المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية
        

  • تقرير: عن «الملتقى الأكاديمي اللبناني- الصيني الأول» في بيروت

          في الفترة ما بين 1 - 3 يونيو 2011 استضاف المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية «الملتقى الأكاديمي اللبناني - الصيني الأول» تحت عنوان: «لبنان في مرآة الباحثين».

          عقد الملتقى بالتعاون بين الجامعة اللبنانية وكل من جمعية الصداقة الصينية مع شعوب العالم، والرابطة اللبنانية - الصينية للصداقة والتعاون. وكانت الغاية من انعقاده إبراز صورة لبنان الحضارية، وتعزيز العلاقات الأكاديمية والثقافية بين الجامعة اللبنانية والجامعات الصينية.

          لعلها المرة الأولى التي تستضيف فيها جامعة عربية هذا الحشد من الأكاديميين الصينيين، الذين تحدثوا جميعا بلغة عربية سليمة، وقدموا أبحاثًا مهمة تميز بعضها بالانطباعية الشمولية، والبعض الآخر بالتخصص المعمق. وجاء انعقاد الملتقى بمنزلة تحية للجامعة اللبنانية في عيدها الستين، وهي الجامعة الوطنية التي تحتضن أكثر من أربعين بالمائة من الأساتذة والطلاب الجامعيين، من جميع المناطق والطوائف. وهي تتمتع بسمعة أكاديمية متميزة بصفتها منارة ثقافية تصدر منشورات ومجلات أكاديمية ذات جودة عالية.

          شارك في الملتقى عن الجانب الصيني سبعة أكاديميين صينيين ينتسبون إلى ثلاث جامعات صينية، ومنهم من نال جوائز عالمية. وقدموا جميع أبحاثهم عن لبنان وباللغة العربية. وشارك عن الجانب اللبناني اثنا عشر باحثًا من أفضل الأكاديميين اللبنانيين في مجال تخصصهم.

          توزعت أعمال الملتقى على خمس جلسات علمية أو محاور بحثية كانت على التوالي: المحور الدبلوماسي - التاريخي، ومحور الثقافة ودور لبنان في العالم، ومحور خاص بأدب جبران خليل جبران وفنه، ومحور الأدب اللبناني والموسيقى في لبنان، ومحور الاقتصاد والتربية والتواصل والترجمة في لبنان.

          وتناولت أبحاثه موضوعات لبنانية حملت العناوين التالية: لبنان الملون في قلبي، والدبلوماسية اللبنانية في الصين، والأخطل الصغير بشارة الخوري: صوت الوطن، واستقلال لبنان في بعديه الإقليمي والدولي، والحياة الدستورية في لبنان، والحياة الروحية في لبنان، ولبنان المنفتح على العالم، والبعد الاجتماعي للمسألة الثقافية في لبنان، وجبران خليل جبران في الصين، والمسألة اللبنانية عند جبران خليل جبران، وجبران خليل جبران والأديب الصيني «ون إيتو»، وجبران فيلسوف الرسم والكلمات، وأحب الأدب اللبناني، ومفهوم النهضة في الأدب اللبناني المعاصر، والموسيقى في لبنان من وجهة نظر باحث صيني: الأخوان رحباني نموذجًا، والاقتصاد اللبناني: الواقع والآفاق المستقبلية، والنظام التربوي في لبنان، ووسائل الإعلام والإعلان في لبنان: صلة وصل وتواصل، ودور لبنان في حركة الترجمة.

          تجدر الإشارة إلى أن الأكاديميين الصينيين الذين وفدوا إلى الملتقى قد درسوا اللغة العربية وآدابها بصورة شمولية في الصين. ومع أنهم غير متخصصين في الدراسات اللبنانية، إلا أنهم بذلوا جهودا كبيرة لتقديم أبحاث شمولية وأخرى متخصصة عن لبنان. في حين تولى الأكاديميون اللبنانيون مهمة تقديم أبحاث علمية تفصيلية تناولت جوانب متنوعة من تاريخ لبنان، الدستوري، والسياسي، والتربوي، والاقتصادي، والإعلامي، وحياته الروحية، وتراثه الموسيقي، والفني، والثقافي، والأدبي.

          ركز الباحثون الصينيون على دور مدينة بيروت كواحة حضارية للتفاعل الحقيقي بين الثقافات. وأشادوا بالتعليم العصري في لبنان، وبجامعاته المتطورة، ومطابعه الناشطة، وصحافته الحرة، ومسارحه الطليعية، وفنونه الإبداعية، وموسيقاه العربية الأصيلة المنفتحة على الموسيقى العالمية، وحركة الترجمة العلمية المزدهرة في مؤسساته الثقافية الرسمية والخاصة. وكان لجبران خليل جبران نصيب وافر من الملتقى حيث تبارى باحثون صينيون ولبنانيون في الإشادة بأعماله الإبداعية التي ترجمت مرات عدة إلى اللغة الصينية ولاقت ترحيبًا حارًا من جانب المثقفين الصينيين. وقدمت إلى الملتقى دارسات علمية أصيلة وبالغة الأهمية حول أدب جبران وتراثه الثقافي والفني، وتم التنويه بالمؤسسات الفنية والإعلامية والثقافية اللبنانية في مرحلة الاستقلال، الرسمية منها والخاصة، والتي ساهمت في تشجيع الفنون، وتطوير موسيقى لبنانية أصيلة ومتميزة في مجال الفولكلور والمغناة اللبنانية الموضوعة باللغة العربية أو المقتبسة عن الأعمال العالمية بعد لبننتها وتطويرها. وألف بعض الموسيقيين اللبنانيين الكبار أعمالا موسيقية رائدة، وسيمفونيات عالمية على غرار الأعمال الموسيقية الغربية.وتميزت الأعمال الفنية والأدبية اللبنانية بالانفتاح التام على التراث الثقافي العالمي، في مختلف الحقول والمجالات.

