عن العربي
اتصل بنا
قصص على الهواء
«واثق الخطوة يمشى ملكاً» العالم يحافظ على أصالة الحصان العربي
للجمال حضور طاغ يتسلل إلى الوجدان والمشاعر، ويعتبر جمال الخيول العربية واحداً من تلك الصفات التي أبهرت العالم، وبالذات ذلك التناسق الفريد في مكونات جسمه ورأسه وعينيه وأنفه.. ثم رشاقته التي تغنى بها الشعراء على طول الزمان، هذا المخلوق البديع تحيط به الآن «المخاوف» من تسلل سلالات أخرى إلى أنسابه، بعد أن كانت «الأصالة» إحدى المميزات العريقة للحصان العربي الأصيل.
تكتنف هذه المخاوف تساؤلات عديدة: لماذا هذا القلق الذي أصبح عالمياً على أصالة الحصان العربي؟ ثم تفجّر الإجابة عن هذا التساؤل تساؤلا آخر أكثر أهمية: كيف تسهم الآن كل محاولات الدول والعلم والتكنولوجيا في تحقيق واحد من أهم الإنجازات في مشوار حياة الحصان العربي والحفاظ على أصالته التي ترجع إلى آلاف السنين، قبل أن تتسلل إليه دماء أخرى تحرمه من صفة ظل يتمتع بها طوال سنوات عمره اسمها «الأصالة»، إذ إن تاريخ سلالات الحصان العربي يرجع إلى أكثر من 7 آلاف سنة.. وفي أحضان شبه الجزيرة العربية، نشأت هذه الخيول بعيداً عن السلالات الموجودة في آسيا وأوربا وأستراليا.. وترجع بعض الروايات أن بداية استئناسها تعود إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، كما عرف عن النبي سليمان بن داوود شغفه بالخيول في ذلك الزمن البعيد.
الموطن الأصلي
والخيول العربية نشأت في الصحراء على يد البدو العرب الرُّحل، وغالباً ما كانت تعيش معهم في الخيام، وهذا الارتباط الوثيق بينها وبين البشر جعلها أكثر تعلُّماً وطاعة لهم.
والجزيرة العربية – كما يؤكد المؤرخون – تعتبر موطن الخيول العربية الأصيلة، حيث ورد في جميع المخطوطات القديمة والتاريخية ما يؤكد أن شبه الجزيرة العربية ومنطقة بلاد الشام هي موطن الخيول العربية، ومن هذه المنطقة انتقلت الخيل العربية إلى أنحاء العالم مع الفاتحين عند نشر رسالة الإسلام في القرن التاسع الميلادي.
ولذلك يعتبر مركز الملك عبدالعزيز آل سعود للخيول العربية الأصيلة والذي يحمل اسم مؤسس الدولة السعودية، أهم مراكز تربية الخيول العربية الأصيلة على مستوى العالم، حيث يضم البقية الأصيلة من خيول المؤسس، ومجموعة من الخيول العربية الأصيلة من سلالات عربية أخرى لاستمرار الإنتاج وتحسين الصفات، ويقوم هذا المركز الآن بدور قومي فريد وخطير في الحفاظ على أصالة الحصان العربي، وفي سبيل تحقيق هذه المهمة يقوم بإجراءات تفوق الخيال حتى لا يتسلل أي نسب آخر إلى الخيول الموجودة بهذا المركز النموذجي.
وفي عديد من الدول العربية وبالذات الامارات العربية ومصر توجد مراكز ومزارع لإنتاج والحفاظ على سلالات الخيول العربية الأصيلة، حيث يصل عدد مزارع تربية الخيول العربية الأصيلة في مصر وحدها إلى 340 مزرعة، وهي مقصد مضمون يقصده الأوروبيون والأمريكيون والخليجيون لشراء متطلباتهم من هذه الخيول الفريدة. ومع ذلك فإن بيع الحصان العربي الأصيل لا يتم بهذه السهولة كما يشرح د.ناصر مرعي مدير مزرعة البادية القابعة في جوار أهرام الجيزة – فإن كثيرا من مزارع الخيول ترفض بيع بعض الخيول الأصيلة التي تعتبر وعاءً وراثياً، والتي تمنح المزرعة سلالة أصيلة.
