خلف نقوش الميثولوجيا... الملكة نفرتيتي هل يكشف الرادار لغز اختفائها؟

خلف نقوش الميثولوجيا... الملكة نفرتيتي هل يكشف الرادار لغز اختفائها؟

لم تعد قضية تمثال ملكة مصر الجميلة «نفرتيتي»، الذي وقف أمامه الزعيم الألماني هتلر  داخل متحف برلين مشدوهاً، وبعد أن وقع في غرام التمثال، رفض إعادته إلى مصر، لم تعد قضية إعادة هذا التمثال إلى بلاده تشغل بال العالم الآن، بقدر ما يشغله «لغز» اختفاء مومياء وكنوز الملكة نفسها في قلب جبال وادي الملوك بالبر الغربي من مدينة الأقصر، حتى خرج أخيراً  أغرب تحليل علمي يؤكد اختفاء الملكة وكنوزها الذهبية خلف جدار  بمقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون ابن زوجها الملك إخناتون.

يشهد هذا المكان الآن أكبر تجمع لعلماء الآثار، وتلالاً من أجهزة حديثة تطلق إشعاعاتها وموجاتها عبر جدران المقبرة لترتد كاشفة أسرار ما وراء هذه الجدران، بعد أن رفضت الحكومة المصرية هدم أو ثقب أي من جدران المقبرة الأثرية التي يرقد فيها الملك الذهبي توت عنخ آمون.
لحظات من القلق المشوب بالمخاوف عاشها المجتمعون داخل مقبرة الملك الذهبي بالبر الغربي من الأقصر قبل فترة، كان الجمع يضم وزير الآثار المصري وعلماء آثار عالميين وخبراء يابانيين أحضروا معهم أجهزة الرادار والاستشعار عن بعد، حضروا جميعاً لمشاهدة وتسجيل ما سوف تكشف عنه الأجهزة بعد أن فجَّر عالم الآثار الإنجليزي نيكولاس ريفز مفاجأة علمية من العيار الثقيل، تؤكد أن مومياء الملكة نفرتيتي تختبئ خلف جدران مقبرة الملك توت، وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) أن تصريحات العالم الإنجليزي جاءت بعد قيام شركة «فاكتيوم آرت» الإسبانية بعمل مسح إشعاعي للمقبرة، كشف بالصور عن وجود بابين خلف جدران المقبرة، كما أشار العالم نفسه إلى أدلة أخرى تؤكد نظريته، من بينها أن هناك تصاميم تختفي تحت الرسومات الموجودة على جدران المقبرة كشف عنها التصوير الإشعاعي، تدل على أن هذه المقبرة مصممة من أجل دفن ملكة وليس ملكاً، وأن صغر حجم هذه المقبرة ظل لغزاً محيراً عند مقارنتها بحجم مقابر ملوك الفراعنة، ويفسر ذلك بأن الملك توت كان قد توفي فجأة في التاسعة عشرة من عمره قبل إعداد مقبرة تليق به، وقد أدى ذلك إلى الإسراع بدفنه في حجرة ملحقة في مقبرة كانت معدة للملكة نفرتيتي.
وأوضح العالم الإنجليزي أن مؤسسة «جتي» العالمية للترميم أثبتت بدورها أن النقوش المرسومة على الجدار الشمالي للمقبرة أقدم من نقوش بقية الجدران، مما يؤكد بناءه في وقت سابق لبقية الجدران، وأنه بفحص رسومات سقف المقبرة وجد أنها تمتد إلى ما بعد الجدار الشمالي، كأن الغرفة الداخلية وغرفة دفن الملك «توت» صممتا في البداية على شكل ممر طويل يصل إلى ما بعد الجدار الشمالي.
وأكد العالم الإنجليزي أيضاً في دعواه أن النقوش المرسومة على الجدار الشـــمالي بالمقبرة بها ملامح أقـــرب إلى وجه الملكة نفرتيــــتي منها إلى الملك «توت»، ويعتــــقد أيضاً بعد فحص المقتــــنيات التــــي وجدت بالمقــــبرة أن بعضها صنـــع من أجل الملــــكة نفرتيــــتي، حتى القناع الذهبي للملك توت عند فحصه، وجد أن الجزء الخاص بالــوجه منفـــصل عن بقية القناع، ومصنوع من نوع مختلف من الذهب، وأنه وجد عنـــد الأذن بالقــــناع رقــــائق من الذهب مستديرة الشكل وضعت لتغطي ثقوباً بالأذن صممت لوضـــع قــرط، وكأن القــــناع صمم في البداية لملكــة، حيث لا يوجــد دليل على أن ملوك الفراعنة كانوا يلبسون أقــــراطاً.