          أظهر معظم الباحثين الصينيين إعجابا شديدا بالتنوع الديني والتعددية الثقافية التي كان لها دور أساسي في إعطاء صورة جميلة عن لبنان في الخارج. فهو بلد ديمقراطي يتميز نظامه السياسي بالصحافة الحرة، والتعليم العصري، والبنية الاجتماعية اللبنانية المبنية على الانفتاح والتنوع والتعددية، والقوى والأحزاب السياسية ذات التوجه الديمقراطي الرافض لكل أشكال الديكتاتورية والانقلابات العسكرية التي هيمنت على كثير من الدول العربية. وقد تميز تاريخ لبنان الحديث والمعاصر بتعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية والإعلامية والأدبية والفنية، كما ان الدستور اللبناني ضمن حرية التعليم والطباعة والنشر دون رقابة مسبقة من الدولة، بالإضافة إلى وجود حركة نقابية فاعلة ومتميزة في مختلف مؤسسات العمل المهني، ونقابات عمالية، ونقابة للصحافة، ونقابة للمحررين، واتحاد للكتاب، واتحادات جامعية، وغيرها.

          ومنهم من امتدح الموقف الشجاع لبعض شعراء لبنان الذين وقفوا ضد الظلم والإرهاب، ورفضوا الانصياع لإرادة الحاكم المستبد، وألفوا قصائد رائعة تحث الشعب على النهوض، ومحاربة الظلم والفساد، والدفاع عن الأرض، ورفض الاحتلال الإسرائيلي، والدعوة المستمرة لتقديم أغلى التضحيات دفاعًا عن فلسطين وحق شعبها في الحياة الحرة الكريمة، وعودته إلى وطنه، وبناء دولته المستقلة على أرضه.وهناك قصائد لا حصر لها في مديح لبنان الذي لم يستسلم لأي احتلال خارجي بل قدم التضحيات الكبيرة لكي يبقى شعبه مرفوع الرأس، وموفور الكرامة. وهي قصائد رائعة في حب لبنان الوطن، واستعداد اللبنانيين لبذل أغلى التضحيات للحفاظ على استقلال وطنهم وعزته وكرامة شعبه.

          ونوه بعض الباحثين بدور «ملتقى لبنان الثقافي في بكين»، والذي تأسس في العقد الأخير من القرن العشرين بدعوة من سفارة لبنان في الصين. وكان الهدف منه جمع عدد من الأدباء والباحثين والطلاب الصينيين المهتمين بالتراث اللبناني بشكل خاص والعربي بشكل عام. وقد نجح في إقامة ندوات أدبية شهرية غير منتظمة في بكين دعي إليها عدد من المفكرين اللبنانيين، وتم التعريف بمؤلفات عدد من الأدباء اللبنانيين وترجمة أكثر من أربعين كتابا من أعمالهم إلى اللغة الصينية، وأبرزها مؤلفات جبران خليل جبران الكاملة، وبعض مؤلفات ميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وتوفيق يوسف عواد، وأمين معلوف، وغيرهم.

          وأشار بعض الباحثين إلى أن مسيرة التعاون الأكاديمي بين لبنان وباقي الدول العربية من جهة، والصين ودول جنوب شرق آسيا كاليابان والهند وكوريا وغيرها من دول النمور الآسيوية من جهة أخرى، قد تأخرت كثيرا وما زالت متواضعة جدًا.في حين أن بعض القوميات الصينية تدرس اللغة العربية في مدارسها المحلية منذ وقت مبكر. وأن جامعات صينية عدة تدرس اللغة العربية وآدابها، وتظهر اهتمامًا واضحًا بقضايا المنطقة العربية. ويدرس آلاف الطلبة العرب في الصين، لذلك تتزايد نسبة الطلبة الصينيين الذين يدرسون في الجامعات العربية، ومنذ سنوات قليلة بدأت الجامعة اللبنانية تستقبل في كل عام مجموعة من الطلبة الصينيين على مستوى الماجستير والدكتوراه لدراسة اللغة العربية وآدابها.

          لقد أبرز الملتقى بوضوح ساطع أن الصين اليوم تمتلك طاقات أكاديمية كبيرة، وقد تزايد دورها على المستويين الآسيوي والكوني، وتبدو الحاجة ملحة لتطوير العلاقات الأكاديمية بين الجامعة اللبنانية، أو بالأحرى بين جامعات لبنان والعالم العربي والجامعات الصينية لدراسة نظم التعليم الأكاديمي في الصين.فقد ساهمت المناهج الأكاديمية المتطورة في الصين (زمن الإصلاح والانفتاح منذ العام 1978) في بناء مجتمع معرفي متطور.وللتعليم الأكاديمي دور أساسي وفاعل في الصين المعاصرة التي شهدت إصلاحات جذرية على مختلف الصعد.

