معرض الحرف اليدوية التقليدية العربية –الإفريقية الفنون الإفريقية في قلب الكويت
في حي القبلة العريق، وعلى إطلالة مياه الخليج العربي، احتضن بيت البدر, أحد أقدم المباني المعمارية في دولة الكويت, أربعة وعشرين دولة إفريقية، وأربع دول عربية آسيوية، مثلها نخبة من صناع الحرف اليدوية التقليدية في بلادهم، وذلك في فعالية نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب برعاية الحكومة الكويتية، وبالتعاون مع رئاسة إقليم آسيا والباسيفيك بمجلس الحرف العالمي، وتمثلت بمعرض الحرف اليدوية التقليدية العربية – الإفريقية، إلى جانب العديد من الأنشطة والفعاليات الأخرى التي تزامنت مع استضافة دولة الكويت للقمة الإفريقية الثالثة.
على مدى أسبوع كان بيت البدر بمنزلة البازار الدولي، البائعون فيه أفارقة والمشترون منه عرب وأجانب، ولكل منهم مظهر خاص عكس تاريخ وثقافة موطنه. لقد نافست الأزياء الإفريقية التقليدية للمشاركين أعمالهم الحرفية المعروضة، واستطاعت أن تجذب انتباه الجمهور، بتنوع أقمشتها، وغرابة تصاميمها، وثراء ألوانها البراقة، وخاصة الأزياء النسائية الإفريقية التي دفعت كثيرًا من السيدات إلى اقتنائها.
في المعرض سرعان ما تنقضي الساعة الزمنية، بين التبضع ومشاهدة مهارة اليد الإفريقية في إنتاج الحرف التقليدية، وبين النغمات الراقصة التي تقرع فجأة من الطبول الإفريقية وتملأ كل زوايا المكان. استطاعت الموسيقى الإفريقية أن تكشف التقارب الثقافي الفني بين الشعوب، فقد تفاعل زوار المعرض مع أصوات الآلات الموسيقية بمشاركة العازفين ببعض الحركات الراقصة، ومنهم من اشترى تلك الآلات الجميلة ببساطتها ونغماتها.
لقد وفق منظمو الفعالية باختيار بيت البدر كمعرض للحرف اليدوية الإفريقية، واستطاعوا بذلك تجسيد تراث وتاريخ قارة إفريقيا في قلب دولة الكويت الآسيوية، وفي نموذج معماري أصيل للبيوت الكويتية القديمة.
كل حجرة من الحجرات الطينية في بيت البدر شكلت بلدا أو بلدانا، وفقا لاتساعها، واحتوت على باقة متنوعة من المنتوجات الحرفية التقليدية، تمثلت في الحلى النسائية، الأقمشة والأزياء الشعبية، اللوحات والمناظر الفنية والمشغولات الخزفية، الأقنعة والدروع والتماثيل الخشبية، الدمى والألعاب والأدوات الفلوكلورية، وكثير غيرها. وإن تعددت واختلفت معروضات كل بلد، إلا أن جميعها عكس مكنونات القارة الإفريقية حيث غنى البيئة الطبيعية بالموارد المتجددة التي سخرها الإفريقي لتكون مصدر رزق له ولأجياله المتعاقبة. وقد حرص بعض الحرفيين على إقامة ورشات عمل تبين للزوار كيفية استخدام المواد الطبيعية بصورتها الخام الأولية وتطويعها لصناعة منتج يدوي عالي الجودة وجميل الشكل. ومن بين ثمان وعشرين دولة حطت رحالنا في عدد من تلك الدول.
جولة في المعرض
كانت جمهورية بوروندي محطتنا الأولى، عند مدخل الحجرة وضع الطبل التقليدي الملكي، امتلأ ركنها بالأقنعة والدروع والتماثيل الخشبية منها ما علّق على الحائط، ومنها ما صُفَّ على الطاولة، جذبتنا مهارة صنع الأقنعة التي اتخذت من السمات الجسدية الإفريقية مادة لها. وأكد مشرف جناح بوروندي أن كل معروضاته يدوية الصنع، وأشار إلى أن غالبية شعب بلاده حرفيون وقادرون على نحت الخشب وصناعة الأقنعة والمناظر الطبيعية منها، كما أنهم يجيدون حياكة السلال التقليدية. وفي الحجرة ذاتها، غُطيت إحدى طاولات العرض بألوان زاهية لم نعرف مصدرها إلا بالقرب منها، فكانت مفارش وبالأحرى لوحات قماشية، امتاز بها حرفيو جمهورية بنين. حين تتمعن برسوم المفارش تجدها من وحي البيئة الطبيعية لقارة إفريقيا، برع صناعها في تجسيد الحياة اليومية عليها، وتطعيمها بالألوان التي تعكسها حرارة المناخ الإفريقي. إحدى اللوحات القماشية رسم عليها خارطة قارة إفريقيا محاطة بالثروة الحيوانية التي اشتهرت بها غابات إفريقيا.
