هل تكون الرواية بوابة إنقاذ الدراما الخليجية؟

هل تكون الرواية بوابة إنقاذ  الدراما الخليجية؟

شهد شهر  رمضان الماضي عرض عدد من المسلسلات الدرامية الخليجية والعربية المعدة عن روايات، منها «ساق البامبو» عن نص الكاتب الكويتي سعود السنعوسي، وهو النص الفائز بجائزة البوكر العربية، و«خيانة وطن» المعد عن رواية «ريتاج» للكاتب الإماراتي 
د. حمد الحمادي، و«بين قلبين» المعد عن رواية الكاتبة الكويتية علياء الكاظمي، و«الوجه المستعار» للكاتبة السعودية تهاني الغامدي، و«أفراح القبة» المعد عن رواية الأديب نجيب محفوظ، وعدد من الأعمال الأخرى التي عرضت في مختلف الفضائيات العربية.

لا شك في أن توجه الدراما للاستفادة من الرواية أمر مهم جداً ومطلب حيوي من شأنه أن يفتح أبواباً جديدة في البحث عن أفق جديد للدراما العربية، والخليجية على وجه التحديد، ويثريها، خاصة أن الدراما الخليجية أصابتها سهام النقد في السنوات الأخيرة، ووجهت لها اتهامات بالتكرار في موضوعاتها وغياب الأفكار الجديدة فيها، إلى جانب المط والتطويل في أحداثها لتصل إلى ثلاثين حلقة، حتى وإن كانت طبيعة القضية التي يناقشها المسلسل لا تحتمل أن تكون من ثلاثين حلقة.
 ومن شأن لجوء  منتجي الدراما إلى الرواية تحقيق شهرة لبعض الأعمال الأدبية التي لم يحظ مؤلفوها بالشهرة، لأن انتشار الرواية محدود وقراءها قلة، أما متابعو التلفزيون فهم بالملايين وهو يدخل كل البيوت بلا استئذان، ومن المؤكد أن هناك أكثر من نص روائي يستحق أن يلتفت إليه منتجو الدراما، خاصة في الخليج، كما أن من المهم أن يبادر مؤلفو الروايات إلى التواصل مع المنتجين وعرض رواياتهم من أجل تحويلها إلى دراما.
 في هذا الصدد نذكر أن رواية «الجذور» Roots للكاتب أليكس هايلي، وهي ملحمة عائلة أمريكية تتناول تاريخ الأمريكيين السود، ما كان لها أن تحقق الشهرة لولا أنها تحولت إلى مسلسل تلفزيوني عرض في مختلف دول العالم، وألقى الضوء على هذا الكاتب ومنحه مزيداً من الشهرة، بالإضافة إلى عديد من المسلسلات الدرامية الأخرى.
أما على صعيد الدراما العربية، فمن المهم القول إن شهرة عدد من الأسماء الأدبية دفعت كتَّاب السيناريو إلى اللجوء إلى إعداد أعمال سينمائية ودرامية تعتمد أساساً على مؤلفات لهؤلاء الأدباء، مثل الأعمال التي أعدت عن نصوص وروايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وفتحي غانم وطه حسين ويوسف السباعي وخيري شلبي.
أما على صعيد الدراما المحلية، فلابد أن نشير إلى بعض قصص الكاتبة ليلى العثمان ومنها «وسمية تخرج من البحر»، وفاطمة حسين التي قدم لها التلفزيون «بيت تسكنه سمرة»، كما أن من المهم أيضاً الإشارة إلى التجربة الفريدة التي أقدمت عليها مؤسسة الإنتاج البرامجي لدول الخليج العربية قبل أكثر من ثلاثين عاماً، عندما قدمت سلسلة من التمثيليات التي تتكئ على نصوص قصصية خليجية.
 وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن رواية «الأرجوحة» التي كتبها الأديب حمد الحمد عام 2002م تحولت إلى مسلسل تلفزيوني أعدته الفنانة أسمهان توفيق.

