الشاعر علي السبتي رأيتُ الذي رأى

الشاعر علي السبتي رأيتُ الذي رأى

الشاعر الكبير علي السبتي, واحد من شعراء الصف الأول المجددين في الشعر الكويتي الحديث، ومن رموزه البارزين. أول من كتب شعر التفعيلة، وله الريادة في التجديد على طريق  صديقه الشاعر السياب رائد الشعر الحديث، معه غزل خيوط الصداقة
والذكريات والأماني والصدمات التي كانت سببا في تفجير طاقة الشعر عنده.

في قصائد السبتي تتنوع الإيقاعات وتتحدد الاتجاهات الفنية ويتحول الهم الذاتي بصوره التعبيرية إلى همِّ إنساني وطني يرفض القهر والظلم والاضطهاد، كما يرفض التخلف والتسلط بجميع أشكاله ومظاهره من أجل بناء مجتمع أفضل.
تتميز تجربته الشعرية الغنية بالحداثة والتجريب بوضوح العبارة وشفافية الرمز والتعبير الوجداني الذاتي، كما تتميز بتسجيل وتصوير المشكلات الاجتماعية والوطنية والتقاليد الموروثة وعلاقة ذلك بالإنسان والأرض والغربة والاغتراب.
وهناك علاقة وطيدة بين الشاعر علي السبتي وبين المفردات الشعرية والكويتية والذات والآخرين, وقد طور ذلك مع تطور المجتمع.
جسدت قصائده معاناة الإنسان وهمومه في كل زمان ومكان، ومعاناة النفس البشرية والمجتمع.
ولعلك تحس وأنت تقرأ قصائد السبتي، أنه يقدم لك ما تودّ أن تقوله أنت. يقول(1):
سأكتب بالدم المهرق، قصة حبي العاثر
وأبقيها على الزمن
ليقرأها إذا جاء جيل بعدنا آخر
ليعرف قصة الظلماء مرت في سماء وطني
ويقول السبتي:
سأحكي قصتي فالصمت أضناني
وهدّ فؤادي الخفاق أني كاتم سري
سأحكي علّني في البوح أكسر طوق أشجاني
سأروي قصتي للناس.. للتاريخ.. للأيام
وأسفح أدمعي فيها
أرويها يذوب القلب بالآهات. بالآلامْ.
في قصيدة «هكذا يتحدث فهد العسكر» يصرخ شاعرنا علي السبتي صرخة احتجاج بصوت فهد العسكر، يقول(2):
هذا أنا، من قال يفزعني
صوت الغراب بلحظة الخطر
أو أن يهدهدني إذا غرد
بتهامس الألحان في السحر
عودت نفسي أن أكون أنا
في الشمس أو في الريح، في المطر
كم صورة تأتي على صور
وأظل رغم تعدد الصور
لست الذي إذا صرصر عصفت
يحني الجبين لناظر شزر
لكنني سيل منابعه
موصولة في قعر منحدر
من أهم إبداعاته الشعرية:
بيت من نجوم الصيف 1969م والطبعة الثانية 1982.
أشعار في الهواء الطلق 1974م.
وعادت الأشعار 1999م.
رأيت الذي رأى 2011.
وقد أهدى الشاعر ديوانه الأخير «رأيت الذي رأى» إلى الأديب الناقد الدكتور سليمان الشطي.
يقول السبتي:
«أهديت ديواني إلى الصديق الدكتور سليمان الشطي لعلمه وخلقه، ولم أجد وسيلة لتقديره غير إهدائه هذا الديوان الذي جمعت قصائده خوفا عليها من الضياع».
إن ديوان «رأيت الذي رأى» عبارة عن ملحمة شعرية يكشف شاعرنا السبتي من خلالها عن رؤيته للواقع عبر مدلولات فلسفية إنسانية.