وقادنا أحد الأروقة في بيت البدر إلى غرفة اكتظت بالسيدات اللاتي تسابقن لشراء أزياء شعبية من ركن جمهورية النيجر، وتمثلت بفساتين قطنية منها ذات قصات واسعة، وأخرى ضيقة، ولها قبعات واسعة مطرزة بالألوان، كما برع النيجيريون في صناعة الأقنعة الخشبية والمجسمات الصغيرة بدقة عالية. وهناك جلست عائلة نيجرية مقيمة بالكويت تتسامر مع البائعة، وحدثتنا عن مهارة حرفيي بلادها في صناعة المشغولات الجلدية، والإكسسوارات النسائية، المصنوعة من الخرز والأحجار الكريمة. وتكاد غالبية الدول الإفريقية تصنعها وإن تنوعت المواد الخام المستخدمة فيها.
لؤلؤة إفريقيا
وفي ركن أوغندا أو كما يطلق عليها لؤلؤة إفريقيا، انهمك أحد الحرفيين في عرض كيفية تحويل لحاء الشجر إلى مادة قابلة للتصنيع، باستخدام آلات بسيطة وقوته الجسدية لضغط وتشكيل المادة التي تدخل في عدة صناعات حرفية محلية منها صناعة الحلي والقيراط. وقد صنع منها وشاحا غطى به جسده. بينما تألقت سيدة موريتانية بزي (الملحفة) وبجانبها وعاء خلطت به سوائل ملونة لصباغة الأقمشة والخيوط. وقدمت مجموعة من الأعمال الحرفية متنوعة المواد والأشكال، ومنها أساور وحلي نسائية، ومنها أوان وأباريق معدنية وصناديق خشبية، لقيت إقبالا من جمهور النساء، هذا بالإضافة إلى الأعمال الخزفية وقطع من الأقمشة القطنية الملونة.
وأثناء تجولنا من غرفة إلى أخرى كانت هناك سيدة إفريقية ترتدي زيا شعبيا إفريقيا ذات ابتسامة لا تفارق محياها، دعتنا لزيارة ركن بلادها زيمبابوي، الذي امتلأ بالقطع الفنية من أزياء شعبية، ومفارش ولوحات قماشية، وسلال القش بالإضافة إلى الإكسسوارات النسائية المصنوعة من العاج والأحجار الملونة. تلقى الأعمال الحرفية الزيمبابوية إقبالا كبيرا، كما تشهد تزايد الطلبات عليها من جميع دول العالم. أما ركن جمهورية مالي فقد تميز بالصناعات الجلدية، حيث شكلت الجلود الحيوانية مادة رئيسة لكثير من الحقائب النسائية والحافظات الجلدية متعددة الأشكال والأحجام، وحظيت منتجاتها برواج كبير بين زوار المعرض.
مفاجآت موريشيوس
ثم انتقلنا إلى ركن جزيرة موريشيوس، وقفت فيه سيدة لا تبدو إفريقية الملامح مطلقا، وعند سؤالنا عن البلد الذي تنتمي له قالت إنها من الجموع التي أتت من أوربا واستوطنت بجزيرة موريشيوس، حيث اجتذبتها بساطة الحياة هناك، وذلك ما جعل سكان الجزيرة خليطا من الهنود والأفارقة والأوربيين والصينيين، وهي تمثِّل اليوم صورة من صور التعايش السلمي للسكان المتحدرين من أعراق وثقافات مختلفة. ولأنها جزيرة معزولة جغرافيًا، أطلقت عليها جزيرة الرومانسية، وأصبحت محطة سياحية تستقطب الباحثين عن الجمال والهدوء. وقد عرضت مجموعة من الأعمال اليدوية التي تصلح لأن تكون تذكارات عن الجزيرة، مثل الرسم على قطع السيراميك، الدمى الصغيرة ذات الزي الشعبي، القلادات الصدفية والتي عرضت بشكل مميز، حيث رسمت لوحات لرأس وعنق امرأة وعلقت بها القلادات، إلى جانب كثير من المشغولات الخزفية البسيطة. الزائر لركن موريشيوس لا يمكنه الخروج من دون شراء إحدى تلك القطع الجميلة.
في الركن الكيني، بينت السيدة نانسي ليشوكو وزميلها أهمية الحلي في بلادهما، حيث يحرص الكينيون رجالا ونساء على اقتنائها، كما أن منها ما يوضع لمدى الحياة. امتلأت طاولة العرض بالعديد من القلائد وأقراط الأذن والأساور والأحزمة وهامات الرأس، وقد تنوعت مواد صنعها من أصداف بحرية لكونها تطل على المحيط الهندي، وسلاسل معدنية، وخرز، وجلد البقر، وأحيانا ريش النعام. بالإضافة إلى الحلي التقليدية المستخدمة في الرقص، إحداها كانت قطعة خشبية أسطوانية الشكل طولها يقارب الـ50 سنتيمترا وفي نهايتها قطعة خشبية كالمروحة، تمسك باليد ويهزها الراقص أثناء حركته.