نصان روائيان
 لا شك في أن تحويل الرواية إلى دراما يتطلب جهداً كبيراً من كاتب السيناريو بالدرجة الأولى، لأن مهمة تحويل النص السردي الذي تعتمد عليه معظم الروايات إلى نص يعتمد على الحوارات أمر في غاية الصعوبة، وتحتاج إلى قدرات كبيرة من السيناريست، بدءاً من القراءة المتأنية للرواية أولاً ثم اختيار الأسلوب الأنسب لتناول الرواية، ومن المهم جداً أن يكون السيناريست ضليعاً جداً في الكتابة الدرامية.
 ويمكننا هنا الإشارة إلى نصين قدما خلال شهر رمضان الماضي، الأول «ساق البامبو» والآخر «خيانة وطن»، وكلاهما يتناول قضية جريئة لم تتناولها الدراما الخليجية من قبل بتلك الشمولية وتلك الجرأة.
 في «ساق البامبو» نحن أمام قضية زواج الكويتي أو الخليجي من أجنبية، والرفض الذي يعانيه من أسرته وتأثير ذلك على الأبناء، إلى جانب قضية البدون أو الذين لا يحملون أي جنسية، وفي «خيانة وطن» نحن أمام قضية التنظيم السري للإخوان المسلمين في الخليج، وعلى الرغم من أن بعض الأعمال العربية قد تناولت القضية، فإن العمل الخليجي يتكئ على وقائع حقيقية.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعامل السيناريست مع كل نص؟

 «ساق البامبو»... لا مفاجآت
 في «ساق البامبو» نحن أمام حكاية معروفة ومكشوفة منذ البداية، خاصة لشخصيتي «عيسى» ابن راشد من الخادمة الفلبينية، و«غسان» الشخص البدون الذي رفضته أسرة الطاروف، والحدث الرئيس في النص الدرامي كان يتناول موقف الأم «غنيمة» الرافض لما حدث، وتحديداً لشخصيتي عيسى وغسان من البداية ولأسباب اجتماعية، وهو أمر يمكن أن يعيدنا إلى بعض الأعمال المسرحية الكويتية التي قدمت في ستينيات القرن الماضي والعلاقة بين الأصيل و«البيسري».
وتواصل رفض غنيمة للشخصيتين إلى الحلقة الأخيرة، فهي لم تتنازل عن موقفها إلا من خلال إشارات بسيطة وغير واضحة لم يتم تدعيمها دراميا، وخضع كاتب السيناريو رامي عبدالرزاق إلى المقولة الأساسية في الرواية دون أن يثريها أو يفعلها، ولعل الإشكالية الأساسية في النص (الرواية) تتمثل في أن الأحداث تدور في معظمها في مكان واحد هو بيت «الطاروف» وأسرته، وهذا ضيَّق من محاولات إيجاد حلول درامية، فالشخصيات لم تتغير ولم تتطور بالشكل المطلوب، وغاب عنصر المفاجأة عن العمل، لأن النص كان مكشوفاً أمام المشاهد منذ بدايته، كما عرف المتابعون مسار الأحداث وما ستؤول إليه الحال في النهاية، ولم تحدث أي مفاجآت.
وظلت الحال على المنوال نفسه، مع تركيز على معاناة عيسى ابن الفلبينية الذي انتقل إلى بيئة مختلفة ووجد رفضاً من عائلة الطاروف، باستثناء عمته التي عاشت معاناة سابقة برفض عائلتها تزويجها من «غسان»، وجاءت النهاية متوقعة جداً من دون مفاجآت، حيث يسافر عيسى إلى الفلبين، وتتزوج عمته من غسان من دون مبررات منطقية.