«دي إن ايه» يكشف الأسرار
كان اختفاء مومياء نفرتيتي قد أثار أيضاً منذ سنوات محاولة قامت بها الباحثة الإنجليزية جوان فلنشر من خلال فيلم أعدته قناة «ديسكفري» تؤكد فيه اكتشاف مومياء نفرتيتي، وذلك عقب اكتشاف مومياء وضعها كهنة الأسرة داخل حجرة جانبية بمقبرة الملك أمنحتب الثالث إلى جوار زوجته الملكة «تي» وهما والدا الملك إخناتون زوج نفرتيتي، وأطلق العلماء على هذه المومياء المجهولة اسم «السيدة الشابة»، وزعم الباحثون آنذاك أنها مومياء الملكة نفرتيـــتي، وظل هذا الادعاء قائماً، كما ظل الحالمــــون بالمـــــلكة نفرتــــــيتي تواقين إلى تصديق هذه الرواية، حتــــى تمكن العلماء من استــــخدام الحامض النووي D.N.A في كشف أسرار مومــــــياوات ملوك الفراعنة.
 وقد خضعت هــذه المومـــــياء بالذات - 
كما يشرح د. زاهي حواس عالــــم الآثــــار الشهير – لتحليل الحامض النووي، الذي كشف أنها أم الملك توت عنخ آمون، وإحدى بنات الملك أمنحتب الثالث والملكة «تي»، وأنــــها كانت قد تزوجــــت هي الأخرى من الملك إخناتون وأنجبت منه ابنه الملك تــــوت، والمعــــروف أن نفرتيــتي لم تكن على صلة قرابة بالملـــــك أمنحــــتب والملكــة «تي»، وبذلك أكدت الأبحــــاث أن الملكــــة نفرتيتي ليس لها وجود بين موميـــــــاوات زوجها إخنـــاتــــون وابنــــه توت عنخ آمــــون وجده أمنحـــتــــب، وأن الغموض مازال قائماً حول اختفاء مومياء الملكة الجميلة نفرتيتي حتى الآن.

الألواح تتكلم
مازلنا مجتمعين داخل مقبرة الملك توت صباح ذلك اليوم المثير، وقد بدأ العالم الإنجليزي ومعه الخبراء اليابانيون في تشغيل أجهزتهم التي ترسل موجات كهربائية عبر جدران المقبرة لترتد راسمة صورة دقيقة لكل ما يوجد خلف الجدار الشمالي بالمقبرة. وخلال نسمات صباح ذلك اليوم المثير عاش الحاضرون ذكريات الملكة الجميلة، يلفهم عبير سيرتها الرائعة ملكة لمصر وزوجة لإخناتون أول من نادى بديانة التوحيد في زمن مبكر للإنسانية.
وتحكي تفاصيل حياة نفرتيتي وزوجها إخناتون مجموعة من «الألواح» كتبت في ذلك الزمن، بمنطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا منذ سنوات، وتلقفت أيدي العلماء هذه اللوحات التي وصلت إلى متحف اللوفر في باريس، ومازالت باقية فيه، وتحكي هذه الألواح كما تشرح المؤرخة الإنجليزية في كتابها «ملكة على مصر» تفاصيل قصة حب شاعرية للملكة نفرتيتي وإخناتون.

