تأملات نقدية في أدب يحيى الربيعان

   تأملات نقدية في أدب يحيى الربيعان
        

          حين قرأت كتاب «تأملات نقدية في أدب يحيى الربيعان» من تأليف الأديب علي عبدالفتاح شعرت بالرضا والسرور لهذا الكتاب، الذي يقدم لنا صورة صادقة عن شخصية الربيعان الإبداعية وإنجازاته في عالم الطباعة والنشر والثقافة.

جهود طيبة

          والربيعان عرفته صديقًا ورفيق مشوار الكفاح في عالم الأدب وهو يكتب في صمت ويشارك في المنتديات الثقافية ويتأمل ظواهر الحياة من حوله وينسج قصصه المستمدة من الواقع.

          ونحن لا ننسى جهوده الطيبة في نشر الأدب الكويتي ومساندة الأدباء الشبان وطباعة أعمالهم وكذلك التصدي للقضايا التي تحد من حرية التعبير والكلمة الصادقة.

دعاة الحرية

          وإذا قرأت مقالات الربيعان التي كان ينشرها في الصحف ،يمكنك أن تكون فكرة كاملة عن أفكاره الداعية إلى الديمقراطية وأعتقد أنه كان من دعاة حرية المرأة ومشاركتها في المجالس النيابية والترشح لمجلس الأمة.

          والربيعان عُرف عنه التزامه  التام بالقضايا الوطنية والقومية وقد استطاع تحويل دار مكتبة الربيعان للنشر والتوزيع إلى مصدر إشعاع ثقافي كبير، فليس هناك أديب أو شاعر أو مفكر بالكويت إلا وقد نشر له الربيعان إبداعاته أو بعضها.

احتفالية شاملة

          ولذلك وجدت في كتاب علي عبد الفتاح احتفالية شاملة تميزت بالموضوعية والتتبّع المنطقي لأفكار الربيعان والتحليل الذكي لقصصه التي كتبها ومواقفه في الحياة العامة وفي عالم الأدب.

          وقد أعجبني هذا الاعتراف الذي أكده علي عبدالفتاح بأنه قرأ عن الأدب الكويتي من مكتبة الربيعان، بل إن الربيعان هو الذي أشار عليه بمتابعة شعراء وأدباء الكويت، وتخطى الحاجز الفكري أو الصور القديمة، التي تعتبر أن الأدب فقط في مصر وليس في مكان آخر.

مخطط للمشاريع

          وهذا يؤكد أن الربيعان ليس مجرد كاتب أو ناشر فقط، ولكنه أستاذ كبير يوجه ويرشد ويخطط للمشاريع الإبداعية، التي يشعر بأنها تمس قضايا الشباب أو الوطن. ونحن لا ننسى كيف صدرت أهم الكتب من خلاله وإشرافه عليها مثل كتاب «أجنحة العاصفة» للشاعر الكبير أحمد مشاري العدواني، وكتاب «أدباء الكويت في قرنين»، وكتب أخرى لكبار الشعراء مثل خليفة الوقيان وسليمان الشطي وعبدالله العتيبي وليلى العثمان وفاضل خلف وغيرهم.

مقدمة صادقة

          بدأ الأديب علي عبدالفتاح كتابه بمقدمة لطيفة وصادقة، وقد أعجبني هذا الصدق في الحديث حين قال الكاتب إنه جاء إلى الكويت متكبرًا على الثقافة والأدب، ويشعر بأن الأدب في مصر فقط، ولكنه ذُهل حين قرأ للشعراء والأدباء وتأثر بهم، وامتد حبّه خارج ذاته، وأصبح قادرًا على التواصل مع العالم وأنجز كتابه عن أعلام الشعر في الكويت.

سيرة الربيعان

          وكتب علي عبدالفتاح سيرة درامية شائقة عن حياة الربيعان وبداياته مع الكتابة ومدى تأثره بأمه، وكيف أن الأم كانت مصباحًا في قلبه يضيء له الطريق، ومدى شغفه بالسفر والبحث عن المعلومات واستقصاء الأخبار والحوادث، وتلك كانت بدايات الكتابة وشغفه بها وحبه الكبير للكتب.

حرية الفكر

          ثم تلت ذلك فصول عدة تناولت فكر الربيعان وهي: الربيعان وحرية الفكر والربيعان ورسالة التنوير والشخصية التاريخية وحرية المرأة، ثم شهادات حول انهيار مكتبة الربيعان. وقد أجاد الكاتب تصوير عالم وفكر الربيعان في صور تجسد حقائق ومواقف كثيرة من خلال كتاباته وكتبه.

تأملات نقدية

          ثم اتجه علي عبدالفتاح إلى تناول مؤلفات الربيعان بالتأمل والنقد، وفي النهاية أضاف بعض نماذج من مقالات الربيعان التي أثارت أزمة في وقتها، ولعل من أهمها: الإرهاب عند المسلمين وظاهرة الزي الإسلامي.

          وأود أن أضيف هنا  أن موقف الربيعان في مقالاته التي أثارت أزمة يذكرني بموقف طه حسين والعقاد وأحمد أمين والحكيم حين نشروا مقالات أثارت المجتمع وفتحت منافذ للهجوم عليهم من قبل العقول المتحجرة الصماء.

          وقد قدم علي عبدالفتاح نماذج لمقالات يوسف إدريس وأنيس منصور التي أثارت أزمة، وكنت أتمنى لو فتح المجال لمقال مهم كتبه الحكيم بعنوان: «حوار مع الله». ونُشر في جريدة الأهرام، وقد أثار عليه مجموعة من المفكرين والمتشددين.

          وكذلك مقال طه حسين في كتابه «في الشعر الجاهلي»، الذي مازال حتى اليوم يمثل نقطة خلاف بين المثقفين والمتثاقفين.

شخصيات رائدة

          وكتاب الربيعان هذا يثير قضية مهمة في عالمنا الأدبي، وهي لماذا لا نقدم إضاءات حول الشخصيات الرائدة وهي مازالت معنا تعيش بيننا وتبتهج بما يكتب عنها وتشاركنا احتفالية هذا العمل الأدبي؟

          نحن ندهش حين يرحل المبدع، ثم نبدأ بالكتابة عنه وتلك قضية تحتاج إلى اهتمام كبير من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية، فقد شعرنا بالألم والحزن حين أعلن الربيعان عن انهيار مكتبته، وهذا يعني انهيار الأدب والنشر بالكويت،  ولكن وقف المثقفون بجواره وارتفعت الأصوات تسانده ترفض انهيار هذا الرمز الكبير.. لأن الربيعان الآن علم من أعلام الثقافة والنشر في الكويت.

تقدير كبير

          وفي خاتمة مقالي هذا، أتمنى أن نحتفي بالربيعان في ندوة ثقافية نتحدث فيها جميعًا عن إنجازاته، وتضم الندوة كل رواد الأدب بالكويت من شعراء وأدباء، ونعبِّر عن شكرنا لهذا الرجل الذي وهب عمره وحياته من أجل الثقافة بالكويت وخالص التقدير للأديب علي عبد الفتاح وإنجازه الذي جاء في موعده،  وهذه ليست التجربة الأولى للكاتب علي عبدالفتاح، فقد أنجز من قبل كتاب «أعلام الشعر في الكويت»، وكتاب «الفراشة والضوء» عن الكاتبة ليلى محمد صالح، بالإضافة إلى مئات المقالات حول أعلام الأدب والشعر بالكويت.
---------------------------
* شاعر من الكويت.

 

 

 

 

فاضل خلف*