وعنوان الديوان هو الرؤية الأولى التي تتعلق بمضمون الديوان، لأنه يمارس دورا مهمًّا في بناء القصائد بوصفه محمود العتبة التي تقذف بنا إلى رحابة القصائد، فهو يكشف عن عمق الرؤية للمضامين من خلال العلاقة الوطيدة بين العنوان والنص، يقول في مقدمة الديوان:
زارني طائر في المنام
له وجه طفل وعينان ناطقتان
كان يحمل حزمة أنس وقطعة جلد
عليها كلام
ورمى حمله وغادر والأريج يضوع
بجوِّ المكان(3)
وفي قصيدة «رأيت الذي رأى»  التي تحمل عنوان الديوان، تثير في المتلقي هاجس التوغل في بقية القصائد، يقول:
وأنا قد رأيت الذي رأى
وقفت على ربوة لأرى
وأصغي لما يتلظى بتلك الصدور
دم بالحياة يفور
أمد يدي للعيون أصافحها
وأسمع مبتهجا في زحام الطريق
حديث الذي قد رأى ما رأى ثم غاب
حديث النشور(4).
هذه القصيدة تدعو المتلقي إلى قراءتها واستكشاف هويتها الإبداعية، فهي تركز على أمرين، رؤية المتلقي الذي رأى ما رأى ثم غاب، وغاص بتل التراب، ورؤية الشاعر الذي وقف على ربوة ليرى ويسمع حديث الذي قد رأى ما رأى.
تناولت أشعار علي السبتي العديد من الدراسات والبحوث الأدبية والنقدية منها:
- كتاب د.إبراهيم عبدالرحمن: بين القديم والجديد 1987م.
- كتاب د.محمد حسن عبدالله: الشعر والشعراء في الكويت 1987م.
- كتاب د.سالم عباس خدادة: التيار التجديدي في الشعر الكويتي 1989م.
- كتاب د.سعاد عبدالوهاب: الاغتراب في الشعر الكويتي 1994م.
- كتاب د.نورية الرومي: الحركة الشعرية في الخليج العربي 1980م.
- كتاب علي عبدالفتاح: أعلام الشعر في الكويت 1994م.
يمتاز أسلوب شاعرنا السبتي بالسلاسة والوضوح والمفردات المختارة التي تدل على مقدرته بأسرار التراكيب اللغوية، فهو شاعر صادق مع نفسه ومع الآخرين، وقصائده تعكس ذاته التي هي جزء من ذات الآخرين وجزء من قضايا المجتمع.
تدل معظم قصائده على تسجيل وتصوير المشكلات الاجتماعية والوطنية والتقاليد الموروثة، وعلاقة ذلك بالإنسان والأرض والذات والغربة والاغتراب، وأن العلاقة وطيدة بين الشاعر علي السبتي وبين المفردات الشعرية والكويت والذات والآخرين، وقد يطور ذلك مع تطور المجتمعات الثقافية. في ديوانه الثالث «وعادت الأشعار» يعبِّر عن عودة الشعر إليه بعد مدة من الزمن في صورة جميلة يقول:
حمامة تسللت من خلال الجدار
حطّت بجنبي تبحث عن قرار
فحركت دمي وأحيت الأفكار
فعدت للدنيا وعادت الأشعار(5).
علي السبتي شاعر مهموم بالقضايا المعاصرة ومتمرد على القيم القديمة البالية التي لا تساهم في تقدم الإنسان.
يقول الأديب الراحل عبدالله زكريا الأنصاري عن شاعرية علي السبتي في ديوانه «وعادت الأشعار»:
«هذا ديوان قرأته وسوف أقرأه، فقد وجدته مليئا بالمعاناة، لقد عادت الأشعار عند علي السبتي لتعبر عن معاناته ولتغني أفراحه وأتراحه معا، والشعراء غناء.. والغناء بكاء في كثير من الأحيان، وربما كان بعض الضحك عند الشعراء بكاء أكثر من البكاء»(6).
