زيادة الألف والواو في النسبة

زيادة الألف والواو في النسبة

زاد بعضهم، في العصر العباسيّ، ألِفًا وواوًا قبل الياء، في النسبة إلى عَكّة، فقالوا: عَكّاويّ؛ وممّن كانت هذه نسبته محمّد بن الوليد البزّاز، المحدّث المعاصر للعالِم المشهور سُليمان بن أحمد الطبَرانيّ (260- 360 هـ)؛ ومنهم الحافظ أبوالقاسم العَكاويّ الذي ذكره «معجم البلدان» (مدينة مصر)، ولا نعرف عنه شيئًا؛ وذلك أنّ الناس تقف بالهاء على عكّة وأمثالها ممّا خُتم بالتاء المربوطة، كما تقتضي اللغة، ثمّ تلفظ الهاء ألِفًا لكثرة الاستعمال، ولكون الوقف على الألِف أخفّ منه على الهاء، حتى صار الناس اليوم يقولون عَكّا لا عَكّة؛ علمًا أنّ «معجم البلدان» نفسه يذكر موضعًا اسمه عكّا «غير  عكّة التي على ساحل بحر الشام» يعني في فلسطين. وتحويل التاء ألِفًا على هذه الصورة جعل زيادة الواو والياء تكثر في العاميّة الحديثة، فيقال مكّاويّ، مثلًا، وإن قيل مَكّيّ أيضًا؛ ويُستعمل هذا في غير المختوم بالتاء كذلك فيقال ربْداويّ (نسبة إلى أَرْبَد في الأردن) وبشرّاويّ (نسبة إلى بشرّي في شمال لبنان) وأهلاويّ وزَمَلْكاويّ (نسبة إلى ناديي الأهليّ والزمالك في مصر)، وما أشبه ذلك؛ وتستعمل هذه الطريقة حتى في الصفات العامّة فيقال في بعض البلاد العربيّة: غَلَباوي، في النسبة إلى الغَلَبة. فهل لهذه النسبة من أصل في العربيّة الفصيحة؟

لقد توسّع سيبويه في ما تجيء فيه الواو قبل ياء النسبة، وذلك في قواعد يعرفها الاختصاصيّون، ونكتفي منها بمختصر لما تسبق فيه الألِفُ الواوَ. إنّه يجب قلب الهمزة واوًا بعد الألِف في الصفات والأسماء الممدودة الممنوعة من الصرف، مثل: رَوْحاء، رَوْحاويّ؛ زَكَرِيّاء، زَكَرِيّاويّ؛ ويجوز ذلك في الأسماء الممدودة المصروفة، نحو: غَداء، غَداويّ؛ وفي الأَعلام المنتهية بهمزة والمأخوذة من جمع، مثل: الأَبْناء، الأَبْناويّ. ويجوز زيادة الواو في الصفات والأسماء المقصورة التي تزيد على الثلاثة أحرف، مثل دِفْلى، دِفْلاويّ. فالألِف غير زائدة في ذلك كلّه بل الواو؛ وهم لم يزيدوا الألِف والواو معًا إلاّ في النسبة إلى قبيلة بَكْر بن كِلاب، فقالوا: بَكْراويّ؛ وزادوا الألف وحدها في النسبة إلى قبيلة عَديّ، فقالوا: عَدَويّ، وعَداويّ (الواو هنا منقلبة عن الياء لا زائدة). فإذا سوّغ القدماء زيادة الألِف والواو في النسبة إلى إحدى القبائل، فليس ما يمنع المتأخّرين من ذلك، عند الضرورة، بحيث يكون التفضيل للفصيح، أو للأقرب إلى الفهم؛ أي تفضيل مَكّيّ على مكّاويّ، مثلًا، وتفضيل عَكّاويّ على عَكّيّ، مع أنّ عَكّيّ هي الفصيحة؛ وتُترك غلَباويّ وأشباهها؛ لأنّ في الفصيح ما يغني عنها.

على أنّ هذه المسألة تبدو هيّنة أمام مسألة أخرى هي زيادة الواو دون الألِف في الأسماء الدالّة على اتجاه فكريّ أو عقديّ؛ ذلك أنّ في العصور الحديثة من اعتمد زيادة تلك الواو في ترجمة اللاحقة الأجنبية (iste (ist، في الصفات، و(isme (ism، في الأسماء؛ فقالوا، مثلًا، حَداثَويّ لـ moderniste، وشَعْبَويّ لـ populiste وإسْلامَويّ (كذا) لـ islamiste. فهل لهذه الصيغة أيضًا من أصل في «العربيّة»؟

القاعدة في النسبة بالواو والياء معروفة، وأهم ما فيها أنّ الواو في تلك النسبة ليست زائدة بل هي أصليّة أو منقلبة عن ياء أو ألِف، أو مردودة بعد حذفها، وذلك بشروط ليس هنا موضعها، وأمثلة ذلك: نَحْويّ، وعَصَويّ، ونَبَويّ، وأَخَويّ؛ وشذّت عُلْويّ، نسبة إلى منطقة العالية في الحجاز؛ أمّا بَدَويّ، نسبة إلى البادية، فلا شذوذ فيها، خلافًا  للنحاة، بل حذفٌ للألف. 

