حقائق ومبادرات توظيف العلوم والتقانة لمحاربة الفقر والبطالة في الوطن العربي
على الرغم من كثرة الحديث عن الدور الحيوي الذي يؤديه كل من العلم والتقانة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة، فإنه لا يوجد حتى الآن نظام بحثي وتطويري عربي متكامل لتوجيه البحث العلمي والاستفادة من ثماره نحو حل مشكلة الفقر والبطالة التي يعاني منها الملايين في الوطن العربي.
ولربما كانت كلمات الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، التي ألقاها في القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية الثانية، التي عقدت في شرم الشيخ بمصر في يناير 2011، معبرة عن تلك الحالة المأساوية حين قال: «النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية، التي تزخر بالإشارة إليها تقارير دولية وتقارير الأمم المتحدة بصفة خاصة».
وثمة جهود عديدة تبذلها الجهات الرسمية في الدول العربية، إضافة إلى مؤسسات من القطاع الخاص وجمعيات النفع العام، للحد من تفاقم ظاهرتي البطالة والفقر في الوطن العربي، والتخفيف من آثارهما على المجتمعات العربية، لاسيما فئة الشباب والمرأة، مع الحرص على توظيف العلوم والتقانة من أجل المساهمة في إيجاد حلول إبداعية وابتكارية لتوظيف الشباب ومعالجة الفقر والحد من تداعياته.
بطالة الشباب العربي
أظهرت عديد من التقارير الدولية وجود قوة بشرية هائلة من الشباب المؤهل الواعد، الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً وتتجاوز نسبتهم 40 في المائة من تعداد السكان في الوطن العربي، وهذه الأعداد الغفيرة يمكنها، إذا توافرت لها مقومات النجاح، تحقيق النهضة المنشودة من خلال ألفية المعرفة، لتضييق الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية ودول العالم المتقدم. لكن نظراً لعدم توافر مقومات النجاح للشباب العربي من خلال التعليم الجيد، وكذلك من خلال بناء الاقتصاد المعرفي القادر على توفير وظائف للشباب، فقد ارتفعت نسب البطالة وانتشر الفقر في دول عربية عدة.
وتدعيماً لذلك فقد رصد تقرير لمنظمة العمل العربية عنوانه «التشغيل والبطالة في البلدان العربية... التحدي والمواجهة» ظاهرة البطالة بين الشباب العربي المتعلم، حيث وجد أن فرص المتعلمين في العمل محدودة مقارنة بغيرهم؛ فمعدلات البطالة بين الأميين كانت في حدود آمنة، وفي المقابل فإن معدلات البطالة بين ذوي التعليم المتوسط عالية جداً، والأمر الأكثر خطورة أن هذه المعدلات بين حملة الشهادات الجامعية أصبحت مرتفعة هي الأخرى، فقد بلغت 26.8 في المائة في المغرب، و19.3 في المائة في الجزائر، و17.7 في المائة في الأردن، وأعلى من المعدل العام للبطالة في مصر. وذكر التقرير أن هذه المعدلات المخيفة تشير إلى هدر مؤلم للتعليم والأموال الضخمة المنفقة عليه، وكشف عن عدم توافق صارخ للتعليم مع حاجات سوق العمل, وعن توجهات تنموية سائدة تحتاج إلى تصحيح، والأسوأ من ذلك ما صنعه هذا الواقع المؤلم من رؤية سلبية مجتمعية للتعليم الجامعي.
وأكد ذلك تقرير آخر عنوانه «تحديات التنمية في الدول العربية... نهج التنمية البشرية» صدر بالتعاون بين جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في إطار التحضير للقمة العربية الاقتصادية الاجتماعية بالكويت مطلع عام 2009، حيث ذكر أن معدل بطالة الشباب في الوطن العربي يعتبر الأعلى على مستوى العالم، وأن الدول العربية الأقل نمواً مهددة بجيل من المعاقين عقلياً وبدنياً.
وطبقاً لتقرير دولي صادر في أبريل 2011م بعنوان «التعليم من أجل التوظيف... تحقيق إمكانات الشباب العربي» صدر عن «مؤسسة التمويل الدولية» و«البنك الإسلامي للتنمية»، فإن شباب منطقة الشرق الأوسط هم في مرتبة الصدارة في نسب البطالة الأعلى بين شباب العالم، وأن بطالة الشباب العربي تبلغ نحو 25 في المائة، منها 24 في المائة في شمال إفريقيا وحدها، ومشاركة العرب في القوى العاملة بين أدنى مستويات المشاركة في العالم، إذ تبلغ نحو 35 في المائة، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 52 في المائة. وهذا يعني ذ طبقاً للتقرير - أن الخسائر الاقتصادية العربية الناجمة عن هذه النسب المؤسفة تتراوح بين 40 و50 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل تونس أو لبنان.
