الشيخ عبدالعزيز الرشيد (1887 - 1938م)

الشيخ عبدالعزيز الرشيد (1887 - 1938م)

من علماء الكويت.. ورواد الفكر.. وأحد أقطاب الدعوة الإسلامية. كلما قرأت في كتاب «تاريخ الكويت» أو تصفحت مجلة «الكويت» التي تصدر حاليًا عن وزارة الإعلام، تذكرت الشيخ عبدالعزيز الرشيد الذي يعد من أهم الشخصيات البارزة في النهضة الفكرية في الكويت.

هو أيضًا رائد من رواد الصحافة.. ومؤرخ.. وكاتب.. ومصلح اجتماعي.. وشاعر جوال وعالم من علماء الإسلام.. ورحالة سافر إلى بلاد عديدة. ودوره في الكويت يذكرك برواد النهضة في عالمنا العربي، مثل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ولطفي السيد وغيرهم.. وإنجازاته في الخليج تقترب من دور هؤلاء الرواد.

مولده ودراسته
من مواليد الكويت ولكن والده ينتسب إلى نجد وهجرها بسبب القحط الذي أصابها ورحل إلى الكويت واشتغل في تجارة الجلود، وتحقق للأسرة الاستقرار حيث بدأ الشيخ عبدالعزيز يحفظ القرآن ويدرس علومه تحت رعاية الشيخ عبدالله الخلف الدحيان، أحد علماء الدين والإصلاح في تلك الفترة. وتعلم الشيخ عبدالعزيز مبادئ الشريعة والثقافة الإسلامية وأصول الفقه والحديث والتفسير حتى أجاد هذه العلوم، وتنبأ له أستاذه الدحيان بمكانة عالية ومستقبل مزدهر وأنه سيصبح عالمًا من علماء الإسلام.

رحلاته الكثيرة طلبًا للعلم
سافر الشيخ عبدالعزيز الرشيد إلى مدينة الزبير التي كانت عامرة بالمساجد ويتولى الأئمة فيها تدريس الطلبة وعمره كان 15 عامًا. عاد إلى الكويت وتزوج ثم سافر إلى الأحساء في التاسعة عشرة من عمره ليواصل دراسته هناك، ثم رجع إلى الكويت ليعمل فترة مع والده في الغوص على اللؤلؤ والتجارة، ولكنه قرر السفر إلى بغداد ليواصل دراسته.
وصل الشيخ عبدالعزيز الرشيد إلى بغداد وعزم على الدراسة عند السيد محمود شكري الآلوسي، وهو أحد كبار العلماء المسلمين هناك. قرأ الكتب الدينية والأحاديث النبوية والتفسير وشروح السنة، واهتم بآراء الفقهاء وأهل العلم التي تبحث في فضل الرجال على النساء وتلزمهن بالحجاب وعدم الخروج من المنازل إلا عند الحاجة القصوى، وعبّر عن مواقفه ضد التعصب الديني والتطرف، فكتب أول كتاب له وهو «تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل للمؤمنين»، وطبع الكتاب في بغداد ونشر عام 1911م، وقد أثنى العلماء على هذا الكتاب ومنهم الشيخ يوسف بن حمود المالكي أحد مدرسي مدرسة المباركية في الكويت، والشيخ عبدالعزيز بن صالح والشيخ المكي بن عزوز التونسي.
هكذا وقف العلماء بجوار عبدالعزيز الرشيد وشجعوه على العلم والتأليف، وما إن سمع عن افتتاح دار الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ رشيد رضا في مصر عام 1912، حتى قرر السفر إلى مصر.
وحاول التقدم لهذه المدرسة إلا أن أمورًا حالت دون ذلك، فسافر إلى البلاد المقدسة ووصل إلى مكة واتصل بالعلماء واستمر في دعوته لأصول الدين وعقد الحلقات مع العلماء والناس ثم عاد إلى الكويت التي كانت تحت حكم الشيخ مبارك الصباح، وتعرف على الشيخ يوسف بن عيسى والشاعر صقر الشبيب وعمل إمامًا لأحد المساجد قرب بيته، ثم التحق بالعمل مدرسًا في مدرسة المباركية.
وقد ساهم الشيخ عبدالعزيز في معركة الجهراء الشهيرة، التي هاجم فيها فيصل الدويش الجهراء ومعه 4 آلاف من رجال الإخوان، فوقف عبدالعزيز مع رجال الشيخ سالم الصباح لصد هجمات الإخوان في التاسع من أكتوبر سنة 1920م.
وانضمت مدرسة العامرية إلى الأحمدية وأصبح عبدالعزيز مدرسًا فيها مع مجموعة أخرى من المدرسين يواجهون جمود المجتمع ومهاجمته لتدريس الإنجليزية والعلوم الجديدة، واستطاع أن ينشر فكرًا حرًا جريئًا في المدرسة يتصدى لمظاهر التخلف والأفق الضيق لبعض هؤلاء الذين يخشون العلوم الحديثة.
وكان الرشيد مهتمًا بقضية التنوير وتحرير العقول من الخرافات والأوهام، ولذلك كان يحتفي بالمثقفين والشعراء في زياراتهم للكويت ومنهم الأديب أمين الريحاني والزعيم التونسي عبدالعزيز الثعالبي سنة 1925م، فقال عبدالعزيز الرشيد هذه الأبيات الشعرية:
إن الكويت تزينت بقدومكم
يا زينة الأقران والأبطال
انظر إليها قد بدت في وشيها
تمشي ابتهاجًا مشية المختال
حظيت بعيد يوم زرت ربوعها
وزيارة الأبطال عيد غالي
في كل ناد من نوادي أهلها
خبر يسر عن الزعيم العالي

كتاب تاريخ الكويت
كان الشيخ عبدالعزيز الرشيد يحلم بأن يسجل الأحداث التي يعاصرها في الكويت لتكون بمنزلة وثائق واقعية تؤكد كيف تقف الكويت وشعبها ورجالها لتأكيد سيادتها ونضالها ضد الغزو الخارجي والأطماع الشرسة، وكذلك ليوضح مدى تكاتف أهل الكويت في بناء مؤسساتها ودعم تقدمها في مختلف مجالات التعليم والاقتصاد والسياسة.
ولذلك كتب الشيخ عبدالعزيز كتابه «تاريخ الكويت» من مصادر عدة، فقد استمع إلى الرواة وكتب إلى الحكام والملوك والعلماء حتى انتهى من كتابه وأهدى نسخة منه للزعيم الثعالبي، ويقول عن هذا الكتاب الشاعر صقر الشبيب:
أبرزت تاريخ الكويت بحلة
حلل الصراحة حاليًا بجلائها
لم تخشَ لومة لائميك مصرحًا
فظفرت من أحرارها بثنائها

مجلة الكويت
كان الشيخ عبدالعزيز دائم التفكير في تنوع مصادر الثقافة والفكر، فقد كانت المجلات تأتي من العراق ومصر مثل الهلال والمنار والسوري, وأحيانًا تحول ظروف دون وصول هذه المجلات في موعدها. لذلك فكر الرشيد أن تكون هناك مجلة خاصة للكويت وقد استطاع أن يحصل على موافقة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر على إصدارها عام 1928م.
وطبعت المجلة في مصر وصدر العدد الأول يحمل أبوابًا في الثقافة والسياسة والاجتماع عن الأحوال الفكرية في نجد والأحساء وعمان، وقصائد وتراجم لشعراء من الكويت مثل: صقر الشبيب وعبدالله الفرج وخالد الفرج ومحمود شوقي الأيوبي وخالد العدساني وغيرهم من أدباء وشعراء الخليج.
ومن خلال مجلة الكويت ظهرت إبداعات الشعراء والأدباء والمفكرين، ونشر الشيخ عبدالعزيز بعضًا من قصائده ومنها عندما زار الكويت الحاج عبدالرحمن القصيبي معتمد جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في العام 1929 وألقى هذه الأبيات ترحيبًا به:
يا عابد الرحمن يا من فضله
كالغيث عم المدن والأمصارا
اسمح فديتك أن تراني موجزًا
في موقف يستوجب الإكثارا
فالوقت أمسى ضيقًا حتى لقد
أصبحت أخشى العي والإحصارا
اسمح فديتك عن أخ له صادق
سيذيع فضلك في الكويت جهارا

