ازدياد حرارة الأرض والأخطار الكارثية

ازدياد حرارة الأرض والأخطار الكارثية

بعد أقل من أربع سنوات على «اتفاق كوبنهاجن» الشهير، الخاص بتغير المناخ، الذي اتفقت عليه 193 دولة شاركت في مؤتمر دولي عقد هناك في ديسمبر عام 2009، جاء التقرير الجديد الذي أصدره خبراء دوليون في اجتماع بستوكهولم ليؤكد أن مسئولية الإنسان في الاحتباس الحراري المؤدي إلى تغير المناخ مثبتة أكثر من أي وقت مضى، متوقعا أن يتراوح الارتفاع في متوسط حرارة الكرة الأرضية بين 0,3 و 4,8 درجات مئوية بحلول عام 2100.

والتقرير الجديد الذي صدر في ستوكهولم بسبتمبر الماضي ويحمل إشارات إنذار كثيرة، هو أحدث تقرير يصدر عن أعلى هيئة علمية معنية بتغير المناخ وهي «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، وهي هيئة أنشأتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العام 1988، لتقدم للعالم رؤية علمية واضحة حول المعلومات المتعلقة بتغير المناخ وتأثيراته البيئية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة.
    وتكمن أهمية هذا التقرير الذي يعد الخامس من تقارير الهيئة في أنه سيكون «أساسيا للحكومات التي تعتزم تطبيق الاتفاق الطموح والملزم قانونا حول تغير المناخ في العام 2015» وفق ما علق به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بعد صدور التقرير الذي شارك فيه نخبة من الخبراء المعنيين من دول عديدة.
وتعد ظاهرة تغير المناخ من أكثر الظواهر البيئية التي شغلت العالم خلال العقدين الأخيرين، ومن أكثر المشكلات التي تشكل محورا رئيسيا في معظم المؤتمرات والمنتديات العالمية والإقليمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بسبب آثارها الكبيرة المحتملة في شتى مناحي الحياة.
   وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة بين العلماء والباحثين حول سبب هذه الظاهرة، وتوزعهم بين فريق يؤكد دور الإنسان في ذلك، وفريق يعتبرها إحدى دورات المناخ التي شهدتها البشرية عبر تاريخها الطويل، فإن تقارير تلك الهيئة الدولية وإجماع معظم الخبراء يتجهان نحو الاتفاق على أن الأنشطة البشرية التي تشهد زيادة هائلة كل عام تعد المسبب الرئيس لتلك الظاهرة.
وعودة إلى «مؤتمر كوبنهاجن» الذي كاد يشرف على الانهيار بعد تهديد عدد من الدول بالتمرد عليه، قبل أن يصدر عنه اتفاق محدود الطموحات لمكافحة الاحتباس الحراري، وهو «اتفاق كوبنهاجن» غير الملزم، الذي جاء في وثيقة من ثلاث صفحات حددت هدفا للحد من ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. ونص على رصد 30 مليار دولار على الأمد القصير (للأعوام 2010 و2011 و2012)، على أن تتم زيادة هذا المبلغ ليصل إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020. وخصصت تلك الأموال في شكل رئيس للدول الأكثر فقرا بهدف مساعدتها على التأقلم مع تداعيات الاحتباس الحراري.

