سامي محمد.. الفنان المبدع

سامي محمد.. الفنان المبدع

لا أريد أن أتطرق للحديث عن الكويت وحي القبلة بالتحديد، ولا عن أكتوبر عام 1943 حيث وُلد الفنان سامي محمد، ولن أتناول سيرة والده الحاج محمد صالح «الشباب» الذي كان مميزًا هو الآخر في مهنته «تطريز البشوت» (العباءات الرجالية)، ولا يحق لي أن أدخل عالمه المقدس ومحيطه الأسري، فتلك مملكته التي يريدها الفنان بعيدة عن صفحات الصحف ووسائل الإعلام، وبدورنا نقدّر ونحترم له ذلك، ولن نسترسل كثيرًا في الحديث عن دماثة وسموّ أخلاقه وتربيته الصالحة التي أسبغت عليه صلة راقية قرّبته لكل مَن يحيط به من معجبين أو من أصدقاء أو أقارب، ما يهمني في هذا البحث هو جوهره الفني وعطاؤه المبدع الذي أوصله للشهرة والتفوّق.

سامي محمد الفنان الذي أبدع في ترتيب حياته الفنية بشكل منتظم ومنسق، تسبّب هذا له في شق الطريق الأقصر للشهرة والمجد الفني الذي هو عليه الآن، ولا يختلف على ذلك مَن يعرف الفنان سامي محمد عن قرب.
 لسامي محمد مراحل فنية متتابعة، بدأت معه منذ أن كان في الصف الأول الإبتدائي، حيث لاحظ المدرسون تميّزه بالخط وحسن الترتيب في حروف الكلمات.
ولما تأكدت إدارة المدرسة من أن هذا الجمال في خطه ليس من مضارب المصادفة أو العشوائية، اتخذت قرارًا بنقله إلى الصف الثاني ليختصر بذلك عامًا دراسيًا كاملاً. «وهذه هي الموهبة الإلهية الحقيقية».
من هنا بدأ الفنان بالتميّز وبدأت العيون تلاحظ نمو الموهبة لديه، ومع هذا نما لديه التطور البصري الذي جعله ليس كغيره من الناس، تعبر عينه على الأشياء المحيطة به عبورًا سلبيًا لا مذاق له.
وصارت يده تترجم ما يخزّنه عقله بشكل فني واضح ويدل على الإخراج الجيد لما يحويه عقله وفكره.
وقد كانت هذه هي الأبجدية الأولى في قاموس الحياة الفنية لسامي محمد.
أعماله الأكاديمية الأولى كانت تتميز بالخصوصية اللونية، وكل ما يعرف عن الأسس الفنية من أبعاد ونسب وتناسق لوني يختلف عمّا سواها من أعمال.
فهي تحمل دقة التصور الأكاديمي بشكل لا يطغى عليه إحساس الفرشاة ولمساتها اللونية.
كما أن هناك نسيجًا لونيًا جديدًا رائعًا يختلف عمّا هو واقع، كان الفنان يريد أن يقول للمتلقي أن عيني ليست كبقية العيون، فأنا أخرج بين الجزء المنظور بصريًا مع الحس المحسوس ذهنيًا وفكريًا.
هذا من حيث أعماله التصويرية ولوحاته الزيتية كانت أو مائية أو حتى تمارينه التي كان يمارسها برسم الأشكال في أوقات فراغه المختلفة بالفحم أو الرصاص أو الحبر.
هذه الإطلالة السريعة على نواة التميّز وسر الإبداع ك ان من الضروري أن أتطرق إليها وأن أسير في بحـــثي للوصــــول إلى أعماله المنحــــوتة الكـــثيرة من حيث العدد والكم أو النوع والكيف.
أعمال سامي محمد في النحت أخذت بصمة عرفها الجميع ولا تحتاج إلى توقيع لكي تعرف أنها للفنان سامي محمد، فهي كلها توقيع وكلها حسّ وميزة وروية سامي محمد.
استطاع أن يقدم الأعمال وفي مراحل مختلفة كثيرة ومتنوعة كلها مسترسلة بنفس النفَس والحسّ الفني.