رحلاته إلى إندونيسيا ووفاته
قرر الشيخ عبدالعزيز الرشيد أن يسافر إلى إندونيسيا ليواصل دعوته الإسلامية ورسالته التنويرية للشعوب الأخرى، وقد كانت تلك رغبة الملك عبدالعزيز آل سعود، وسافر الشيخ عبدالعزيز إلى جزيرة جاوه ويقول عنها:
طاب سيري نحو جاوهْ
وبه نلت السرورْ
إن جاوهْ يا نديمي
قد سبت مني الضمير
وبها همت قديمًا
ولها كنت أسير
قد رعت مني بقلب
نحوها كاد يطير
غادة في كل حسن
حظها الحظ الوفير
كسيت ثوب اخضرار
يكسب الأبصار نور
وبها الأنهار تجري
في الفيافي والقصور
وفي إندونيسيا زار الرشيد معظم الأماكن وتعرف على شخصيات كثيرة من أهل العلم والفقه والدين، وتعرف هناك على سائح عراقي اسمه يونس بحري واتفقا على تأسيس مجلة في إندونيسيا هي «الكويت والعراقي»، وهدف المجلة شرح حقيقة الدين الإسلامي وتنقيته من كل ما ألصق به من بدع، معتمدة على القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى جانب اهتمامها بالأدب والعلوم والحركات الفكرية في الدول الأخرى، ولاسيما الكويت والعراق.
وقد التقى العلامة الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالشاعر الكويتي صقر الشبيب في إندونيسيا، ثم عاد صقر إلى الكويت واشتاق إلى صديقه، فظل يكتب له كثيرًا شاكيًا معاناته مع رجال الدين وجمودهم ومحاربتهم له ولأفكاره، مما أدى إلى عزلة الشاعر صقر الشبيب، فاضطر إلى الذهاب في رحلات الغوص عن اللؤلؤ وهو الضرير، فكتب الشيخ عبدالعزيز الرشيد يقول له:
أنت يا صقر بلبل غريدُ
إن تغني فالغصن منه يميدُ
قد عهدناك في سماء الشعر بدرًا
وشهدناك في القصيد تجيد
تقرع القوم بالنصائح جهرًا
بقصيد يلين منه الحديد
فلماذا سكت حتى ظننا
أن صقرًا قد غيبته اللحود؟
ويكتب عبدالعزيز الرشيد قصيدة أخرى عن جاوه يقول فيها:
هذي وربك جاوة وبجاوه..
غرر المحاسن جمعها والمفردُ
ما مثل جاوه في المدائن والقرى
يفنى الزمان وحسنها يتجدد
هي غادة لبست ثياب جمالها
فصبا لِحسن جمالها المتعبد
إن كنت تهوى في الحياة معيشة
بنعيمها شبح التعاسة يطرد
فاهرع إلى هذي الجزيرة إنها
هي درة في شرقنا تتوقد
فيها الشباب يعود حسن بهائهِ
والغصن من ماء الحيا يتأود
وشككت في قولٍ أقول فصورتي
تنبيك بالحق الذي لا يجحد
ويدعو الشباب إلى الجهاد من أجل رفع راية الحق والإسلام، ويخوض الشباب المعارك والتضحية بالنفس من القيم العليا ونصرة دين الإسلام ومحق الباطل في كل صورة، فيقول لهم:
فإلى الجهاد تقدموا يا سادتي
إن الجهاد عليكمو لمؤكد
واستصحبوا الصبر الذي من شأنه
يدنو به البلد القصيّ الأبعد
إن الجهاد بغير صبر ذلة
والصابرون جزاؤهم أن يُحمدوا
خوضوا المعامع والمخاوف جهرة
ودعوا التبرقع فهو خلق أسود
وارموا التخاذل بينكم فأمامكم
قوم يسرهم بأن تتبددوا
وعندما عاد إلى إندونيسيا في أوائل عام 1933، أصدر الرشيد مجلة اسمها التوحيد، واستمر صدور المجلة حتى آخر العام، وتوقفت بسبب انتقال الرشيد إلى مدينة بكالونجان حيث عمل فيها ناظرًا لمدرسة الإرشاد، وأقام فيها مدة 3 سنوات.
وفي 18 يناير 1937 عاد إلى الكويت مرة أخرى، أمضى فيها 4 أشهر، زار في هذه الأشهر البصرة وبغداد للتواصل مع أصدقائه القدماء.
وفي 12 مايو 1937 ترك الكويت عائدًا إلى إندونيسيا، فمر على البحرين وبعدها على الرياض لزيارة الملك عبدالعزيز، وذهب واعتمر في مكة ثم وصل إلى سنغافورة في أغسطس عام 1937 ومنها ذهب إلى جاوه واشتد عليه المرض ورحل عن العالم بعد رحلة كفاح ونضال لنشر العلم والثقافة والدعوة الإسلامية.

الرشيد شاعرًا
كتب الشيخ عبدالعزيز الرشيد مجموعة من القصائد، وهي، كما قرأنا، في أغلبها قصائد المناسبات لا يمكن أن تلمح فيها تجديدًا أو تطورًا فنيًا عن معظم الشعر الذي كتب في البدايات الأولى، وإنما قد تكون قصائده أكثر جودة في الصياغة والسبك، فهو يطلق المعاني في ألفاظ مباشرة تقليدية، ولم تكن تعنيه القصيدة الفنية أو الشكل الشعري، بل التعبير عن الحدث أو المناسبة وتسجيلها.
وربما لا يعد الرشيد شاعرًا محترفًا لأن ما قدمه من أعمال  أخرى وكتب تمس تاريخ الكويت القديم طغى على شاعريته، وهذا ما عرفناه عن العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم أيضًا، لقد كتبوا شعرًا ونشر العقاد أشعاره في حوالي ثمانية دواوين، وكذلك طه حسين له أشعار كثيرة لم تنشر، والحكيم أيضًا، فالنبوغ الشعري هنا تضاءل أمام الإبداعات الأخرى، فالدراسات الإسلامية والنقدية التي قدمها العقاد جعلت الناس لا تعرفه إلا بها.
وكذلك بحوث طه حسين في الأدب اليوناني وتاريخ التربية وأصولها والنقد الأدبي والتراث العربي أدت إلى اختفاء ما يكتبه من شعر، ومسرح الحكيم وقصصه الطريفة أطاحت أشعاره التي خشي من نشرها.
ولعل كتاب «تاريخ الكويت» للرشيد والكتب الإسلامية الأخرى وريادة هذا المؤرخ والأديب وإصداره مجلات عدة سياسية وثقافية ودعوته إلى الإسلام وجهاده في دول الخليج وإندونيسيا، إضافة إلى كونه أحد قادة التنوير والنهضة في الكويت يجعلنا ننسى أو نغفل أشعاره ولا نعتبرها إلا قصائد قيلت في مناسبات شتى، ولكن رغم ذلك يعتبر أحد شعراء الكويت.