مــحــــطــات الـــقــــوافـــل بين مصر وبلاد الشام فـتـرة الـحـروب الصـليـبـيـة

مــحــــطــات الـــقــــوافـــل  بين مصر وبلاد الشام فـتـرة الـحـروب الصـليـبـيـة

تمتعت مصر وبلاد الشام بنظام دقيق لجوازات المرور، فلم يكن يسمح لأي فرد الانتقال من بلد لآخر من دون أن يحمل ذلك الجواز، والذي ربما يعني إقرارًا لسيادة البلد التي يدخلها، ذلك النظام الذي تحدث عنه نيكولو دي كونتي عقب مغامرته في البحر الأحمر قائلًا: «إنه سبيل المسافر أو التاجر في المنطقة التي تسيطر عليها مصر»، وهو نفسه ما ذكره ابن سعيد المغربي، مؤكدًا ضرورة حمل ذلك الجواز لدخول مصر أو للخروج منها. ومثال على تلك الجوازات ما طلبه الملك نورالدين محمود من الملك بلدوين ملك بيت المقدس أن يرسل أحد تلك الجوازات، وذلك حتى يتسنى لأسامة بن منقذ وعائلته المرور من مصر إلى بلاد الشام، وعلى الرغم من أن الملك نكث وعده فإن تلك الجوازات كانت محل احترام الجميع.

اعتاد تجار القوافل على حمل جوازات المرور منذ زمن بعيد وبعضهم يرجعه إلى عام 100هـ / 720م ذلك العام الذي أصدر فيه عامل مصر أمرًا بالقبض على كل من وجد مسافرًا أو متسللًا من دون أن يحمل سجلًا. على أي حال ظل هذا النظام قائمًا حتى حكم المماليك، فالظاهر بيبرس كان قد استخدمه لجذب التجار، وفي جلب سلع الشرق والغرب إلى مصر، وذلك لما يحمله ذلك الجواز من تأكيد لحمايتهم، وضمان ما معهم من سلع وبضائع. كذلك استخدمه الملك المنصور قلاوون للغرض نفسه، الأمر الذي يضع تقريرًا خطيرًا عن السياسة التجارية التي رسمتها مصر في البحر الأحمر، والمحيط الهندي، والتوسع في استجلاب سلع الشرق والغرب، ويسلط الضوء على قدرتها على تصريف ما يرد إليها من بضائع، إضافة لذلك كان الجواز محاولة لمنع تسرب الغرباء، وتغلغلهم إلى كيان دولة ما وكشف سياستها وأسرارها.

أ- أشكال جوازات المرور
وفي ما يتعلق بشكل جواز المرور فقد كان عبارة عن ورقة واحدة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء (أوصال) يكتب في أعلى الجزء الأول «ورقة طريق على يد فلان بن فلان الفلاني» ثم يترك مسافة ويكتب اسم سلطان البلد القادم منها ثم اسم من يحمل الجواز «رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي علاه الله تعالى وشرَّفه وأنفذه وصرفه أن يمكن فلان الفلاني»، ثم تكتب ألقابه، ثم وجهته التي سيذهب إليها، ثم توصية بمن يحمل الجواز، فإن كان ذا قدر كبير كتب «ويعامل بالإكرام والاحترام والرعاية الوافرة الأقسام»، ثم تحديد ما يصرف لهم من نفقات، وإذا تم الانتهاء من كتابة الجواز يتم تدوين التاريخ والتوقيع عليه من أحد من ثلاثة، إما خط الكاتب وهو الغالب، وتوقيعه يكون كتابة سطر في الهامش الأيمن يكون آخره مقابلا للسطر الأول «رسم بالأمر الشريف» ويكتب «حسب المرسوم الشريف»، أو يوقع من الدوادار، ويكتب على الهامش «حسب المرسوم الشريف» ويكتب تحت التاريخ سطران «رسالة المجلس العالي الأمير الفلاني فلان الدوادار المنصوري أدام الله تعالى نعمته»، أو يوقع نائب السلطان - وهو نادر - ويكتب سطرين على نفس الهامش وفيه «بالإشارة العالية». 
