خطاب اللاثقافة

خطاب اللاثقافة

يختلف‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬اختلافاً‭ ‬كبيراً‭ ‬حول‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الثقافة‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬عالم‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬أبوزيد‭ ‬يروي‭ ‬أن‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬الأمريكيين‭ ‬حاولا‭ ‬سنة‭ ‬1951‭ ‬إحصاء‭ ‬التعريفات‭ ‬المتداولة‭ ‬حينئذٍ‭ ‬لكلمة‭ ‬ثقافة،‭ ‬وأمكنهما‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬وخمسين‭ ‬تعريفاً‭ ‬مختلفاً،‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الرقم‭ ‬قد‭ ‬تضاعف‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬التعدد،‭ ‬بل‭ ‬الاختلاف،‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬مصطلح‭ ‬الثقافة‭ ‬أمر‭ ‬ملموس‭ ‬ندركه‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭.‬

إن‭ ‬الثقافة‭ ‬تدل‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬التهذيب‭ ‬والتشذيب‭ ‬والصقل‭ ‬والأدب‭ ‬وحسن‭ ‬التناول،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬الجذور‭ ‬اللغوية‭ ‬لمادة‭ ‬اث‭ ‬ق‭ ‬فب‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬تكون‭ ‬الثقافة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬خاصة‭ ‬تصوغ‭ ‬البشر‭ ‬وفقاً‭ ‬لحاجات‭ ‬نظام‭ ‬الحكم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬الثقافة‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬الخلقية‭ ‬التي‭ ‬تصوغ‭ ‬المواطنين‭ ‬لكي‭ ‬يتلاءموا‭ ‬مع‭ ‬المواطنة‭ ‬السياسية،‭ ‬وحيناً‭ ‬آخر‭ ‬تعني‭ ‬الثقافة‭ ‬طريقة‭ ‬حياة‭ ‬أهل‭ ‬المدينة،‭ ‬أي‭ ‬إنها‭ ‬حينئذٍ‭ ‬مرادفة‭ ‬للتمدن،‭ ‬أو‭ ‬مرادفة‭ ‬للتحضر،‭ ‬ومرة‭ ‬ثالثة‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬نقيض‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬الفطرة،‭ ‬ومرة‭ ‬رابعة‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المثقف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬المتعلم‭ ‬وغير‭ ‬المثقف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الجاهل،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتذوق‭ ‬الفنون‭ ‬ويراعي‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬الذوق‭ ‬العام،‭ ‬وغير‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬قد‭ ‬يرتبط‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬بالطبقة‭ ‬الراقية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬تعني‭ ‬السلوك‭ ‬حسب‭ ‬أذواق‭ ‬الطبقات‭ ‬الراقية‭ ‬فقط‭. ‬وقد‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬طريقة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الحياة،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬نوع‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ترتبط‭ ‬بالهوية،‭ ‬فيقال‭ ‬هذه‭ ‬ثقافة‭ ‬فرنسية‭ ‬وهذه‭ ‬ثقافة‭ ‬إنجليزية‭ ‬وتلك‭ ‬ثقافة‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬أو‭ ‬ثقافة‭ ‬أكلة‭ ‬لحوم‭ ‬البشر،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬سمو‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬سموها‭. ‬وقد‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مظهر‭ ‬اجتماعي‭ ‬يتطلب‭ ‬وجودها‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬وتضع‭ ‬القوانين‭ ‬والدساتير،‭ ‬وقد‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬مظهراً‭ ‬فردياً‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأخلاق‭.‬

كل‭ ‬مفهوم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬خاصة،‭ ‬وربما‭ ‬لأغراض‭ ‬أيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬حضارية‭ ‬أو‭ ‬طبقية‭ ‬أو‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬خاصة،‭ ‬لكن‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬تتطلبه‭ ‬المرحلة‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬المفهوم‭ ‬التنويري‭ ‬للثقافة،‭ ‬فكل‭ ‬التعريفات‭ ‬السابقة‭ ‬مقبولة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأنثروبولوجية‭ ‬والأيديولوجية،‭ ‬لكننا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬التنويري‭ ‬خاصة،‭ ‬والمقصود‭ ‬بالمفهوم‭ ‬التنويري‭ ‬هو‭ ‬ربط‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬بعنصرين‭ ‬اثنين‭ ‬هما‭ ‬ممارسة‭ ‬الحياة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالعلم‭ ‬أو‭ ‬المعرفة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬إنسانية،‭ ‬والمقصود‭ ‬بالإنسانية‭ ‬هنا‭ ‬السمو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السلوك‭ ‬الإنساني،‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬الهمجية‭ ‬والتخلف‭ ‬والجهالة،‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬مرادفاً‭ ‬لمفهوم‭ ‬الحضارة‭ ‬والتنوير‭ ‬والإصلاح،‭ ‬فكلما‭ ‬اقترب‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬ممارسته‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬والرقي‭ ‬الإنساني‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ثقافة،‭ ‬وكلما‭ ‬ابتعد‭ ‬عنهما‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬ثقافة‭.‬

 

صفات‭ ‬الشخص‭ ‬المثقف

يلخص‭ ‬تيري‭ ‬إيجلتون‭ ‬صفات‭ ‬الشخص‭ ‬المثقف‭ ‬بقوله‭: ‬اأن‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬متحضراً‭ ‬أو‭ ‬مهذباً‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬بنعم‭ ‬المشاعر‭ ‬الرقيقة،‭ ‬والانفعالات‭ ‬المحكومة‭ ‬والسلوكيات‭ ‬المحمودة‭ ‬والعقل‭ ‬المنفتح،‭ ‬وأن‭ ‬يلتزم‭ ‬سلوكاً‭ ‬معتدلاً‭ ‬ومقبولاً‭ ‬عقلاً‭ ‬مع‭ ‬حساسية‭ ‬طبيعية‭ ‬غير‭ ‬متكلفة‭ ‬تجاه‭ ‬مصالح‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأن‭ ‬يمارس‭ ‬ضبط‭ ‬النفس،‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬بمصالحه‭ ‬الأنانية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خير‭ ‬الكل‭ ‬والمجموعب‭.‬

وهذا‭ ‬التعريف‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬العربي،‭ ‬فقدامة‭ ‬بن‭ ‬جعفر‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬المدح‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬بالوصف‭ ‬بالفضائل‭ ‬الإنسانية‭ ‬افضائل‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إنهم‭ ‬ناس‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬مشتركون‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬سائر‭ ‬الحيوانب،‭ ‬ولذلك‭ ‬فلو‭ ‬أن‭ ‬إنساناً‭ ‬عثرت‭ ‬رجله‭ ‬بحجر‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬فأمسك‭ ‬بهذا‭ ‬الحجر‭ ‬فألقاه‭ ‬بعيداً،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬ألقاه‭ ‬غيظاً‭ ‬وانتقاماً‭ ‬لنفسه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬منه‭ ‬إنسانياً‭ ‬يحمد‭ ‬عليه،‭ ‬لأنه‭ ‬يشترك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬سائر‭ ‬الحيوان،‭ ‬فالكلب‭ ‬إذا‭ ‬ضرب‭ ‬يعض،‭ ‬والجمل‭ ‬إذا‭ ‬آلمته‭ ‬انتقم‭ ‬منك،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬ألقى‭ ‬الحجر‭ ‬بعيداً‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يؤذي‭ ‬إنساناً‭ ‬غيره‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬منه‭ ‬فعلاً‭ ‬إنسانياً‭ ‬يستحق‭ ‬المدح‭ ‬عليه،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قصده‭ ‬كولردج‭ ‬بقوله‭: ‬ايجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬ناساً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مواطنينب،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬وَإِذَا‭ ‬قِيلَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬آمِنُواْ‭ ‬كَمَا‭ ‬آمَنَ‭ ‬النَّاسُ‮ ‬قَالُواْ‭ ‬أَنُؤْمِنُ‭ ‬كَمَا‭ ‬آمَنَ‭ ‬السُّفَهَاء‭ ‬أَلا‭ ‬إِنَّهُمْ‭ ‬هُمُ‭ ‬السُّفَهَاء‭ ‬وَلَـكِن‭ ‬لاَّ‭ ‬يَعْلَمُونَ‭} (‬سورة‭ ‬البقرة‭ - ‬الآية‭ ‬13‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬إذا‭ ‬قيل‭ ‬لهم‭ ‬آمنوا‭ ‬كما‭ ‬آمن‭ ‬الناس‭ ‬الحقيقون‭ ‬باسم‭ ‬الإنسانية‭.‬

وهنا‭ ‬ينبغي‭ ‬التنبه‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬مهم،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬السامي‭ ‬للثقافة‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬حضارة‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬معينة،‭ ‬كأن‭ ‬يقال‭ ‬مثلاً‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬هي‭ ‬النموذج‭ ‬الأمثل‭ ‬والمحوري‭ ‬والمركزي‭ ‬لكل‭ ‬ثقافة،‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالعلم‭ ‬وبالقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخالدة‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬مكانها‭ ‬وزمانها،‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬والجمال‭ ‬والتسامح‭ ‬والنظام‭ ‬والمعرفة‭ ‬وحيوية‭ ‬الضمير‭ ‬وأسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬الراقية‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬ومراعاة‭ ‬مشاعره‭.‬

