الترادف وسعة اللغة العربية

الترادف وسعة اللغة العربية

الترادف‭ ‬لغة‭: ‬ركوب‭ ‬أحد‭ ‬خلف‭ ‬الآخر‭. ‬فيقال‭: ‬ردف‭ ‬الرجل‭ ‬وأردفه،‭ ‬أي‭ ‬ركب‭ ‬خلفه،‭ ‬وارتدفه‭ ‬خلفه‭ ‬على‭ ‬الدابة‭. ‬فالردف‭: ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تبع‭ ‬الشيء،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬تبع‭ ‬شيئا‭ ‬فهو‭ ‬ردفه،‭ ‬وإذا‭ ‬تتابع‭ ‬شيء‭ ‬خلف‭ ‬شيء‭ ‬فهو‭ ‬الترادف‭. ‬ويقال‭ ‬لليل‭ ‬والنهار‭ ‬ردفان؛‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬ردف‭ ‬صاحبه‭ ‬أي‭ ‬يتبعه‭. ‬وقد‭ ‬فُسِّرَ‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: {‬بألف‭ ‬من‭ ‬الملائكة‭ ‬مردفين‭} ‬بمعنى‭ ‬يأتون‭ ‬فرقة‭ ‬بعد‭ ‬فرقة‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬الزجَّاج‭.‬

وقال الفراء: مردفين متتابعين.

وللترادف ألفاظ متحــددة المعنى وقابلة للتبادل في ما بينها في أي سياق، أي تعدد الألفاظ لمعنى واحد، أي عبارة عن وجود أكثر من كلمة لها دلالة واحدة، أو هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد، باعتباره واحدا، وقد تنشأ ظروف في اللــغة تؤدي إلى تعدد الألفاظ لمعنى واحد أو تعدد المـــعاني للفظ واحد، ومن الترادف ما هو لهجـــات لقبائل مختلفة، أو تناسي الفروق الدقيقة بين الكلمات. ومن معاني الترادف عند بعض اللغويين القدماء:

يقول سيبويه: «وأعلم أن من كلامهم - يقصد العرب - اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين»،
ويقول قطرب: «الكلام في ألفاظ بلغة العرب على ثلاثة أوجه:

 فوجه منها: وهو الأعم الأكثر اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، وذلك قولك: الرجل والمرأة، وقام وقعد، وهذا لا سبيل إلى جمعه وحصره لأن أكثر الكلام عليه. والوجه الثاني: اختلاف اللفظين والمعنى واحد، وذلك مثل: عير وحمار وذئب وسيد، وجلس وقعد... إلخ.

 والوجه الثالث: أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى، فيكون اللفظ الواحد على معنيين فصاعدا مثل: الأمة: الـــرجل وحده يؤتم به. والأمــة: القــــامة قامة الرجل والأمـــة: من الأمم.

العين، وتطلق: على عين الماء، وعلى الجاسوس، وعلى العين الباصرة».

 

المترادفات‭ ‬من‭ ‬مميزات‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

الترادف: لا يوجد له نظير في أي لغة من اللغات السامية أو غيرها، ومن الأمثلة على الترادف في اللغة أن الفيروزآبادي صاحب «القاموس» يضع كتابا في أسماء العسل، فذكر له أكثر من ثمانين اسما، وقرر مع ذلك أنه لم يستوعبها كلها، وأن «العربية الفصحى» تختلف في ذلك اختلافًا كبيرًا عن اللهجات العامية الحديثة المتشعبة عنها، فمتون هذه اللهجات ضيقة وتكاد تكون مجردة من المترادفات.

 

جمع‭ ‬اللغويين‭ ‬القدماء‭ ‬اللغة‭ ‬

وانتباههم‭ ‬للترادف‭:‬

جمع علماء اللـــغة من مصــــادرها بداية من الرعيل الأول من اللغــــويــيــــن في جمع اللــغة في القرنين الثـــاني والــــثالث الهجـــرييــن من القرآن الكريم والحديث الشـريف وكــــلام العرب من شعر وخطب ورســـائل، بل ومــــن أفواه فصــحاء العرب، بـــدأوا في تدويــن مادتهم اللـــغــوية التي جـــمعـوها، وبعـض المعـــاجم كــــانــت تجــمع الكلمات التي تدل على مـــعنــى واحد في تأليــــف واحد وسمُّوه المترادف، أو ما اختلــفـــت ألفاظه واتفقت معانيه.

