فتنٌ ومِحَنٌ بأي حال عدت يا عيد؟

فتنٌ ومِحَنٌ  بأي حال عدت يا عيد؟

انتهى‭ ‬رمضان‭ ‬وعيد‭ ‬الفطر‭ ‬يتبعه،‭ ‬نُوُدِعُهُ‭ ‬أمانينا‭ ‬ونوَدِّعُه،‭ ‬والقلب‭ ‬غربة‭ ‬الأحباب‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬توجعه،‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬دعاءٌ‭ ‬بظهر‭ ‬الغيب‭ ‬للأخِ‭ ‬ينفعه،‭ ‬ولا‭ ‬عاد‭ ‬النواح‭ ‬على‭ ‬شهيدٍ‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭ ‬يرفعه‭. ‬يصوم‭ ‬مأسور‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صُمّت‭ ‬آذان‭ ‬العالمين‭ ‬فما‭ ‬عادت‭ ‬تسمعه،‭ ‬ولم‭ ‬يأمن‭ ‬أهل‭ ‬الشام‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬أو‭ ‬خوف،‭ ‬فافترشوا‭ ‬الأرض‭ ‬والتحفوا‭ ‬السماء،‭ ‬وكُلٌّ‭ ‬قُضّ‭ ‬مضجعه،‭ ‬ومِثْلهم‭ ‬أهل‭ ‬العراق،‭ ‬شعب‭ ‬تفرّق‭ ‬أشتاتاً،‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجمعه،‭ ‬واليمن‭ ‬السعيد‭ ‬يبكي‭ ‬حزناً،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬الأخ‭ ‬للأخ‭ ‬يعاديه‭ ‬فيصرعه،‭ ‬وشعب‭ ‬ليبيا‭ ‬المقدام‭ ‬ثار‭ ‬على‭ ‬الظلم‭ ‬بركانا،‭ ‬فما‭ ‬هدأت‭ ‬حمم‭ ‬النيران‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬تخضعه،‭ ‬ومصر‭ ‬أرض‭ ‬السلام‭ ‬وموضعه،‭ ‬تكالبت‭ ‬عليها‭ ‬قوى‭ ‬الطغيان‭ ‬والظلام،‭ ‬فكان‭ ‬نور‭ ‬الحق‭ ‬والمجد‭ ‬فيها‭ ‬مطلعه‭.‬

لن‭ ‬تعطش‭ ‬أرض‭ ‬مصر،‭ ‬فالنيل‭ ‬نيل‭ ‬مصر‭ ‬وأهلها‭ ‬هم‭ ‬منبعه،‭ ‬ستعود‭ ‬تونس‭ ‬خضراء،‭ ‬بيضاء‭ ‬المساكن‭ ‬والقلوب،‭ ‬ونور‭ ‬العلم‭ ‬منها‭ ‬مسطعه،‭ ‬وستقوم‭ ‬الجزائر‭ ‬شامخة،‭ ‬لا‭ ‬ضغينة‭ ‬بين‭ ‬شعبها‭ ‬ولا‭ ‬همّ‭ ‬يروعه‭.‬

اللهم‭ ‬يا‭ ‬ربّ‭ ‬العالمين‭ ‬أغث‭ ‬شعب‭ ‬الصومال‭ ‬من‭ ‬عطش‭ ‬وجوع،‭ ‬فبفضلٍ‭ ‬منك‭ ‬تسقيه‭ ‬وتشبعه‭. ‬هذا‭ ‬دعاؤنا‭ ‬لله‭ ‬وتلك‭ ‬أمانينا،‭ ‬بأن‭ ‬تجتمع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬والمحبة،‭ ‬فمن‭ ‬يزرع‭ ‬الحُب‭ ‬يجني‭ ‬السلام‭ ‬من‭ ‬مرتعه‭.‬

الكويت‭ ‬رمز‭ ‬للمحبة

زرعت‭ ‬الكويت‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬أهلها،‭ ‬فنثروه‭ ‬غرساً‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬أحبت‭ ‬الكويت،‭ ‬فحزنت‭ ‬عليها‭ ‬عندما‭ ‬اجتاحتها‭ ‬جحافل‭ ‬العدوان‭ ‬والغزو‭ ‬الغاشم،‭ ‬وفرحت‭ ‬بالتحرير‭ ‬يوم‭ ‬تجمعت‭ ‬قوى‭ ‬العالم‭ ‬لدحض‭ ‬المعتدي‭ ‬الآثم‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭. ‬تَعَلّمَ‭ ‬شعب‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬قائده،‭ ‬أمير‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬أن‭ ‬المخطئ‭ ‬معذور‭ ‬والمصيب‭ ‬مأجور‭ ‬مشكور،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬وسيادتها‭ ‬وشعبها،‭ ‬فستبقى‭ ‬سياسة‭ ‬التسامح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬المبدأ‭ ‬الأساسي‭ ‬ومنهج‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭.‬