كما‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يلغي‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬الخصوصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الشعوب،‭ ‬فحيثما‭ ‬وجدت‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬وجدت‭ ‬الثقافة‭ ‬والحضارة،‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬بطريقته‭ ‬وذوقه‭ ‬الخاص،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ثقافة‭ ‬واحدة‭ ‬بألوان‭ ‬مختلفة،‭ ‬فليس‭ ‬توحيد‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬مركزية‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬لدى‭ ‬أمة‭ ‬قوية‭ ‬وهامشية‭ ‬أمم‭ ‬ضعيفة،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬ارتباط‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬السامية‭ ‬وأي‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬أو‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬ارتباط‭ ‬فقط‭ ‬بالسمو‭ ‬أو‭ ‬الرقي‭ ‬الإنساني‭.‬

 

الثقافة‭ ‬عمل‭ ‬إنساني‭ ‬وجهد‭ ‬بشري

إن‭ ‬الثقافة‭ ‬لا‭ ‬تنشأ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬تنشأ‭ ‬من‭ ‬رقي‭ ‬النظم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وشيوع‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنها‭ ‬عمل‭ ‬إنساني‭ ‬وجهد‭ ‬بشري‭ ‬وليس‭ ‬طبيعة‭ ‬أو‭ ‬فطرة،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬شعب‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للثقافة،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬شعب‭ ‬مثقف‭ ‬بطبعه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للآداب‭ ‬والفنون‭ ‬رسالة‭ ‬ثقافية‭ ‬تقدمية‭ ‬وتنويرية‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالأذواق‭ ‬وصقل‭ ‬الأذهان‭ ‬وترقية‭ ‬السلوك‭ ‬والرقي‭ ‬الإنساني،‭ ‬وينبغي‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬وظيفة‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬إحياء‭ ‬النماذج‭ ‬الفجة‭ ‬المتخلفة‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬الغوغائية‭ ‬تحت‭ ‬الشعار‭ ‬الزائف‭ ‬الذي‭ ‬يفهم‭ ‬الثقافة‭ ‬فهما‭ ‬خاصاً‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬سلوكيات‭ ‬أكلة‭ ‬لحوم‭ ‬البشر‭ ‬وأنماط‭ ‬حياتهم‭ ‬المتوحشة‭ ‬والثقافة‭ ‬الرفيعة،‭ ‬تحت‭ ‬دعوى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬سلوك‭ ‬للبشر‭ ‬يسمى‭ ‬ثقافة‭.‬

إننا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬التقويمي‭ ‬للثقافة،‭ ‬لأن‭ ‬شعوبنا‭ ‬تعاني‭ ‬التخلف‭ ‬والفقر‭ ‬والمرض‭ ‬والجهل،‭ ‬وليس‭ ‬لدينا‭ ‬ذلك‭ ‬الترف‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬بحث‭ ‬سلوكيات‭ ‬البشر‭ ‬مثلما‭ ‬تبحث‭ ‬سلوكيات‭ ‬فئران‭ ‬التجارب‭ ‬أو‭ ‬السلاحف،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬منعطف‭ ‬حضاري‭ ‬وثقافي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تسخر‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرقي‭ ‬والتقدم‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والعشوائية‭ ‬وفساد‭ ‬الأذواق،‭ ‬فالمعركة‭ ‬ليست‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬وأخرى،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬ولا‭ ‬ثقافة،‭ ‬وهذه‭ ‬لها‭ ‬خطابها‭ ‬وتلك‭ ‬لها‭ ‬خطابها،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬اللاثقافة‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬بحث‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬عملاً‭ ‬بمقولة‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬حذيفة‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬يسألون‭ ‬النبي‭ [ ‬عن‭ ‬الخير،‭ ‬وكنت‭ ‬أسأل‭ ‬عن‭ ‬الشر‭.‬

‭ ‬

اللاثقافة

اللاثقافة‭ ‬نقيض‭ ‬الثقافة،‭ ‬ولها‭ ‬خطابها‭ ‬مثلما‭ ‬للثقافة‭ ‬خطابها،‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬غير‭ ‬المثقفين،‭ ‬وهم‭ ‬كثر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬خطاباتهم‭ ‬تهدد‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إفساده‭ ‬أو‭ ‬تعطيله،‭ ‬وهي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭:‬