          ففي ظل سياسة الإصلاح والانفتاح تم التركيز على نشر التعليم العصري ومراكز البحوث الأكاديمية ذات التمويل الجيد على نطاق واسع، وتوطين التكنولوجيا المتطورة والإبداع فيها، واعتماد الإدارة النظيفة ذات الكفاءة العالية، وإقامة التوازن بين القطاعين العام والخاص. وترفض الصين نظام القطب الواحد في عصر العولمة، وتعمل على بناء نظام دولي جديد يحافظ على قيم الحضارات العريقة، وإقامة عولمة ثقافية أكثر إنسانية، وتعزيز فرص الحوار الإيجابي بين الثقافات والحضارات. ويركز التعليم الأكاديمي في الصين على كل ما هو إيجابي في التراث الثقافي الصيني، مع الانفتاح التام على العلوم العصرية وثورات العلم والإعلام والإعلان والتواصل، فمنذ القدم انفتحت الصين بالكامل على جميع الثقافات وحاورتها من موقع الندية.وشرعت الأبواب أمام الرساميل الخارجية، والعلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، وعرفت كيف توظف ثمرات الانفتاح لتوليد مجتمع المعرفة وتوسيع دائرة الطبقة الوسطى إلى أن أصبحت الصين واحدة من أكثر دول العالم استقرارًا، وتحقق نسبة نمو سنوية مرتفعة مع كثافة كبيرة في الإنتاج والتجارة والادخار المالي.

          وقد نشرت دراسات عدة تؤكد على أن القرن الحالي سيكون آسيويا بامتياز. وتربط لبنان والعالم العربي بالصين ثقافات مشتركة تفاعلت مع ثقافات الحوض الشرقي للبحر المتوسط منذ القدم. ويولي الصينيون أهمية خاصة لتطوير دراسات موثقة تتناول طريق الحرير الثقافي بين العرب والصين، والذي كان ينتهي قديمًا عند مدينة صور اللبنانية، وتشكل تلك الدراسات مدخلاً مهمًا لتطوير التفاعل الأكاديمي والاقتصادي بين الجانبين في المرحلة الراهنة. وبصفته بلد العلم والإبداع الأدبي والفني، بإمكان لبنان أن يلعب دورًا أكاديميًا بارزًا في تجديد طريق الحرير الثقافي المعاصر بين الصين والعالم العربي.

          نخلص إلى القول إن تواصل العمل الأكاديمي بين الجامعات اللبنانية والصينية يحتل اليوم مرتبة الضرورة القصوى، وذلك يتطلب عملاً مبرمجًا وطويل الأمد بحيث تستضيف جامعات صينية الملتقى الأكاديمي اللبناني - الصيني الثاني في العام القادم ليصبح الملتقى الأكاديمي دوريًا،مما يساعد على تأسيس مسار أكاديمي جديد لكي تزداد معرفة الأكاديميين العرب بالصين عبر المشاهدات العيانية من جهة، وما يقدمه الأكاديميون الصينيون من بحوث علمية تفصيلية متنوعة عن الصين المعاصرة من جهة أخرى.

          ختاما، لقد أبرز هذا الملتقى حاجة ملحة لتوقيع الجامعة اللبنانية وغيرها من جامعات لبنان اتفاقيات علمية لتطوير التبادل الأكاديمي مع جامعات صينية في أقرب فرصة ممكنة، فلابد للعرب من التوجه شرقًا في الجانب الأكاديمي بعد أن تجاهلوه طويلاً، ودون أن يقطعوا مع التوجه غربًا، بل يقيموا التوازن لتعزيز مصادر ثقافتهم الأكاديمية من جامعات الغرب والشرق معًا. والمطلوب ألا تبقى الاتفاقيات المنوي توقيعها مع جامعات الشرق الأقصى حبرًا على ورق على غرار مئات الاتفاقيات الملقاة في أدراج الإهمال. فالساحة الثقافية مفتوحة الآن على مصراعيها لتوسيع دائرة التعاون العلمي بين لبنان، لا بل بين كثير من الجامعات العربية والجامعات الصينية لإطلاق حركة تبادل أكاديمي واسعة بين الأساتذة والطلاب، وتدريب التقنيين والفنيين، وتطوير الروابط الثقافية والإبداعية بين الشعوب العربية والصينية. وقد فتح هذا الملتقى آفاقًا واسعة للتعاون الأكاديمي في المستقبل بين الجامعات العربية وجامعات دول الشرق الأقصى وفي طليعتها الجامعات الصينية واليابانية والهندية والكورية وغيرها من الجامعات التي تحتل مراكز متقدمة في ترتيب الجامعات ذات الجودة العالمية.

لبنان: مسعود ضاهر

  • فنون: النخبة في الصفوف الخلفية .. التجربة الفنية التونسية بعد الثورة

          ليسوا هنا هذه المرة ولا هذه الثورة، لا يوجد هنا «جان جاك روسو» بعقده الاجتماعي ولا «منتسكيو» بتنظيراته, ولا حتى الجزار «روبسبير», لا مبدعون ولا منظرون ولا قادة, مازال الكثير من شوارع تونس أو أنهجها - كما يحلو لأشقائنا تسميتها هناك - وساحاتها يحمل أسماء فرنسية منذ عهد الاستعمار وعهد الاستقلال أيضًا, فهنا ساحة «باستور» أو حتى «منديس فرانس», وقد تجد من الطريف أن حي «لافايات»، الذي سكنته إلى جانب حي «سيدي البحري» أو «باب سويقة».

          تراجعت الأسماء الفرنسية من الصدارة لتحل محلها الأسماء العربية في صدارة الثورة.. هنا «سيدي بوزيد»، «قفصة»، «الرديف»، «القصرين»، «الحوض المنجمي»، إلى جانب «القيروان»، «تونس بنزرت», وتراجعت الأسماء الأجنبية مثلما تراجعت النخبة المبدعة والمفكرة مع القادة عن قيادة الثورات.. فهل أصبحت النخبة أجنبية غريبة ومنفصلة عن هموم الوطن؟ الحالة التونسية تعكس الحالة العربية، لم تكن النخبة تقود الشعب كما كان في السابق, كانت النخبة هذه المرة في «الصفوف الخلفية»، كما قالت الممثلة والكاتبة التونسية ليلى طوبال مديرة «مسرح الحمراء»، وهي لم تكذب فقد كان الحال كذلك في مصر وسائر الأقطار العربية الساخنة الآن.