الفقر عربياً
يعتبر الوطن العربي من أبرز المناطق في العالم المعنية بقضية مكافحة الفقر، فوفقاً لإحصاءات البنك الدولي في 2013، فإن عدد سكانه يبلغ نحو 345 مليون شخص، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة تريليوناً و490 مليار دولار، في حين أنَّ نصيب الفرد من هذا الناتج لا يزيد على نحو 3500 دولار في السنة.
وطبقاً لتقرير التنمية البشرية، فإن نسبة الفقراء في دولة الإمارات لا تزيد على 0.6 في المائة، فيما وصل المعدل العام للفقر في الإمارات إلى 0.002، وهي من أقل النسب في العالم، في حين يتزايد عدد الفقراء في المنطقة العربية، حيث وصل عددهم إلى 39 مليون فقير، منهم 6.8 ملايين عربي يعيشون تحت خط الفقر، أي يقل دخلهم اليومي عن 1.25 دولار.
ووفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، فإنَّ الفقر في بلد عربي مثل اليمن على سبيل المثال يؤثر في نحو 42 في المائة من سكان البلاد، ويعيش 80 في المائة من فقراء اليمن في مناطق ريفية، ويعيشُ نصفهم على الأقل على أقل من دولارين في اليوم، أما في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، فتزيد نسبة الفقر على 25 في المائة، بل إنَّ ثلثي السكان في صعيد مصر يعانون الفقر.
وحتى في بلد نفطي مثل العراق، تبلغ نسبة الفقر، وفقاً للبنك الدولي 18.9 في المائة، في حين تصل في الأردن إلى 14.4 في المائة، وفي لبنان تزيد لتصل إلى 28.6 في المائة... أما الدول التي تنخفض فيها هذه النسبة مثل تونس والجزائر، فتصنف وفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية كدول ذات دخل متوسط، ولاتزال الدول ذات مؤشرات التنمية البشرية العالية، مثل الكويت والبحرين والإمارات وقطر، أقلية بالنسبة إلى بقية الدول العربية.
مبادرات لمكافحة الفقر والبطالة
ثمة عدد من المبادرات المحلية والإقليمية في الوطن العربي للحد من تداعيات ظاهرتي الفقر والبطالة، تركز على إيجاد حلول ومقترحات وخطط ومعلومات بهدف تحقيق أهدافها المنشودة. واللافت في هذه المبادرات، التي تبنتها جهات حكومية وخاصة وأخرى أهلية، أنها تسعى إلى الاعتماد على العلم والتقانة للحد من تفاقم الظاهرتين وآثارهما على المجتمعات العربية، ومن أهم تلك المبادرات:
المركز الدولي لبحوث الوقف
يعد هذا المركز ثمرة تعاون بين المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإمارات والأوقاف النيوزيلندية، وقد أسس المركز من أجل مكافحة الفقر ودعم صناعة الوقف، ويباشر المركز نشاطاته وبرامجه عبر مكتبين، الأول في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والثاني في مدينة أوكلاند بنيوزيلندا. ويركز المركز على مجموعة من القضايا المحورية ذات الصلة المباشرة بين التكنولوجيا وسبل توظيفها من أجل خدمة الفقراء في الدول العربية والإسلامية، وتحسين ظروف معيشتهم، وتحديداً في المجتمعات الفقيرة، لتحقيق التنمية المستديمة فيها.
ويهتم الـمركز بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية للتنمية، ومكافحة الفقر، عبر توظيف التكنولوجيا، وتعزيز الشراكات بين مختلف المؤسسات والمنظمات العالمية والإقليمية للأوقاف، مع تعظيم الفوائد والمنافع، التي تتحصل عليها الفئات والمجتمعات المستفيدة من برامج الوقف.
الحاضنة الافتراضية للأعمال المعتمدة
على العلوم (فيسب)
تعتمد «فيسب» على آلية خاصة للبحث عن المعلومات العلمية ذات الطبيعة الابتكارية من خلال رصد المجلات العلمية الدولية ومتابعة النشاطات العلمية في الجامعات والمؤسسات البحثية، ومخاطبة الباحثين من خلال قاعدة معلومات خاصة عنهم، وذلك من أجل إنشاء نظام معلوماتي يحتوي على الأبحاث والدراسات ذات الطبيعة التطبيقية والبعد الاقتصادي.
يمكن بعد ذلك استخدام هذا النظام المعلوماتي وتوظيفه لعمل مشروعات استثمارية، يمكن من خلالها توظيف الشباب ومعالجة الفقر عن طريق عرض المشروعات العلمية التطبيقية على رجال الأعمال والمستثمرين العرب وشركات القطاع الخاص والجهات الداعمة للإبداع والابتكار من أجل تحويل الأفكار المبدعة إلى واقع يستفيد منه المجتمع العربي والإسلامي.
كما يحتوي النظام المعلوماتي على دليل للدراسات الإبداعية ومرشد لجمعيات المخترعين وشبكات العلوم والتقنية لمحاربة الفقر وقاعدة معلومات لأبحاث محاربة الفقر في عديد من المجالات، مثل الطاقة والبيئة والصحة والمياه والغذاء.
