اليونسكو تختار عبدالله الجابر الصباح كشخصية تربوية وثقافية رائدة

اليونسكو تختار عبدالله الجابر الصباح كشخصية تربوية وثقافية رائدة

تمتاز‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ (‬اليونسكو‭) ‬بتقاليد‭ ‬رائعة‭ ‬وراسخة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬احتضان‭ ‬الشخصيات‭ ‬والأحداث‭ ‬والمواقع‭ ‬المؤثرة‭ ‬ثقافيًا،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بها‭ ‬كروافد‭ ‬للتراث‭ ‬العالمي‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مشاربها‭. ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬قائمة‭ ‬شملت‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬وثمانين‭ ‬شخصية‭ ‬وموقعًا‭ ‬وحدثًا،‭ ‬جميعها‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬ثقافية‭ ‬متميزة‭ ‬تقوم‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬بتكريمها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ - ‬2015‭.‬

ضمن هذا الإطار قررت المنظمة الدولية اختيار الشيخ عبدالله الجابر الصباح وتكريمه كرائد للثقافة ومجدد ومصلح للتعليم في دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي، وبوصفه من الشخصيات العالمية التي أثرت في مجتمعاتها، وأسهمت في تنمية الثقافات والمعارف الإنسانية.

هذا التكريم يعبر أيضًا عن تقدير «اليونسكو» لإنجازات دولة الكويت في مجالات التربية والثقافة، واعترافها بأهمية الجهود التي بذلها الشيخ عبدالله الجابر في هذه الميادين طوال ثلاثين عامًا امتدت بين 1936 - 1965.

تلك الفترة مثلت منعطفًا تاريخيًا مهمًا في تاريخ الكويت، حيث عانت البلاد في بدايتها ضائقة مالية وآثار الحرب العالمية الثانية، ثم مرت بانتعاش اقتصادي غير مسبوق بعد الحرب، كما نالت الكويت استقلالها وبدأت في تنفيذ مشاريع تنموية كثيرة، إضافة إلى إعادة تنظيم مؤسسات الدولة والتحول إلى الحكم البرلماني الدستوري.

واكب الشيخ عبدالله الجابر كل هذه التطورات، وكانت له إسهامات كبيرة في الإصلاحات التي تمت في تلك الفترة، وكان أهمها في مجالي الثقافة والتعليم.

في العام 1936 تم الاتفاق بين حاكم الكويت ورجالاتها على رفع الضريبة الجمركية بنسبة نصف في المائة على أن تذهب هذه الزيادة لتمويل التعليم. وأعقب ذلك تشكيل أول مجلس للمعارف في تاريخ البلاد برئاسة الشيخ عبدالله الجابر. وأنشئت دائرة المعارف برئاسته أيضًا في 1937، وهي السنة التي صدر فيها قانون المعارف الذي يحكم الجوانب التنظيمية المرتبطة بتحديث العملية التعليمية. 

كان التعليم آنذاك يعاني ضعف المناهج وقلة الموارد وعدم كفاية الفصول الدراسية وغياب الانضباط، إلى جانب أمور أخرى شكلت تحديات كبيرة لمجلس المعارف الذي كان مصممًا على قهرها، وكان رئيس المعارف يتمتع بوضوح التفكير ودائم التفاؤل، فأبرق إلى الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين) يطلب منه إرسال معلمين أكفاء للتدريس في الكويت.

ورغم محاولات الإنجليز تعطيل سمات دخول المدرسين الفلسطينيين، فإنهم بفضل جهود رئيس المعارف وصلوا إلى الكويت في نوفمبر 1936، وبرز تأثيرهم في جودة التدريس وتنويعه منذ الوهلة الأولى، وكان هذا أول تحول أحدثه الشيخ عبدالله الجابر في مسار التعليم بالكويت.

منذ ذلك الوقت كان مجلس المعارف برئاسته يضع خطط تحديث التعليم، وكان الإنجليز يحاولون جاهدين التدخل في تفاصيل العملية التعليمية، إلا أن الشيخ عبدالله الجابر كان يقف لهم بالمرصاد، بما عُرف عنه من حرصه على حفظ استقلالية القرار التعليمي الكويتي.