 عيوب الإعداد
 حمل النص الدرامي عديداً من السلبيات، سواء على صعيد الشخصيات أو الصراع بينها، كما وضح الضعف في بعض المشاهد التي اعتمدت على التكرار والمط والتطويل، والحوارات المجانية الاستهلاكية، والمبالغة في الأداء والانفعال من المشاركين فيه، ولم يتعامل السيناريست مع النص بشكل يتيح له تقديم مشاهد من خلال الشخصيات في النص الأصلي. وعلى الرغم من أن القضايا التي يطرحها النص مهمة ومن واقع المجتمع الكويتي والخليجي، فإن الحذر كان واضحاً في تناول تلك القضايا، كما أنه لم يقم بتطوير الشخصيات، وبدا أن معظم الشخصيات لا تتحرك، بل هي جامدة تكرر حواراتها في عديد من المشاهد، إلى جانب الضعف الواضح في صوغ الحوارات لكل شخصية، مما شكّل خللاً في العمل، على الرغم من مشاركة نجوم كبار فيه على رأسهم الفنانة سعاد عبدالله، التي أدت أفضل أدوارها في السنوات الأخيرة من خلاله.
 ومن العيوب الأخرى إضافة حوارات مجانية لبعض الشخصيات، أو تكرار عبارات معينة في حوار بعض الشخصيات، مثل التكرار في حوار الشخصية التي أدتها الممثلة شجون، وهناك من يرى أن هذه الشخصية دخيلة على النص، وكان من الممكن حذفها أو على الأقل تقليص حواراتها من دون أن تتأثر البنية الأساسية للمسلسل.

«خيانة وطن»... مفتاح النجاح
أما في نص «خيانة وطن»، وعلى الرغم من الجمود في الحلقات الخمس الأولى منه، فإن الكاتب إسماعيل عبدالله نجح في تسليط الضوء على القضية الأساسية للمسلسل من خلال أحداث تتطور ومفاجآت في كل حلقة، فجاء المسلسل ثرياً بأحداثه وشخصياته ورسالته، وكنا نشهد في كل حلقة مفاجأة تدفعنا لمتابعة ما سيحدث، وننتظر المفاجآت.
 وليس غريباً على إسماعيل عبدالله هذا النجاح، فهو كاتب مسرحي متميز له عديد من النصوص التي حصدت جوائز خليجية وعربية، وهو ابن البيئة ويعرف كيف يتعامل مع النصوص، وله تجربة درامية ناجحة قدمها في رمضان 2015.
 وكانت النقلة المهمة في العمل الدرامي تتمثل بتغيير اسمه من «ريتاج» إلى «خيانة وطن»، وهو اسم أكثر جاذبية وأبلغ في المعنى، ويجذب المشاهد، لأنه يطرح كثيراً من التساؤلات عن المقصود بالخيانة ومن هو الخائن.
 وكان تغيير الاسم خطوة أولى للتعامل مع نص يناقش قضية مهمة وحيوية، وقد أتاحت القضية التي يطرحها المسلسل حول التنظيم السري للإخوان المسلمين في الإمارات الفرصة للسيناريست لتقديم عديد من الشخصيات، خاصة الشخصيات التي ترتبط بالقضية الأساسية، كما ساهمت الرواية الأصلية ووجود مؤلفها ضمن دائرة الإشراف على العمل الدرامي في منح الفرصة لتطوير الأحداث والشخصيات.

 مفاجآت متواصلة
 حمل النص الدرامي عديداً من المفاجآت على صعيد تطور الحدث الأساسي وتشابك علاقات الشخصيات ببعضها البعض، إلى جانب المفاجآت التي لم تتوقف حتى اللحظة الأخيرة من المسلسل، مما ساهم بمتابعته على صعيد واسع.
 شخصيات الرواية/المسلسل كانت تحمل تنوعاً في السلوك واختلافاً في الأفكار مع أن القضية المطروحة معروفة، لكن السيناريو نجح إلى حد كبير في استخدام لعبة المفاجآت، وانتقل من حالة إلى أخرى بأسلوب يدل على حنكة ودراية.
 وكان انتقال الحدث من حالة إلى أخرى، واختلاف المكان، سواء داخل الإمارات العربية المتحدة، أو خارجها، أحد العوامل التي ساهمت في نجاح المسلسل. 
 على صعيد آخر، نجح أكثر من فنان في أداء دوره على أكمل وجه، مثل الدكتور حبيب غلوم «ثاني»، مرعي الحليان «أبومصعب»، هيفاء حسين «ريتاج», ولا ننسى الأداء المتميز للنجم الكبير جاسم النبهان في دور «الصقر» والد «ريتاج»، وعدد من الممثلين الخليجيين، وكأننا أمام إنتاج خليجي مشترك .