صارت‭ ‬الكويت‭ ‬رمزاً‭ ‬للمحبة‭ ‬والسلام،‭ ‬فأميرها‭ ‬قائد‭ ‬الإنسانية‭ ‬وشعبها‭ ‬مثال‭ ‬يحتذى‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬يمد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬للمنكوبين‭ ‬والمحتاجين‭ ‬والمرضى‭ ‬والمشردين‭. ‬بذلك‭ ‬شهدت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فاختارتها‭ ‬ذ‭ ‬بشبه‭ ‬إجماع‭ ‬ذ‭ ‬لتكون‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬غير‭ ‬الدائمين‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ومهما‭ ‬يكن‭ ‬موقف‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التصويت‭ ‬لمصلحة‭ ‬عضوية‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬أمن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإنّ‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬لا‭ ‬يُفسد‭ ‬للود‭ ‬قضية‭. ‬وعندما‭ ‬تبرز‭ ‬الخلافات‭ ‬وتتصعد‭ ‬الأزمات‭ ‬وتتصدع‭ ‬المعاهدات،‭ ‬تجد‭ ‬للكويت‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬فضّ‭ ‬تلك‭ ‬الخلافات‭ ‬وحل‭ ‬الأزمات‭ ‬ورأب‭ ‬التصدعات،‭ ‬وتكون‭ ‬دائماً‭ ‬وسيط‭ ‬خير‭ ‬بين‭ ‬المتنازعين‭. ‬وكما‭ ‬اصطلحت‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬شقيقاتها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لم‭ ‬تستنكر‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬للكويت،‭ ‬فأصلحت‭ ‬ذات‭ ‬البَيْن‭ ‬وأعادت‭ ‬علاقاتها‭ ‬الأخوية‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬وعفا‭ ‬الله‭ ‬عما‭ ‬سلف‭. ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بذلك‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مشاريع‭ ‬حيوية‭ ‬وتنموية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وإقامة‭ ‬جسور‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬والترابط‭. ‬حتى‭ ‬نراها‭ ‬تحتضن‭ ‬في‭ ‬دارها‭ ‬التفاوض‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬اليمنيين‭ ‬الأشقاء‭ ‬بأمل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬يرضي‭ ‬الطرفين،‭ ‬لعل‭ ‬وعسى‭ ‬أن‭ ‬يجدوا‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬خلافهم‭ ‬مخرجاً‭. ‬وأذكر‭ ‬أنّ‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬المتنازعين‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬مقر‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬كل‭ ‬فريق‭ ‬على‭ ‬حِدَة،‭ ‬وأجرى‭ ‬حواراً‭ ‬ورئيس‭ ‬التحرير‭ ‬حول‭ ‬مفاهيم‭ ‬العروبة‭ ‬والوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬أظلته‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬والود‭ ‬والإخاء‭.‬

 

تصدع‭ ‬وتشتت‭ ‬وفقر

لا‭ ‬يغيب‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أيادي‭ ‬الشر‭ ‬والفتن‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تعبث‭ ‬بأمن‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬كلّه،‭ ‬ولانزال‭ - ‬نحن‭ ‬العرب‭ - ‬نؤمن‭ ‬بضعف‭ ‬قدراتنا‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬ذاتنا‭ ‬بقدر‭ ‬إصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البَيْن،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فإنك‭ ‬تعجب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬التصدع‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والتشتت‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬والفقر‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬والجوع‭ ‬في‭ ‬الصومال،‭ ‬ولاتزال‭ ‬يد‭ ‬الإرهاب‭ ‬تعبث،‭ ‬وتبعث‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الآمنين‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭.‬