ومن ذلك أنه عندما بعث برسالة مع مدير دائرة المعارف عبداللطيف الشملان إلى النحاس باشا رئيس وزراء مصر يطلب إرسال مدرسين إلى الكويت في العام 1942، قامت قائمة الإنجليز، وطلبوا من الشيخ عبدالله الجابر سجن الشملان ثم إبعاده إلى البحرين. ورفض رئيس المعارف هذا الطلب، فأرسل الإنجليز البارجة «لوبن»، ونزل منها حوالي 50 جنديًا مكثوا في الكويت مدة 3 أشهر في محاولة للضغط والترهيب، ولكن حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر دعم موقف رئيس المعارف، وحلَّت المشكلة وفق رغبته، كما تم السماح بوصول المدرسين المصريين إلى الكويت. وبذلك انتهت محاولات الإنجليز للتدخل في شئون التعليم بالكويت.

كل ذلك يدل على صلابة الشيخ عبدالله الجابر وثقته المطلقة في خطواته الإصلاحية واستعداده للتضحية والمواجهة في سبيل الحفاظ على مبادئه.

ترك المدرسون العرب - فلسطينيين ومصريين وغيرهم - أكبر الأثر في التعليم بالكويت نظرًا لكونهم من حملة المؤهلات العالية ومن ذوي الخبرة في التدريس. ولأجل تحديث العملية التعليمية، استعانت دائرة المعارف في العام 1954 باثنين من خبراء التربية العرب، هما الدكتور متىّ عقراوي الذي كان يعمل مع «اليونسكو» والدكتور إسماعيل القباني اختصاصي السياسة التربوية، اللذين قدّما تقريرًا شاملًا لإصلاح مسار التعليم في الكويت، ونفذت دائرة المعارف توصيات الخبيرين التي أدت إلى تطوير التعليم وتنويعه بشكل جذري.

بالتزامن مع الاهتمام بالاستعانة بالكفاءات والخبرات التعليمية العربية، اهتمت دائرة المعارف باستقدام الخبرات الدولية من منظمة اليونسكو، وإنشاء العديد من المدارس الحديثة التجهيز في الكويت.

فبعد أن كان كمّ المدارس التي عهدت لدائرة المعارف في العام 1936 مقصورًا على مدرستين هما «المباركية» و «الأحمدية»، قفز عددها خلال ثلاثين سنة إلى 149 مدرسة تضم أكثر من 79 ألف طالب وطالبة. وشملت هذه المدارس جميع أنواع التعليم العام والخاص والنوعي (ديني، صناعي، احتياجات خاصة، إعداد معلمين.. إلخ..)، كما ضمت جميع المراحل من «رياض الأطفال» حتى نهاية المرحلة الثانوية، إضافة إلى تعليم الكبار ومحو الأمية، وكانت تقدم الخدمات المجانية مثل التغذية والملابس المدرسية والكتب واللوازم الدراسية ووسائل الانتقال والعناية الطبية.

اهتم الشيخ عبدالله الجابـــــر بإرسال الطلبة إلى الخارج للدراسة الجامعــــيـــة، فأوفد بعثات طلابية إلى العراق في العام 1938 وفي العام 1939 أرسلها إلى مصر والبحرين ولـــبنان، وبعد ذلك أرسل الطلاب للدراســـة الجامعية إلى إنجلترا والولايات المتحدة. وكان «مجدد التعليم» يزور طلاب البعثات الكويتية في الخـــــارج باستــــمـــرار لمتابعة أحوالهـــم والاستماع إلى مطالبهم التي كان يعمل على توفيرها.

وفي العام 1945 أُسس بيت الكويت في القاهرة لرعاية طلاب البعثة الكويتية في مصر، وكان هذا البيت في الواقع مركزًا ثقافيًا ناشطًا وأصدر مجلة البعثة، كــما أنه نــجح في أن يؤسس لعلاقات متينة بين الكويت ومصر، ولاقت جهوده كل التقدير من المسئولين المصريين. وعندما تم إنشاء مبناه الجديد في العام 1958 قام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بافتتاحه بحضور الشيخ عبدالله الجابر وعدد من المسئولين الكويتيين والمصريين.