 

تفاخُر‭ ‬العلماء‭ ‬بكثرة‭ ‬حفظهم‭ ‬

 وقد وصل الأمر في جمع المترادف إلى أن ظهر به التحدي بين العلماء من ذلك:
تفاخر العلماء، بكثرة حفظ المترادفات ومن ذلك: ما رواه ابن فارس أن هارون الرشيد سأل الأصمعي عن شعر لابن حزام العكلي ففسره، فقال: يا أصمعى إن الغريب عندك لغير غريب، قال: يا أمير المؤمنين ألا أكون كذلك وقد حفظت للحجر سبعين اسما.

وقد وجدنا السيوطي ينظم منظومة يحصى فيها أسماء الكلب، وقَدَّمَ لها قائلا: دخل يوما أبوالعلاء المعري على الشريف المرتضى فعثر برجل فقال الرجل: من هذا الكلب؟

فقال أبوالعلاء: الكلب، من لا يعرف للكلب سبعين اسما. قلت: وقد تتبعت كتب اللغة فحصلتها ونظمتها في أرجوزة، وسميتها: «التبرِّي من معرة المعري».
وأراد السيوطي بعمله هذا ألا يكون كلبا عند أبي العلاء ولا يناله شيء من تعييره.

وقد كان من أسماء الكلب عند السيوطي:

أ- لغات القصر والمد وتغيير البنية.

ب - الصفات: مثلما غلبت عليه الاسمية، مثل الوازع وكسيب، لأنه يزع الذئب عن الأغنام ويكسب لأهله، وكالأعقد لانعقاد ذنبه، وكالبصير لحدة بصره، والمنذر لأنه ينذر باللصوص.

ج- الألقاب: كداعي الكرم لأنه يدل العابرين على أهل بنباحه فيستضيفونهم، وفي معناه داعي الضمير أي مناديه, والضمير هنا من أضمرته البلاد بموت أو سفر، ويوجد فيها ما هو كنية كأبي خالد، ومن بينها ما هو خاص بأسنان الكلاب كالدرص والجرو لصغارها.

د- فصائل الكلب: مثل العسبور لولد الكلب من الذئبة، وكالديسم لولد الكلبة من الثعلب أو من الذئب.

ومن أرجوزة السيوطي افتتح السيوطى التبري بقوله: 

لله‭ ‬حـــــمد‭ ‬دائـــم‭ ‬الــــــولــــــــــــــي‭ ‬

ثم‭ ‬صلاته‭ ‬على‭ ‬النبــــــــــــــي

قد‭ ‬نقل‭ ‬الثقات‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬العلا

لما‭ ‬أتى‭ ‬للمرتضى‭ ‬ودخـــــــلا‭ ‬

قال‭ ‬له‭ ‬شخص‭ ‬به‭ ‬قد‭ ‬عثــرا‭ ‬

من‭ ‬ذلك‭ ‬الكلب‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬أبصرا؟‭ ‬

فقال‭ ‬في‭ ‬جوابه‭ ‬قولا‭ ‬جلــي‭ ‬

معــــيرا‭ ‬لــــذلك‭ ‬المجــــهــــــــــــــــل‭ ‬

الكلب‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يدر‭ ‬من‭ ‬أسمائه‭ ‬

سبعين‭ ‬مومـــيا‭ ‬إلى‭ ‬علائـــــــــه

وقد‭ ‬تتــبــعت‭ ‬دواوين‭ ‬اللــغــــــة‭ ‬

لعلني‭ ‬أجمع‭ ‬من‭ ‬ذا‭ ‬مبلغــــــــه‭ ‬

فجــــئت‭ ‬منـــها‭ ‬عددا‭ ‬كـثــيــــــــرا‭ ‬

أرتجي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬تيسيـــــــــرا‭ ‬

وقد‭ ‬نظمت‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرجز‭ 

ليستفيدها‭ ‬الذي‭ ‬عنها‭ ‬عجــــــز‭ ‬

فــــسمـــه‭ ‬هـــديت‭ ‬بالتــبـــــــــــري‭ ‬

يا‭ ‬صــــاح‭ ‬من‭ ‬مـــعرة‭ ‬الـــمعـــري

ثم شرع يسميه فقال: 