مواطن الجمال
ولكن كيف تبدو ملامح وصفات الحصان العربي الأصيل؟ يضيف د.ناصر مرعي «إذا كنت تبحث عن الحصان العربي الكلاسيكي فإن شكل جسمه يعد روعة في الجمال والتناسق. ويتميز بالرأس الصغير والمنخران الواسعان والجبهة العريضة وتباعد العينين السوداوين البراقتين. وتعتلي الرأس أذنان قصيرتان نهايتهما رفيعة، ورقبة طويلة متناسبة مع بقية أجزاء الجسم تملؤها العضلات وظهر قصير مكتنز، والذيل مرتفع بشكل واضح.. والعمود الفقري يتميز بوجود 17 زوجاً من الأضلع وخمس فقرات قطنية وست عشرة فقرة ذيلية، في حين بقية الخيول الأخرى تملك 18 زوجا من الأضلع و6 فقرات قطنية و18 فقرة ذيلية، حتى اللون يمكن التحكم فيه بالتدخل في ألوان سلالات التزاوج.
ومن المعروف عالمياً أن الخيول العربية الأصيلة يتم إنتاجها وراثياً من أجل تحقيق الكسب في سباقات السرعة، وبالذات في المسافات القصيرة، ويتم إنتاجها من تزاوج السلالات السريعة والقوية التي حققت فوزاً متتالياً في المسابقات العالمية.. ولكن الخيول العربية ليست لها صفات السرعة في سباقات المسافات الطويلة، ولها وجود في سباقات القدرة والتحمل في مسابقات تصل إلى 160 كيلومترا، وذلك يرجع إلى تكوين الحصان العربي ونشأته، ولذلك فإن ثمنه في هذا النوع من السباقات الطويلة يكون مرتفعاً جداً.
ويتميز الحصان العربي الأصيل بغزارة تعرُّقه، وحسن تكوين وتموضع ذيله المرتفع، وعند العدو السريع يرتفع الذنب جانبياً كالعلم فيعطي الحصان مسحة رائعة من الجمال، كما يمتاز بمشية طليقة واضحة فيها كثير من الرونق والخيلاء، ويتميز أيضاً بالشجاعة وقدرة هائلة على الاحتمال، فهو يتحمل الجوع والعطش بشكل مذهل، كما يقاوم الحر مهما اشتدت درجته.
لماذا المخاوف؟
ثم يأتي التساؤل المهم: ما وجه المخاوف على نسب وأصول الخيول العربية؟ وتوضح كل مخاوف خبراء تربية هذه الخيول البديعة أن انتشار مزارع تربية الخيول العربية في أوربا وأمريكا وأستراليا بعيداً عن عيون الرقابة العربية.. هو الذي يحرك كل المخاوف الآن.. وتقول الأرقام إن مكتب تسجيل الخيول العربية في أمريكا سنة 1908 لم يتجاوز 71 حصاناً عربياً.. وارتفع العدد بشكل جنوني، حيث تجاوز نصف المليون حصان في العام 1994.. وتؤكد السجلات أن عدد الخيول العربية المسجلة الآن في شمال أمريكا وحدها يزيد على العدد الإجمالي المسجل في العالم بأجمعه.. وفي أستراليا ومع بداية القرن العشرين وصلت إليها خيول عربية من سلالات مزارع إنجليزية وبولندية.. أما السلالات المصرية فإن أول ظهورها كان في العام 1970 في أستراليا.. واليوم يوجد مكتب خاص بتسجيل الخيول العربية الأسترالية، ويعد ثاني أكبر المكاتب عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمام هذا الانتشار «المريع» للحصان العربي في معظم أنحاء الدنيا.. فإن ثمة مهمة قومية عربية وعالمية قد ظهرت أمام خطر تسلُّل دماء مختلفة وسلالات متنوعة إلى الحصان العربي لتفقده أهم مزاياه وهي «الأصالة».
ضمانات الأمان
وأمام هذه المخاوف.. وحرصاً على الحفاظ على نسب الحصان العربي وأصالته، تجمع العالم بأكمله لوضع نظام عالمي يمكن من خلاله تحقيق ضمانات الأمان لوقف تسلل أي أنساب أو سلالات مختلفة إلى دماء الحصان العربي، وكان التساؤل أمام الخبير العالمي لتربية الحصان العربي داخل مزرعة البادية بجوار أهرام الجيزة: ما هي ملامح سلسلة الضمانات التي أعدها العالم للحفاظ على أصالة الحصان العربي؟
يجيب د.مرعي: «هناك مراكز تربية عالمية للحصان العربي في كل دول العالم الآن.. وهناك منظمة عالمية اسمها منظمة الخيول العربية العالمية، واختصارها «واهو» ومركزها إنجلترا تحفظ السجلات.. وفي كل دولة هيئة محلية لتسجيل الخيول العربية.. وفي مصر توجد الهيئة الزراعية المصرية، أو ما يطلق عليها محطة الزهراء».