من جهة أخــــرى، أولت «معارف الكويت» عناية بالغة للنشاطات الطلابيــــة للبنــيــــن والبنات على حد سواء، واعتبرتها مكملة للمنهج الدراسي، فاهتمت بالتربية البدنية، والتربية الفنية، والحركة الكشفية والرياضية، وتنمية الهوايات مثل الموسيقى، والتمثيل، والرسم، والفنون الأخرى، إضافة إلى النشاطات الثقـــافـــيـــة مثل المناظرات، والمحاضرات. وكان «مصلح التعليم» يحضر معظم احتفالات المدارس ومعارضها ومبارياتها ويقدم لها الجوائز والهدايا.

لم تقتصر تلك المدارس على الكويتيين فقط، إذ إنها كانت أيضًا تقدم التعليم والخدمات التعليمية الأخرى لكل من يعيش على أرض الكويت مجانًا، ومن دون تمييز، وكان من نتيجة ذلك أن بلغ عدد الطلبة الوافدين في مدارس الكويت ما يزيد على 25 ألفًا يمثلون نسبة 27 في المائة من إجمالي عدد الطلاب والطالبات، وذلك في العام 1965، وهي آخر سنة للشيخ عبدالله الجابر على رأس وزارة التربية.

 

معركة‭ ‬تعليم‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬1937

وهي من المواجهات الأولى التي خاضها مجدد التعليم الذي كان يؤمن بتعليم المرأة وتحريرها من أغلال الجهل منذ كان يرأس النادي الأدبي في عشرينيات القرن العشرين.

كان حظ الفتاة من التعليم لا يتجاوز تلقيه لدى «المطوعة» أو معلمة الكتاتيب، وانحصر في بعض مبادئ القراءة والكتابة. وقامت دائرة المعارف في العام 1937  بافتتاح مدرسة «الوسطى» للبنات، واستقدمت للتدريس فيها مدرسات من فلسطين.. ولكن المجتمع المحافظ امتنع عن إرسال بناته إلى تلك المدرسة، نتيجة للجو المشحون الذي أوجده أئمة المساجد الذين حذَّروا الناس من إرسال بناتهم إلى المدرسة، لأن تعليم البنت في نظرهم «يؤدي إلى الانحلال والفسق»!

إلا أن الشيخ عبدالله الجابر لم يستسلم في وجه هذا التحدي، وصمم على التغلب عليه، وسلك في ذلك طريقين: الأول هو سبيل الإقناع المباشر، حين اجتمع مع بعض رجالات الكويت وأقنعهم بأهمية تسجيل بناتهم في المدرسة، كما أنه قدَّم القدوة بكونه من أوائل الذين سجلوا بناتهم فيها.

علاوة على ذلك، سلك الشيخ الجابر طريقًا آخر لم يكن معروفًا في المنطقة آنذاك وشبيه بطريقة التسويق المباشر، أو ما يسمى «من الباب إلى الباب» حيث إنه استقدم وفدًا نسائيًا من العراق يتألف من عشر سيدات مهمتهن زيارة العائلات الكويتية وتوعية الأمهات الكويتيات بمزايا تعليم البنات.

إثر إصرار الشيخ عبــدالله الجابر على المُضي قُدمًا في تعلــــيم الفتـــاة، تراجعت المعارضة الضارية التي كانت تتهمه بأنه يريد إفساد الجيل الجديد بتعليـــمه وتثـــقــيفــه، بعدما وضــح نبـــل غاياته، وتجـــــاوب الأهـــــالي مع حملة وفد التسويق النسائي، حيث أقبلت الأسر الكويتية عــلى تسجيل بـــناتهـــا في المدارس بمختلف المراحل.

في خلال ثلاثين عامًا من رئاسته لدائرة المعارف، قفز عدد مدارس البنات من مدرسة واحدة في العام 1937 تضم 140 طالبة إلى 84 مدرسة تضم أكثر من 32 ألف طالبة في العام 1965.

وهكذا كسب الشيخ عبدالله الجابر واحدة من أهم المواجهات مع القوى المحافظة الاجتماعية المتزمتة.