بالإضافة إلــى مــا ســـبق كــــان يــــسجل بالجواز أســماء المسافرين والتجار، وأسماء خدمهم، والعاملين معهم، وكذلك سائقي جمالهم، وأعمارهم، وأوصافهم الشخصية، وهيئتهم حتى لا يشتبه به أحد أو يتخذ لغير أهله، وكذلك بعض الصفات المميزة كلون الشعر أو العينين، أو وجود شيء مميز واضح لمن يحمل الجواز مثل ديانته. علاوة على ذلك يدون بالجواز ما يحمله المسافرون والتجار من أنواع السلع والبضائع، وما يحملونه من المال، وهذا كله يخدم المسافر من الناحية القانونية، والتي سنتعرف عليها في الصفحات التالية. وربما لجأ التجار والمسافرون في حالة فقدان جواز سفرهم خلال الطريق، إلى كتابة أوراق على رءوسهم بأسمائهم، وأسماء حاراتهم، وسكنهم، وذلك حتى يمكن التعرف عليهم إذا ما لاقوا حتفهم في الطريق لأي سبب.

ب– الضرائب والرسوم الجمركية
ارتبطت الضرائب التجارية ارتباطًا كبيرًا بحركة القوافل التجارية وكانت في بعض الأحيان إما سببًا في انسيابها وإما انحصارها على طول الطريق التجاري بين مصر وبلاد الشام. 
أهم المراكز الجمركية المنتشرة على طول الطريق التجاري بين مصر وبلاد الشام، في مقدمتها، «القاهرة» وهي أول المراكز الجمركية وأكبرها، ويمكن أن نطلق عليها جمرك متعدد الجنسيات، وذلك للكم الهائل من التجار الذين يفدون إليها، ونتيجة لما تمثله من أهمية كبيرة، كان يتم الاحتراز على أبوابها، وتفقُّدها ليلًا نهارًا، وكذلك مراقبة غلقها وفتحها. أما «قطيا» فقد كان يفد إليها كثير من التجار والمسافرين ولاسيما من الشام والعراق، الأمر الذي جعلها مركزًا تجاريًا مهمًا، ومن أكثر جهات تحصيل الضرائب، وأكثرها تضييقًا على التجار، وبها تتعدد الضرائب المفروضة على اختلاف السلع. علاوة على ذلك كانت «الداروم» وقلعتها من أهم النقاط المتحكمة في طرق القوافل بين مصر وبلاد الشام، ولهذا كانت محطة للتفتيش والتقدير والتمكيس.
وبالدخول في نطاق المجال الشامي نراه يمتلئ بالمراكز الجمركية ومنها مدينة «غزة»، التي عرفت قديمًا بغزة هاشم حيث كانت محطة (لكل صادر ووارد من الديار المصرية والشامية)،  إضافة لذلك كانت «الخليل» التي تقع ما بين مصر وبلاد الشام، وبين مناطق الأردن وساحل المتوسط، ذلك الأمر الذي دفع بحكامها إلى الاعتماد على الضرائب، ولهذا اشتطوا في فرضها على القوافل المارة. أما بالنسبة لمدينة «القدس»،  فتتألف من أربعة أبواب يدخل منها المسافرون والتجار، أولها في الشرق ويذهب منه إلى جبل الزيتون، وثانيها في الجنوب يدعى باب صهيون، وثالثها في الشمال يدعى باب القديس أسطفان، وآخرها في الغرب يدعى باب داؤود أو ديفيد، وربما الأخير كان من أكثر الأبواب التي عبرها التجار والمسافرون من مصر وبلاد الشام، وذلك لصبغته التجارية، فقد اشتهر ذلك الباب أيضًا باسم باب التجار أو باب السمك. وهذه الأبواب كانت مراكز جمركية وعندها تحصل الضرائب المفروضة على الصادرات والواردات المنقولة بالقوافل، سواء من مصر أو العمق الشامي. 
