفحة الأولى من رواية «الأشياء تتداعى» التي تأخذ عنوانها من واحدٍ من الأبيات التي ترجمتُها في السطور السابقة، يفتحُ الرواية على ما تلاها من روايات كتبها أتشيبي في ما بعد ليجسد من خلال السرد والحكايات ما آلت إليه نيجيريا، وإفريقيا كذلك، بعد الاحتلال الأوربي: لقد تداعت الأشياء وفقد الأفارقة راحتهم وعالمهم المطمئن.

مضى عهد الراحة
تسعى رواية أتشيبي الثانية «مضى عهد الراحة» إلى تصوير تداعيات الاستعمار البريطاني على المجتمع النيجيري، وما أحدثه هذا الاستعمار من تحولات في تقاليد المجتمع وبنيته الأخلاقية وتصوراته الذهنيّة. وهي، ولكونها جزءًا ثانيًا ومكمّلًا لرواية «الأشياء تتداعى»، تركّز على حياة حفيد «أوكونكوو» الذي ذهب إلى بريطانيا ليكمل دراسته وعاد ليعمل في إدارة البعثات النيجيرية في العاصمة لاغوس في الفترة التي سبقت رحيل الإدارة الاستعمارية وحلول الإدارة المحليّة مكانها. 
بعد عودة الحفيد «أوبي» من دراسته للأدب الإنجليزي في لندن، ينخرط في حياة لاغوس التي تشغله عن بلدته الريفية «أومووفيا»، وعن أمه وأبيه الذي رأيناه في «الأشياء تتداعى» يهجر عائلته ويلتحق بالكنيسة معتنقا الديانة المسيحية. ومن الواضح أن امتزاج التربية المسيحية التي تلقاها «أوبي»، وسنوات دراسته في بريطانيا، والتحولات الفكرية والثقافية التي تعرّض لها، قد وضعته في النهاية في مواجهة مع التقاليد القبلية الصارمة التي تعجز الثقافة والدين الغربيان عن التغلّب عليها؛ فوالداه المسيحيان يقفان بصرامة دون زواجه من الفتاة النيجيرية التي أحبها، والتي تنتسب إلى ما يسمى طائفة «الأوسو» التي تعدّ وفق التقاليد طبقةً منبوذة يمنع الاختلاط بها والزواج منها، لأن أحد أجدادها نذر نفسه لعبادة الآلهة في القبيلة. هكذا يفقد «أوبي» حبيبته، ويشعر بعد موت والدته بأن كلّ شيء صار بلا معنى، ليتخلّى في النهاية عن مبادئه الأخلاقية ويقبل رشوة من أحد الأشخاص الذي يسعى إلى ابتعاث أخته للدراسة في بريطانيا. 
تبدأ الرواية بمشهد محاكمة «أوبي» لدى انكشاف أمره وضياع مستقبله. ويسعى الراوي، انطلاقًا من مشهد المحاكمة (ما يُذكّر برواية «الغريب» (1952) للكاتب الفرنسي الوجودي ألبير كامو)، وفي نوعٍ من السرد الاسترجاعيّ، إلى جلاء التحوّلات النفسيّة والفكريّة والثقافيّة، والصراعات الداخليّة، التي مرّت بها الشخصيّة الروائية. ونحن نعثر، سواء في الحوارات التي تجرى بين الشخصيات، وخصوصًا تلك التي تدور بين الشخصيات النيجيرية ومسئولي الإدارة الاستعمارية البريطانية، أو في التعليقات الجانبيّة لمدير «أوبي» البريطاني، على الرؤية الاستعلائية الاستعمارية الغربية التي تدمغ المواطنين بالفساد وعدم القدرة على السلوك الأخلاقي الصحيح. إن التعفّن الأخلاقي، والكسل والبلادة، وعدم الرغبة في العمل، هي جزءٌ لا يتجزأ من البنية النفسية والأخلاقية، بل البيولوجيّة، للكائن الإفريقي! هذا ما تؤمن به الإدارة الاستعمارية التي تُرجّع صدى وصف كيرتز لإفريقيا وهو يتوغّل في «قلب الظلام». فرواية الكاتب البريطاني ذي الأصل البولندي جوزيف كونراد «قلب الظلام» (1899) تبدو فاعلةً في عمق عمل أتشيبي الذي هاجم في محاضرة شهيرة له في ما بعد (1975) الرؤية العرقيّة المتجذّرة لكونراد، رغم نفي الكثير من نقاد صاحب «قلب الظلام» هذه التهمة عنه وعن عمله. ومع ذلك فإن رواية «مضى عهد الراحة» تبدو مهمومةً بالرد على أطروحة «قلب الظلام» التي يتبناها مستر وليام غرين مدير «أوبي» الذي يحب إفريقيا ولكنه يؤمن بتعفنها وعدم قابليتها للإصلاح!

