اضطراب القلق بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي

اضطراب القلق بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي
        

          القلق شعور ينتاب كل فرد من فترة إلى أخرى، لكن لابد أن نفرق في هذا الصدد بين نوعين من القلق، هما القلق الصحي والقلق المرضي. القلق الصحي هو الذي يدفع الفرد إلى إنجاز عمله على أكمل وجه مثل الطالب الذي يقلق من الامتحان فيعمل هذا على كثرة استذكار هذا الطالب فهو قلق مفيد للفرد، أما القلق المرضي فهو على النقيض تمامًا لأنه يعمل على عرقلة دافعية الفرد وزيادة خوفه وتوتّره وإعاقته عن تأدية عمله.

          القلق حالة وجدانية غير سارة تتسم بالخوف والتوجس وتوقع الأخطار والكوارث، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأخطار حقيقية بل يكفي أن يراها الفرد كذلك. والقلق خبرة عامة عانى ويعاني منها كل فرد دون استثناء. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد: كيف أعرف أنني مصاب باضطراب القلق؟ ونحن نتحدث هنا عن القلق المرضي «العصاب» Neurosis وتتمثل أعراضه فيما يأتي : يتميز أصحاب هذا الاضطراب بعدم الاستقرار النفسي وتقلب المزاج والانفعال الشديد، والقلق والخوف من أشياء لا يخاف منها الفرد العادي في الحياة، كذلك يتميزون بالانزعاج الشديد من أبسط الأمور المستقبلية وهذا على المستوى الانفعالي. وهناك أعراض على المستوى الفسيولوجي يتميز بها الشخص المصاب بالقلق العصابي, منها سرعة دقات القلب، الدوخة، جفاف الفم، العرق الشديد، الغثيان، صعوبة التنفس، تصلب العضلات، ارتعاش الأطراف والأصابع.

          ولهذا نجد المصابين بالقلق عادة يشكون من توتر العضلات، وآلام الظهر وتقلبات المعدة وما يصحب ذلك من اضطرابات الهضم, أما إذا تحدثنا عن سمات الأشخاص المصابين بالقلق فسنجد أنهم يمتازون بالتوقعات السلبية للمستقبل ولذلك فقد وصف العالم الأمريكي المعاصر «ألبرت إليس» هذا التفكير القلق بأنه من النوع «الكارثي Catastrophic», وأصحابه كذلك يتسمون بالتعميم المتطرف, وكذلك المبالغة الزائدة التي تؤدي إلى استنتاجات «كارثية».

          إن اضطراب القلق من الاضطرابات الأساسية للأمراض النفسية، حيث يعد القلق بطانة الأمراض النفسية. ولعل هذا العصر الذي نعيش فيه يعد عصر القلق والأمراض النفسية المختلفة على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل. ويجد هذا الاضطراب تربة خصبة لينمو خاصة في الدول العربية وما يحدث فيها من صراعات وثورات وأزمات، كل هذا يؤدي إلى زيادة الضغوط والقلق عند المواطن العربي الذي يحمل على كاهله الكثير من الضغوط والاضطرابات النفسية وأولها القلق والخوف من المستقبل.

العلاج الطبي للقلق وآثاره الجانبية

          العلاج باستخدام العقاقير المضادة للقلق سلاح ذو حدين، فالعقاقير تخفف من حدة الأعراض ولكنها تؤدي إلى نتائج جانبية غير مرغوبة وخطيرة، كذلك يتوقف نجاح العلاج الطبي على نوع القلق وكذلك مدى استجابة الجسم لهذا العقار. ولهذا فإن العلاج الطبي لابد أن يكون مرحلة لتخفيف الأعراض وغير مستحب أن يعتمد عليه كليّا في علاج اضطراب القلق.العقاقير التي يصفها الأطباء لمرضى حالات القلق تدخل تحت مسمى العقاقير المسكنة أو المهدئة Tranquilizers وتكون مهمتها تخفيض وتسكين مستوى القلق والتوتر وهذا راجع إلى أنها تؤثر على المخ ومراكز الاستثارة في الجهاز العصبي. وتنقسم العقاقير المضادة للقلق إلى المهدئات الصغرى Minor Tranquilizers في مقابل المهدئات العظمى Major Tranquilizers.

          ومن أشهر المهدئات المستخدمة للتخفيف من القلق والتوتر دون أن تسبب الآثار الجانبية والنوم إذا أخذت في جرعات صغيرة ما يسمى بمعوقات بيتا Beta Blockers وقد بدأ استخدم معوقات بيتا كوسيلة لعلاج ارتفاع ضغط الدم بسبب تأثيرها المعوق لنشاط الأعصاب «المعروفة باسم بيتا». وقد تبين للأطباء أن هذه المركبات تصلح للتخفيف من القلق، خاصة إذا تمثلت الأعراض الرئيسية للقلق في زيادة خفقان القلب والاستثارة والتوتر العضلي والتنفس السريع والعرق، أي الأعراض المرتبطة بنشاط الجهاز الاستثاري.