هناك صرخة تنطلق من أعماق  الفنان سامي محمد ليقول في عمله هذا: إنني سامي محمد الفنان الذي شعر بالجوع، ويعاني القحط والعطش، فيقدم تمثال المجاعة التي مرت على دول شرق آسيا خلال السبعينيات.
وكذلك تعود الصرخة لسامي محمد ليعلن ثورته الحسيّة في شعوره المرهف بآلام بعض الشعوب العربية التي عانت الظلم والقتل والتنكيل في عمله الفني الرائع «صبرا وشاتيلا»، حيث صوّر الفنان المأساة من الألف إلى الياء بنموذج واحد هو الإنسان، وما ميّز هذا العمل هو الإخراج الفني لجسم الإنسان المسفوح دمه، وهو على عمود من خشب كان أو حديد ميّزه عن غيره من المقتولين، تلك السقطة التي تقول لمن يشاهدها إني مت مظلومًا والشاهد على ذلك تلك الآثار البادية على ظهره، ووضعيته غير المنطقية في المشهد المحزن لقتل إنسان.
 لسامي محمد عمل رائع آخر يؤكد ما أتحدث عنه هو تمثال الحادث الذي أنتجه من واقع حادث دهس لعابر طريق، كانت عجلات السيارة التي دهسته واضحة على ملابس المدهوس.
وكما هي عادة الفنان سامي محمد في إعلاء الجزء الحسّي على الجزء الأكاديمي ومزج هذين الجزأين من أجزاء العمل الفني، استطاع أن يقدم ويعرض تمثال الحادث، ليتحدث العمل عن نفسه بعبارات كثيرة فيها لوم وعتاب وحسرة من الضحية أو من أهله أو ممن شاهد الحادث أو كان موجودًا وقت حدوثه، كما كان الفنان موجودًا في تلك اللحظة ليصبح لسان حال المجتمع، ويقول لماذا فقدناه.
 سامي محمد العالمي بعد أن كان العربي والخليجي والكويتي، شهرته الإعلامية شهادة يستحقها، وهي قليلة عليه، لأن الفنان الذي تميز محليًا فاستطاع أن يعجب خليجيًا وعربيًا وعالميًا، ليس لأنه مقلّد أو تابع أو ناقل من مقتبسات غيره، بل لأنه مبدع حتى وإن شاركه الآخرون الفكر والحس، لأن الحس والفكر ليسا حكرًا على أحد، إنما هو التوارد الفكري عندما نشعر بجوع الآخرين وألم المسلوبين وصراخ المجروحين، ولا يمنع أن يشترك إنسان في المشرق مع آخر في المغرب بشعور ذلك الألم حتى وإن كان في الوسط بين القطبين.
فالجوع يفسر عند كل إنسان بطريقته واستدلاله الخاص الذي يعبّر فيه عن مكنون ذاته، ولكنه في النهاية يصوّر الجوع أو القتل أو خلافه، وهذا لا يعني أن الفكر منقول أو العمل مسروق من آخر.
الشعور هو سبب الإبداع وسر التميّز الذي جعل من الفنان سامي محمد مميزًا ومبدعًا وصل إلى العالمية ليس بصفته مصوّرًا بل لكونه شاعرًا معبرًا عن حالة من الحالات التي مرت عليه، فنقلها للعالم كأنه إمام في محرابه يشتكي إلى الله شكواه أو عاشق في خلوته يبكي على ليلاه.
< وفي ختام استطلاعي هذا وبحثي في صميم أعمال الفنان سامي محمد، توصلت إلى خلاصة هي وصف للفنان برؤيتي الخاصة وهي: أنه فنان مبدع لولا شعوره الإنساني المرهف وفلسفته الحسيّة ما وصل إلى ما هو عليه الآن.
لأن الفنان من غير تلك المشاعر وذاك الحس وميزانه العقلي للاختيار والرفض يصبح مصورًا مثله مثل آلة التصوير أو ورقة الكربون.

أحد الأعمال النحتية المميزة للفنان سامي محمد جسد فيه صورة الشيخ عبدالله السالم مؤسس الدولة الحديثة في الكويت

من أعمال التصوير الحديثة ويبدو جلياً لمسة الحداثة التي تغلف العمل وتعكس تطور أدواته الفنية باستمرار