ونتيجة لكون «طبرية» من أهم مدن نهر الأردن باعتبارها تستقر على الطريق التجاري الكبير الممتد بين مصر وبلاد الشام، وسهولة الطريق وقرب المسافة منها وإلى دمشق، فإن كل ذلك جعل اختلاف القوافل عليها ولاسيما من دمشق، ما جعلها من المراكز الضرائبية في تلك المنطقة.  وإلى جانب طبرية كانت «عكا» من أهم المراكز الجمركية في بلاد الشام على الإطلاق، وتجلت أهميتها نظرًا لموقعها على الطريق التجاري الدولي، وكونها المنفذ الطبيعي للقوافل التجارية القادمة من الظهير الشامي لمدينة دمشق. وقد أفاض ابن جبير في وصف ذلك الجمرك، حيث قال: «وحملنا إلى الديوان، وهو خان معد لنزول القافلة، وأمام بابه مصاطب مفروشة: فيها كتاب الديوان من النصارى بمحابر الأبنوس المذهبة الحلي، وهم يكتبون بالعربية، ويتكلمون بها، ورئيسهم صاحب الديوان والضامن له يعرف بالصاحب، لقب وقع عليه لمكانته من الخطة، وهم يعرفون به كل متعين عندهم من غير الجند، وكل ما يجبى عندهم راجع بالضمان، وضمان هذا الديوان بمال عظيم».
نتيجة لما كانت تدره تلك المراكز الجمركية من أرباح، نراها تنتشر بكثرة في بلاد الشام ومنها «بيت جبرين» التي تولى الصليبيون عندها فرض وجباية المكوس والضرائب. كذلك «تبنين» التي كانت في منتصف الطريق ما بين عكا ودمشق، وقد أطلق عليها ابن جبير «موضع تمكيس القوافل». كذلك كانت هناك «هونين» كمركز جمركي لاقترابها من دمشق، وقد عرفت أنها موضع تمكيس القوافل التجارية بين المسلمين والصليبيين، علاوة على «نابلس» وهي أيضًا كانت مركزاً جمركياً مشتركاً، حيث كان يتم بها اقتسام الرسوم الجمركية المفروضة على القوافل التجارية ولاسيما عام 559هـ / 1163م.
وبالانتقال إلى منطقة وادي الأردن نرى تعدد تلك المراكز الجمركية، ففي جنوبها كانت  «أيلة» التي كان يتم بها تحصيل المكوس من التجار. وكذلك «وادي الحسي» التي كانت مركزًا جمركيًا آخر. ومن أهم المراكز الجمركية الأخرى «الكرك والشوبك»، حيث كانتا من المناطق المتميزة من حيث الموقع والامتداد، وكانت تستقر عند الساحل الشرقي للبحر الميت، ومفتاح الطرق التجارية الممتدة بين مصر وبلاد الشام، وكانت الضرائب فيهما سبب ثراء الملوك، فقد كانت أهميتها تعتمد على القوافل الغنية المارة من خلال الطريق السابق. وإلى جانبهما كانت هناك محطة تمكيس أخرى عند «وادي موسى»، كذلك كانت هناك «صور»، و«شقيف أرنون»، وجب يوسف «في الجليل الأعلى من صفد، وكذلك قلعة «بيسان» التي من خلالها يشرف الصليبيون على الجهة الشرقية لنهر الأردن، وتتحكم في سهل ذرعين، إلى جانب تحكمها في الطريق التجاري عبر الغور.

ج – موظفو الجمارك وتعيين الرسوم الجمركية
نتيجة لما تمثله الضرائب ومراكز جبايتها من أهمية كبيرة لكل من المسلمين والصليبيين، قاموا بتشكيل جهاز إداري متكامل من أجل إحكام إدارة تلك المراكز، وتنظيم حركة مرور التجار، ولكن المعلومات عن الهيكل الإداري لذلك الجهاز شحيحة جدًا، بيد أننا سنحاول أن نجمع شذرات الروايات التاريخية إلى جانب الشذرات المتعلقة بالدواوين في العموم، وبذلك سنقترب من الهيكل الإداري له، ويعتقد أن ذلك الهيكل في كل المراكز الجمركية سواء تحت السيادة الإسلامية أو الصليبية واحد مع فروق قليلة جدًا.
