إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

المرأة بين العقاد وبنت الشاطئ

          كانت حياة عباس محمود العقاد سلسلة متصلة من المعارك الأدبية والسياسية، التي كان الكاتب الكبير يستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المباحة وغير المباحة.

          ولا نقصد في ذلك موقفه الإيديولوجي الشديد القسوة، لدرجة أن البعض أطلق عليه لقب «عدو المرأة»، بل ما كان يسوقه من حجج يبني عليها موقفًا معاديًا حتى لإنسانيتها. فقد ذكر في بعض ما كتب عن حواء، وخاصة كتابه «المرأة في القرآن الكريم»، أن المرأة بطبيعتها غانية، وأنها حتى في المهن التي هي أقرب إلي طبيعتها كالطبخ وتصميم الأزياء وتصفيف الشعر وحياكة الملابس، لم تسجّل نجاحات تُذكر أو لم تتفوّق فيها. في حين تفوّق الرجال في هذه المهن واشتهروا.

          في تلك المرحلة من تاريخنا المعاصر لم يكن العقاد وحده أسير مثل هذه النظرة إلى المرأة، فقد كان  توفيق الحكيم عدوًا ظريفًا للمرأة لا عدوًا عنيفًا كالعقاد. أما أمين نخلة فقد استعان بالمنطق في منازلته معها ليقول إن مساواتها بالرجل مسألة من وارد الامتناع كما يقول المناطقة، أي أنها مطلب محال لا يقع في الإمكان.

          أما العقاد فإن حربه ضدها لم تهدأ إلى آخر يوم من حياته. وقد استدعى هذا العنف منه ردود كثير وكثيرات، كان منهم بنت الشاطئ التي قالت: «إن المرأة التي يتحدث عنها العقاد، والتي تتردد على مجالسه، لا نعرفها ولا نعرف الذين يعرفونها.. ثم مَن قال إننا مهتمون بأن نكون طباخات أو مصممات أزياء أو مصففات شعر أو حائكات ملابس بعد أن وصلنا إلى درجة الأستاذية في الجامعة»، لعل بنت الشاطئ كانت تغمز في ذلك إلى خلو ملف العقاد من أي شهادة مدرسية أو جامعية. وهذه كانت عقدة من عقد الأستاذ الكبير، كان طه حسين كثيرًا ما يتحدث عنها همسًا في مجالسه، وخاصة إذا أنس ولاء جليسه، وأمن عدم وصولها إلى العقاد.

          ردّ العقاد على بنت الشاطئ قائلاً: إن رأيه في المرأة هو من رأي الله. وشرح ما قال.. وردّت بنت الشاطئ عليه لتثبت تهافت ما يذهب إليه. وردّ العقاد بعد ذلك ليقول إن بنت الشاطئ آخر مَن يحق له أن يتكلم عن جنس النساء لأنها رضيت بتعدد الزوجات.. والمعروف أن بنت الشاطئ نزلت ضرّة على امرأة ثانية كانت الزوجة الأولى للشيخ أمين الخولي.

          وعادت بنت الشاطئ لتردّد أنها، وهي آخر بنات جنسها، تعتز بالانتماء إلى هذا الجنس، وأنها لم تكن تنتظر من رجل يعتزّ بأنه لم يدخل مدرسة، أكثر مما أفصح عنه. ودافعت - بالطبع - عن زواجها من الشيخ أمين الخولي على ضرة، مردّدة قول الشاطبي في الموافقات: القلوب بيد الله.

          ويبدو أن تطور المجتمعات العربية الحديثة قد تجاوز هذه المعارك، وأن آراء العقاد لم تصمد مع الزمن ولم يبق منها شيء. هذا إن لم نقل إنها في جملة ما أساء إلى سيرته. أما عدو المرأة الآخر توفيق الحكيم، فلعل أكثر ما قصده من كل هجائه للمرأة هو إثارة الإعلام حوله لا غير. ذلك أن المرء يلمح وراء معاركه معها إعجابًا لامتناهيًا بها. ومع الوقت فقدت آراء أمين نخلة كل مشروعيتها. فتركيب جسم المرأة لا يريده الرجال إلا كما هو، ولا حاجة له إلى أي تغيير به. أما حديثه عن دماغها، ولعله يقصد به ضعف عقلها، فواحرّ قلباه على عقله وهو يلهث وراءها. وقد سجلت المرأة في زماننا الراهن من الانتصارات في ميدان المساواة بالرجال ما بات يدفعهم إلى مطلب مساواتهم بها!.

 

 

جهاد فاضل