ليس‭ ‬بجديد‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬هذه‭ ‬المحن‭ ‬والفتن،‭ ‬فمنذ‭ ‬بدء‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتحديداً‭ ‬بعد‭ ‬الفتنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬عانت‭ ‬الأمة‭ ‬أزمات‭ ‬عصفت‭ ‬بها،‭ ‬وثورات‭ ‬أطاحت‭ ‬دولها،‭ ‬بدءاً‭ ‬بالخوارج‭ ‬مروراً‭ ‬بالقرامطة‭ ‬والحشاشين،‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬ووليده‭ ‬الأحمق‭ ‬اداعشب،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬صدق‭ ‬عليهم‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬الذِينَ‭ ‬ضَلَّ‭ ‬سَعْيهم‭ ‬في‭ ‬الحَياةِ‭ ‬الدُنْيا‭ ‬وَهُم‭ ‬يَحْسَبُون‭ ‬أنَّهُم‭ ‬يُحْسِنون‭ ‬صُنْعا‭} (‬سورة‭ ‬الكهف‭ - ‬104‭)‬‭.‬

فكل‭ ‬منهم‭ ‬ليس‭ ‬دعوة‭ ‬حقّ،‭ ‬بل‭ ‬دعاية‭ ‬إلى‭ ‬باطل،‭ ‬دعاية‭ ‬تعتمد‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬والفساد‭ ‬والدمار،‭ ‬دعاية‭ ‬تحريضية‭ ‬ضد‭ ‬الأنظمة‭ ‬العامة‭ ‬والقوانين،‭ ‬للفت‭ ‬الانتباه‭ ‬واستغلال‭ ‬الأغرار‭ ‬من‭ ‬الصبية‭ ‬والسفهاء‭ ‬من‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مآربهم‭ ‬التخريبية‭. ‬ستسقط‭ ‬الأقنعة‭ ‬قريباً،‭ ‬فتعرف‭ ‬كل‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬وراء‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وستقطع‭ ‬أيادي‭ ‬العبث‭ ‬بأمن‭ ‬الآمنين،‭ ‬وسيعلم‭ ‬الظالمون‭ ‬أي‭ ‬منقلب‭ ‬ينقلبون‭.‬

إنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬عدو‭ ‬ما‭ ‬يجهل،‭ ‬والجهل‭ ‬مَرَضُ‭ ‬للعقل،‭ ‬والمعرفة‭ ‬أساس‭ ‬الحكمة‭. ‬ولا‭ ‬تتأتى‭ ‬المعرفة‭ ‬إلا‭ ‬بالتفكير‭ ‬أو‭ ‬التأثير،‭ ‬وأصل‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬كلمة‭ ‬وصورة،‭ ‬فلكل‭ ‬صورة‭ ‬كلمة‭ ‬ولكل‭ ‬كلمة‭ ‬صورة،‭ ‬فإذا‭ ‬أخطأ‭ ‬العقل‭ ‬بتركيب‭ ‬الصورة‭ ‬الخطأ‭ ‬على‭ ‬الكلمة‭ ‬الصحيحة‭ ‬أو‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬الشطط‭ ‬والزلل‭. ‬

تلك‭ ‬هي‭ ‬الزاوية‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬الإرهابيون‭ ‬إلى‭ ‬استغلالها‭ ‬وحمل‭ ‬المنتمين‭ ‬الجدد‭ ‬إليهم‭ ‬للاقتناع‭ ‬بعوارهم‭. ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬العاقل‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬ويكتب‭ ‬لتحصيل‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬سوف‭ ‬تساعده‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التفكير،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينمي‭ ‬بذلك‭ ‬ذكاءه‭. ‬وعلى‭ ‬الشاكلة‭ ‬نفسها‭ ‬يجمع‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الصور،‭ ‬ليستدل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الكلمة،‭ ‬فإن‭ ‬غابت‭ ‬الكلمة‭ ‬استدعى‭ ‬من‭ ‬ذاكرته‭ ‬صورتها،‭ ‬صورة‭ ‬الكلمة‭ ‬بحروفها‭ ‬أو‭ ‬معناها‭. ‬وكلما‭ ‬زادت‭ ‬أو‭ ‬كَثُرت‭ ‬المفردات‭ ‬وصورها‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬زاد‭ ‬معدّل‭ ‬ذكاء‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬الإحاطة‭ ‬بمفردات‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭.‬