الجدير بالذكر أن «فيسب» هي أحد مشروعات اللجنة الوزارية للتعاون العلمي (كومستيك) التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من مدينة جدة السعودية مقراً.
شبكة التقنيات والابتكارات السودانية
لمحاربة الفقر
تقوم الشبكة بالعمل على التنمية التكنولوجية لتلبية حاجة الفقراء وتصميم مشروعات علمية أكثر فعالية وانسجاماً مع الوضع البيئي والثقافي والاقتصادي المحلي، عن طريق دعم وتعزيز وتطوير المعارف العلمية والأفكار التقنية والابتكارات ونقل وتكييف التكنولوجيا التي نجحت بالفعل وتطوير التقنيات والابتكارات الجديدة، كما تعمل الشبكة على عقد ندوات ومؤتمرات وإعداد مطبوعات لإحاطة صانعي القرار والمسؤولين بالابتكارات المتاحة، التي يمكن استخدامها في حل المشكلات التنموية وخلق فرص عمل للشباب، وبالتالي حمايتهم من الوقوع في براثن الفقر.
وتأسيس هذه الشبكة في السودان كان نتيجة طبيعية لتنامي ظاهرة الفقر وتدني مستويات العيش بين السكان، وتراجع نسب الإنتاج بسبب الحروب التي نشبت في مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني بصفة أساسية، وأفرزت اللجوء والنزوح وعطلت المقدرات الإنتاجية، وكل هذا انعكس على حياة الإنسان السوداني من شظف في العيش واستيطان للمرض وانكسار في التطور الاجتماعي والاقتصادي.
المركز الإقليمي لشبكة العلوم والتنمية
يُعَدّ مركز إقليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط الموجود في القاهرة والتابع لشبكة العلوم والتنمية مصدرًا رائدًا على مستوى العالم للتحليلات الجادة حول المعلومات العلمية والتقنية؛ لخدمة أغراض التنمية العالمية. ويقوم المركز بتقديم يد العون لأفراد ومنظمات بهدف تطبيق براهين ومدارك علمية وتقنية على عملية صنع القرار؛ كي تترك أثرها الإيجابي على التنمية العادلة والمستديمة، والحد من الفقر وتشجيع العلوم، ونشر الوعي العلمي والتقني في دوائر السياسات والبرامج والمشروعات التي تسهم في رفع مستوى معيشة الفقراء.
برنامج بادر (Badir) للحاضنات التقنية
يستهدف البرنامج كل من لديه أعمال تقنية مبتكرة في مراحلها المبكرة، أو نماذج مبدئية، أو ما يدل على فكرة المنتج أو فكرة قابلة للتطبيق أو مشروع مبني على الابتكار أو اختراع له مردود اقتصادي يؤدي إلى نشأة مشروعات ناجحة تدار بأيدي شباب سعوديين لتحقيق أعلى نسب التنمية.
وتقوم الحاضنات التقنية - مثل حاضنة التقنية الحيوية وحاضنة تقنية المعلومات والاتصالات وحاضنة التصنيع المتقدم - بتقديم خدمات متنوعة من خلال الحاضنة نفسها، أو عبر شبكة اتصالاتها، وتتضمن هذه الخدمات الدراسات والتخطيط المالي وإدارة التسويق وتدريب أصحاب المشروعات في مختلف المجالات وإقامة ورش العمل والاستشارات وغيرها لتحويل الأفكار إلى مشاريع تقنية واعدة.
وبرنامج بادر لحاضنات التقنية، أحد برامج مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وأسس عام 2007م، ويعني مصطلح بادر «المبادرة»، وهو برنامج وطني شامل يسعى إلى تفعيل وتطوير حاضنات الأعمال التقنية لتسريع ونمو الأعمال التقنية الناشئة في المملكة.
مؤسسة «صلتك»
تعتبر مؤسسة صلتك القطرية مبادرة عالمية تهدف إلى إيجاد فرص عمل للشباب عن طريق توفير الصلة بينهم وبين أرباب العمل، وتشجيعهم على تنفيذ مشروعات الأعمال الخاصة بهم على النحو المبين بوثيقة تأسيسها ونظامها الأساسي.
وعلى الرغم من مساهمة المبادرات العلمية الحالية في التصدي ولو المحدود لظاهرة الفقر والبطالة، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه العرب الآن من أجل محاربة الفقر ومكافحة البطالة، وخصوصاً بين خريجي الجامعات، هو إصلاح التعليم بما يجعله موجهاً للتوظيف، وكذلك إصلاح قطاع العلوم والتكنولوجيا بما يجعله موجهاً إلى التنمية المبنية على الاقتصاد المعرفي.
وذلك يستلزم وضع السياسات والخطط التنفيذية للدخول إلى حضارة التقنية المتقدمة، التي أصبحت من ضرورات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل ومن ضرورات الأمن القومي للأمة العربية، فالدعوة الدائمة إلى محاربة الفقر والبطالة من دون وجود قاعدة تعليمية وعلمية وتكنولوجية عربية هي دعوة رومانسية عرجاء... كُتب لها الفشل قبل أن تبدأ >