          كان الشعب في الأمام يقود، تتبعه النخبة التي ما إن استفاقت على الواقع الجديد حتى حاولت لاهثة ألا تكون في آخر صف وناضلت للحاق بالصفوف الخلفية مثلما يناضل البعض منها الآن للركوب على الثورة, فالشعب لا يسعى وراء الإعلام والكاميرات ولا بطولات مصطنعة زائفة تسرق جهود الغير.. فما بالك بدمائه ؟!. لا محالة كان من الحتمي أن يكون للثورة صدى إبداعي على جميع الصعد الإبداعية إن جاز التعبير في الأدب والمسرح والسينما, الشعر والغناء والفنون التشكيلية، فهل تحقق ذلك في تونس أو حتى في مصر وقد شهد كاتب السطور أحداث الثورتين وتداعياتهما أيضًا؟

          أخشى الإجابة بأن المردود إلى الآن ليس بعظمة الحدث، ويرجع ذلك لعدة أسباب أولها:

          1 - أننا لا يمكننا إغفال أن الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر حتى النصف الثاني من القرن العشرين قد شهدت قامات إبداعية قل أن يجود الزمان بمثلها من المحيط إلى الخليج أفرزتها تحديات كبيرة على جميع المستويات التعليمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحلم الانعتاق من ربقة الاستعمار لبناء أوطان حقيقية تشعر المواطن البسيط بقيمته الإنسانية.

          2 - كان طول الفترة الممتدة قرابة قرن من الزمان كافيًا لكي يتلقى المعين الإبداعي ما يصله من الغرب بتؤدة لكي يصهره في بوتقته ويمزجه بموروثه، ليسبك الجديد مع القديم ويعيد إنتاجه مطبوعا بالخصوصية الإقليمية والمحلية في صياغة محكمة ومعبرة عن الواقع المعيش.

          3 - انفصال النخبة عن الواقع المعيش إلى حد بعيد, بل إنها لم تكتف بالجلوس في برجها العاجي فقد تزيدت أيضًا أو بالأحرى تطرفت بحيث تعالت على المتلقي وعلى الأخذ بيده لكي يرتقي إلى مستوى خطابها إن كان هذا الخطاب راقيًا في جوهره حقيقة لا مجرد شعارات وعناوين براقة جوفاء.

          لا شك في أن التقاعس عن هذه المهمة قد أفسح المجال لكل رديء أو حتى تقليدي ليسيطر على الشارع.. لتكون المحصلة هي تراجع الذوق العام وتقهقره «وهي جريمة لا تغتفر في حق النخبة», أو على الأقل تبقى وضعية تطور التلقي «محلك سر» وذلك معناه الجمود.

          كان المسرح التونسي المتطورخاصة فترة الثمانينيات لا شك خطابه نخبوي غير معني بمخاطبة الشارع في معظم الأحيان فكانت السيادة لمسارح «البولفار» «والكاباريه السياسي» أو « الكوميديا ديلارتي» القادمة من المشرق عبر الغرب «بتصرف» والتي نعرفها جيدًا وحاكها مسرحيون توانسة، ولم تكن سيادة هذا النوع المسرحي مطابقة تمامًا للتعريف العلمي بقدر ما كان التعريف الأكاديمي مجرد محاولة لتقريب هذا الإشكال الأقرب للتهريج الفارغ منه للأصناف المسرحية الحقيقية ويمكننا القول إنه صنف مسرحي متفرد يخلط بين «البولفار والكوميديا ديلارتي والكاباريه» ليخرج بمولود هجين يمكن أن نطلق عليه «حالة داون مسرحية».. «مسرح منغولي» إن جاز التعبير يحمل مقدارًا من العته والاستخفاف بالمتلقي ومقادير من تخلف الخطاب الذي ينحدر بذوق المخاطب.

          كذلك كان الأدب بروافده المتعددة يتعلل بأشكال لم يتم استيعابها في معظم الأحيان بصورة جيدة فكان المردود إما غريبًا أو مغتربًا وقد تاه الأدباء بين البنيوية والحداثة وما بعدها، دون أن تكون هناك القدرة على الاستيعاب الجيد في معظم الأحيان لكي نحصد ما نأمل.., وربما كانت سرعة إيقاع العصر فائقة بحيث كانت أكبر من اللحاق بها في ظل أنظمة سياسية ديكتاتورية شمولية مستبدة لم تتح الفرصة لأصحاب الكفاءة والموهبة، بقدر ما أتاحت الفرصة لأهل الثقة وأبناء النظام أيّا كان استعدادهم في التلقي والعطاء، الذي أصبح موجها يدور في فلك النظام، مما أتاح الفرصة لإتاحة مساحات للمشروع الأصولي المتطرف، بحجة أن كل الأطروحات الأخرى فاشلة. وينبغي أن نؤكد هنا أن الحالة التونسية نسخة مطابقة للأصل من الحالة العربية العامة، مع مراعاة خصوصية كل قطر.