          كذلك يستخدم كل من البنزوديازبين Benzodiazepine وفاليوم Valium ولبيريوم Librium وأتيفان Ativan ودالمين Dalmone، في علاج حالات القلق الاستباقي (التوجس والريبة وتوقع الشر) والقلق التالي للضغوط والخبرات الصدمية (كأعراض الأرق والكوابيس الليلية التالية)، و«العكننة» المزاجية التالية للخبرات الصدمية كالوفاة، الانفصال، الكوارث المالية والفشل. وعلى الرغم من فاعلية هذه العقاقير في علاج اضطرابات القلق الشديد إلا أن لها آثارًا جانبية على الشخص أولها أنها لا تعالج المشكلة جذريّا فهي تخفف من حدة القلق والتوتر عند الاستخدام ولكن يبقى الاضطراب موجودًا دون حل جذري، ولهذا هناك ما يشبه الاتفاق بين الأوساط الطبية العلمية على وصف العلاج الطبي بالعقاقير على أنه عملية ضبط وليس عملية شفاء بالمعنى المتعارف عليه، كما أن هناك مشكلة أخرى وهي تفاوت الاستجابات بين شخص وآخر للعلاج والعقاقير فهي تعطي نتائج إيجابية لدى شخص والعكس تماما لدى شخص آخر وهذا يعتمد على مدى قابلية الجسم لهذا العقار.. فضلاً عن الآثار الجانبية الأخرى التي تحدثها هذه العقاقير، منها النعاس والدوخة وضعف التآزر الحركي. فضلاً عن تأثيراتها المؤقتة على العمليات الانفعالية العقلية العليا، بما في ذلك إصابة الذاكرة بالضعف والتوهان. كذلك تؤدي أدوية معوقات بيتا Beta Blockers إلى أمراض جسمانية إذا ما أعطيت دون حذر وذلك مثل الربو، ضعف التنفس وغيرهما من أمراض الرئة. وتؤدي الجرعات الكبيرة من هذه العقاقير إلى الإدمان والإصابة بالاكتئاب والتسمم وزيادة الجرعة تدريجيًا بعد حدوث عملية التعود أو التشبع، لكي تعطى الفاعلية المطلوبة وهذا ما يسمى «بالتحميلTolerance» لوصف التزايد التدريجي في استخدام المهدئات من جرعات صغيرة إلى جرعات أكبر، وكل ذلك يساهم في مضاعفة القابلية للإدمان أو الاعتماد على الأدوية.

العلاج النفسي للقلق

          بعد أن تحدثنا عن العلاج الطبي للقلق لابد من إلقاء الضوء على العلاج النفسي للقلق. ومن أهم أنواع هذا العلاج العلاج بالتحليل النفسي وهو منهج الطبيب المشهور سيجموند فرويد، يهدف هذا النوع من العلاج إلى التخلص من أعراض القلق من خلال الكشف عن الأسباب النفسية الكامنة وراءها والذي يؤدي بدوره إلى استبصار المريض أسباب مرضه والتخلص منه.

          لأن الصراعات النفسية الكامنة هي المسئولة أساسًا عن إثارة القلق عند الأفراد، ومهمة هذا النوع من العلاج أن يكشف الستار عن هذه الصراعات أمام المريض.

          وهناك منهج معاصر وهو المنهج السلوكي في علاج حالات القلق وهو يرتكز على أربعة محاور في علاجها وهي:

          أولاً: الموقف الذي يثير القلق «امتحان، لقاء مهم، مستقبل يتسم بالغموض والتهديد..إلخ».

          ثانيًا: التغيرات الانفعالية غير السارة التي تصاحب القلق «سرعة ضربات القلب، انقباض المعدة، الغثيان، صعوبة التنفس.. إلخ».

          ثالثًا: الجوانب الذهنية والفكرية، أي مجموعة الأفكار والمعتقدات لدى الفرد «وتتسم معتقدات الشخص في حالات القلق بالمبالغة، وإدراك مخاطر لا أساس لها».

          رابعًا: المظهر أو السلوك الاجتماعي «الذي يصف الشخص القلق في تفاعلاته اليومية كالخجل والانزواء والتردد وتجنب الآخرين».

          ولنجاح العلاج الفعال للقلق يجب أن نواجه كل جانب من هذه الجوانب الأربعة على حدة أو كلها مجتمعة. وهذا عن طريق تعليم المريض كثيرًا من المهارات وتعديل بعض طرق التفكير للأشياء والمواقف وتعرّضه التدريجي للمواقف التي تثير القلق لديه، واستخدام تمارين الاسترخاء والعمل على تفسير المواقف بشكل عقلاني والحد من المبالغات والنظرة التشاؤمية للمستقبل وهذه هي مهمة المعالج النفسي تجاه المريض.

          خلاصة القول أن العلاج الطبي يكتسب أهمية خاصة عندما تكون مصادر الاضطراب مرتبطة بزيادة النشاطات الاستثارية الانفعالية في الجهاز العصبي، ومن ثم يكون البدء بالعقاقير المهدئة لنشاط الجهاز العصبي ضرورة، حتى تتاح لنا فرصة الانتباه للجوانب الأخرى من الشخصية, بما فيها تدريب الشخص على السلوك الاجتماعي المرن والفعال، وتعويده تدريجيّا على ضبط انفعالاته وقدراته على تحمّل الصعاب وما يظل معه مدى الحياة ويصبح سمة من سمات شخصيته.
-------------------------------
* معالج نفسي من مصر.

------------------------------------

ماذَا يصيرُ إليكِ يَا أرضُ
                              مِمنْ غَزاهُ اللّينُ، وَالخَفْضُ
أبْهَرْتِ مَنْ وَافَتْ مَنِيّتُهُ،
                              وكانَ حُبَّ حبيبِهِ بُغْضُ
عَجَباً لِذي أمَلٍ يُغَرّ بِهِ،
                              وَيَقينُهُ بِفَنَائِهِ نَقْضُ
ولكُلّ ذي عَمَلٍ يَدينُ بهِ،
                              يَوْماً عَلَى دَيَّانِهِ عَرْضُ
يَا ذا المقيمُ بمنزلٍ آشِبٍ
                              وَمَقامُ ساكِنِهِ بهِ دَحْضُ
مَا لابْنِ آدَمَ فِي تصرُّفِ مَا
                              يجْرِي بهِ بَسْطٌ ولاَ قَبْضُ

أبو العتاهية

 

وائل يوسف*