كان على قمة الجهاز الإداري، «الناظر»، ولاسيما في جمرك عكا، وهذا الرجل كان بمنزلة مشرف عام لما يدور في ذلك المقر الجمركي، وليس لأحد من الموظفين الآخرين أن ينفرد بقرار من دون الرجوع إليه، إلى جانب توقيعه على كل الأوراق المتعلقة بالرسوم الجمركية ومخالصتها، لأنه المسئول الأول عن ذلك. وفي المرتبة الثانية للناظر، هناك «متولي الديوان» ولعله هو نفسه صاحب الديوان أو ضامن الديوان، الذي وصفه ابن جبير بجمرك عكا، ومهمته تتشابه مع مهمة الناظر ولعله - في اعتقادي - كان نائبًا للناظر.
كان «المستوفي»، أحد موظفي ذلك الجهاز الإداري الجمركي، وتتلخص مهمته، في إقرار ما هو مفروض على التجار والمسافرين، ويصدر أوامره إلى الموظف الذي يدعم المتولي لــــتحصيل الأموال في وقتها، كما يتولى أيضًا عملية مطابقة ما تم من عـــمليات حسابية، والتوقيع  عليها. ولعل رابع أعضاء ذلك الجهاز هو «المتولي» ولاسيما «متولي الزكاة» وتمثلت مهمته في مراقبة التجار والمسافرين، وتفتيش ما معهم من بضائع وسلع وأموال، وذلك لتقدير قيمة الزكاة المستحقة عليها، لدرجة أنهم كانوا يمدون أيديهم في أوساط التجار، لاكتشاف إذا كان معهم مال من عدمه. ونتيجة لكثرة الأعمال الملقاة على عاتق المستوفي، كان هناك بعض الموظفين الذين تولوا معاونته فيها عرفوا باسم «المعين».
علاوة على ما سبق كان من أهم الشخصيات الإدارية على الإطلاق «الكاتب» و«الناسخ» وهما اللذان يتوليان كتابة ونسخ كل المكاتبات التي تتم للصادرين والواردين، وكان هؤلاء ولاسيما في جمرك عكا من النصارى، وكانوا يجيدون اللغة العربية كتابة وتحدثًا. وإلى جانبهم كان هناك «العامل»  الذي يقوم بعمل الحسابات وكتابتها ورفعها، وربما كان ذلك الموظف شبيهًا بموظف الحسابات البسيط في عصرنا الحالي، الذي يتولى رفع الحسابات إلى مديره، ويتولى الأخير بدوره تقديمها لمن هو أعلى منه مرتبة، وذلك العامل أيضًا مراقب في عمله من قبل الناظر والمشرف، وهو موظف مثل الناظر.
واستمرارًا للكوادر الإدارية المهمة كان هناك «الجهبذ» الذي كان مسئولًا عن صرف وتحصيل الأموال، وكتابة المخالصات الجمركية، وكذلك تقديم تقارير دورية سنوية للسلاطين بما معه، ولكن تطورت تلك الوظيفة في العصر المملوكي في مصر وبلاد الشام ليتبدل اسمها إلى «مباشر الختم»، وتركزت مهمته بعد التطور في استيفاء كل الضرائب النوعية عن السلع الصادرة والواردة، وكذلك فإنه يتولى ختم الحمولات من السلع والبضائع، وكان الختم دلالة على استيفاء ما عليها من رسوم وجمارك إلى جانب أختام أخرى دلالة على جودة ونقاء السلعة. وكان عدد مباشري المراكز الجمركية ولاسيما جمرك قطيا يزيد على ثلاثمائة مباشر. وربما كان ذلك المباشر هو نفسه «قباض المكوس» الذي كان موجودًا في ميناء أيلة، وربما كان مثل الفيكونت في المراكز الجمركية الخاضعة لسيطرة الصليبيين.
