الشره العصبي (البوليميا)

يختلف الشره العصبي La Buolimie عن الصورة الشعبية المكونة عنه، إذ لا يتعلق الأمر بإفراط في الأكل خلال وجبة في الأعياد، حيث يتم التهام كميات كبيرة من الطعام لدرجة الإحساس بالانزعاج، كما لا يتعلق الأمر أيضاً بالأكل كل الوقت، كما هي الحال في «اللقمشة» Le Grignotage؛ حيث يُستبدَل بالوجبات الغذائية، وبشكل كامل، أكل لا توقيت له ولا نسق يؤمّن الشبع ويسد الجوع.
الشره العصبي هو اضطراب في السلوك الغذائي يتميّز بنوبات يخضع المصاب خلالها لإحساس مفرط بالجوع، وهو يصيب عشر نساء مقابل رجلين (10 إناث/ 2 ذكور)، مع فترة ظهور أساسية تقع ما بين 18 و20 عاماً.
تشبه نوبات الشره العصبي لحظات يفقد الفرد خلالها، وبشكل حاد، قدرته على ضبط عملية الأكل، ويحس بحاجة طارئة إلى الأكل، يعجز عن السيطرة عليها، الأمر الذي يدفعه لالتهام كميات ضخمة من الطعام في وقت قليل (خلال أقل من ساعتين غالباً). وعادة ما تتبع هذه النوبات عملية إعادة التخلص من الطعام بوسيلة ما مثل القيء العمد أو الإفراط في استخدام الملينات، وعادة ما يكون تناول الطعام في فترة ما بين النوبات مقيداً. هذه الممارسة للإفراط في الطعام والتخلص منه بعد ذلك تذكر بطقوس النهم الرومانية، وهي تبدو مستقرة لدى بعض الفئات الفرعية من مرضى فقدان الشهية العصبي.
وقد استخدمت في الماضي، مجموعة من المصطلحات لهذه الحالة، من بينها «التشوش الغذائي» و«الأكل القهري»، إلا أن روسل
(1979 Russel) هو أول من استخدم مصطلح «الشره العصبي».
ويمكن التحدث عن هذا الشره، حسب بيرو (2001 Perroud) حين تتوافر المؤشرات التالية: النوبة (أي فقد القدرة على التحكم في عملية الأكل) وهي المؤشر الرئيس والضروري لتشخيص الاضطراب، لكنها تبقى غير كافية، إذ تجب إضافة ثلاثة محكات أخرى لابد من توافرها؛ وهي: الإجراءات التعويضية (كالتقيؤ المثار ذاتياً، أو إساءة استخــدام الملينات أو مدرّات البول أو الحقــن الشرجــــية أو أي عقاقير أخرى، أو اللــــجوء إلى الصوم، أو الإفراط في أداء التمرينات الرياضيــة)، تواتر هذه الإجراءات (نوبتان في الأسبوع منذ - على الأقل - ثلاثة أشهر) وانعكاسها السلبي على احترام الذات.
في اضطرابات السلوك الغذائي، ليس الاحترام الشخصي هو المصاب بالاضطراب، وهذه حالة مشتركة في مختلف المشكلات النفسية، بل هو الشعور بالقيمة الشخصية الذي يرتبط مباشرة بالوزن والقامة. ويبدو أن مختلف المحكات الأخرى للقيمة الشخصية تأتي في الخلفية، هذا إن لم تكن من دون قيمة، فالنحافة تبدو الضمانة الوحيدة للنجاح التفاعلي والجذب الشخصي، وضبط الوزن يبدو، هو الآخر، البرهان على أننا جيدون.
ويبدو الاهتمام منصباً بشكل تام على الوزن وشكل الجسم، فالبدانة هي علامة ضعف، ويفسّر ذلك تعدد محاولات الفرد وزن نفسه بالميزان مرات عدة في اليوم. وكل جزء من أجزاء الجسم هو موضع مراقبة من دون أي مراعاة، يضاف إلى ذلك غالباً كره حقيقي لبعض أجزاء هذا الجسم (البطن أو الفخذان أو... إلخ)، كراهية قد تُعمَّم في عدائية ضد الجسم أحياناً.
الشره العصبي نوعان: النوع الأول وهو الملاحَظ عند 50 في المائة من المصابين بفقد الشهية العصبي الذين يسيئون لجسدهم بفعل تعاقب الحرمان من الغذاء مع الإفراط فيه، والنوع الآخر يُترجم، أيضاً، علاقة مضطربة مع الغذاء ومع إحساس الفرد بأنه ليس على ما يرام، إنما دون رغبة في التدمير الذاتي. يحافظ المصابون الذي يلجأون إلى التقيؤ الذاتي على وزن طبيعي، في حين تزداد أوزان الآخرين.
