عضـلات صُنْعِيّـَة

عضـلات صُنْعِيّـَة

يُستعمل تعبير عضلات صُنْعِيَّة  لوصف أجهزة ومواد قابلة للتقلص والتمدد والدوران كوحدة واحدة نتيجة محفز  خارجي، مثل مرور تيار كهربائي أو تسليط شحنة فولتية أو حرارة. وإذا جمعنا الاستجابات للحركات الثلاث – التقلص والتمدد والدوران - بعضها مع البعض  ضمن مجموعة واحدة فسينتج عن ذلك أنواع أخرى من الحركات.

مثلاً نُحْدِثُ الانحناء من خلال تقلص أحد جوانب المادة وتمدد الجانب الآخر. ونظراً للمرونة العالية لهذه المواد ولتعدد استعمالاتها ولارتفاع نسبة قدرتها الفيزيائية نِسبةً للوزن بالمقارنة مع مولدات الحركات الصلبة، فكل ذلك سَيرشّحُ العضلات الصُنْعِيَّة لأن تكون ذات استعمالات كثيرة. ومع محدودية استعمالات العضلات الصُنْعِيَّة في الوقت الحالي، فإن هذه التقنيات ستكون لها تطبيقات مستقبلية كثيرة في الطب والصناعة وتصنيع الروبوتات ومجالات أخرى كثيرة.
تتفوق العضلات الصُنْعِيَّة في أداء عملها على قدرة خصائص العضلات الطبيعية بسبب تحملها الكبير للإجهاد ولقدرتها على المطّ وسرعة المطّ ولمعامل مرونتها الكبير. وأكبر كفاءة معروفة لعضلات صُنْعِيّة حتى عام 2014 كانت بحدود 100 مرة أكثر من قدرة ألياف العضلات الطبيعية ذات الطول نفسه.

خلفية تاريخية
يمكننا أنْ نقول إن دراسات مرونة حركة المواد لها جذور قديمة، فمثلاً قام العالم وليم رونتغن (مكتشف الأشعة السينية) عام 1880 بتجربة عن تأثير المجال الكهربائي الستاتيكي على الخصائص الميكانيكية لشريط من المطاط الطبيعي، حيث قام بتثبيت أحد طرفي الشريط المطاطي وعلق ثقلاً عند الطرف الثاني، بعد ذلك قام برش وتوزيع شحنات كهربائية على الشريط ولاحظ استطالة الشريط بمقدار بضعة سنتيمترات أخرى. كما جرى بحث آخر عام 1899 عن مدى تأثر معامل المط Strain عند تعريض المادة لمجال كهربائي. وفي عام 1925 تم اكتشاف البوليميرات الكهربية الضغطية Piezoelectric Polymers، وأعطيت الاسم «إليكتريت Electret». وتم تصنيع الإليكتريت من خلط أنواع من الشمع مع الراتنج (مادة صفراء صلبة تتخلف عن تبخير التربنتين).
بعد ذلك يتم تبريد الخليط في أثناء تعرضه لمجال كهربائي ستاتيكي، فيتحول الخليط إلى مادة بوليميرية صلبة بخواص كهربية ضغطية. وفي عام 1949 تمت دراسة عن تأثر الكولاجين (المادة البروتينية في النسيج الضام وفي العظام التي تُنتج الهلام عند غليها بالماء) عند غمسه في محاليل حمضية أو قاعدية (قلوية)، فوجدت الدراسة تأثر حجمه بذلك. وبينت أن شعيرات الكولاجين تتمدد عند غمسها في محلول حامضي بينما تنكمش عند وضعها في محلول قاعدي (قلوي). واستمرت البحوث للعثور على مواد أخرى تحاكي في تصرفاتها العضلات الطبيعية. 
ثم أتى الخرق العظيم في عام 1969، عند تصنيع فلوريد البوليفنيلدين (Pvdf (polyvinylidene difluoride ذي الخواص الكهربية الضغطية الكبيرة. ثم جاء الكشف عام 1977 عن بوليميرات موصلة للكهربائية. وفي تسعينيات القرن الماضي تم تصنيع بوليميرات تستجيب لتسليط شحنة بحدود 1 فولت عليها. فما أنْ تُسلط الشحنة حتى تبدأ التمدد ثم الانكماش، وبشكل أكبر من السابق. 
وفي عام 1999 قرر فريق من الباحثين تصنيع ذراع بعضلات صُنْعِيَّة قادرة على لَيّ الذراع البشرية   في رياضة المصارعة الذراعية Armwrestling، وأول جهاز تجاري للعضلات الصُنْعِيَّة كان عام 2002 من قبل شركة إيميكس اليابانية Eamex، وهو عبارة عن سمكة تسبح وحدها وتحرك ذيلها وزعانفها باستعمال عضلات البوليميرات النشطة كهربائياً. ومولت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية Darpa منذ عام 1990 بحوثاً تستعمل بوليميرات نشطة كهربائياً باستعمال السليكون والأكريلك، وأدى ذلك لظهور شركة العضلات الصُنْعِيَّة عام 2003، التي بدأت التصنيع التجاري عام 2008. ومن أهم البحوث عن البوليميرات النشطة كهربائياً هي البحوث عن إمكان استعمالها لتصنيع عضلات صُنْعِيَّة متطورة قادرة على محاكاة العضلة البيولوجية بسبب تمتعها بصلابة ومقاومة ضد التشقق وإمكان أنْ تُجهد واضمحلال اهتزازاتها.