ابن الشعب
إذا كان أتشيبي يصوّر في روايته الأولى «الأشياء تتداعى» حقبة الانتقال من زمان القبيلة إلى زمان الاستعمار، كما يصوّر في روايته الثانية «مضى عهد الراحة» اللحظات الأخيرة في الزمن الكولونيالي، فإنه يسعى في «ابن الشعب» إلى تجسيد فساد الطبقة الحاكمة بعد رحيل المستعمر وتسلّم أبناء المستعمرات مقاليد الحكم في بلادهم. ولعل تغيّر الموضوع، وكذلك البيئة التي تتحرك فيها أحداث الرواية، هو الذي يجعل هذا العمل مختلفًا، سواءٌ من حيث طبيعة الشخصيات أو اللغة أو المنظور العام للعمل، عن الأعمال السابقة لأتشيبي الذي استمد شهرته وأهميته كروائي إفريقي من قدرته على تجسيد طبيعة الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، ومن الغوص عميقًا على الطاقة السلبيّة المدمّرة للقوى الإمبريالية الزاحفة التي أدت إلى تخريب حياة الأفارقة وتدمير ثقافاتهم وتقاليدهم.
تَعرِض «رجل من الشعب» للصراع المتوتر بين شخصيتين إفريقيتين، لا يحدد الروائي جنسيتهما، في إشارة واضحة إلى رغبته في مدّ منظوره للفساد الذي يكتنف النخب الوطنية الحاكمة وتعميمه على الحكومات الإفريقية التي حلّت مكان الاستعمار الأوربي بعد رحيله عن القارة السوداء، فنهبت خيرات بلادها واستبدت بمواطنيها. ولهذا فإن الصراع المحتدم بين المعلّم المثقف «أوديلي» وأستاذه القديم الوزير «نانغا»، الذي يطلق عليه الناس لقب «ابن الشعب»، هو نوعٌ من التصوير الدراميّ للعلاقة المتوترة التي نشأت بين الشباب الجديد الذي تلقى تعليمًا أوربيًا، وينادي بتحديث الأوطان الإفريقية وتطهيرها من الفساد والاستبداد، والجيل الذي نشأ في أحضان الإدارات الاستعمارية وأفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلدان الإفريقية التي تحررت من الاستعمار لتصبح بقرةً حلوبًا لنخب سياسية فاسدة تكنّ عداءً شديدًا لجيل الشباب المتعلّم المتطلع إلى أوطان حديثة وديمقراطية مزدهرة. ورغم أن ظاهر الصراع بين التلميذ وأستاذه يتركّز حول بؤرة التنازع على فتاة سهلة تفضّل الوزير الغنيّ على المعلّم الفقير، فإن رغبة «أوديلي» في الانتقام تتحول في النهاية إلى صراع سياسي يشتد وصولًا إلى حدوث انقلاب عسكري يطيح «نانغا» ورفاقه الفاسدين في الحكومة ممن ينتمون إلى الجيل القديم. 
إن أتشيبي، البارع في بناء الأحداث والشخصيات، وسرد الحكايات وتصميم  الحوارات بين الشخصيات كذلك، يحوّل هذه الرواية (التي تبدو أقل إحكامًا وبلاغةً وعمقًا من روايتي أتشيبي الأولى والثانية) إلى معرضٍ للوقائع الحارّة المعبّرة عن البيئة السياسية والاجتماعية التي تتحرك فيها الشخصيات في زمن ما بعد الاستعمار. ولهذا فإننا نجد أنفسنا إزاء شخصيات وأحداث حيّة نابضة، فيما تتوارى الأفكار الكبيرة والمجازات اللافتة التي ميزت «الأشياء تتداعى»، وبدرجة أقل «مضى عهد الراحة». وهو ما يبيّن للقارئ الطاقات السردية المتفجرة، والقدرات الحواريّة اللافتة، وإمكانات التصوير الدراميّ التي ينطوي عليها عمل أتشيبي الذي يمثل - من دون أيّ شك - علامة فارقة في تاريخ الأدب الإفريقي، وكذلك تاريخ الأدب 
العالمي.