توقعات الخبراء
أما التقرير الجديد الذي صدر في ستوكهولم، فقد رفع فيه خبراء الهيئة الدولية توقعاتهم لارتفاع مستوى مياه البحر الذي سيكون بين 26 و82 سنتيمترا بحلول العام 2100، معتبرين أنه بات من المرجح كثيرا جدا أن يكون التأثير البشري السبب الرئيس للاحتباس الحراري المسجل منذ منتصف القرن العشرين، أي بنسبة يقين تبلغ 95 في المائة بحسب المصطلحات الدقيقة جدا للتقرير، في حين كانت نسبة اليقين في التقرير الأخير للهيئة الذي صدر في العام 2007 نحو 90 في المائة. 
وثمة أربعة احتمالات أوردها التقرير الجديد حيال الأمور التي يمكن أن تواجهها البشرية حتى نهاية القرن الحادي والعشرين مستقبلا وتتعلق بظاهرة تغير المناخ. 
ويقدر خبراء الهيئة أن حرارة الأرض سترتفع بين 0,3 درجة في أفضل الحالات، و4,8 درجات في أسوأ التقديرات، مقارنة بالمعدل الوسطي المسجل لدرجات الحرارة بين عامي 1986 و2005، فيما تظهر السجلات العالمية أن حرارة الكرة الأرضية ارتفعت نحو 0.8 درجة مئوية منذ الحقبة ما قبل الصناعية. 
ويرتبط هذا التباين في التقديرات بصورة أساسية بكميات غازات الدفيئة المنبعثة في الغلاف الجوي في العقود المقبلة، وهي الغازات المتهمة بأنها السبب الرئيس لارتفاع حرارة الكرة الأرضية وحدوث ما يعرف بتغير المناخ، وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون.
    والاحتمال المتفائل الذي أوردته الهيئة هو أن ترتفع حرارة الكرة الأرضية 0.3 درجة فقط، وهو ما يتيح احتواء الارتفاع في حرارتها عند مستوى درجتين مئويتين مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية، وهذا هو الهدف الذي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقه. 
أما في ما يتعلق بارتفاع مستوى البحار، وهو من نتائج ارتفاع حرارة الكرة الأرضية، فإن الهيئة تتوقع أن يرتفع مستوى المحيطات والبحار بين 26 و82 سنتيمترا بحلول العام 2100، في مقابل ما بين 18 و59 سنتيمترا في التقرير الذي أعدته في العام 2007. 
ويعود التباين بين تقديرات التقريرين إلى أن علماء الهيئة أخذوا في الاعتبار في التقرير الجديد ظاهرة لم تعط حقها في التقرير السابق، وهي ذوبان عدد من الجبال الجليدية الساحلية الواقعة في غرينلاند بمياه المحيط الشمالي المتجمد. 
وتوقعت الهيئة في التقرير الجديد أيضا أن يؤدي ارتفاع حرارة الكرة الأرضية إلى ظواهر مناخية قاسية، على الرغم من أن الهيئة لا تستطيع تحديد ملامح تلك الظواهر وآثارها بصورة جازمة. 
ويرى خبراء الهيئة أن موجات الحر قد تشهد ارتفاعا في وتيرتها، وقد تكون أطول من الموجات المعتادة، وأنه مع ارتفاع حرارة الكرة الأرضة يتوقع أن تصبح المناطق الرطبة حاليا أشد رطوبة بسبب تساقط الأمطار، والمناطق الجافة أكثر جفافا بسبب احتباس الأمطار عنها، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات. 
ويقول أولئك الخبراء إنه نظرا لأن المحيطات تشهد دفئا ولأن أنهار الجليد وألواح الثلوج ستقل في العالم، فإن متوسط ارتفاع مستوى البحار والمحيطات عالميا سيشهد زيادة ملموسة، لكن بوتيرة أسرع مما شهدته البشرية خلال العقود الأربعة الماضية.

إجراءات فورية
وعلقت الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كريستينا فيغيرس على التقرير قائلة: نعلم أن الجهود الرامية إلى الحد من ارتفاع حرارة الكرة الأرضية ليست كافية للحد من ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج بشكل أساسي عن الأنشطة الصناعية.
   وقالت إنه من أجل الخروج بالبشرية من دائرة الخطر، ينبغي على الحكومات أن تتخذ إجراءات فورية وأن تتوصل إلى اتفاق في العام 2015، وذلك في مؤتمر دولي مقرر عقده في باريس، معتبرة أن التقرير أثبت أن أمام البشرية تحديا أكبر وأكثر إلحاحا عما كنا نتصور من قبل.