الغرام الملكي
نحن الآن عام 1375 قبل الميلاد، وها هو الملك أمنحتب الثالث والد إخناتون قد ودع الدنيا، وحتى يصبح ابنه إخناتون ملكاً على مصر، لابد من زواجه من أخته «سات آمون» الوريثة الملكية الكبرى، ولكن إخنـــاتون كان غارقاً في غرام رفيقة صباه نفرتـــــيــــتي، وقد حل الزمن المشكلة بالموت المبكر لأخته «سات آمون»، وهكذا أصبح العاشـــقان زوجين، وغطى شعرهما الأسود التاجان وأغطية الرأس التي ترمز إلى وضعهما نصف الإلهي، وأصبحا يرقدان فوق وسائد مريحــــة في السفينة الملكية المسماة «آتون» التـــي كانت تنساب فوق مـــــياه بركة القصر الملكي، وكان جمال نفرتيتي أسطورة يحتشد من أجلها جماعات من الناس لرؤيتها أينما ذهبت، وكانت عقود الزهور تلقى تحت قدميها، وعندما تظهر أمام الشعب من نافذة خاصة كانت الشمس تضيء في بهاء وتجعل حليها الذهبية تتلألأ، ولم تحظ ملكة بعدد الأوصاف التي أطلقت عليها في ذلك الزمان: «جميلة الجميلات، الزوجة الملكية العظمى، صاحبة الفضل العظــيم، سيدة الحسن والجمال، واهبة السرور، سيدة الأرضين»، وكان إخناتون يطلق عليها «سيدة الرشاقة، مليحة المحيا». 
لقد كان إخناتون أول فرعون يؤمن بإله واحد هو «آتون» الذي يُرمز إليه بقرص الشمس، تشع منه أشعة تنتهي بأياد بشرية تمسك برمز الحياة المسماة «عنخ» في اللغة المصرية القديمة، ولقد نتج عن هذا الزواج إنجاب ست بنات.

نقوش الميثولوجيا
مازلنا في قلب جبال وادي الملوك بالبر الغربي من الأقصر في صباح ذلك اليوم المثير، هنا في ذلك الوادي الذي اختاره فراعنة مصر موقعاً لمقابرهم التي ينتقلون خلالها إلى الحياة الأخرى، ويتناثر في قلب هذه الجبال العملاقة 62 مقبرة ملكية منها 26 مقبرة للملوك والبقية مقابر تضم الأمراء والنبلاء من الأسر الملكية، وتتميز المقابر الملكية باحتوائها على رسومات ونقوش يطلق عليها «الميثولوجيا»، التي تمثل النقوش والرسومات الجنائزية والحياة لما بعد الموت، والحساب في الحياة الجديدة، وكذلك طقوس «فتح الفم»، حيث تسجل رسومات قيام الكهنة بـ«فتح الفم» المتوفى لإعادة الحياة إليه مرة أخرى، التي كان يقوم بها كاهن خاص يطلقون عليه «سم»، وتعتبر مقبرة الملك «مرنبتاح» أكبر المقابر الملكية، حيث يصل اتساعها إلى 2462 متراً مربعاً، في حين تعتبر مقبرة الملك توت عنخ آمون أصغر المقابر الملكية بحجم لا يتجاوز 28 متراً مربعاً.
وجميع هذه القبور الملكية المكتشفة قد تم فتحها ونهبها في العصور القديمة، وقد ذاع صيت هذا الوادي بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كاملة عام 1922، وما دار حولها من أقاويل بخصوص لعنة الفراعنة، وقد تم اعتماد هذا الوادي كموقع للتراث العالمي سنة 1979 بمعرفة اليونسكو.

هتلر يقع في غرام الملكة
وسط سكون الموت داخل مقبرة الملك توت، ينفجر الحديث عن تمثال نفرتيتي الرائع الذي نحته الفنان الملكي «تحتمس» داخل الورشة الخاصة به في مدينة «آخت آمون»، التي تعرف الآن بتل العمارنة بمحافظة المنيا، ذلك الرأس الأسطوري من الحجر الجيري الملون، الموجود في متحف برلين بألمانيا.
ولكن كيف خرج من مصر؟ لقد دار الحديث حول هذا الموضوع، فتبين أن هذا التمثال بالذات كان ضمن قائمة من القطع كشفت عنها بعثة تنقيب ألمانية عام 1883م، وكانت الاكتشافات تخضع طبقاً للقانون لقسمة عادلة بين مصر والبعثة المكتشفة، وعند اقتسام هذه المجمــــوعة قام المهندس الألمــــاني يورخارت بالتضلــــيل خلال عملية القسمــــة، إذ أكد أن التمثال لأميرة وليست ملكة، رغم أن تاجها المميز يؤكد أنها ملكة، ويتضح من تصرفات المهندس الألماني محاولات التقليل من أهمية تمثال رأس الملكة نفرتيتي لكي يحــــصل عليه ضمن القسمة، وهذا يعد احتيالاً يجـــعل القسمة باطلة، ويحق بذلك إعادته إلى بلاده، وكانت مصر قد تقدمت بطلب رسمي خلال حكم «هتلر» قبل الحرب العالمية الثانية، بإعادة التمثال إليها، وتمت الموافقة على الطلب.