وأمّا ما شذّ عن القاعدة فزيدت فيه الواو فنسبة الفرزدق إلى الحانة بحانَويّ بدلًا من حانيّ، وإن اختلف النحاة في كون النسبة هنا إلى الحانة أو إلى الحانية أو إلى الحاناة. ونحن نرجّح الحانة لأنّها الأشهر، ولأنّ الحانية والحاناة تبدوان من استنباط النحاة، لا من اللغة المستعملة. كما نجد صفات غَزْنَويّ، نسبة إلى مدينة غَزْنة، في لغة المؤرّخين؛ وصَنْعَويّ، نسبة إلى صَنعة، في عناوين «الفهرست»؛ وبَصْرويّ (بفتح الباء)، نسبة إلى مدينة البَصرة (إذا لم يكن في الإعجام خطأ)، وذلك في «معجم الأدباء» و«لسان العرب». فهذه النسبة معروفة عند العرب وإن كانت شاذّة، والشاذّ لا يقاس عليه، لكن إذا كثر استعماله بأَخَرة، فذلك يعني أنّ المستعملين مالوا إلى جعله قاعدة. 

وينبغي أن نلحظ اقتصار هذه النسبة على ما زنته فَعْلة، وعلى معنى المكان والمهنة. وإذا دعتنا الضرورة إلى إهمال المعنى الصرفيّ، فلا يمكننا إهمال الموسيقى الصرفيّة. إنّ مستعملي صفة ثَوْرَويّ في النسبة إلى الثورة، وثَوْريّ في النسبة إلى الثَّوْر، ونَهْضَويّ في النسبة إلى النهضة، وفِكْرَويّ بمعنى أيديولوجيّ، قد التزموا شروط هذه النسبة. لكن تلك النِّسب لا علاقة لها باللاحقتين (iste (ist، و(isme (ism  فقد أريد بالأولى معنى (révolutionnaire revolutionary) وليس révolutionariste، وبدت الثانية اشتقاقًا عربيًّا محضًا لا نعرف له مقابلًا في النِّسب الأجنبيّة، وقُصد بالثالثة معنى idéologique) ideological)، وليس معنى (idéologiste ideologist)؛ فزيادة الواو لا تدلّ دومًا على تينك اللاحقتين الأجنبيتين، ولذلك لا يمكن إقرار دلالتهما لها، فكيف إذا اشتطّ بعضهم في ذلك، واستعمل نحو إسْلامَويّ وإنسانَويّ وحَداثَويّ، إلخ. وأسوأ ذلك معاملتهم المنسوب معاملة المنتهي بياء مشدّدة من الأسماء والصفات، كقولهم أقَلََّوِي نسبة إلى الأقليّة، وهو خطأ، ومستصعب اللفظ، ولاسيّما إذا أُلحق به ضمير، كقول أحد الصحافيّين: أقلويّتهم. ثم إنّ تينك اللاحقتين لا تدلاّن دومًا على معنى الاتجاه الفكريّ أو العقديّ الذي يفترضونه فيهما، فربما دلّتا على المهنة المجرّدة مثل pianiste (عازف البيانو)، و linguiste (لغويّ). كما أنّ الوصف بـ  (iste (ist، لا يستتبع التسمية بـ (isme (ism كما في المثلين السابقين، خلافًا لما توهّمه بعضهم.  

ويسألونك: كيف نترجم، إذن، هاتين اللاحقتين؟ والجواب ببساطة أنّه يجب اعتبار كلّ حالة على حدة، وما لا يستطيع المفرد أن يترجمه، يستطيع التركيب ترجمته. فليس ضروريًا ترجمة (islamiste islamist) مثلًا بمفردة، بل يمكن ترجمتها بتركيب وصفي، مثل: المسلم الأَحْمَس أو المتشدّد، وفي الجمع: المسلمين الحُمْس أو المتشدّدين؛ وترجمة (islamisme (islamism بالإسلاميّة الأَحْمسيّة أو المتشدّدة؛ ويمكن اعتماد صفة إنسانيّ لـ humaniste، فقد صارت شائعة بهذا المعنى، وترجمة modreniste بحداثيّ، لأنّه ليس من كلمة أجنبيّة أخرى تلابس معناها، أمّا أَقلّيّة فينسب إليها بأَقلّيّ، وهكذا...   

إنّ البناء على الشاذّ عند الضرورة مقبول، إذا اتّسم بالحكمة والبعد من الالتباس والخطأ، بيد أنّ التوسع فيه على غير هدى يجافي اللغة والذائقة .