 

تعليم‭ ‬البنات‭ ‬من‭ ‬‮«‬رياض‭ ‬الأطفال‮»‬‭ ‬

حتى‭ ‬الجامعات

من المفارقات التي مرَّت بها سياسة إصلاح التعليم تلـــك الضــــجة التي ثارت لـــــدى افتتاح أول روضة أطفال في العام 1954 وكانت تقبل الأولاد والبنات الصغار جنبًا إلى جنب، عندما قاطع عدد كـبير من أهالي الكويت تلك الروضة، لأنهم كانوا ضد «اجتماع البنت والولد» في مدرسة واحدة!

ولكن بفضل الشخصية الكاريزمية التي كان يتمتع بها «مصلح التعليم» اقتنع الأهالي بالفكرة وتلاشت مقاطعتهم، وأقبلوا على تسجيل أطفالهم في «الروضة» بشكل كبير.

لم يكتف رئيس المعارف بتعليم الفتاة داخل الكويت، بل إنه كسر حواجز الممانعة الاجتماعية ضد استكمال المرأة لتعليمها العالي، وذلك بإرسال أول بعثة طلابية من بنات الكويت للدراسة الجامعية في مصر في العام 1956، تلتها بعثات أخرى أرسلن للدراسة في مصر ولبنان وإنجلترا وسويسرا.

أحرز «مجدد التعليم» ومعه مجلس المعارف كل تلك الإنجازات في مجتمع كانت غالبية أفراده تؤمن قبل سنوات قليلة فقط بأن الفتاة لا تستحق من التعليم سوى مبادئ الكتابة والقراءة!

 

أكبر‭ ‬مجمَّع‭ ‬تعليمي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط

في العام 1953 تحقق أكبر حلم تعليمي للشيخ عبدالله الجابر، حينما تم افتتاح ثانوية الشويخ، أكبر مدينة تعليمية في الشرق الأوسط آنذاك، أقيمت على مساحة مليونين ونصف المليون متر مربع تطل على ساحل جون الكويت، وكان كل شيء فيها يوحي أنها سوف تصبح في أحد الأيام مرفقًا جامعيًا. 

وبالفعل، استقدمت الكويت في العام 1960 خبراء من «اليونسكو» والدول العربية لدراسة افتتاح جامعة في الكويت، وتم إنشاء مكتب للإعداد والتجهيز للجامعة، ووضح بُعد نظر رئيس المعارف في اهتمامه بإقامة هذه المنشأة التعليمية الضخمة عندما دعت الحاجة بعد ذلك بعشرين عاما إلى إقامة مدينة جامعية متكاملة في موقع ثانوية الشويخ. لاتزال المباني الأصلية لهذا الموقع قائمة بعد تجديدها، محاطة بالمباني الجامعية الحديثة. 

وكانت «ثانوية الشويخ» من أهم المعالم التي يزورها ضيوف الكويت، وأقيمت فيها العديد من الأنشطة الرياضية والمواسم الثقافية التي استضيف فيها كثير من الشخصيات الأدبية والفكرية المعروفة في العالم العربي، وتخرّج في هذا الصرح التعليمي الألوف من الطلبة من بينهم كثير من الشخصيات التي تولت مناصب قيادية داخل الكويت وخارجها. ودرس فيها طلبة ينتمون إلى أكثر من 20 بلدًا عربيًا وأجنبيًا.

كثيرون أشادوا بـ «ثانوية الشويخ» من حيث روعة التصميم ورقي المرافق، منهم أحد خريجيها، وهو المفكر والسياسي والأستاذ الجامعي الدكتور أحمد الرُّبعي، الذي أكد عدم وجود مدرسة مثلها: «حدثت فيها كل هذه المظاهرات والاجتماعات والعمل الطلابي والسياسي وتخرّجت فيها خيرة قيادات البلد بهذا الحجم وهذه الكثافة!!».