أنواع العضلات الصُنْعِيَّة
يمكن أن نقسم أنواع العضلات الصُنْعِيَّة إلى ثلاثة أنواع رئيسة وفقاً لطبيعة ما يسبب حركاتها، هي:
1 - البوليميرات النشطة كهربائياً 
ElectroActive Polymers) EAP) 
تمتاز العضلات الصُنْعِيَّة نوع EAP بخفة الوزن وقلة الطاقة اللازمة للتشغيل والرجوعية (قدرة الجسم المطاط على الرجوع إلى شكله) وخفة الحركة. وسيكون لها تطبيقات واسعة في المُحاكاة البيولوجية Biomimetic، مثل صناعة الإنسان الآلي والهياكل الخارجية. وسيكون لها في المستقبل تطبيقات في صناعة الفضاء والطب وميكانيك الربط المفصلي وفي عالم الإبهار والتسلية وصناعة الدمى والملابس والسيطرة على الضوضاء والهياكل الذكية.
وهذه البوليميرات يمكن أنْ تُصنّف إلى صنفين: الحركة بالمجال الكهربائي، والحركة بالأيونات.
أ- الحركة بالمجال الكهربائي
تمتاز هذه البوليميرات بتغير حجمها وشكلها عند تحفيزها بمجال كهربائي. وأكثر استعمالات أو تطبيقات هذا النوع من المادة هو القيام بحركات المكائن Actuators عند تسليط مجال كهربائي عليها. وأهم ميزاتها تحملها تشوهات كبيرة في أثناء تعرضها لقوى كبيرة. وهي سهلة التصنيع إلى أي شكل، وذلك بسبب سهولة معالجة كثير من المواد البوليميرية، ما يجعلها متعددة الاستعمالات وقابلة لأخذ الهيئة التي نريد. 
ومن أنواع البوليميرات التي تؤدي حركات المكائن لدينا البوليميرات الكهربية الضغطية Piezoelectric Polymers، وأحد أهم استعمالات EAPs أنها يمكن أنْ تجتمع وتتكامل مع بعضعها البعض لأجل تصنيع منظومات مايكروية كهربائية ميكانيكية MEMS (Micro Electro Mechanical Systems)  تدخل في تصنيع مكائن حركات ذكية. 
وغالبية المكائن الحركية Actuators مصنوعة من السيراميك الكهروضغطي. وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي، أظهرت بعض البوليميرات تحملها إجهاداً مَطّياً يفوق بمقدار 380 في المائة مقدار الإجهاد المطي لماكينة حركية سيراميكية.
ب - الحركة بالاعتماد على الأيونات
يمكن أن تُستعمل الأيونات أيضاً لتنشيط البوليميرات كهربائياً. وهذه البوليميرات تؤدي حركات المكائن من خلال دخول أيونات إلى محلول الإلكترولايت. ونحتاج فقط لبضعة فولتات لإنشاء الحركات ونحتاج لطاقة كهربائية عالية للحفاظ على الحركات في موضع معين. ومن أشهر أنواعها «جِلّ ماكينة بوكي الحركية» Bucky Gel Actuator، وهو طبقة بوليمير موضوعة بين طبقتين قطبيتين تتكون من سائل أيوني يحوي أنابيب كربون نانوية أحادية الجدار.