أما‭ ‬المعرفة،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التأثير،‭ ‬فهي‭ ‬نتيجة‭ ‬المحيط‭ ‬المجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الوالدين‭ ‬وينتهي‭ ‬بالصحبة‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يتأكد‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬المعارف‭ ‬تأتي‭ ‬عن‭ ‬طريقيْ‭ ‬النقل‭ ‬والعقل‭. ‬أما‭ ‬النقل‭ ‬فنأخذه‭ ‬ممَن‭ ‬هم‭ ‬قبلنا‭ ‬ومن‭ ‬الكُتُب‭ ‬التي‭ ‬تخصص‭ ‬أصحابها‭ ‬بالبحث‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬ولا‭ ‬يتأتى‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلقي‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خبير‭ ‬متخصص‭ ‬مشهود‭ ‬له‭ ‬بهذا‭ ‬العلم‭ ‬والمجال،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬شرح‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬بحياد‭ ‬وموضوعية‭.‬

وكلما‭ ‬زاد‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬وزاد‭ ‬منعها،‭ ‬ضاق‭ ‬أفق‭ ‬المتلقي‭ ‬وانحصر‭ ‬تفكيره‭ ‬بالقليل‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه‭ ‬وقرأه‭. ‬وليس‭ ‬علينا‭ ‬موافقة‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬آرائه،‭ ‬فهناك‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬للتفكير‭ ‬يفرضها‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬ويغذيها‭ ‬السؤال‭. ‬

 

التفكير‭ ‬والشعور

مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإن‭ ‬صحبة‭ ‬العلماء‭ ‬والأخذ‭ ‬عنهم‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬التفكير‭ ‬العلمي‭ ‬والتهذيب‭ ‬العقلي‭. ‬ولعلنا‭ ‬لا‭ ‬نقلق‭ ‬صبر‭ ‬المتتبع‭ ‬لهذه‭ ‬السطور‭ ‬بفصلنا‭ ‬بين‭ ‬التفكير‭ ‬والشعور،‭ ‬فالتفكير‭ ‬متراتب‭ ‬ويعود‭ ‬أصل‭ ‬تراتبه‭ ‬إلى‭ ‬العقل،‭ ‬أما‭ ‬الشعور‭ ‬فمبعثر،‭ ‬وأصله‭ ‬الإحساس‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬النفس‭. ‬

يقودنا‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬باختلاف‭ ‬القدرات‭ ‬الفكرية‭ ‬والحسية‭ ‬فطرة‭ ‬واكتساباً‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فروقات‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬الظواهر،‭ ‬المتغيرة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬المتعارضة،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬النتائج،‭ ‬لا‭ ‬كمسلّمات‭ ‬وإنما‭ ‬دلائل‭ ‬للبراهين،‭ ‬فربما‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬تغير‭ ‬ما‭ ‬عهدناه‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬عاث‭ ‬مجرمو‭ ‬الإرهاب‭ ‬فساداً‭ ‬عندما‭ ‬بعثروا‭ ‬تفكير‭ ‬المنتمين‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الغرّ،‭ ‬فنجحوا‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬مشاعر‭ ‬الانتقام‭ ‬والإحساس‭ ‬بالغبن‭ ‬والظلم،‭ ‬ليثوروا‭ ‬على‭ ‬أوضاعهم‭ ‬أيّا‭ ‬كانت،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬آمنة‭ ‬ومستقرة،‭ ‬وهنا‭ ‬يتراتب‭ ‬الشعور‭ ‬بالذنب‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بكنف‭ ‬السلام،‭ ‬حيث‭ ‬يرونه‭ ‬استسلاماً‭.‬

أما‭ ‬طريق‭ ‬إعمال‭ ‬العــــقل،‭ ‬فـــقد‭ ‬اختلف‭ ‬على‭ ‬أسلوبه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمتكــلمــــيـــــن،‭ ‬فبينما‭ ‬يرى‭ ‬أغلب‭ ‬الفلاسفة‭ ‬أنّ‭ ‬منهــــج‭ ‬التفكـــيــر‭ ‬يكون‭ ‬بمفتاح‭ ‬الشــــكّ‭ ‬لفتح‭ ‬أبــواب‭ ‬المعــــرفة،‭ ‬يرى‭ ‬المتكلمون‭ ‬أن‭ ‬اليقين‭ ‬هو‭ ‬أســـاس‭ ‬الـــبدء‭ ‬في‭ ‬المعرفة،‭ ‬متخذين‭ ‬االإيمـــان‭ ‬باللهب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثلاً‭.‬