وكان من عناصر الهيكل الإداري الجمركي «الشاهد» وهو الذي يشهد على جميع المخالصات المبرمة ويوقع عليها، وكذلك كان هناك «النايب» وهو الذي ينوب عن الديوان في التعامل مع التجار الصادرين والواردين، ولا يرفع شيئًا من الحسابات إلا إذا طلب منه، وهناك أيضًا «الأمين» ومهمته مثل النايب والشاهد معًا. وإلى جانب ذلك كانت هناك وظائف أخرى ولكن دون أدنى إشارة عليها مثل «شاد الدواوين» و«شاد المستخرج» و«الحاجب» و«الاستيفاء»، علاوة على «القاضي» 
و«الصيرفي». وهذا الكم الهائل من الموظفين والإداريين يوضح مدى ما كانت تمثله القوافل التجارية من أهمية كبيرة تتمثل في ما تدره من ضرائب، ومدى الجهود لإحكام السيطرة عليها وذلك لمزيد من الاستفادة منها.
أما في ما يتعلق بإجراءات فرض الرسوم الجمركية على ما تحمله القوافل التجارية من سلع وبضائع فإننا نرى الموروث الشعبي لم يغب عن ذلك، بل إنه كان متغلغلًا فنرى أمثال العامة تنطق قائلة «فرغ السلام بقى التفتيش في الأكمام»، فحينما تأتي القافلة  وتدخل المركز الجمركي يأتي الحمالون، وهؤلاء لم يرد بشأنهم أي شيء، ولكن أغلب الظن أنهم كانوا بأعداد كبيرة، على أي حال يقومون بإنزال البضائع، ثم يدون اسم كل من بالقافلة ومن معهم، وما يحملونه من سلع وبضائع لتقدير الرسوم الجمركية المفروضة عليها، وذلك كله «برفق وتؤدة دون تصنيف ولا حمل» هذا بالنسبة للتجار، أما دونهم فكان يتم تفتيش ما معهم من أغراض لئلا يكونوا حاملين لأشياء وسلع مخبوءة تستحق الضرائب، علاوة على ذلك يطلبون منهم أن يقسموا بأن ما يحملونه من أجل استعمالهم الشخصي، وبذلك يتم إعفاؤهم من الرسوم، ثم ينزل التجار في أماكن خصصت لهم في أعلى الخان، بينما دوابهم وأمتعتهم وبضائعهم في أماكن خاصة بالدور الأرضي من الخان مع الرقابة الشديدة عليها.  
كان أول الرسوم الجمركية المفروضة على القوافل التجارية، رسوم العبور أو المرور في ما عرف بضريبة الرأس على المسافرين، ولاسيما التجار، فكان كل فرد منهم يؤدي قيراطًا من الدينار، والدينار أربعة وعشرون قيراطًا، أي بنسبة   من الدينار. في حين كان المغاربة يؤدون ضريبة مرور قــدرهــا  من الدينار عن الفرد، ولعل السبب في ذلك هو مساعدتهم لنورالدين ضد الصليبيين وبمراجعة قائمة جمارك عكا نلاحظ قيام السلطات بفرض ضريبة مرور قدرها «كاروبل» على السلع التي يتم تصديرها من المدن الصليبية إلى المدن الإسلامية، وهذا الأمر يظهر مدى التشابه في قيمة الرسوم الجمركية ولكن مع اختلاف قيمة العملة. 
ومن الملاحظ أيضًا أنه كانت هناك ضريبة مرور تفرض على السلع والبضائع، وكانت هذه الضريبة تحدد وفقًا لقيمة البضائع وحسب حجمها ومثال الرسوم الجمركية المفروضة على التوابل كالآتي: فما قيمته 100 بيزانت من الفلفل، والهال، وأعشاب الثور، وجذور الكافور يؤخذ عنها 11 في المائة، 5 كاروبل، وما قيمته 100بيزانت من الأهليلج، والقرفة الخاصة بتجار التجزئة، والزنجبيل 4 في المائة، 5 كاروبل، أما الأعشاب الخزامية فما قيمته 100بيزانت منها تقدر رسومها 4 في المائة، 4 كاروبل، والراوند 4 في المائة، 3 كاروبل. و8 في المائةقانون عما قيمتة 100بيزانت من جوز الطيب وأوراقه. ويستحق 9 في المائة وقانون كضريبة عن ما قيمته 100 بيزانت من القرنفل وأوراقه. وهناك نوع آخر من القرفة يؤخذ عما قيمته 100بيزانت منها 10في المائة، 18كاروبل و100بيزانت من السنامكي يؤخذ عنها 20في المائة، وأخيرًا التوابل الخاصة بتجار التجزئة يدفع عنها 1في المائة كاروبل، وعما هو مقرر كرسوم جمركية على بعض المواد والنباتات العطرية فكانت 100بيزانت من المسك يؤخذ عنها 8 في المائة،قانون، و100بيزانت من البخور يؤخذ عنها 11في المائة، 5 كاروبل. و100بيزانت من اللافندر وأوراقه 4 في المائة، 4 كاروبل. و100بيزانت من الكافور يحصل عنها 9 في المائة، 8 كاروبل كضريبة، وجذوره 11في المائة، 5 كاروبل.
