أدب كرة القدم

أدب كرة القدم

هو‭ ‬زمن‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬دون‭ ‬منازع‭. ‬فاتت‭ ‬عصور‭ ‬الكهرباء‭ ‬والذرّة،‭ ‬ومرت‭ ‬عقود‭ ‬الروبوتات‭ ‬والإنترنت،‭ ‬وغادرتنا‭ ‬أوقات‭ ‬الحواسيب‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬تتحدث‭ ‬فيه‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬فيسمعها‭ ‬القاصي‭ ‬قبل‭ ‬الداني‭. ‬ها‭ ‬هي‭ ‬البطولات‭ ‬تتابعها‭ ‬عيون‭ ‬ملايين‭ ‬البشر،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬مواقيت‭ ‬مبارياتها،‭ ‬تخصص‭ ‬لها‭ ‬قنوات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬هادرة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬اليوم،‭ ‬ويتحدث‭ ‬فيها‭ ‬لاعبون‭ ‬ونقاد‭ ‬وحكام‭ ‬وجماهير،‭ ‬وتنشر‭ ‬عنها‭ ‬صحف‭ ‬ومجلات‭ ‬محورها‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الاستثنائي‭ ‬أن‭ ‬يبرز‭ ‬أدبٌ‭ ‬يتعلق‭ ‬بكرة‭ ‬القدم،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تؤرخ‭ ‬للأندية‭ ‬وبطولاتها،‭ ‬ولا‭ ‬الإصدارات‭ ‬التي‭ ‬توثق‭ ‬للبطولات‭ ‬الكروية‭ ‬والفائزين‭ ‬بها،‭ ‬وإنما‭ ‬ظهر‭ ‬أدب‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬للاعبين،‭ ‬القيمة‭ ‬المحورية‭ ‬لعالم‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭. ‬

 

لعلّي أبدأ بأسطورة كرة القدم، موضوع أكثر من كتاب، وهو اللاعب البرازيلي إدسون أرانتيس، المعروف باسم بيليه، وهو اسم لا يعني شيئا، لكنه أصبح اليوم في أدبيات كرة القدم، يعني الحلم الأكبر. بيليه نفسه، في كتابه «حياتي واللعبة الحلوة.. سيرة أعظم نجم في كرة القدم»، لا يصدق سيرة حياته، وخاصة إحرازه خمسة أهداف في آخر مباراتين له في كأس العالم 1958 في سن السابعة عشرة، وسنوات المجد التي قضاها مع ناديه البرازيلي إف سي سانتوس، ودوره في أربع بطولات لكأس العالم، وعودته كعضو في  نادي كوزموس نيويورك، ودوره بصفته سفيرا مدى الحياة للنوايا الحسنة.

 

الرياضة‭ ‬المفضلة‭ ‬في‭ ‬العالم

ومادمنا في سيرة بيليه، فمن الكتب التي تعد نموذجا لسير لاعبي الكرة المخصصة للأطفال كتاب «بيليه الصغير»، الذي يروي بنصوص ورسوم ليزا كلاين رانسون، وجيمس إي. رانسون، كيف أن صبياً فقيرًا اسمه إدسون كان يركل بالطريق الصخور والكرات المصنوعة من الخرق البالية، مضى قُدما ليصبح أعظم لاعب كرة القدم في كل العصور. قصة الفتى ذي العزم الكبير، السريع كالبرق، مذهل المهارة نجم العالم لكرة القدم،  بيليه، أو يعسوب الرياضة! ولنا أن نتوقع أكثر من كتاب، للكبار والصغار، عن ملك كرة القدم، بيليه، كما يُطلق عليه كتاب مرسوم آخر، وقد يكون بعضها مصورا وحسب، حيث تغني الصورة عن ألف كلمة. 

 

بين‭ ‬اليعسوب‭ ‬والبرغوث‭ ‬

ومن اليعسوب إلى البرغوث، ومن البرازيل إلى الأرجنتين، ومن سانتوس إلى برشلونة، ننتقل من بيليه إلى ليونيل ميسي، وهو أسطورة بأرقامه القياسية، وموهبته التي ظهرت مع أول لمسة له في سن الخامسة في شوارع روزاريو، بالأرجنتين، حتى إحرازه لأول هدف باسمه على أرض ملعب كامب نو بالنادي الكتالوني. 

وما بين بيليه وميسي إذا اعتبرناهما بداية أجيال اللاعبين الحلم وختامهم، عشرات الأسماء التي كتبت سيرتها الذاتية، السردية والمصورة، ومنها - مثل بيليه - من سجل مسيرته في أكثر من كتاب راقبت التحولات التي تعرضت لها مسيرته الكروية. 