النوع‭ ‬الأول‭: ‬الخطاب‭ ‬الفوضوي،‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬جحافل‭ ‬المهمشين‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العشوائيات‭ ‬وسكان‭ ‬القبور‭ ‬والعاطلين‭ ‬وأطفال‭ ‬الشوارع‭... ‬إلخ،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬نتيجة‭ ‬لوجودهم‭ ‬في‭ ‬تجمعات‭ ‬منعزلة‭ ‬كوَّنوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬قيماً‭ ‬خاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وأعرافاً‭ ‬وتقاليد‭ ‬ولغة‭ ‬خاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وتعتمد‭ ‬خطابات‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الانصياع‭ ‬للقانون‭ ‬والنظام،‭ ‬وعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالأعراف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الذوق‭ ‬العام،‭ ‬وعلى‭ ‬اللامبالاة‭ ‬وعدم‭ ‬النفور‭ ‬من‭ ‬القبح‭ ‬والميل‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والتخريب‭ ‬والتمرد،‭ ‬والجفاء‭ ‬في‭ ‬الطبع‭ ‬واستمراء‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬دون‭ ‬وازع،‭ ‬وسهولة‭ ‬التبعية‭ ‬المأجورة،‭ ‬فهم‭ ‬دائماً‭ ‬تحت‭ ‬الطلب‭ ‬لمن‭ ‬يدفع‭ ‬أكثر،‭ ‬كما‭ ‬يتصفون‭ ‬بعدم‭ ‬الإحساس‭ ‬بالهوية‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭ ‬أو‭ ‬الأسرية،‭ ‬ولا‭ ‬يتقنون‭ ‬العمل‭ ‬ولا‭ ‬يحبون‭ ‬الالتزام،‭ ‬بل‭ ‬االفهلوةب،‭ ‬وهم‭ ‬يسنون‭ ‬بعض‭ ‬القوانين‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭ ‬واللغة‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬مثل‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمونها‭ ‬في‭ ‬التحية‭ ‬واللقاء‭ ‬والوداع‭ ‬والعتاب‭ ‬والشجار‭ ‬والمصالحة‭. ‬وهؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬هم‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للفوضى‭ ‬والتخريب‭ ‬والفساد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قيمهم‭ ‬هي‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬الثقافة‭ ‬ويعطل‭ ‬تطوير‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬بل‭ ‬يهدد‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭.‬

وقد‭ ‬رصد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬وصناع‭ ‬السينما‭ ‬وكتاب‭ ‬المسرح‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬اللاثقافة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أعمالهم،‭ ‬ويمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يجريها‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭.‬

النوع‭ ‬الثاني‭:‬‭ ‬الخطاب‭ ‬الرجعي،‭ ‬هؤلاء‭ ‬لهم‭ ‬خطابهم‭ ‬الذي‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬لأن‭ ‬خطابهم‭ ‬طقوسي‭ ‬متزمت‭ ‬وأحياناً‭ ‬إرهابي،‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬الحوار،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الطقوس‭ ‬والخرافات‭ ‬والأساطير‭ ‬وعقائد‭ ‬أصحاب‭ ‬الشروح،‭ ‬ولا‭ ‬يعترفون‭ ‬بثقافة‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولا‭ ‬يقبلون‭ ‬بوجودهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يصطدمون‭ ‬بقيم‭ ‬المجتمع‭ ‬وثقافته‭ ‬ونظامه،‭ ‬لأنهم‭ ‬يقدسون‭ ‬النصوص‭ ‬والتاريخ‭ ‬والأضرحة‭ ‬والموتى‭.‬

النوع‭ ‬الثالث‭:‬‭ ‬الخطاب‭ ‬التسلطي،‭ ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬التعليمي‭ ‬الأبوي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التلقين‭ ‬والقهر،‭ ‬والخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬السحري‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬والوعي‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬التزييف‭ ‬والكذب‭ ‬والتسلط‭ ‬والنفاق‭ ‬وحجب‭ ‬الحقائق‭.‬

هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬الثلاثة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬بالخطابات‭ ‬اللاثقافية،‭ ‬لأنها‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬المفهوم‭ ‬التنويري‭ ‬لخطاب‭ ‬الثقافة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬دراستها‭ ‬مهمة‭ ‬لتجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬النظري‭ ‬المتعالي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬الواقعي‭ ‬التطبيقي‭.‬

 

البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬للاثقافة

‭ ‬نسبة‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬مرتفعة،‭ ‬والفقر‭ ‬والمرض‭ ‬والجهل‭ ‬متفشٍ،‭ ‬وما‭ ‬يتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عشوائية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى،‭ ‬وتدن‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬والتعليم،‭ ‬ومنذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وانهيار‭ ‬الحلم‭ ‬القومي‭ ‬إثر‭ ‬النكسة،‭ ‬شهدت‭ ‬البلاد‭ ‬انفتاحاً‭ ‬للرأسمالية‭ ‬المتوحشة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الرأسمالية‭ ‬أصبحت‭ ‬الأدوات‭ ‬الثقافية‭ ‬مجرد‭ ‬مخالب‭ ‬لنهش‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المستهلكين،‭ ‬فارتفعت‭ ‬قيم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والاستيراد‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج،‭ ‬وتحول‭ ‬الفن‭ ‬إلى‭ ‬دعاية‭ ‬للترويج‭ ‬التجاري‭ ‬أو‭ ‬للربح،‭ ‬وارتفعت‭ ‬قيمة‭ ‬التأثير‭ ‬والمتعة‭ ‬الجسدية‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقيمة‭ ‬الجمال،‭ ‬وصعد‭ ‬المهرجون‭ ‬وخفت‭ ‬صوت‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬والسينما،‭ ‬وتحولت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬إلى‭ ‬أبواق‭ ‬تتملق‭ ‬الجماهير‭ ‬والسلطة‭ ‬وتعمل‭ ‬لمصلحة‭ ‬أصحاب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬والسماسرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬وجدت‭ ‬الطبقات‭ ‬الطفيلية‭ ‬وأنصاف‭ ‬الموهوبين‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للتسلق،‭ ‬وارتفع‭ ‬خطاب‭ ‬اللاثقافة‭ ‬لكتم‭ ‬أنفاس‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬سمات‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ظاهرة‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬ويمكن‭ ‬إجمال‭ ‬هذه‭ ‬السمات‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ - ‬ظاهرة‭ ‬تحقير‭ ‬المثقفين،‭ ‬مثل‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬والعلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬وأساتذة‭ ‬الجامعة‭ ‬وإهانتهم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يوقر‭ ‬فيه‭ ‬الجهال‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬اابن‭ ‬البلد‭ ‬الأصيلب‭.‬

2‭ - ‬عدم‭ ‬الحرج‭ ‬من‭ ‬الجهل‭ ‬اللغوي‭ ‬أو‭ ‬المعرفي،‭ ‬بل‭ ‬التباهي‭ ‬بعدم‭ ‬المعرفة‭.‬

3‭ - ‬الجهل‭ ‬بالتقاليد‭ ‬الفنية‭ ‬والتخبط‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والمسرح‭ ‬والقصة‭.‬

4‭ - ‬الهبوط‭ ‬الذوقي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬واستعارة‭ ‬كبار‭ ‬القوم‭ ‬لمعجم‭ ‬الشتائم‭ ‬من‭ ‬العشوائيات‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المسموعة‭ ‬والمرئية‭ ‬والمقروءة‭.‬

5‭ ‬‭- ‬شيوع‭ ‬ظواهر‭ ‬القبح‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وفي‭ ‬المساكن‭ ‬والملابس‭.‬

6‭ - ‬شيوع‭ ‬الفكر‭ ‬النفعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بالقيم‭ ‬واستباحة‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الإعلام‭ ‬السيئ‭ ‬إحدى‭ ‬أدوات‭ ‬الترويج‭ ‬للخطاب‭ ‬اللاثقافي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬الفنون‭ ‬الهابطة‭ ‬واللغة‭ ‬الركيكة‭ ‬والقدوة‭ ‬السيئة‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬كان‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬لازدهار‭ ‬الخطابات‭ ‬اللاثقافية‭ ‬الثلاثة‭ ‬السابقة‭ ‬والتلاقح‭ ‬بينها،‭ ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعدما‭ ‬انفجر‭ ‬صمام‭ ‬القمقم‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭ ‬2011،‭ ‬فانفجرت‭ ‬بالوعة‭ ‬اللاثقافة،‭ ‬وارتفع‭ ‬زعيق‭ ‬غير‭ ‬المثقفين،‭ ‬وخفت‭ ‬صوت‭ ‬المثقف‭ ‬كأنه‭ ‬موسيقى‭ ‬هادئة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬مسموعة،‭ ‬بين‭ ‬صليل‭ ‬السيوف‭ ‬ودوي‭ ‬طلقات‭ ‬المدافع‭.‬

إننا‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬الثقافة،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الوحش‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬لا‭ ‬ثقافة‭ .