جوهان جونكيند «أوفرشي على ضوء القمر»

جوهان جونكيند  «أوفرشي على ضوء القمر»

جونكيند هو أستاذ سيسلي وبودان ومونيه، وهو السبَّاق بينهم إلى إرساء أسس الانطباعية باعتراف مونيه نفسه، الذي كان يقول عنه إنه صاحب الفضل الأول عليه.

 

ولد جونكيند في هولندا العام 1819م، ودرس الفن أولًا في أكاديمية لاهاي، ثم سافر وهو في السابعة والعشرين من عمره إلى باريس لمتابعة الدراسة عند إيزابي وفرانسوا بيكو، ولكنه ظلَ محافظا على تأثره بالمدرسة الهولندية التي تربَى عليها أولاً. يظهر ذلك جليًا في اعتماده دائما خط أفق منخفض في اللوحة، ليترك المساحة الكبرى منها للسماء والغيوم، إضافة إلى ميله الواضح صوب المناظر البحرية وتيمة انعكاس الضوء على الماء، سواء كان ذلك في هولندا وبحرها وموانئها، أو في نهر السين في باريس. 
 وعلى الرغم من قبول أعماله في «معرض باريس» الأكاديمي وانتزاعه المديح من بودلير وإميل زولا، فإنه عاد إلى هولندا العام 1855م، وهو يعاني اكتئابًا مرضيًا والإدمان على الكحول. غير أنه بعد ست سنوات عاد مجددًا إلى فرنسا وفي أسلوبه الملامح الأولى الواضحة للانطباعبة التي راح يلقنها لمريديه، ومن بينهم عدد من الذين غدوا لاحقًا من أساتذة هذه المدرسة بمن فيهم مونيه نفسه. 
اللوحة التي نقف أمامها هنا، «أوفرشي على ضوء القمر»، هي من أصغر اللوحات الزيتية العائدة إلى هذا الفنان، إذ لا تتجاوز مقاساتها 22× 27.5سم.. ومع ذلك، فإنها ذات مكانة خاصة بين أعمال الرسام وأيضًا على مستوى تاريخ الفن. 
«أوفرشي» هي إحدى ضواحي مدينة روتردام، رسمها الفنان في لوحات عديدة، قد تكون هذه أفضلها.
نرى هنا ميناء البلدة خلال الليل، الأمر الذي أتاح للفنان أن يمارس ألعوبته المفضلة مع الألوان الداكنة حتى السواد الذي رسم به اليابسة، وتناقضها مع الألوان الفاتحة في السماء، وصولًا إلى الأبيض في القمر وانعكاسه على صفحة الماء.
خط الأفق هنا منخفض جريًا على عادة الفنان، ولا يعلو فوق الربع الأسفل من اللوحة، الأمر الذي أتاح له أن يمارس في رسم السماء الشاسعة لعبة تلوينية بحتة غنية جدًا بالألوان الزاهية، وصولًا إلى الوردي الفاتح الذي يصعب علينا أن نتوقعه في مشهد ليلي. وخلال البحث في عجين الألوان الكثيرة التي رسمت بها السماء، لابد أن يلاحظ المرء العفوية التي تميز ضربات الفرشاة السريعة التي لا تزعم هنا توخي الدقة في نقل أطر العناصر المكونة للموضوع، بقدر ما تبدو متلهفة إلى التقاط تلاعب الضوء واللون في لحظة محددة. وهذه «السياسة» في استخدام الفرشاة هي التي نجح جونكيند في نقلها إلى مونيه وغيره من معاصريه. وعندما نضيف إلى كل ما تقدم اختيار الموضوع بناء على أهمية ثنائية اللون والضوء، لا يبقى عندنا أدنى شك في أن جونكيند كان فعلًا أول الانطباعيين.