تطور الاضطراب
صحيح أن الشره العصبي يُحدث ألماً، لكن تأثيره في الصحة يبقى محدوداً، إذ كشفت الدراسات الحديثة عن وجود مضاعفات وتأثيرات نفسية وفيزيقية مقبولة نسبياً... حوالي 90 في المائة من المصابين بدوا قادرين على السيطرة على مشكلتهم قبل مرور 5 سنوات.
الأسباب
الأسباب الكامنة وراء الشره العصبي متعددة، بعضها مولِّد للاضطراب وآخر مسهِّل له.
أ - العوامل المولّدة للاضطراب:
- نمط الغذاء المعتمد مع الطفل (تعلّم، أو لا، عادات غذائية جيدة).
- الصورة السيئة للذات.
ب - العوامل المسهِّلة له:
- من المعروف أن الارتباط بين الشره العصبي والصدمات (أو الرضّات) Traumas الفيزيقية والعاطفية، إثر صدمة أو إثر مشكلات عائلية أو مهنية، شديد التواتر وبنسبة أكثر ارتفاعاً بكثير من ارتباط فقد الشهية بها.
- ينجم الشره العصبي، غالباً، عن التقاء 3 عناصر:
1 - مجتمع يدفع للاستهلاك لكنه يقيّم النحافة في الوقت نفسه.
2 - وسط عائلي خاص (صراعات لم يتم حلّها، نقص في الإصغاء... إلخ).
3 - قـــــابــــلية شخــــصيـــــــة للــــــعطب Vulnérabilité.
اللوحة العيادية:
- يلتهم المصاب كل شيء وأي شيء.
- يبتلع كميات هائلة ومشبعة بالسعرات الحرارية Calories (كاستجابة نزوية).
- يطهّر جسده من هذه السعرات عن طريق التقيؤ.
- يحدث الشره (العصبي) في العزلة بعيداً عن نظر الآخرين.
- طريقة خاصة في الأكل: يبلع المصاب الأكل من دون مضغ وبنَهَم (بشراهة) Goulument ولا يتذوق الغذاء الذي يتناوله بل يأكله بسرعة كبيرة.
ويمر المصاب بالشره العصبي، عموماً، بثلاث مراحل:
- ما قبل النوبة، وتتميز بـ: إحساس خاص بالتوتر المضني، إثارة تمهيدية ملونة بالقلق والاستثارة، نقص الغذاء والبحث عنه.
- النوبة، وتتميز بـ: فقدان الضبط، ابتلاع آلاف السعرات الحرارية في وقت قصير جداً (أطعمة مالحة محلاة بالسكر)، إحساس بآلام جسمية (في المعدة بشكل خاص)، عمليات تقيؤ: إرادية أو ذاتية في البداية، ثم آلية، يتبع ذلك إحساس بالارتياح ملوّن بالخجل.
- ما بعد النوبة، وتتميز بـ: خجل، شعور بالذنب وتأسّف، رغبة في إيقاف النوبات مع عجز عن تحقيق ذلك، إذ دخلت النوبات في إطار العادة، تعب، اكتئاب، قلق، انقطاع الحيض.
ملاحظة: يغلب تشخيص «فقد الشهية» على تشخيص «الشره العصبي»، أي يجب أن تحدث نوبات الشره خارج إطار فقدان الشهية ليكون التشخيص «شرهاً عصبياً».
مخاطر/ انعكاسات
هذه الانعكاسات متعددة ومتنوعة، من أهمها: تعرّض الفرد لمشكلات في الأسنان (تصفر) واللثة، (انتفاخ) Ballonnements، اختلال توازن نمط القلب، مشكلات هضمية، مشكلات انفعالية، اكتئاب، قلق، عُصاب وسواسي... إلخ.
تجدر الإشارة إلى أن شابة من اثنتين تعانيان فقد الشهية العصبي قد تتطور حالتها، بعد سنتين، باتجاه الشره العصبي النموذجي: فالاضطرابان، كما كشفت دراسات حديثة، يشتركان في قواسم مشتركة، حيث من السهل جداً انتقال المريض من أحدهما إلى الآخر خلال مجرى حياته.
ومن المعروف، أيضاً، أن هناك علاقة وثيقة بين فقد الشهية العصبي، (الشره العصبي) والوسواس القهري.
ما ينبغي فعله/ العلاج
- البدء بتحسّن متواضع: بدلاً من محاولة إيقاف عملية التقيؤ بشكل كامل، من المفضّل القيام بخفض تدريجي لتواترها، وتدوين أحاسيسنا حين ننجح في ذلك.
- خفض تناول المسهّلات Laxatifs ومدرّات البول Diruétiques.