 

مِنح‭ ‬دراسية‭ ‬كويتية‭ ‬

لمئات‭ ‬الطلاب‭ ‬العرب‭ ‬والأجانب

منذ بدايات النهضة التعليمية الحديثة في الكويت، وبتوجيه من رئيسها أتاحت دائرة المعارف فرص التعليم لأبناء البلاد العربية والإسلامية وغيرها، مع تمتعهم بمنح دراسية كاملة. ففي أوائل خمسينيات القرن الفائت ابتدأت الكويت في استضافة مئات من الطلبة العرب لتلقي التعليم في مدارسها، حضروا من الجزائر، والمغرب، وتونس، واليمن، وحضرموت، وعدن وظِفار، والسعودية، وعمان، والشارقة، ورأس الخيمة، ودبي، والبحرين، وفلسطين، والصومال، وغيرها من البلدان، واستقبلت الكويت هؤلاء الطلبة ضيوفًا معززين مكرمين ضمن نظام المِنح الدراسية.

إلى جانب ذلك، استضافت الكويت مئات من الطلبة الأجانب للدراسة في المعهد الديني وفق نظام المنح الدراسية، ينتمون إلى أكثر من 40 دولة إفريقية وآسيوية، إضافة إلى دول الاتحاد السوفييتي السابق.

 

الأثر‭ ‬التعليمي‭ ‬للكويت‭ ‬خارج‭ ‬الحدود

امتدادًا لتوجُّه دولة الكويت لترسيخ التكامل الثقافي مع منطقة الخليج العربي، احتضن الشيخ عبدالله الجابر ومجلس المعارف متطلبات التعليم في خمس إمارات خليجية هي دبي، الشارقة، عجمان، أم القوين، ورأس الخيمة.

واستجابة لطلب حاكم الشارقة في العام 1953 أوفدت دائرة المعارف الكويتية أول بعثة تعليمية لإنشاء التعليم النظامي الحديث في تلك الإمارات. وبذلك يمكن اعتبار تلك السنة بمنزلة نقطة التحول في تاريخ التربية والتعليم في هذا الجزء من الوطن العربي.

على إثر النجاح الذي حققته البعثة التعليمية الكويتية في إمارة الشارقة، طلبت الإمارات المجاورة لها من دائرة المعارف بالكويت أن تقوم بتحديث التعليم فيها.

وبعد عقد من الزمان، أي في العام 1962، بلغ عدد المدارس التي أنشأتها وجهزتها وكانت تديرها «معارف الكويت» في إمارات الخليج العربي 24 مدرسة، تضم زهاء خمسة آلاف طالب وطالبة، وكانت دائرة المعارف الكويتية تتحمل العبء الأكبر من ميزانية التعليم في تلك المدارس.

كما أرسلت الكويت على نفقتها عددًا من أبناء تلك الإمارات للدراسة الجامعية في العراق ومصر.

 

الامتداد‭ ‬التعليمي‭ ‬الكويتي‭ ‬

خارج‭ ‬الخليج‭ ‬العربي

مرة أخرى أشرق الوجه الحضاري الذي آثرته الكويت في علاقاتها العربية، حين قررت دائرة المعارف إيصال جهدها التعليمي في ستينيات القرن الماضي إلى القدس بفلسطين بالتبرع بمبلغ مليون دولار لإنشاء المعهد العربي (كلية العلوم والتكنولوجيا) في القدس، وكان التمويل يتم على الدوام بتبرعات كويتية حكومية وشعبية.

كما وصلت إسهامات الكويت التعليمية شرقًا إلى شبه القارة الهندية، حين أنشأت دائرة المعارف مدرسة عربية في بومباي في العام 1952 - وأخرى في كراتشي في العام 1953 لتدريس أبناء وبنات الجاليات العربية المقيمة في المدينتين، وامتد نشاط هاتين المدرستين إلى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. 

وكانت دائرة المعارف مـــســــئولة عن تجهيز هاتين المدرستين وتحمل أعبائهما بالكامل، كما حرص الشيخ عبدالله الجابر على تفقُّد أحوالهما في أثناء زياراته إلى شبه القارة الهندية.

 

مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني

شهدت الكويت في بداية منتصف القرن الماضي حراكًا ناشطًا تمخض عن إنشاء مؤسسات المجتمع المدني المتمثل في تأسيس الأندية الثقافية والرياضية، إلى جانب إصدار المجلات. وقد شجع الشيخ عبدالله الجابر هذا الاتجاه، ومد تلك المؤسسات بالدعم المعنوي والمالي.