يقول في قصيدة وطنية مهداة إلى صاحب السمو أمير البلاد:
جدَّدتُ عهدك واثقًا بك مؤمنا
وأتيتُ أنشدك القصيد الأحسنا
بك تزدهي الدنيا فأنت وحيدها
وبك استحال الصعب أمرًا ممكنا
فأدر بلادك حيث شئت فإنما
بملوكها تهوى الشعوب الموطنا
والشعب لا يرضى سواك يقوده
نحو السلامة قادرًا متمكنا(7)
ويعبِّر شاعرنا السبتي عن الأمل الجديد في الحيل القادم من أبناء الكويت، فهم الذين سوف يحققون المحال ويمضون طلائع المستقبل الزاهر فيخاطبهم ويقول لهم:
يا أيها الصغار في مدارس الكويت
ويا براعما تفتحت في كل بيت
أفرح إذ أراكم في الصباح
سنابلا خضراء
توعد بالعطاء
فبوركت أرض بها تمشون
وبورك الغد الذي تبغون
وبوركت بداركم وما تسقون (8).
الشاعر علي السبتي كان صديقا حميمًا للشاعر الراحل بدر شاكر السياب - رائد الشعر الحديث.
مع الشاعر السياب غزل السبتي خيوط الصداقة والذكريات والأماني والصدمات التي كانت سببا في تفجير طاقاته الشعرية.
يقول الأستاذ ناجي علوش(9) الذي كتب مقدمة ديوان بدر شاكر السياب: ذات يوم أخبرني الشاعر الكويتي علي السبتي أن بدرًا سيأتي إلى الكويت للعلاج بعد مرض عضال أصابه، فاتفقنا على أن نستقبله في المطار، وذهبت في الموعد المحدد لوصوله إلى المطار.
كان يبتسم ويبدو مرحا، لكنه لم يستطع المشي.. ساعدناه على الوصول إلى الأرض حملا، وانطلقنا به إلى المستشفى الأميري.
وفي المستشفى كان يزوره الشاعر علي السبتي، ويشرف عليه، كما كان يزوره الشاعر محمد الفايز، والشاعر فاروق شوشة.
لقد جاء السياب للكويت للعلاج، وكان يبذل جهدا كبيرا من أجل أن تكون أيامه قريبة من أيام السبتي، ووجد السياب نفسه في علي السبتي، ووجد السبتي نفسه في السياب، وما يحمل من أفكار وتصورات للحاضر والمستقبل.
وعندما عاد السياب إلى الكويت أهداه علي السبتي قصيدة أسماها «قبل الرحيل» كتبها في حالة نفسية خاصة، قال فيها:
أنا بانتظارك يا دمار فخلني
أرتاح من همي ومن آلامي
قضَّيت عمري في العذاب فليتها
مما تؤرخ شطبت أيامي
لكي أرتاح مما بي
لكي يرتاح أحبابي
فا داء ولا شكوى عن البـلوى
وعندما توفي بدر شاكر السياب بتاريخ 24/12/1964 في المستشفى الأميري بالكويت، حمل الشاعر علي السبتي جثمان صديقه، رائد الشعر الحديث، ومؤسس أول لبنة فيه، وسار به إلى منزله في البصرة. نعم هذا هو الشاعر علي السبتي الوفي الصادق مع نفسه والآخرين.
شاعرنا علي السبتي أحد رواد الشعر الحديث، استطاع أن يحتل مكانة كبيرة لا يمكن أن نغفل عنها، فمازالت قصائده تعبر بصدق عن صوت الحرية وتساند الأحرار وتدافع عن الحق ونصرة الإنسان من قوى الشر والظلم والعبودية.
شاعرنا علي السبتي يحيا في ضمير بلاده وأمته العربية، يحرضها نحو الحب والخير والجمال، ويضيء لها درب الحرية في عالم الرقي والتقدم والعلا، شاعرنا السبتي شغوف بأمجاد الكويت وتراثها، فتغنى بالحب ورسم صور ذكرياته فوق سحائب أفقها البعيد لتظل الذكرى قابعة في أعماق وطنه، أطال الله في عمره، فهو أحد الشعراء البارزين على المستويين المحلي والعربي، وأحد المدارس الشعرية في الكويت والخليج العربي.