وفي السنوات الأخيرة اشتهرت منظمة الخيول العربية العالمية (واهو) في كل أنحاء العالم، والتي لها سجلات ونسبها واضح لمئات السنين. وحديثاً وضعت سجلات خاصة لكل هذه الخيول، واحتفظت بها لدى «واهو»، وأصبح منذ ذلك التاريخ مفروضاً على كل محطة تربية إبلاغ الهيئة المحلية بتزاوج الخيول باستمارة ترفع إلى الهيئة يذكر فيها تاريخ ميلاد المولود الصغير، ويحضر بعدها مندوبون من الهيئة لمعاينة المولود، أو ما يطلقون عليه المهر، وفي ضوء التطورات العلمية الحديثة وفي خلال 6 شهور يتم عمل تحليل الحمض النووي (DNA) للمولود الجديد لمطابقته بتحاليل الأب والأم والجدود لإثبات نسبه، ثم يتم ختمه ويقيد رقم وتاريخ الميلاد، وتقوم الهيئة المحلية بإرسال كل بيانات المولود الجديد إلى الهيئة العامة (واهو) فيصبح له سجل عالمي.
وآخر المستجدات أن توضع شريحة مجهرية «ميكرو شيب» تحت جلد المهر بها كل تفاصيل نسبه وأصله وميلاده. ويصبح الحصان معروفاً، وإذا انتقل إلى أي جهة ينتقل ملفه معه، وتخطر الهيئة الزراعية بنقل سجل الحصان، بل أصبح الآن لكل حصان جواز سفر خاص به. ولا يسافر أو ينتقل للجري في مسابقات عالمية إلا ومعه جواز سفره، وفي العام 2009 تم بمقر اجتماع أعضاء مؤتمر «واهو» في سلطنة عمان، وتم عرض جواز السفر الخاص بالخيول، والذى أعجب الجميع وأشادوا بأنه أفضل جواز سفر للخيل عرض عليهم.
ويرى المؤرخون أن الحصان المصري بالذات احتفظ بملامحه العربية الأصيلة وحظي على مر التاريخ بالصيانة. واحتفظ في العصر الحديث بخاصية تدوين الجذور والأنساب حتى أصبحت مزارع تربية الخيول العربية هي المقصد المضمون الذي يقصده الأوربيون والأمريكيون والخيلجيون لشراء متطلباتهم من هذه الخيول الفريدة.
إن جزءاً كبيراً من تاريخ الحصان العربي المصري مرتبط بتاريخ مصر الحديث، وبالذات إلى عصر محمد علي باشا وابنه المحارب إبراهيم باشا الذي كان يقتني الخيول في حروبه، وكان يختار الخيول العربية ذات النسب والتي لها مرجعية. ومن شدة ارتباطه بالخيول أقاموا له تمثاله الشهير في ميدان الأوبرا المصرية فوق حصانه الذي غزا به معظم دول العالم. ثم الخديو عباس الذي بدأ عصره بالاحتفاظ بسجلات لكل حصان. ولكن ظروفه المادية أدت إلى بيع معظم هذه الثروة. وجاء علي باشا شريف فاشترى معظم هذه الخيول، حتى ظهرت الجمعية الملكية المصرية التي أخذت على عاتقها الحفاظ على هذه الثروة.
ويرى المؤرخون أن أقدم صورة للحصان العربي بمعالمه المميزة توجد على جدران معابد المصريين القدماء إبان غزو الهكسوس .
د. مرعي مع واحد من الخيول التي يمتلكها، عشقا للخيول العربية الأصيلة
يتميز الحصان العربي بالرأس الصغير والمنخرين الواسعين والجبهة العريضة
وتباعد العينين السوداوين البراقتين ورقبته الطويلة متناسقة مع الجسم ممتلئة العضلات
حرصا على حفظ نسب الحصان العربي وأصالته تجمع العالم لوضع نظام عالمي يمكن من خلاله تحقيق ضمانات
لوقف تسلل أي أنساب أو سلالات أخرى إلى دماء الحصان العربي