أوصاف مذهلة
قبل أن يعود التمثال إلى مصر، خرجت في ذلك الوقت أوصاف مذهلة له من علماء الآثار، الذين أجمعوا على أنه من الأعمال الفنية النادرة في تاريخ الفن، حيث يمثل توازناً دقيقاً بين رأس الملكة وتاجها ورقبتها وكتفيها، وأن للتمثال تأثيراً فنياً غامراً يشع من أي زاوية تراه منها.
وقال البروفيسير الألماني «آنتس»: «إن التمثال يبدو كصورة حية تعبر عن كل ما يكمن في شخصية الملكة من ينابيع القوة والجمال، ومن الواضح أن ثمة قـــوى روحية تنبض من كل جزء من مكونات الوجه معبرة عن الذكاء الغامر، الذي تبرزه تلك الابتسامة الرقيقة الناعمة التي تبدو على شفتي الملكة، والتي تتكامل مع نظرة العين في إحداث هذا التأثير الساحر في نفس كل من يشاهد هذا العمل الرائع». وأمام هذه الأوصاف الرائعة طلب «هتلر» أن يشاهد بنفسه هذا التمثال، وداخل متحف برلين وقف الزعيم الألماني مشدوهاً أمام التمثال، وقال المؤرخون يومها إن هتلر وقع في غرام الملكة الجميلة، وقرر إلغاء قرار إعادة التمثال إلى مصر، ومازال التمثال التحفة داخل متحف برلين حتى الآن، ومازالت مصر تطالب بعودته.

أسرار خلف الجدران
مازلنا داخل مقبرة توت عنخ آمون في قلب جبال وادي الملوك بالأقصر، والجميع يحبس أنفاسه ترقباً لما سوف تكشف عنه الأجهزة، وفي نهاية اليوم الثاني كانت أجهزة الرادار اليابانية قد أظهرت وجود ما يشبه العمود خلف الجدار الغربي للمقبرة، أما الجدار الشمالي فقد بدأت انعكاسات الموجات الرادارية تظهر اختلافات مثيرة، وأظهرت التحليلات المبدئية لتلك الموجات أن هناك تجويفاً وفراغاً، وهي النتائج نفسها التي أظهرتها الأشعة تحت الحمراء، وقام الخبير الياباني هيروكاتــسو بمسح راداري حول المقبرة من الخارج لتعقب هذه الفراغات، مؤكداً وجود مقبرة أخرى خلف هذا الجدار، إلا أن تفاصيل محتوياتها تتطلب استخدام رادار آخر، إذ إن حدود قدرات الرادار الياباني الكشف عن 8 أمتار فقط، وأمام هذه النتائج عرض الخبراء الأمريكان استخدام رادار أمريكي ذي إمكانات أفضل، وجاءوا مع راداراتهم وتمت القياسات نفسها، وخرجت أخيراً في مؤتمر صحفي عالمي نتائج قياساتهم التي أكدت بدورها وجود فراغات خلف الجدران ووجود أجسام لم تحدد كنهها، وأمام هذا التأكيد بوجود مقبرة أخرى خلف الجدران، بدأ الخبراء التفكير في إدخال منظار أو كاميرا صغيرة من خلال ثقب في الجدران لرؤية ما خلف هذه الجدران، وأيضاً أخذ عينات من الهواء بالداخل لتحديد نوع الميكروبات الموجودة، التي يمكن أن تحدد محتويات المقبرة من موميـــاوات أو كنوز ذهبية.
من جانبه، قال العالم الإنجليزي «ريفز»، إنه أصبح أكثر اقتناعاً في ضوء ما أسفرت عنه القياسات الرادارية بوجود مقبرة نفرتيتي خلف الجدار الشمالي بمقبرة توت عنخ آمون، مضيفاً: «إذا كنت أعلم شيئاً عن الحضارة المصرية القديمة، فهي دائماً تفاجئنا بأشياء لا نتوقعها».
وعن الجدار الغربي قال ريفز: «إننا سوف نجد جزءاً جديداً لمقبرة توت عنخ آمون وراءه، فكل مرة ننظر فيها داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون نجد شيئاً جديداً». وبعدها سوف يتم اختراق المقبرة من الخلف عبر فتحة جديدة من جانب الجبل ومن خارج المقبرة لتحقيق واحد من أعظم اكتشافات هذا القرن .