- أكل كميات قليلة: فالهدف هو فصل عملية استهلاك الغذاء عن عملية التقيؤ التي تتبعها بشكل آلي.
- تجنّب العزلة.
- ممارسة الاسترخاء.
- عدم ترك البرّاد مليئاً بالأطعمة.
- عدم التقيؤ: حتى في حال التعرّض لنوبة، ينبغي عدم التقيؤ بعد الأكل.
- تجنّب تناول الكحول أثناء الصوم عن الطعام.
ما لا يجب فعله (بالنسبة للأهل بوجه خاص)
من المهم جداً عدم تحميل أنفسهم مسؤولية اضطراب الطفل، وعليهم، بشكل خاص، السهر على احترام الطفل أو المراهق من خلال الإرشادات السابق ذكرها.
ملاحظة: بدلاً من منع التمارين الفيزيقية على الأفراد الذين يعانون اضطرابات السلوك الغذائي، لا بد من تشجيعهم على ممارستها بشكل معتدل وتجنب كل إفراط. لكن، من المفضّل ممارسة أنشطة الاسترخاء.
لا بد من لفت الانتباه إلى واقع ازدياد نسبة انتشار البدانة عند الأطفال، بشكل ملموس، خلال السنوات الأخيرة. وبشكل موازٍ، مع ازدياد عدد البرامج المعدّة للأطفال، مع ازدياد عدد الساعات التي يقضيها هؤلاء أمام التلفزيون (يشاهد الأطفال المعاصرون التلفزيون أكثر من 4 ساعات في اليوم).
وقد كشفت دراسات حديثة متعددة عن ارتباط ازدياد خطر السمنة (البدانة Obésité)، بشكل دال وإيجابي، بعدد ساعات مشاهدة التلفزيون، يضاف إلى ذلك، نمو الدعاية المركّزة على الأطعمة ذات النوعية الفقيرة بالضروريات الغذائية والموجّهة للأطفال بشكل كبير... ألا تعزّز هذه الرسائل كمية استهلاكها؟ وألعاب الفيديو اشتملت هي الأخرى، وبشكل ملموس، على نشاط ساهم، وبمقدار كبير، في خفض الوقت المخصص للنشاط الفيزيقي. ثم، من شأن مختلف الدعايات والبرامج التي يبثّها التلفزيون تنمية عادات غذائية مؤذية، وأحياناً نهائية، عند الطفل. باختصار، بدا تأثير التلفزيون على نمو السمنة عند الطفل واضحاً، إن بفعل نوعية البرامج المعدّة له أو بفعل الوقت الطويل الذي يقضيه أمام الشاشة، حيث يبدو الأهل بعيدين كل البعد عن إمكان أو حتى إدراك أهمــية تحقيق التوازن اللازم بـيـــن فرضهم معدلاً منطقياً يســـمحون للطفل خلاله بمشاهدة التلفزيون أو ممارسة ألعاب الفيديو من جهة، وتوجيهه باتجاه التفاعل الجدي والفعلي مع أمثاله من الرفاق، وبشكل خاص، باتجاه تقاسم ألعاب فيزيقية الطابع معهم، من جهة أخرى.
من المنطقي، بالتالي، أن يساهم تنظيم هذه البرامج والدعايات في تحسين الرسائل الموجهة للأطفال تجنباً لنمو مثل هذه العادات الغذائية المؤذية، وأحياناً النهائية، ومن المفضّل، أيضاً، أن يمارس الأهل ضبطاً أكبر على المستويين، النوعي والكمي، للبرامج التي يشاهدها أطفالهم، وكذلك القول بالنسبة للمسؤولين الذين تقع عليهم مسؤولية ضبط البرامج الموجهة للشبيبة.
تجدر الإشارة أخيراً إلى وجوب تشخيص الاضطراب الذي يعانيه الفرد وتحديده بشكل دقيق (سمنة، شره عصبي، فقد شهية... إلخ؟)، بالإضافة لوجوب وضع الخطة العلاجية الملائمة له، ثم تقييم البرنامج العلاجي المستخدم. ولتحقيق ذلك، هناك مقاييس سيكومترية متنوعة تمّ تصميمها خصوصاً لقياس هذا النوع أو ذاك من السلوكيات الاضطرابية. وفي مجال السلوك الغذائي، هناك اختبارات صُمِّمت لقياس مختلف أنواع اضطرابات السلوك الغذائي، على المعالج النفسي اختيار المقاييس الملائمة منها، التي تمكّنه من تشخيص الاضطراب الذي يعانيه من يقف إلى جانبه.
أخيراً، تعتبر المقابلة المقنّنة، كما والملاحظة الذاتية، من التقنيات المهمة جداً للتشخيص وللعلاج في آنٍ معاً ■