ويعد نادي المعلمين من أهم النوادي التي أسست فــــي العام 1951 وكان رئيـــســــها الفخري آنذاك حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر، أمير دولة الكويت الحالي.

 

المشهد‭ ‬الثقافي

عمدت دائرة المعارف بدعم من رائد الثقافة في الكويت، إلى دعوة نخبة من مفكري الوطن العربي وأدبائه لإلقاء المحاضرات العامة في المواسم الثقافية التي كانت تقام على مسرح ثانوية الشويخ، ابتداء من العام 1958، والتي كان يرعاها ويحضرها الشيخ الجابر، كما كان يحضرها جمع كبير من المهتمين بالثقافة في الكويت. وتنوعت موضوعاتها، فشملت مجالات التربية والتاريخ والقومية العربية والأدب والعلوم الاجتماعية، وكانت تخاطب الهموم العربية ومشكلاتها، وتمد جسور الوحدة الثقافية بين الأقطار العربية.

من الأسماء اللامعة في ذلك الوقت، دعت الكويت للتحدث في المواسم الثقافية: بنت الشاطئ (د.عائشة عبدالرحمن)، أمينة السعيد، عبدالرحمن البزاز، فؤاد صروف، منيف الرزاز، جميل صليبا، إحسان عباس، سهير القلماوي، محمد رضا الشبيبي، والأديب الكبير ميخائيل نعيمة، ضمن قائمة طويلة من المفكرين المرموقين.

يتذكر هذه الفترة الأستاذ أنور النوري وزير التربية الأسبق: «مما وسع مداركنا في تلك الفترة المواسم الثقافية، فكنا نلتقي وجهًا لوجه مع أسماء لامعة في عالم الفكر». 

كما شهدت الكويت مؤتمر الأدباء العرب في نهاية 1958، ورافقت انعقاده عروض من فرقة المسرح القومي بمصر، ونشرت أبحاث المؤتمر وندواته في كتاب ضخم.

 إلى جانب الاهتمام بثقافة الكلمة المطبوعة، تبنت دائرة المعارف ثقافة اكتشاف الرموز المنحوتة والمنقوشة، إذ إنه بموازاة المواسم الثقافية دعت دائرة المعارف بعثة دنماركية للتنقيب عن الآثار في جزيرة فيلكا في العام 1958، وفي السنة نفسها قام الشيخ عبدالله الجابر بافتتاح متحف الكويت الوطني الذي ضم جزءًا من الآثار المكتشفة، بينما عرضت الآثار الأخرى في متحف فيلكا للآثار، والذي افتتحه رئيس المعارف في العام 1964، وفي الوقت نفسه افتتح متحفًا تراثيًا في الجزيرة، وهذه المتاحف هي الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي.

كانــــت تلك الأحداث الثقافيـــة التي تمت بدعم من الشيخ عبدالله الـــجـــــابر فريدة من نوعها آنذاك لــيس في الكويــت وحدها، وإنما في المنطقة بأكملـــــها. ويتـــضــــح ذلــــك إذا نظرنا إلى الخريطــة الثقافـــيــة للعالم العــــربي في فـــترة خمسينـــيات القــرن العشرين، فنجد أن الكويت أشرقت كـــمـــنارة ثقــــافــــية وهَّاجة تضيء الطريق لمستــقــبل أجيالها وأجيال العالم العربي. 

 

قالوا‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬الجابر

كان يحظى باحترام القوى المتعلمة ويشاركها تطلعاتها الثقافية.

كل تلك الإنجازات ما كانت تتم لولا وجوده على قمة جهاز التعليم، وكان مهتمًا إلى أقصى حد بتطوير العمل وتوجيهه إلى تحقيق الأهداف المرجوة.

(تاريخ التعليم في الكويت - المجلد 2)

الشيخ عبدالله الجابر، رجل الدولة، صاحب الرؤية  البعيدة المدى الذي أعطى الكثير من وقته لدعم قضية التعليم.

(أنور النوري - وزير التربية الأسبق).

الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬يتسلم‭ ‬وساماً‭ ‬تقديراً‭ ‬لجهوده‭ ‬في‭ ‬العلم