نرجع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بدأنا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬المفردات‭. ‬إنّ‭ ‬الإشكالية‭ ‬الكبرى‭ ‬لدى‭ ‬مدرستي‭ ‬العقل‭ ‬والنقل‭ ‬هي‭ ‬فهم‭ ‬معاني‭ ‬المفردات،‭ ‬حيث‭ ‬إنّ‭ ‬للكلمات‭ ‬دلالات،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬يُجْمَعُ‭ ‬الكلم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬جُمَل،‭ ‬فِعلية‭ ‬واسمية،‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬ثابتة‭.‬

وما‭ ‬بُنِي‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬خاطئ‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يـــكون‭ ‬خطأ،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬اجتهاداً‭ ‬عقلياً‭ ‬أو‭ ‬استنباطاً‭ ‬علمياً‭. ‬وبمثل‭ ‬هذا‭ ‬يشحن‭ ‬الإرهابيون‭ ‬عناصرهم‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬الخاطئة،‭ ‬لــيزدادوا‭ ‬غلظــــة‭ ‬وانحــــرافاً‭. ‬

لن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬فقهاء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬ودورهم‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬وضبط‭ ‬اللغة‭ ‬ومفرداتها،‭ ‬لفظاً‭ ‬ونحواً‭ ‬ومعنى،‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يعانون‭ ‬فهم‭ ‬الخوارج،‭ ‬ومن‭ ‬سار‭ ‬على‭ ‬دربهم‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا،‭ ‬وتفسيرهم‭ ‬المنحرف‭ ‬لآيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استسهالهم‭ ‬سفك‭ ‬دماء‭ ‬المسلمين‭. ‬ولكننا‭ ‬نستدرك‭ ‬ما‭ ‬أغفل‭ ‬علماء‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬شرحه‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬التي‭ ‬شاعت‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬زمانهم‭ ‬وعصي‭ ‬أو‭ ‬صعب‭ ‬فهمها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان،‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬هجر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬الفصحى‭ ‬واستخدام‭ ‬كلمات‭ ‬عامية‭ ‬أو‭ ‬أعجمية‭ ‬بدلاً‭ ‬منها‭.‬

هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخــــرى‭ ‬نرى‭ ‬إما‭ ‬جهل‭ ‬أو‭ ‬تـــجاهل‭ ‬المعـــجميــــين‭ ‬في‭ ‬تأصيل‭ ‬المفردات‭ ‬الأعجمية،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬الرجـــوع‭ ‬إلى‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬الأعجمية‭ ‬المستخدمــــة‭ ‬في‭ ‬اللـــغة‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬شرحها‭ ‬على‭ ‬المــــفهوم‭ ‬الــــذي‭ ‬وردت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭. ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬المسلم‭ ‬لكلمة‭ ‬اآمينب‭ ‬سبع‭ ‬عشرة‭ ‬مرة‭ ‬يومياً،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وأما‭ ‬كلمة‭ ‬اسبحانب‭ ‬فتتردد‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المسلم‭ ‬يومياً‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مائة‭ ‬وخمسين‭ ‬مرة‭. ‬

وعن‭ ‬معنى‭ ‬الكلمتيــن‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعلمون،‭ ‬وإن‭ ‬أرادوا‭ ‬فهمهما‭ ‬رجعوا‭ ‬إلى‭ ‬القواميس‭ ‬أو‭ ‬كتب‭ ‬التفسير،‭ ‬حيث‭ ‬اختلف‭ ‬اللغويون‭ ‬ومثلهم‭ ‬المفسرون‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬معناهما‭. ‬ولم‭ ‬يُشـــر‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬أصل‭ ‬الكلمتين‭ ‬اللتين‭ ‬انحدرتا‭ ‬من‭ ‬الآرامية‭ ‬إلى‭ ‬العبرية‭ ‬والسريانية‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭. ‬

وكان‭ ‬الخطأ‭ ‬عند‭ ‬اللغويين‭ ‬في‭ ‬إرجاع‭ ‬الكلمتين‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مصدر‭ ‬لهما‭ ‬بالعربية‭: ‬اأَمَنَب‭ ‬واسَبَحَب‭ ‬ثم‭ ‬تصريفهما‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭. ‬أما‭ ‬المفسرون‭ ‬فقد‭ ‬ركنوا‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬العام‭. ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬جموعاً‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬صاروا‭ ‬في‭ ‬صلواتهم‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭.‬

اسأل‭ ‬المتشدقين‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬اسبحانب‭ ‬واآمينب،‭ ‬هل‭ ‬تراهم‭ ‬يعلمون؟‭! .