الدول العربية والآسيوية
كان للدول العربية الإفريقية والآسيوية حيز أيضا في المعرض، فقد عرضت المنتجات الحرفية المغاربية، التي يشكل قطاع الصناعة التقليدية فيها ثاني أكبر مشغل للعمالة بالمملكة بعد الفلاحة. شارك المغرب بعدة أعمال حرفية غلبت عليها المصنوعات الجلدية، وتحديدا الأحذية والصنادل الرجالية الدارجة في مجتمعاتنا العربية بكثرة. وتعد صناعة الجلود ودباغتها من الحرف اليدوية العريقة في المغرب، وتحديدا في فاس ويطلق عليها اسم ماروكانري. ومن الجزائر عرضت باقة أعمال حرفية متنوعة، منها المشغولات الخزفية، وقطع السيراميك الملونة، والحلي النسائية، وكذلك اللوحات الفنية الخزفية. وقدم الخزفي الجزائري سمير الإبراهيمي ورشة عمل عرض فيها كيفية صناعة الأعمال الخزفية، ولقي عرضه إعجاب الزوار. ومثَّل الركن الجزائري أيضا الخزفية أمل غفاري، التي ساهمت بكثير من القطع الحرفية شكَّل الرسم على الخزف والزجاج مادة أساسية لها.
أما «عم محمد» الذي وجدنا كثيرين حوله، كان منهمكا في صناعة الحلي الذهبية من قلائد وأساور وأقراط، زهت كل منها بلمعة الذهب والخرز الملون، كما عرض القطع النحاسية التي تعلَّق عند مدخل الأبواب والشائع عنها أنها تبعد الحسد والعين. قاربت مصوغات عم محمد على الانتهاء إلا أنه مازال يصنع الجديد ويقدمه للزوار، مستعينا بإضاءة مصباح يضعه على يمينه، وأدوات معدنية بسيطة. ووضع في الركن المصري أيضا أغطية وسائد مربعة الشكل، مشبعة بالألوان الزاهية ذات الأشكال الهندسية والبيئة الطبيعية. تركنا عم محمد وكأننا تركنا القارة الإفريقية، وأبحرنا بالأعمال الحرفية من دول آسيا، السيدة خلود استقبلتنا عند إحدى حجرات بيت البدر، واستعرضت إسهامات الاردن في المعرض، ومنها لوحات فنية مختلفة الأحجام تتخذ من الأحجار الصغيرة الملساء مادة لها، وتشكل منظرا لتزيين المكاتب أو الحوائط. ولأن شراب القهوة رائج في الأردن فقد تفننوا في صناعة أقداح القهوة العربية التي تأتي من دون عروة، وهي متعارف عليها في الشام ودول الخليج العربي.
الركن الكويتي
في آخر الحجرات تكدس عدد من الأفارقة المشاركين في المعرض أمام سيدة من الكويت تعرض أعمالا من السدو، وهو نسيج تقليدي معروف في الكويت، وتمثل صناعته وحياكته أحد الحرف التي مارستها سيدات البادية (البدويات) وتصنع منها طقم جلوس أرضيا، ووسائد، واليوم أصبحت قطعا بسيطة تزين غرف المعيشة. في أثناء التقاط الصور عبَّرت السيدة عن هذا التجمع الإفريقي بقولها «سعدت بتوافد جموع من الكويتيين والعرب والأجانب لمشاهدة الحرف اليدوية من كل أنحاء العالم بما فيها السدو، إلا أنني أحزن حين أجد من أبنائكم من لا يعلم شيئا عن صناعة السدو، أتمنى أن تكون هناك تجمعات أخرى للحرف العالمية، التي تسهم بتوافد أعداد كبيرة من الجمهور بمختلف الأعمار والجنسيات للتعريف بفن السدو كي لا يندثر كبقية الحرف القديمة التي اندثرت وذهبت في طي النسيان». وقد عرض في ركن الكويت أيضا، مجسمات خشبية مختلفة الأشكال والأحجام للمراكب الشراعية القديمة المستخدمة في صيد الأسماك والتجارة والغوص على اللؤلؤ، وحرص صانعها على تعريف الزوار بأهميتها كوسيلة لمصدر رزق لأهالي الكويت في الماضي، وأضحت اليوم مجرد قطعة تذكارية تزين بها الأماكن، أو تهدى لضيوف دولة الكويت.
انتهى معرض الحرف الإفريقية، ولم تنته رسالة دولة الكويت في مجال الشراكة الدولية مع العالم، لقد شهدت الكويت خلال عام 2013 العديد من التجمعات الآسيوية والإفريقية على أرضها، والتي جاءت ترجمة لتوجهات سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الرامية لتفعيل أواصر التواصل والتعاون مع دول وشعوب العالم كافة. وقد أسهمت الفعاليات التي رافقت احتضان الكويت للقمة الإفريقية الثالثة، في تعزيز روابط التداخل الجغرافي والتاريخي والثقافي بين الكويت والدول الإفريقية، كما أكدت ضرورة استثمار الإرث الحرفي لخلق وظائف تسهم في طرح حل - وإن لم يكن الأفضل - لمشكلة البطالة التي تفاقمت مع آثار العولمة من مشكلات مالية عالمية وكساد اقتصادي.