نبدأ هذه الرحلة البينية بغريم ميسي، اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي خط سيرة أوربية مذهلة، وهي فرصة لنسجل أن كتاب «رونالدو.. الهوس من أجل الكمال» نقلة إلى ما وراء السرد الكرونولوجي للتاريخ الكروي للاعب، إذ إننا هنا نقرأ لوكا كايولي (الناقد الرياضي الإيطالي على شاشات القنوات البريطانية) يحلل شغف رونالدو بأن يكون الأفضل، وكيف - كتلميذ يريد أن يكون الأول في صفه - يذاكر دروسه جيدًا ويغار من المجيدين ويسعى أن يبزهم، جميعًا. وليس كتاب ميسي أو رونالدو الوحيدين لهما، فهناك سلسلة، تتبدل كما تبدل الأندية قمصانها سنويا، ليشتري الجمهور القمصان الجديدة، إذ تربح الأندية من بيعها، مثلما يربح المؤلفون من الكتب.

 

ديفيد‭ ‬بيكهام‭ ‬وأليكس‭ ‬فيرجسون

كثير من اللاعبين الأفذاذ يصدرون الكتب تباعا، ولكن تبقى سلسلة كتب ديفيد بيكهام هي الأشهر، وقد وقع أحدثها في أكتوبر الماضي، مانحا أبناءه الشكر الأكبر لأنهم تقاسموا معه «لحظات خاصة». ديفيد بيكهام، والد لأربعة أطفال، يقدم مسيرته  في سيرته الذاتية الجديدة، مضيفا لها 150 صورة، منها ما يجمعه بأبنائه الثلاثة في ناديه باريس سان جيرمان، الذي اختتم به مسيرته، اليورو - أمريكية.

يشعر قائد منتخب إنجلترا السابق بالفخر بما أنجزه على الصعيدين الشخصي والمهني، يبدو في ابتسامة عريضة وذراعين تحوطان بروكلين (14 سنة)، وروميو، (11 سنة)، وكروز البالغ من العمر ثماني سنوات. ويضم الكتاب أضا صورا نادرة أخرى، منها ما تضمه في بداية حياته الرياضية مع فريق طفولته ريدجواي روفرز في العام 1985، يدربه والده تيد بيكهام، وهو ما يعني أدب كرة القدم، مع هؤلاء اللاعبين، لا يستغني فيه النص عن الصورة أبدا.

الطريف أن حكاية بين كتابين توجز الفارق بين عصرين، كتاب ديفيد بيكهام الأخير، وكتاب مدربه الأسبق السير أليكس فيرجسون، اللاعب والمدرب الفذ لفريق مانشستر يونايتد (سابقا). ففي الوقت الذي كان فيه المدير الفني السابق يمشي صعودا وهبوطا في خارطة الجزر البريطانية من أجل الدعاية لسيرته الذاتية، مجبرا نفسه - وهو الذي اعتزل التدريب لدواع صحية - على حضور جميع المناسبات العامة، حتى يوقع نسخة هنا وهناك، من النسخ الورقية التي تنتصب أمامه مثل برج ساعة بيج بن، كان ديفيد بيكهام يوقع بطريقة أقل إرهاقا. إذ أمضى هذا الأخير بضع ساعات على «فيسبوك» منخرطا في محادثة إلكترونية مع جمهوره، يوقع اسمه على بضع عشرات الجدران الافتراضية. 

أدب كرة القدم لا يصنعه اللاعبون وحدهم، فهناك كتَّاب السير، والمحاورون، والإعلاميون، والمترجمون، والناشرون، وهناك الدور الأهم للمصورين، إنها صناعة ثقيلة، لو يعلمون.

لا يهم في هذه السطور القصيرة حصر أسماء مؤلفي الكتب وسِيَر اللاعبين التي صدرت على مدار نصف القرن الأخير، فالقائمة أكبر من أن تحصر، وكنت أتمنى أن يكون ذلك في المكتبة العربية بالمثل، ولكننا نؤكد أن تلك الظاهرة ستضيف للأدب فرعا جديدا، هو أدب كرة القدم، وخاصة أن كثيرا من هذه السير بدأت تأخذ طريقها إلى الشاشة، ليس فقط كبرامج تسجيلية أو أفلام وثائقية، ولكن كأعمال سينمائية روائية. فأهلا بأدب كرة القدم، نضيف له رفًّا جديدا، وربما جائزة، لكأس عالم في سير اللاعبين الذاتية .