وفي ما يتعلق بالمعادن وبعض مواد الصباغة، كانت الرسوم الجمركية المفروضة عليها كالآتي: فما قيمته 100بيزنت من الشب والكبريت يؤخذ عن كل منها 11في المائة، 5 كاروبل كرسوم جمركية، و100بيزانت من المدّرة يؤخذ عنها 11في المائة، 5 كاروبل كرسوم جمركية، و100بيزانت من الطلاء «الورنيش» يدفع عنها 10 في المائة، 18 كاروبل، و100بيزانت من النيكل رسومها 10 في المائة. وأخيرًا الزرنيخ الأصفر Oripment gawne فكان يدفع عنه رسوم دخول فقط. في حين كانت الرسوم الجمركية المفروضة على الأخشاب والصناعات القائمة عليها كالآتي: فما قيمته 100بيزانت من خشب الصبر يستحق عنه 9 في المائة،   قانون، و100بيزانت من الموائد المزينة يستحق ربع ثمنها كضريبة، والألواح والعوارض الخشبية المستخدمة لإنشاء الأرضيات المخصصة لدراسة القمح يؤخذ عليها العشر. ويستحق على ما قيمته 100 بيزانت من الأقلام والصمغ 11في المائة، 5 كاروبل.
ولم تغفل قوانين بيت المقدس، ولاسيما جمارك عكا، عن الرسوم الجمركية المفروضة على الأقمشة سواء المصدرة أو المستوردة، حيث إن ما قيمته 100بيزانت من القطن، والصوف المجلوب من مناطق متعددة يستحق كلًا منهما 10 في المائة، 18 كاروبل. وهناك نوع آخر من الصوف يؤخذ عنه 11في المائة، 10 كاروبل. أما ما قيمته 100 بيزانت من الحرير فيدفع عليه 8 في المائة، 19 كاروبل. في حين كانت الرسوم المـــــفروضة على الكتان الذي يصدر من مصر إلى دمشق 1في المائة، و2 كاروبل عن حمولة كل جمل. و5 في المائة على الثياب المطرزة، و7 في المائة على الثياب من خارج عكا، أما الخيوط الدمشقية فتفرض عليها ضريبة دخول غير معلوم قدرها، وبالنسبة للأشرطة والسروج المصدرة من عكا، فيؤخذ كاروبل عن كل بيزانت، ويؤخذ العشر على سروج الخيل كضريبة. 
أخيرًا شملت مجموعة القوانين، ما فرض من الضرائب والرسوم الجمركية على بعض الحيوانات والطيور الأرضية، فكان يتم دفع 10 في المائة على ما قيمته 100بيزانت من الدجاج، أما الدجاج المجلوب من خارج عكا فتؤخذ عنه ضريبة دخول فقط، أما الكتاكيت فتؤخذ 2 كاروبل عن كل واحد منها. أما البيض فيؤخذ عليه العشر، وهي نفس الضريبة التي تؤخذ على كلٍ من الماعز والأوز. أما عن الأسماك المملحة المستوردة من مصر فيؤخذ عليها الربع، وهي نفسها الضريبة على الأسماك المملحة في عكا.
وبالنسبة لمحطات الجمارك الإسلامية فليس هناك أمثلة صريحة لبعض البضائع التي مرت بها وقيمة ما فرض عليها، ولكن إذا ما نظرنا إلى مراسيم إلغاء المكوس، ولاسيما في الفترة الصلاحية يمكن أن نخرج ببعض الأمثلة على السلع والبضائع وقيمة ما كان مفروضًا عليها. 
