يان دي هيم.. «طبيعة صامتة وببغاء»

يان دي هيم.. «طبيعة صامتة وببغاء»

يان دي هيم، هو واحد من أسرة ضمّت أكثر من ثمانية أساتذة في هولندا خلال القرن السابع عشر، وهم والده وعمّاه وأخوه وثلاثة من أبنائه، إضافة إلى بعض أحفاده.. غير أنه كان أشهرهم على الإطلاق.

ولد يان في أوتريخت عام 1606م، ودرس الفن أولًا عند والده، ثم عند بلثازار فان در أست ودايفيد بايلي، قبل أن يؤسس محترفه الخاص الذي خرّج عددًا من أساتذة الجيل اللاحق. ويروى عن شهرته أنها بلغت حدودًا جعلته يعجز عن تلبية الطلبات التي كانت تنهال عليه، فكان يعهد إلى أبنائه برسم اللوحات، ليكتفي هو لاحقًا بوضع بعض اللمسات والتعديلات وتوقيعها. ولكن اللوحة التي نراها هنا هي بأسرها بريشته حسبما يؤكد الخبراء.

يطيب للكثير من النقاد أن يتحدثوا عن رمزية الأشياء في لوحات الطبيعة الصامتة العديدة التي رسمها دي هيم، فيرون فيها مواعظ أخلاقية ضد الجشع والهدر والتبذير.. ولربما كان ذلك صحيحًا. ولكن القيمة المؤكدة لأعماله تكمن في مكان آخر.

رسم الفنان لوحته هذه في أربعينيات القرن السابع عشر، أي في العقد التالي لاستقلال هولندا عن التاج الإسباني، وبدء ما صار يعرف فيها بـ «العصر الذهبي» لازدهار اقتصادها بفعل تجارتها البحرية، وخاصة مع جزر الهند الشرقية والغربية.

نرى في هذه اللوحة الكثير من الأشياء «المستوردة»، مثل الببغاء الإفريقي الرمادي في الأعلى، وتحته ببغاء «مكاو» الأحمر من أمريكا الجنوبية، وأيضًا بعض الأصداف من بحار استوائية، إضافة الى أشياء من صنع الإنسان مثل الآنية الفضية والذهبية المزخرفة بأناقة بالغة والكأس الزجاجية الطويلة..إلخ. وعلى الرغم من أن معظم الثمار مفتوحة ( مثل ألبابايا، الرمّان، الليمون، الجوز ..)، فإننا لسنا أمام وجبة طعام واقعية أو ممكنة، بدليل غياب الخبز واللحم والخضار غيابًا تامًا.

إننا هنا أمام دعوة للاستمتاع «بمأدبة بصرية» جمع فيها الفنان ببراعة ما بين متناقضات كثيرة على مستويات: المقاييس (الكركند الأحمر الكبير والجمبري الصغير عند زاوية الطاولة)، والأشكال (هندسية في العامود والطاولة والكأس وعضوية غير هندسية في معظم العناصر)، والملمس (الريش والمخمل والمعدن والفاكهة الصلبة والندية..)، واللمعان (الفضة والذهب والماء في لب الفاكهة وحتى اللمعان اللؤلوئي على الصدفة).. فكل شيء فيها مرسوم بأقصى حد من الأمانة لمظهر الأصل، مما يضفي على جوها العام شيئًا من البهرجة والطابع الاحتفالي، يعززه الغنى اللوني المدهش. ويؤدي اللونان الأخضر والأحمر دورهما في إضفاء طابع اللوحة والتجانس على هذه البوتقة من الأشياء المختلفة.

تبقى الإشارة إلى عنصر توحيدي آخر لا يقل شأنًا عن اللون، ألا وهو جمع كل عناصر اللوحة في تركيب يتمحور حول قطر المستطيل من أسفل اليمين إلى أعلى اليسار وفق المدرسة الباروكية, التي يعتبر دي هيم من أبرز أساتذتها في هولندا خلال القرن السابع عشر .