          بدأت السينما في تونس مشوارها في التعرف على الفن الجديد بعد تجربة الأخوين «لومير» في باريس بعام تقريبا وعربيا بعد مصر مباشرة، وقد قدم الأخوان لومير عرضًا تاليًا لتجربتهما في باريس بمدينة الإسكندرية وتبعتها تونس في التعرف على الفن السابع في وقت مبكر جدًا, ويقوم التونسي ألبير الشكلي اليهودي الذي عاش بين تونس وباريس بإخراج الفيلم التونسي الأول «زهرة» سنة 1922 ثم فيلمه الثاني عام 1924, ورغم هذه البداية المبكرة لا يمكن القول بأن السينما في تونس تحولت إلى صناعة حقيقية كما حدث في مصر، لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها.., حيث نجد أن إنتاج الأفلام الروائية الطويلة في تونس بعد الاستقلال لا يتجاوز «110» أفلام بالرغم من بروز أسماء مهمة في تاريخ السينما التونسية في العقود الخمسة الأخيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: «رضا الباهي وفريد بوغدير ونوري بوزيد ومفيدة التلاتلي.. إلخ»، وكانت السينما التونسية قبل الاستقلال أو بالأحرى المحاولات السينمائية قليلة جدًا، لذا لا يمكن النظر للسينما التونسية بعين الاعتبار إلا في فترة ما بعد الاستقلال بالرغم من عدد الأفلام المتواضع.

          ولو قلنا إن المردود كان جيدًا على مستوى لغة «التكتيك السينمائي» إلا أن المضمون كان فيه قولان.. ففارق كبير بين سينما تقدم ما يريده العالم الغربي الذي قد يمنح التمويل والجوائز, وما يريده الجمهور التونسي.. وربما تأذى الجمهور في أحيان كثيرة من تركيز بعض الأفلام التونسية على مظاهر اختفت - أو كادت - مثل «الوشم، ختان الإناث، قمع الأنثى، الحمامات الشعبية، طقوس الشعوذة المختلطة بالطقوس الدينية، مظاهر التخلف الاجتماعي المتعددة»، وتكريس التوق للانعتاق من كل ذلك عبر البحر دائمًا.., لكن كانت هناك أيضًا محاولات تحمل طرحًا مغايرًا واستشرافًا جادًا كالذي قدمه المخرج رضا الباهي في فيلمه الدال «شمس الضباع» الذي يستحق قراءة جديدة الآن.. «وذلك على سبيل المثال لا الحصر».

          اليوم نجد أن عددا من المخرجين يشاركون بما يسمى «أفلام الثورة» في مهرجان وثائقيات تونس (كأن الثورة في تونس ومصر قد انتهت أو اتضحت معالم نتائجها)! لنجد المخرج محمد الزرن يقدم فيلمًا بعنوان «ديقاج» وهي كلمة فرنسية تعني «اخرج برة» فيما يقدم محمد علي النهدي فيلمًا بعنوان «أخيرًا أعبر», و«زطلة» لرضا الباهي، و«ملاكمة نسائية» لسامي الطرابلسي، و«لطيفة ربانة»، و«ديقاج بلوس» لحلمي العياري, لكننا بالتأكيد لا نعلم شيئًا عن المضمون حيث لم تعرض تلك الأفلام بعد حتى تاريخ كتابة السطور.. إذن هل يمكننا القول إنها قراءات متسرعة لثورة مازالت لم تتضح معالمها ولم تضع أوزار النظام السابق بعد؟ وهل تكون تلك الأفلام لمجرد إحراز قصب السبق في احتلال الصفوف الأمامية لثورة لم تكتمل؟، ألم أقل لكم إن الحالة التونسية هي مجرد نموذج مصغر للحالة العربية العامة.

المطبوعات والموسيقى والغناء

          وصل عدد الأحزاب التي تطلب الترخيص لها حتى الآن ستة وستين حزبًا في بلد تعداده لا يتجاوز الـ11 مليون نسمة! وهو رقم مهول وبالتأكيد ستكون لهم مطبوعات تعبر عنهم وقد تكون لهم ملاحق متخصصة في مجال الثقافة والفنون لاجتذاب القراء في مجتمع متعطش لمثل تلك الإصدارات.., لذا نجد الكاتب والأديب عزالدين المدني قد قام بضربة استباقية، متقدمًا بطلب الترخيص لمجلة ثقافية تعنى بالنقد والدراسات الأدبية والأيديولوجية.

          بالتأكيد كانت الموسيقى والغناء قد تم تكريسهما لما يقرب من عقدين ونيف ليكونا بوقًا للنظام إلى حد المصادرة حتى على أعمال وطنية ترجع إلى ما قبل فترة حكم زين العابدين بن علي, فضلاً عن وجود مسئولين ضيقي الأفق كانوا «ملكيين أكثر من الملك» كأحد رؤساء مؤسسة الإذاعة، الذي أسس خزينة حمراء للممنوعات ضمت أغنية عاطفية للمطربة الكبيرة «عليا» لمجرد أن كلماتها تقول «ها الزين هذا لواش.. يا مكحلة لرماش», تسأل فيها الحبيب لماذا كل هذا الجمال؟ «ها الزين هذا لواش» فاعتبرها الرجل الذكي فيها مساس بزين العابدين بن علي بالرغم من أن الأغنية كانت قبل اعتلائه سدة الحكم بفترة طويلة! ولعل الثورة تستطيع تبديل مثل هذه العقليات.

          وقد كان كاتب السطور أول من رصد ظاهرة تفشي الهجمة المنظمة لأغاني الراب إن جاز التعبير فهو في ملتي واعتقادي وسيلة تعبير أكثر منه فنا، وكان ذلك قبل قيام ثورة تونس بفترة وجيزة وكانت تلك الأغاني رغم ما تتسم به من مغالطات تاريخية وتطرف وسطحية وسوقية في معظم الأحيان، إلا أنها كانت تعبر عن فئة عريضة من الشباب الغاضب المتمرد الذي كان سببًا مباشرًا في سقوط النظام، وربما آخر مسمار في نعشه, وكانت أول من رصد هذه الظاهرة وحاولت مناقشتها في الإعلام التونسي الرسمي قدر الإمكان الإعلامية سعيدة الزغبي سليمان في برنامجها الإذاعي «ساعة حوار».

          في الفن التشكيلي بدأت المعارض التي تعلن أنها من وحي الثورة في الخروج إلى النور ولعلها تستطيع التعبير عن الأحداث بصورة أقوى.. فالفن التشكيلي بكل روافده لديه القدرة على البوح دون أن يتمكن أحد من محاكمته، ربما لأنه أقل تقريرية لكن يبقى السؤال الملح تونسيًا ومصريًا وعربيًا.. هل اكتملت الثورة حتى نعبر عنها؟!

تونس: خالد سليمان

  • في مترو الأنفاق: مبدعون يحقنون الوطن بمداد إبداعات الثورة

          لم تفلح الأيام، والشهور التي مرت منذ انبلاج ثورة 25 يناير، في أن تطفئ جذوة ميدان التحرير، هذه البقعة المصرية، التي قبع فيها التاريخ ثمانية عشر يومًا، يترقب، ويرصد، وينبهر، ويسطر حروفًا من خيوط القمر، لينسجها بهبات النسيم الثوري، وأعاصير الهتافات المزلزلة، التي لم تصمد أمامها عروش الاستبداد، وجحافل القهر والعناد، حتى تأرجت سماء التحرير بهتافات الفرحة الراقصة، وغيَّر هدير الثائرين معالم التاريخ وتضاريس اللحظة المرجفة.. فاستحال ميدان التحرير إلى أيقونة يزهو بها الشباب، ويرنو إليها الكهول، ويرغبها الشيوخ والعجائز، وسرعان ما تمدد الميدان ليصبغ أمواج الأثير بألوان بهجته، وأزهار عنفوانه.. فأضحى عنوانا على الحياة، وحياة للوطن الثائر.. ورأيناه يتحول إلى محطة تلفزيون، وجريدة إلكترونية، وإذاعة، وسلاسل كتب، وأغنيات، وكليبات.

          وإذا كان المفكر والروائي التونسي د.محمود طرشونة قد انتقد أصحاب الثورتين في ساحة القصبة بتونس، وميدان التحرير بمصر، لأنهما فرَّطا في حقهما ولم يُخلِّدا شعارات الثورتين ورسومهما وفنونهما في معرض مفتوح دائم، سواء في الساحة، أو الميدان، فإن عددًا من شباب الفنانين في القاهرة، أطلقوا على أنفسهم «رابطة فناني الثورة» نزلوا إلى باطن الأرض أسفل ميدان التحرير، والمجمع، والكعكة الحجرية التي خلدها أمل دنقل في أشهر قصائده، واتخذوا من أحد ممرات محطة مترو الأنفاق التي تحمل اسم «أنور السادات» فضاء لعرض إبداعهم حول الثورة والغضبة والرغبة في الحصول على غد أفضل من بين أنياب الطغاة.

          ويبدو أن المهندس محمد الشيمي، رئيس الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، أعجب بفكرة

          د. طرشونة فقرر أن يجعل هذا المعرض، الذي اقترحه الفنان الشاب إسلام المصري، معرضًا دائمًا يمكن لكل زائر لميدان التحرير أن يرتاده، ويشاهد لوحاته التي تعد وثائق باقية على أهم ثورة في التاريخ الحديث أشعلها شباب مصر بإصرارهم على امتلاك ناصية يومهم وغدهم. وكأن فناني الثورة، بهذا المعرض، يحقنون عروق الوطن بمداد إبداعات الثائرين، ولعل هذا ما حفز فنانًا كبيرًا مثل د.أحمد نوار، أحد قناصة القوات المسلحة المصرية، على افتتاح هذا المعرض، وهو الذي صمم ونفذ واحدًا من أهم النصب التذكارية التي تخلد شهداء ثورة 25 يناير في مصر جنبًا إلى جنب مع أعمال فنانين كبار آخرين مثل: محمد حجي، ومحمد عبلة، ومحمد الطراوي، وعز الدين نجيب، وغيرهم ممن سجلوا يوميات الغضب والثورة في: جدارياتهم، ولوحاتهم، واسكتشاتهم، لتبقى جنبًا إلى جنب مع قصائد: حجازي، وحجاب، والأبنودي، ونجم، وشوشة، ومحمد أبو دومة، وماجد يوسف، وحسن طلب، وحسن توفيق، وحلمي سالم، وسعاد الصباح، وسعدي يوسف، وأحمد سويلم، ويوسف نوفل، وأحمد شلبي، ومحمد الشحات، وفولاذ، والسماح عبدالله، ومهدي بندق، وأحمد تيمور، وأشرف أبو اليزيد، وأحمد كمال زكي، وعزت الطيرى، وحسين القباحي، وأحمد مبارك، وفؤاد طمان، وأبوالفضل بدران، وأحمد فضل شبلول، وعبد الجواد طايل، ومصطفى رجب، وأحمد دومة، وغيرهم من شعرائنا الذين توهجوا بنور هذه الثورة ونارها.

          وقد ضم المعرض نحو 185 عملًا توزعت على معظم فنون التشكيل من لوحات زيتية وثانية بالخامات الطبيعية، وثالثة تنتمي إلى فن التصوير الفوتوغرافي والجرافيك، وإن غاب النحت، ربما لضيق المكان، ولم يقتصر على أعمال الأحياء فحسب، بل عرضت فيه لوحات لفنانين استشهدوا أو رحلوا مثل زياد بكير وشهاب حسن.

          والطريف أن ثلاث لوحات اختفت منه بعد يوم واحد فقط من افتتاحه، وهي تدخل في فن الـ «ميكسيد ميديا»، وتعكس الفساد في عهد مبارك، إحداها تحمل اسم «الباشا الكبير» وتتناول شخصية الرئيس السابق، والثانية «الهانم» عن زوجته سوزان ثابت، والثالثة «دراويش مبارك» عن بطانته وحاشيته.

          ومن اللوحات التي تستوقفنا لوحة الفنانة حنان النشرتي التي تصور مبارك خلف القضبان، بينما الرؤساء: محمد نجيب، وجمال عبدالناصر، وأنور السادات، يلوحون بالتحية للشعب المصري، وقد أداروا جميعهم ظهورهم لمبارك.

          وتشير سارة محسن، المنسقة الإعلامية لـ«رابطة فناني الثورة»، إلى أن المعرض بدأ فوق الأرض في ميدان التحرير، من خلال أعمال محدودة عرضت أثناء الثورة، موضحة أن الخطوة القادمة تتمثل في نقل المعرض إلى عواصم العالم لتخليد ما أنجزته ثورة 25 يناير، أما الفنان أسامة الليثي فيرى نقل المعرض إلى مبنى مطار القاهرة الجديد ليستقبل القادمين إلى مصر.

          ولكن تبقى وراء هذا المعرض قصص وقصص تتعلق باقتسام المسئولية بين الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو، ووكالة الإعلان صاحبة حق استغلال المساحات على جدران الأنفاق في مختلف المحطات، وقد نجحت الفكرة في الخروج إلى النور، واجتذبت اهتمام الجمهور الذي لم يستطع - أمام ما يراه - سوى أن يُبطئ من سرعته أو يتوقف تمامًا مفضلًا الفرجة على المُضي إلى وجهته.

          وهنا تجدر الإشارة إلى فكرة أخرى سبق أن طرحها عليَّ صديقي الناقد د.رشيد العناني، الأستاذ بجامعة إكستر البريطانية، الذي اقترح أن تتبنى وزارة الثقافة، بمشاركة إدارة مترو الأنفاق في بلادنا، عرض قصائد من ديوان الشعر العربي على جدران المحطات لإمتاع الركاب وربطهم بفن العربية الأول، كما يفعل مترو لندن، الذي يعرض عيون الشعر الإنجليزي في المحطات، ويجمعها في مطبوعة توزعها شركة المترو على الركاب.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • مهرجان: شعراء النيلين يلتقون في الخرطوم

          نظمت وزارة الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم مهرجان «ملتقى النيلين الأول للشعر العربي» بمشاركة العديد من الشعراء العرب جاءوا من 13 دولة عربية، وأكثر من أربعين شاعرًا وناقدًا من السودان، وكما وصفها الراحل المقيم نزار قباني «الخرطوم تتذوق الشعر وتمجد الشعراء».. ها هي درة النيلين وملتقاهما تفتتح مربدها وترحب بعمالقة الشعراء العرب في مهرجان ملتقى النيلين، أسماء لامعة لشعراء توّجوا في ذاكرة الأمة إبداعهم الشعري، بينهم عبدالرزاق عبدالواحد الذي لاتزال قصيدته «صبر أيوب» تناغم الذاكرة العربية والسودانية. وقد أحب السودان، ومن مقر إقامته في باريس أعلن فورًا استجابته للمشاركة، ومن تونس المنصف المزغني أمير الشباب شعرًا وحضورًا ومن السعودية م.جاسم محمد الصحيح ومن مصر نجم الشعراء الشباب أحمد بخيت، ومن موريتانيا ومن الجزائر والإمارات والأردن وفلسطين وغيرها.

          وقد شارك في الجلسة الافتتاحية عدد من الشعراء العرب بقصائد عربية رصينة على رأسهم الشاعران السودانيان عبدالقادر الكتيابي وسيف الدين الدسوقي بجانب الشاعر جاسم محمد الصحيح من المملكة العربية السعودية والشاعر أحمد بخيت من مصر وأيمن العتوم من الأردن، والشاعر هلال الفارعة من فلسطين والشاعر عبدالرزاق عبدالواحد من العراق، وقد حضر ختام المهرجان الرئيس السوداني المشير عمر البشير وتسلم توصياته وبيانه الختامي الذي تضمن رؤية المثقفين والشعراء لمستقبل العالم العربي لتقديمها كتوصيات إلى جامعة الدول العربية.

          وقال وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم د.محمد عوض البارودي إن ملتقى الشعر العربي الأول سينظّم سنويًا حتى تكون الخرطوم قبلة لكل الشعراء والأدباء من مختلف أنحاء العالم العربي وإفريقيا، مشيرًا إلى أن الملتقى مشابه تمامًا لتجربة الملتقيات العربية الأخرى المتمثّلة في مهرجان الجنادرية في السعودية ومهرجان أصيلة في المغرب ومهرجان المربد في العراق.

          وأضاف البارودي أن الملتقى يهدف إلى تبادل التجارب والخبرات الشعرية بين الشعراء العرب وتنشيط حركة النقد الشعري في العالم العربي ودفع حركة الثقافة ورفع روح التذوّق الأدبي عند المواطن العربي، مشيرا إلى أنه بجانب أُمسيات الإلقاء الشعري والمطارحات أُقيمت حلقات ثقافية وسمنارات حول تطوير بنية القصيدة العربية وكيفية مساهمة الشعر العربي في دعم الثقافة العربية، وناقش ثماني أوراق بحثية حول الشعر العربي المعاصر والموضوعات النقدية في الشعر العربي المعاصر والشعر السوداني بجانب الندوات الشعرية المصاحبة.

          وأكد الشاعر الدكتور محمد الواثق رئيس اللجنة العليا للملتقى انعقاد عزم القائمين على أمر الملتقى، على تكراره كل عام، بمشاركة الشعراء العرب من كل الفئات العمرية وأن تكون الخرطوم مصدر إشعاع للشعر والثقافة العربية، مشيرًا الى أن اللجنة اختارت فقط الشعراء الذين يكتبون باللغة العربية الفصحى واستبعدت تمامًا الشعر المحلي والعامي، باعتبار أن الملتقى ذو صبغة عربية قومية، ويستهدف تطوير الشعر الفصيح المفهوم والمشترك عند كل الشعوب العربية، وقال إن اختيار الشعراء العرب المشاركين تم وفق كل الأساليب الشعرية سواء كانت التفعيلة أو الشعر الحر.

          ومن أبرز الذين شاركوا في الملتقى الشاعر السعودي المهندس جاسم الصحيح والشاعر المنصف المزغني، ومن الشعراء السودانيين شاركت الشاعرة المعروفة روضة الحاج وعبدالمنعم الكتيابي ومحيي الدين الفاتح وصديق مجتبى وتاج السر الحسن ومصطفى عوض الله بشارة إلى جانب الصادق الرضي وأبو عاقلة إدريس ومنى حسن الحاج ود. عمر أحمد قدور.

          ومن النُقاد شارك د. محمد إبراهيم الشوش ود. بكري محمد الحاج ود. عبدالله بريمة ومجذوب عيدروس ونبيل غالي ود. عبد الله حمدنا الله بالإضافة إلى إبراهيم إسحاق وأبو صباح محمد الطيب.

          وشاركت في الملتقى كذلك الشاعرة التونسية جميلة الماجري، التي تعمل أستاذة للأدب العربي والترجمة في تونس، والتي انتخبت في العام 2008م رئيساً لاتحاد الكتاب التونسيين. وهي كاتبة وناقدة ولها عدة دواوين شعرية، منها «ديوان الوجد» و«ذاكرة الطير» وهي مجموعة شعرية فازت بجائزة أبو القاسم الشابي للشعر، كما شارك الشاعر السوري د. عيسى علي العاكوب، وهو أستاذ جامعي يعمل مدرسًا وباحثًا في اللغة العربية وآدابها في العديد من جامعات العالم العربي وهو أيضًا يحضر في المجمع اللغوي السوري. وقد نشر الكثير من المؤلفات الشعرية أهمها الحكم الفارسية وتأثيرها في العصر العباسي الأول وجماليات الشعر النبطي.

          وشهدت الأمسية الأولى قراءات شعرية تناوب على تقديمها نخبة من الشعراء، في مقدمتهم الشاعر المصري أحمد بخيت الذي عرض لثورة (25 يناير) المصرية ضمن قصيدته «في آخر السطر»: سبعٌ وسبعُون مليونًا على غَضَبٍ/ كفءٌ لأنْ تَقفَ الدُّنيَا إذَا وَقَفُوا.

          أما الشاعر الأردني أيمن العتوم فألقى قصيدة ثورية قاطعها الجمهور بالتصفيق أسماها «منازل الطغاة» أهداها إلى ثورة ليبيا وانتفاضتها، قائلًا إنها تتزامن مع الثورات العربية: إني أرى الثورات غيمًا هاطلًا/ بدَأَتْ بزين العابدينَ/ وغادرت مِنْ بَعْدِهِ حُسنِي إلى القذّافي.

          وحمل الشاعر هلال الفارع من فلسطين تحيته إلى الخرطوم وإلى أطفال غزة وفلسطين، فيما عرض الشاعر السعودي جاسم الصحيّح قصيدة بعنوان «ما وراء حنجرة المغني»، وامتدت القراءات للعديد من الأصوات لشعراء من السودان واليمن والبحرين والعراق وتونس والجزائر.

          وقد تناولت الأوراق النقدية العديد من القضايا الشعرية وإسهامات بعض الشعراء في حركة الشعر العربي «قديمة وحديثة» حيث استهلت بورقة عن محمّد أحمد المحجوب «شاعر سوداني» وشُعراء جيله، التي قدمها د.محمد الواثق الشاعر وأستاذ الأدب العربي بجامعة الخرطوم، إضافة إلى ورقة بعنوان «آفاق الأدب المؤدب في الفصول والغايات عند أبي العلاء المعري» التي قدمها د.عيسى العاكوب عميد كلية الآداب بجامعة دمشق بسورية، وحمزة الملك طمبل «شاعر سوداني» ناقدًا و«الوضوح والغموض في الشعر العربي بين التراث والحداثة» التي قدمها د.وليد قصاب، أستاذ الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشاعر والناقد المعروف بجانب قصائده في اللقاءات والأمسيات، بالإضافة إلى أوراق «بنية القصيدة عند عمر أبي ريشة» و«صور التّناص في تاريخ الشّعر العربي»، و«أزمات الشّعر وتحدياته المعاصرة».

          وقد لفت مهرجان النيلين الشعري بالخرطوم الأنظار لكونه يضم غالبية شعراء العالم العربي، في وقت يشهد فيه السودان خطابًا سياسيًا محتدمًا يطغى على المشهد، لتتحول الأمسيات ورواد المهرجان من فرسان شعر جاءوا معبرين عن ثوراتهم، وهمومهم، وقضاياهم الاجتماعية للنظر إلى المستقبل.

الخرطوم: محمد خليفة صديق 

  




مجموعة المشاركين في أعمال الملتقى





ليلى طوبال





نوري بوزيد





الفنان محمد حجي مع كاتب التقرير





د. محمود طرشونة





د. رشيد العناني





والي الخرطوم يتوسط منصة الافتتاح