من‭ ‬ذلك‭ ‬الباقع‭ ‬ثم‭ ‬الــــــــوازع

والكـــــلب‭ ‬والأبــــقع‭ ‬ثـــــم‭ ‬الزارع‭ ‬

والخيطل‭ ‬السخام‭ ‬ثم‭ ‬الأســــــد‭ ‬

والعربج‭ ‬العجوز‭ ‬ثم‭ ‬الأعقد‭ ‬

والأعنق‭ ‬الدرباس‭ ‬والعملــس‭ ‬

والقرطب‭ ‬الفرني‭ ‬ثم‭ ‬الفلس‭....‬

‭***‬

 

فاللغة العربية لغة ثرية بمفرداتها، وليست لغة ضيقة بل واسعة تتسع لكل معاني الحياة وتزيد، فنستطيع أن نعبر عن كل معاني متطلبات الحياة بألفاظ عربية، ولا حاجة لنا للألفاظ الأجنبية التي تغزو لغتنا من ألفاظ الترحيب، والألفاظ التي تسري بين الناس سريان النار في الهشيم، فيتحذلق بعض الناس بمعرفتهم لغة أجنبية، ويستخدمون ألفاظا أعجمية في حياتهم، وهذا من عوامل ضعف أبناء اللغة العربية، فاللغة بأبنائها؛ ترقى باهتمامهم بها وتوضع بتخاذلهم عنها.

فاللغة العربية لغة القرآن الكريم. ويكفيها شرفا أن اختارها الله لغة لكتابه العزيز، وبحفظ الله لكتابه حفظ اللغة العربية، فيجب على كل مسلم أن يفتخر بلغته ويهتم بها لكونها لغة قرآنه أولا، ولأنها لغة تراثه وأمجاده ثانيا، فبها تقوم الصلة بيننا وبين الأجيال السابقة.

يقول مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - في أهمية اللغة العربية: «ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على    الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ:

 أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً.

 وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً.

وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ».

ويرى الرافعي أن المتبجحين باللغة الأجنبية رغم استطاعتهم الكلام بالعربية أنهم طبقات:
فأما الأولى: فإنهم يصنعون هذا الصنيع من جراء ما استقر في نفوسهم من كراهة التسلط الأجنبي أيام حكمه، فيحاولون أن يعبِّروا عنه بألسنتهم.
وأما الثانية: فإنهم يتكلفون هذا لما في نفوسهم من طباع أحدثها الخضوع والذل السياسي في عهد الاحتلال الإنجليزي. فاللغة الأجنبية بينهم تشريف وفخر.
وأما الثالثة: فإنهم يعمدون إلى هذا ويريدون به عيب اللغة العربية وتهجينها، وذلك من عداوتهم للدين الإسلامي.
 وقد أفتى بعض العلماء بكراهة الكلام بغير «العربية»؛ فمن ذلك ما روي عن الإمام مالك: مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير «العربية» أُخرِجَ منه. ويقصد به المتحذلق بغير «العربية».

ونقل ابن تيمية عن الإمام أحمد كراهة الرَطانةِ، وتسميةِ الشهورِ بالأسماءِ الأعجميّةِ، والوجهُ عند الإمام أحمد في ذلك كراهةُ أن يتعوّد الرجل النطقَ بغير «العربية»، ويتناسى العربية ولا يهتم بها
فضيلة التحدث بالعربية : إن للغة التي يتحدث بها الشخص تأثيرا في شخصيته، فإن من يتحدث «الفصحى» فإنه يتذكر أن لغته هي لغة الصدر الأول من الصحابة والتابعين، فكأنه يعيش معهم. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب».