كــأس العـالــم بنكـهــة أوربيــة

كــأس العـالــم بنكـهــة أوربيــة

‮«‬الرياضة‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتفاهم‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬تترجم‭ ‬إلى‭ ‬محبة‭ ‬وسلام‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬مقولة‭ ‬للشهيد‭ ‬الشيخ‭ ‬فهد‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح،‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الكويتي‭ ‬الأسبق‭ ‬لكرة‭ ‬القدم،‭ ‬وكرة‭ ‬القدم‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬أبجديات‭ ‬هذه‭ ‬اللغة،‭ ‬فهي‭ ‬تتطلب‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬لاعب‭ ‬ألعاب‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬لياقة‭ ‬وقوة،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتوق‭ ‬إليه‭ ‬لاعب‭ ‬الجمباز‭ ‬من‭ ‬مرونة‭ ‬ورشاقة،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬لاعبو‭ ‬كرة‭ ‬الطاولة‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬وتركيز‭. ‬يمكن‭ ‬ممارسة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬ملاعب‭ ‬مزروعة‭ ‬أو‭ ‬ترابية‭ ‬أو‭ ‬خشبية،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بطولات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬للصالات‭ ‬المغلقة‭. ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بقواعد‭ ‬اللعبة،‭ ‬فيمكن‭ ‬اللعب‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬لاعبا‭ ‬للفريق،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬اللعب‭ ‬بأي‭ ‬مساحة‭ ‬متاحة‭ ‬وبأي‭ ‬شكل‭ ‬للمرمى‭, ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬كرة،‭ ‬فتمكن‭ ‬الاستعانة‭ ‬بوسيلة‭ ‬مشابهة‭ ‬ككرة‭ ‬الجوارب‭ ‬التي‭ ‬ابتدعها‭ ‬الصبية‭ ‬المصريون‭ ‬في‭ ‬حواري‭ ‬القاهرة‭. ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع‭ ‬باختلاف‭ ‬أعمارهم‭ ‬أو‭ ‬مستوياتهم‭ ‬الاقتصادية‭.‬

ظهرت كرة القدم بشكلها الحالي في إنجلترا في القرن الثامن عشر الميلادي، وقد كتبت قوانينها في كلية الثالوث في كمبردج. في الخمسينيات من القرن التاسع عشر، تشكلت العديد من أندية كرة القدم غير المرتبطة بالمدارس والجامعات، وقد كان نادي شيفيلد ونزداي الإنجليزي أول ناد خاص بكرة القدم يظهر في العالم في عام 1855. 

انتشرت لعبة كرة القدم من إنجلترا إلى أوربا وبقية أنحاء العالم من خلال التجار والبحارة البريطانيين، وأيضا من خلال المستعمرات البريطانية. أقيمت أول مباراة دولية في كرة القدم بين إنجلترا وأسكتلندا عام 1872 في مدينة غلاسكو الأسكتلندية، وأول مباراة دولية خارج الجزر البريطانية كانت بين الأوروجواي والأرجنتين في مدينة مونتفيديو عاصمة الأوروجواي عام 1902. تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في عام 1904, وقام جول ريميه رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بين عامي 1919 و1945 ورئيس «الفيفا» من عام 1921 وحتى عام 1952 بإطلاق فكرة إقامة بطولة لكأس العالم. نظمت البطولة الأولى في الأوروجواي عام 1930 وتلتها بطولتان في إيطاليا وفرنسا عامي 1934 و1938، ومن ثم توقفت البطولة أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن ثم عادت بطولة كأس العالم للانطلاق من جديد في البرازيل عام 1950، واستمرت بعد ذلك كحدث رياضي عالمي متميز ينظم كل أربع سنوات، وصولا إلى البطولة العشرين، التي ستقام في البرازيل أيضا خلال شهري يونيو الجاري ويوليو المقبل.

 

البداية‭ ‬13‭ ‬فريقًا

تطورت بطولة كأس العالم على جميع الأصعدة من حيث التنظيم والمشاركة، ففي البطولة الأولى في الأوروجواي عام 1930 شاركت فيها الفرق من دون تصفيات تمهيدية، وفي البطولة التالية في إيطاليا لعبت الفرق تصفيات تمهيدية، ووصلت مصر إلى النهائيات كأول فريق عربي يلعب في بطولة كأس العالم بعد أن تغلبت على فريق فلسطين. كان عدد الفرق المشاركة في البطولة الأولى عام 1930 ثلاثة عشر فريقا، وابتداء من نهائيات عام 1934 ووصولا إلى البطولة الحادية عشرة عام 1978 في الأرجنتين، ارتفع عدد الفرق المشاركة إلى ستة عشر فريقا، ومنذ نهائيات عام 1982 في إسبانيا ووصولا إلى البطولة الخامسة عشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ارتفع عدد الفرق المشاركة إلى أربعة وعشرين فريقا، ومنذ بطولة عام 1998 في فرنسا ووصولا إلى البطولة العشرين التي ستنظمها البرازيل هذا الصيف، ارتفع عدد الفرق المشاركة إلى اثنين وثلاثين فريقا. تطورت منظمة «الفيفا» ماليا واقتصاديا وإداريا مع تطور لعبة كرة القدم، فأصبحت تكافئ الفرق المشاركة في نهائيات كأس العالم ماليا بسخاء من خلال المكاسب المتحققة من النقل التلفزيوني الحصري للمباريات والرعايات الإعلانية. 

يتقدم شعار «الفيفا» المتمثل باللعب النظيف مباريات كأس العالم، وكذلك جميع البطولات الدولية لكرة القدم، وتعمل على تفعيله من خلال معاقبة اللعب العنيف والشغب والعنصرية وتعاطي اللاعبين للعقاقير المحظورة داخل الملاعب.

أصبحت لعبة كرة القدم صناعة اقتصادية بحد ذاتها، وخاصة في أوربا، فكثير من الأندية الأوربية عبارة عن شركات مساهمة مدرجة في البورصات، وكثير من نجوم هذه اللعبة فاقت شهرتهم وثرواتهم مشاهير السينما العالمية ونجوم الغناء العالمي، فتلك الأندية تعمل على شكل مؤسسي وحسب قوانين العرض والطلب، فتحولت كرة القدم الأوربية إلى صناعة ترفيهية، شأنها شأن هوليوود من خلال القاعدة العريضة من المشجعين، وخاصة الأندية العريقة، مثل برشلونة وريال مدريد وبايرن ميونيخ ويوفينتوس ومانشستر يونايتد، بفضل التألق المستمر لهذه الأندية في حصد البطولات، ومن خلال استقطابها للمواهب الكروية اللامعة خلال مواسم الانتقالات الشتوية والصيفية، فغدت القمصان الرياضية الخاصة بنجومها من أمثال رونالدو وميسي هي الأكثر مبيعا في العالم، وأصبحت أسعار تذاكر حضور مبارياتها تفوق أسعار تذاكر حضور أرقى دور الأوبرا في إيطاليا وأسعار تذاكر أشهر المسارح اللندنية، فلذلك بنت تلك الأندية ملاعبها التي أصبحت أيقونات معمارية عالمية بسعة 70 ألف متفرج أو أكثر، والتي عادة تكون ممتلئة في جميع المناسبات الكروية. 

 

حقوق‭ ‬حصرية‭ ‬للبث

حقوق النقل التلفزيوني للمباريات الخاصة بالدوريات الأوربية المرموقة، مثل الدوري الإنجليزي والدوري الإسباني والدوري الإيطالي، أصبحت حصرية في شتى قارات العالم، وأصبحت الرعايات الإعلانية لتلك الأندية جاهزة في كل أوقات الانتعاش أو الكساد الاقتصادي. بنت الأندية الأوربية العريقة أكاديميات لكرة القدم بأفرع في كثير من مدن العالم، يلتحق بها كثير من البراعم الذين يؤمن ذووهم بمواهبهم الكروية والتي من الممكن أن تصقل ويصبحوا نجوم الكرة في المستقبل ويدخلوا عالم الثراء والشهرة. غدت كرة القدم الأوربية رأسمالية النزعة، تستفيد منها الحكومات من خلال الضرائب المحصلة، وكذلك من خلال توفير فرص عمل لمواطنيها، والعولمة ومن خلال تطور وسائل الاتصالات أضفت على كرة القدم الأوربية جماهير عالمية، وظهر ما يسمى بالسياحة الرياضية التي من خلالها يزور الميسورون ماديا أو حتى الموظفون الأندية الأوربية التي يعشقونها، قادمين من مختلف البلدان للاستمتاع بحضور المباريات. لوحظ في السنوات القليلة الماضية إقبال كثير من نجوم الثراء في العالم على تملك أندية إنجليزية أو إسبانية أو إيطالية أو فرنسية لغايات استثمارية طويلة الأجل، وكذلك لشراء الشهرة العالمية بعد تحقيق الثراء الباهر. انعكس كل ذلك على دخل الأندية الأوربية وعلى مداخيل اللاعبين، فبعد أن كان جون هاينس لاعب نادي فولهام الإنجليزي في الستينيات من القرن الماضي أول لاعب كرة في تاريخ إنجلترا يتجاوز دخله في الأسبوع 100 جنيه إسترليني، اعتبرت الصحف البريطانية تجاوز دخل مهاجم نادي ليفربول الإنجليزي الأسبوعي في أواسط عقد الثمانينيات اللاعب جون بارنس 6000 جنيه أمرا مبالغا فيه، وفي الوقت الحالي وصل أجر اللاعب واين روني مهاجم نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي إلى 300 ألف جنيه إسترليني أسبوعيا. أوربا هي قلب كرة القدم النابض من حيث المستوى الفني والبنية التحتية والاقتصادية القوية والحضور الجماهيري. 

 

هوس‭ ‬الكرة

الهوس بكرة القدم بين الجماهير في أوربا والتي تتكلف ميزانياتهم الشيء الكثير لحضور المباريات يشبع حاجتين أساسيتين لديهم إلى جانب حب اللعبة:

 1- الحاجة الاجتماعية: معظم مشجعي كرة القدم في أوربا من الطبقة المتوسطة، وحضور المباريات يعتبر جزءًا من نمط حياتهم، فكرة القدم تشبع حاجات نفسية في مجتمع رأسمالي تعاني فيه الطبقة المتوسطة من ضغط العمل اليومي ومن مصاريف حياتية متزايدة ومن علاقات اجتماعية ضعيفة، فحضور المباريات مع 60 أو 70 ألف متفرج أو أكثر يحرر المشاعر من تلك الضغوط من خلال تشجيع فريقهم بأهازيج جماعية جماهيرية، وتبقى أحداث المباراة ونتيجتها معلقة في أذهانهم خلال الأيام التالية وهم يمارسون حياتهم في أعمالهم أو مع أسرتهم حتى موعد المباراة التالية.

2- الانتماء: كرة القدم تعزز الانتماء للوطن أو للمقاطعة أو للمدينة أو للمنطقة أو للحارة. ففي كأس العالم، تتنافس الدول بين بعضها البعض، وفي الدوريات المختلفة، تتنافس أندية تمثل مدنًا مختلفة داخل الدولة أو في مناطق مختلفة داخل المدينة نفسها. اصطلح على تسمية المباريات التي يتنافس فيها فريقان من مدينة واحدة بـ «الدربي»، وكلمة «الدربي» في قاموس أكسفورد ترجع إلى سباق مشهور للخيل يحدث سنويا في مدينة دربي الإنجليزية، فهنالك الكلاسيكو الإسباني المشهور بين ريال مدريد فريق العاصمة الإسبانية وبرشلونة، والذي يعكس بعض التراث التاريخي المنبثق عن الحرب الأهلية الإسبانية التي شملت مقاطعة كتالونيا التي ينتمي إليها فريق برشلونة، وهنالك دربي مدينة مانشستر المشهور بين مانشتر يونايتد ومانشستر سيتي، ودربي مدينة ميلان بين نادي ميلان ونادي إنتر ميلان، ودربي شمال لندن المشهور بين آرسنال وتوتنهام.

أما عن بقية قارات العالم، فكرة القدم ليست على المستوى نفسه من المؤسسية والجدوى الاقتصادية كما في القارة الأوربية، ففي أمريكا الجنوبية توجد أندية على مستوى عال من الشهرة والحرفية، إلا أنها ليست على مستوى الأندية الأوربية من حيث البناء الاقتصادي والمؤسسي، لذلك نجد أن معظم لاعبيها في كأس العالم يلعبون في القارة الأوربية، والشيء نفسه ينطبق على القارة الإفريقية، التي يفشل فيها المنتخب المصري في التأهل لنهائيات كأس العالم منذ نهائيات إيطاليا 1990 على الرغم من تسيده للكئوس الإفريقية على مستوى المنتخب الوطني وكذلك على مستوى الأندية، لأن غالبية لاعبي المنتخبات المتأهلة عادة عن هذه القارة يلعبون في الدوريات الأوربية. لذلك لن يفاجأ كثير من المتابعين من أن أوربا حاصلة على أكبر عدد من بطاقات التأهل لنهائي كأس العالم في البرازيل مقارنة ببقية القارات، فقد بلغ عدد بطاقاتها ثلاث عشرة مقارنة بخمس بطاقات لفرق أمريكا الجنوبية وخمس بطاقات للفرق الإفريقية وأربع بطاقات آسيوية من ضمنها بطاقة أسترالية وأربع بطاقات لدول اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي (الكونكاكاف)، بالإضافة إلى بطاقة الدولة المضيفة، يبرر «الفيفا» ذلك بأن المقاعد تمنح للقارات حسب التصنيف الفني الذي وضعته لجميع منتخبات الدول في العالم، وعادة يتصدر ذلك التصنيف منتخبات كثيرة من القارة العجوز.

 

البرازيل‭ ‬في‭ ‬المقدمة

أصبحت فنيات كرة القدم متوافقة مع فلسفة العولمة، فمنتخب البرازيل يعتبر الفريق الوحيد الذي شارك في جميع نهائيات كأس العالم وله مشجعون ومحبون في شتى بقاع المعمورة، وذلك من خلال تاريخ هذا الفريق في كأس العالم، ومن خلال إضفائه اللمسات الجمالية على هذه اللعبة، وخاصة في العهد الذي برزت فيه موهبة ساحر الكرة بيليه، الذي فاز مع رفاقه بكأس العالم الأولى المنسوبة إلى جول ريميه مع زملائه ثلاث مرات واحتفظت بها البرازيل إلى الأبد، فقد كان أداء هذا الفريق ساحرا من خلال اللعب بفنيات لاعبيه الفطرية بطريقة هجومية صرفة، وقد قابلها في ذلك الوقت الكرة الإيطالية المعروفة بنزعاتها الدفاعية بهجوم معاكس مباغت، والكرة الإنجليزية التي اشتهرت بالاعتماد على القوة البدنية والكرات الطويلة، وأيضا نسق الماكينة الألمانية المعتمدة على القوة الجسمانية واللياقة البدنية والتي أنجبت مواهب عالمية فذة مثل قيصر الكرة اللاعب بيكنباور. في السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد في نهائيات كأس العالم 1974، شارك المنتخب الهولندي للمرة الثانية بعد مشاركة متواضعة في نهائيات فرنسا عام 1938، ففي هذه النهائيات لعب المنتخب الهولندي بطريقة جديدة سميت بالكرة الشاملة بقيادة نجمه الأسطوري جوهان كرويف، والتي تعتمد على اللياقة البدنية العالية للاعبين، بحيث يهاجم الفريق بعدد كثير من المهاجمين ويدافع بعدد كثير، وعلى الرغم من إخفاق هولندا في الفوز بأي بطولة من بطولات كأس العالم مكتفية بالوصافة في نهائيات 1974 و1978 و2010، فإن المدربين الأوربيين تبنوا فكرة الكرة الشاملة وطوروها بالطريقة التي تلعب بها جميع فرق العالم في الوقت الحاضر، والتي تعتمد على الانضباط التكتيكي والضغط على حامل الكرة وإغلاق المساحات أمام الخصم وعدم ارتكاب الأخطاء والهجوم بعدد كاف من اللاعبين والدفاع بكل الفريق والاستغلال الأمثل لمهارات اللاعبين ومحاولة استغلال الكرات الثابتة (الركلات الحرة والركلات الركنية وضربات الجزاء) لتسجيل الأهداف. استمرت البرازيل في عنادها وواصلت اللعب بطريقتها الهجومية الكلاسيكية في عقد الثمانينيات، وقدمت أجمل كرة قدم في نهائيات كأس العالم - إسبانيا عام 1982 من خلال فريقها الأسطوري الذي كان يضم قمة من نجوم الملاعب على مر العصور، من أمثال زيكو وسقراط وفلكاو بقيادة المدرب تيلي سنتانا, إلا أنها أخفقت في الحصول على الكأس في تلك البطولة، واستمرت إخفاقات البرازيل حتى نهائيات كأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قاد المدرب البرازيلي كارلوس ألبرتو بريرا البرازيل بخطة تعتمد على تنظيم دفاعي محكم باندفاع هجومي منتظم، وفازت البرازيل بتلك البطولة بركلات الترجيح في المباراة النهائية أمام المنتخب الإيطالي، بعد أن انتهت المباراة بالتعادل السلبي، وقد واجه المدرب كارلوس ألبرتو انتقادا لاذعا في حينه من الصحافة الرياضية البرازيلية لأنه تخلى عن الشخصية البرازيلية في اللعب باتباعه الطريقة الأوربية، وقد كان رده واقعيا وفي الملعب عندما عاد بكأس العالم للبرازيل بعد أربع وعشرين سنة عجاف، وأصبحت البرازيل اليوم أكبر مصدر للمدافعين وحراس المرمى إلى أوربا، بعد أن كانت مشهورة بكثرة المواهب الكروية الهجومية. المهم في كرة القدم اليوم الفوز أو الربح بلغة العولمة، أما عن الجمال والفنيات فليست هدفًا بحد ذاتها وإنما نتيجة.   

 

الجزائر‭ ‬ممثل‭ ‬العرب

كرة القدم العربية ستتمثل بالجزائر في نهائيات كأس العالم بالبرازيل، والحضور العربي في كأس العالم لم ينقطع منذ نهائيات عام 1978 بالأرجنتين، فقد وصلت كل من المغرب وتونس والجزائر والسعودية إلى نهائيات كأس العالم أربع مرات، وتأهلت كل من المغرب في نهائيات عام 1986 والسعودية في نهائيات عام 1994 إلى الدور ثمن النهائي كأفضل إنجازين عربيين تحققا في بطولات كأس العالم. تأهلت مصر مرتين لنهائيات كأس العالم وتأهلت الكويت في نهائيات 1982 كأول فريق عربي يتأهل عن القارة الآسيوية، وتأهل العراق لنهائيات كأس العالم في بطولة 1986 والإمارات تأهلت في نهائيات 1990. يلاحظ أن حضور الدول العربية في كأس العالم لم يتسم بالاستمرارية، فكل من المغرب وتونس والجزائر شاركت في نهائيات كأس العالم بصورة متقطعة، وشاركت السعودية بعد تطبيق نظام الاحتراف فيها بشكل منتظم منذ نهائيات 1994 إلى نهائيات 2006، ولكنها لم تتأهل إلى نهائيات البطولة المقبلة في البرازيل ولا في البطولة السابقة في جنوب إفريقيا عام 2010. بمقارنة التجربة العربية بتجربة كل من كوريا الجنوبية واليابان، سنجد أن الأمر مختلف، فكوريا الجنوبية متواصلة في الوجود في نهائيات كأس العالم منذ بطولة عام 1986 بمنحنى تصاعدي، توج بحصولها على المركز الرابع في نهائيات عام 2002 التي أقيمت على أرضها مشاركة مع اليابان. المشاركة اليابانية في كأس العالم تثير الانتباه، فبعد تاريخ متواضع في مجال كرة القدم، قررت اليابان إعادة بناء كرة القدم فيها على الأسس الأوربية، معتمدة على اقتصادها المتقدم، وذلك في العقد الأخير من القرن الماضي، وتم تتويج ذلك بتسيد اليابان للقارة الآسيوية من خلال فوزها بكأس آسيا أربع مرات في آخر 6 بطولات ومن خلال تسجيل حضور متواصل في كأس العالم منذ نهائيات كأس العالم بفرنسا عام 1998 وصولا إلى البطولة الحالية، فالتجربة اليابانية والكورية الجنوبية في بناء كرة القدم الاحترافية اعتمدت على الاقتصاد المتقدم الذي تحظى به الدولتان وعلى محاكاة الأسس الأوربية المؤسسية لبناء فرق كرة القدم وهذا ما تفتقده الكرة العربية، فلاتزال كرة القدم في الدول العربية بشكل عام تعتمد على الدعم الحكومي أو دعم الشخصيات الثرية، والبنية التحتية لكرة القدم في كثير منها ناقصة ونظامها الاحترافي متعثر. 

نتمنى للشعوب العربية الاستمتاع بمتابعة مباريات كأس العالم برغم الآلام والجراح التي تعيشها من الأحداث السياسية التي مرت في المنطقة،  فالرياضة لغة مشتركة بين شعوب الأرض تتحاور من خلالها وتترجمها إلى حب وسلام.