الأيونات الموجبة الشحنة في التركيب المعدني البوليميري تتوزع باتجاهات مختلفة عند غياب المجال الكهربائي. وحالما يُسلط المجال تنتظم الأيونات الموجبة على جانب البوليمير ملاصقة للقطب السالب فتتسبب بانحناء البوليمير.
2 - حركات مكائن بالخصائص الميكانيكية للهواء (PAM (Pneumatic Actuation Motion 
تمتاز العضلات الصُنْعِيَّة التي تعمل بالخصائص الميكانيكية للهواء برخص تكاليفها وخفة وزنها، إلا أنه يصعب السيطرة على دقة حركاتها. ومن الخصائص الصعبة أيضاً حرارتها التي تتذبذب كثيراً مع الزمن. وتتم السيطرة على حركاتها بصنفين من العضلات الصُنْعِيَّة، الأول له كيس (أو مثانة) محاط بكُمْ مَجدول، والصنف الثاني له مثانتان.
الصنف الأول: مثانة محاطة بكم مجدول  
تتكون بصورة عامة من أجزاء مطاطية وبلاستيكية، وبما أن هذه الأجزاء تتعرض للاحتكاك مع بعضها البعض في أثناء حركاتها، فإنَّ حرارتها ترتفع ويؤدي ذلك إلى تغييرات دائمية في تركيب العضلات الصُنْعِيَّة مع مرور الوقت. لكن كثيراً من البحوث عالجت هذه المشكلة، ومن ضمنها معالجات المشكلة بمسيطرات شبكات عصبية حاسوبية.
الصنف الثاني: المثانة المزدوجة
تتكون من غشاء خارجي مع غشاء داخلي مرن الحركة يقسم داخل العضلة إلى قسمين. وتم تثبيت وتر على الغشاء الفاصل، ويخرج هذا الوتر من العضلة خلال الردن أو الكُمْ بحيث يتحكم الوتر في تقلص العضلة. ويقوم أنبوب هوائي بالسماح للهواء بالدخول إلى المثانة الداخلية، الذي يتحرك بدوره نحو المثانة الخارجية.
3 - حركات المكائن بالحرارة
تمتاز البوليميرات النشطة كهربائياً EAP بقابلية جريان الموائع المايكروية Microfluidics فيها، مثل منظومات إعطاء الدواء والمختبر على سطح رقيقة Lab-On-A-Chip. وتعتمد التقنية على استجابة البوليمير للحرارة بسبب انخفاض درجة حرارته الحرجة. وهناك نوعان معروفان من المضخات المايكرويَّة، هما: مضخات الانتشار المايكروية ومضخات الإزاحة المايكروية.
وتتمتاز هذه البوليميرات بوزنها الخفيف، وكذلك بفائدتها الكبيرة في تطبيقات تتطلب قوة وإزاحة كبيرتين، إلا أنَّ السيطرة الحرارية على العضلات الصُنْعِيَّة تواجه صعوبات، مما يحدد عملها بسبب وجود تَخلُّفية مغناطيسية بين المُدْخَلات والمُخْرَجات، وبسبب محددات عرض الحزمة كذلك. ونقصد بالتَخلُّفية المغناطيسية Hysteretic أن المُخْرَجات تعتمد على تاريخ حرارة مدخلاتها. وقد طور العلماء بعض التقنيات لحل بعض المشكلات المغناطيسية التخلفية. 

عضلات من الأنابيب الكربونية النانوية
تتفوق الألياف النانوية بحوالي 200 مرة على ألياف عضلات الإنسان ذات الحجم نفسه. إنها صغيرة بحجمها لكنها جبارة وعظيمة بقوتها. وقد تم تصنيع هذه العضلات الصُنْعِيَّة من قبل مجموعة باحثين عالميين. ويقول قائد مجموعة البحث هذه من جامعة تكساس والمتخصص بالتقنيات النانوية: إن العضلات التي قمنا بحياكتها من غَزْل من أنابيب الكربون النانوية، ستعمل بشكل جيد في جهاز طبي حديث وفي مرشحات تنقية المياه وفي تصنيع أجزاء من الطائرات. ونأمل كذلك في تصنيع ألياف أطول كي نغزلها لنسيج ملابس رجال الإطفاء فتقوم بحمايتهم، حيث سيغلق النسيج مساماته حالما يواجه ناراً ولهباً. 
وقام هؤلاء العلماء ببرم الأنابيب النانوية تماماً مثلما نفعل حين نبرم الخيوط الصوفية أو القطنية لجعل الخيط المبروم أقوى من الخيط المنفرد. ويمكن ملء الفراغ في الأنابيب النانوية بمواد مختلفة، كالشمع مثلا. ولجعل العضلات الصُنْعِيَّة تتمدد وتنكمش، فإنهم يقومون بتسخينها قليلاً، فعندما تسخن، يتمدد الشمع ويبدأ بالضغط على جدار الأنبوب النانوي فيجعله أعرض وأقصر. 
وعندما يبرد الشمع ثانيةً فإنه ينكمش، ما يؤدي إلى جعل الأنبـــوب النانوي أضــــــيق وأطـــــول. وتتكرر عمليتا الانكماش والاستطالة كل 25 ملّي ثانية (أي 40 مرة في الثانية الواحدة)، وهذه السرعة من الانقباض والتمدد ستمكن هذه العضلات من تأدية أعمال وأشغال كثيرة. 
نجح فريق البحث هذا حتى الآن في غزل ألياف عضلية بطول 1 كيلومتر فقط، ولكنهم يأملون في الحصول على ألياف بطول كيلومترات عدة في السنوات المقبلة. ويأملون كذلك في جعل العضلات تستجيب للكيمياويات بدل الحرارة، فالمكائن التي تعمل بالحرارة غير ملائمة بصورة عامة، بينما المتحركة بالكيماويات تكون عملية أكثر.
وهناك بحوث أخرى أعلن عنها العلماء عام 2014، تتمثل في برم ألياف من خيوط مألوفة بمثل شبكة الصيد، ويقومون ببرم هذه الألياف بإحكام شديد فتصبح أكثر قوة بحوالي 100 مرة. وهي تُفَضَّل على غزل الأنابيب النانوية لأنها أرخص بكثير ولها قابلية انكماش أكبر بمرات عدة .