فكانت قيمة المكوس المفروضة على البهار قدرها ثلاثة وثلاثون ألفًا وثلاثمائة وأربعة وستون دينارًا، ومكس البضائع والقوافل وعملتها تسعة آلاف وثلاثمائة وخمسون دينارًا، وعبور الأغنام، والكتان، والأبقار ألف ومائتا دينار، ومكس الحناء الوارد في البر، ثمانمائة دينار، والحلفاء والقصب ثلاثة وستون دينارًا.
وزيادة على ما سبق كانت تلك المراكز تقوم بتحصيل قيمة الزكاة المستحقة على تلك السلع بشرط أن يكون قد حال عليها الحول، أما بالنسبة لزكاة النخيل والكروم فإذا بلغ مقدارها خمسة أواسق يؤخذ العشر إذا رويت بالأمطار، ونصف العشر إذا رويت بالدواليب. علاوة على ذلك كانت هناك محاصيل أخرى لا يؤخذ عنها زكاة مثل الكزبرة، والينسون، والخردل، والسمسم، وبذر الكتان، والتبن، والخوخ، والتفاح، والجوز، واللوز، والموز، والفستق، والبندق، والقصب الحلو، والرمان، والزيتون. 

د – عمليات التهرب الضريبي وكيفية القضاء عليها
رغم ما سبق من إجراءات مُحكمة قامت بها المراكز الجمركية الإسلامية والصليبية في سبيل تحصيل الرسوم الجمركية فإن بعضًا من التجار المسافرين حاولوا الاحتيال على تلك الطرق ومحاولة التهرب الضريبي وتهريب بعض الأصناف الفاسدة من الكتان والشقاق، وذلك عن طريق السير في طرق ومناطق مختصرة أو مختفية عن الأعين أو بعيدة عن المراكز الجمركية، ولم يكن ذلك خفيًا عن السلطان، ولهذا اتخذت التدابير حيالهم، فقد كلف السلاطين العربان، ولاسيما عربان العائذ في مدينة قطيا بأن يمسحوا على الرمال وقت الليل حتى لا يبقى به أي أثر، وفي تلك الرمال نرى تراثنا الشعبي متغلغلًا فتنطق أمثال العامة «رحلت القافلة ولم يبق إلا آثار الدّمن»، على أي حال بعد أن يقوموا بذلك يأتي الأمير في الصباح وينظر إليها فإذا وجد بها آثارًا طالب العربان بإحضار مؤثره، فيحضروه فورًا ليعاقبه.
بالإضافة إلى ما سبق ساعد كلُُ من المسلمين والصليبيين على تشجيع التبادل التجاري بين الطرفين، وساهم في ذلك ما اتخذوه من إجراءات تنص على الإبقاء على الرسوم الجمركية كما هي من دون زيادة، فقد نصت كل من معاهدة الظاهر بيبرس والصليبيين عام 667هـ / 1268م، وكذلك معاهدة المنصور قلاوون معهم عام 682هـ / 1283م على «أن لا تجدد على التجار المسافرين الصادرين والواردين من الجهتين حقًا لم تجر به عادة، ويجروا على عوائدهم المستمرة إلى آخر وقت، وتؤخذ منهم الحقوق على العادة المستمرة، ولا يجدد رسوم ولا حق لم تجر به عادة، وكل مكان عرف باستخراج الحق فيه يستخرج بذلك المكان من غير زيادة من الجهتين في حالة سفرهم وإقامتهم».
لم يكتف المسلمون والصليبيون بما سبق بل كانوا من فترة لأخرى يقومون بإصدار مراسيم لإسقاط الضرائب والرسوم الجمركية من على كاهل الناس، كانت الفترة الصلاحية مليئة بتلك المراسيم، ففي السنوات الأولى من حكم صلاح الدين سار فيها على سياسة سلفه نورالدين، فقد ألغى كل ما يخالف الشريعة من الضرائب والمكوس, لذا قام في عام 567هـ / 1171م بإسقاط جميع المكوس، والضرائب عن أهل مصر، تلاه بإسقاطها أيضًا من على كاهل أهالي دمشق عام 570هـ / 1174م.