«ذكريات من عبق ماضي الكويت الـجميل»
في قلبه مجموعة مشاعر وأحاسيس، تجره إلى ماض ملأ فؤاده بالحب والحنين للصور والمشاعر الجميلة لوطن جميل وشعب متكاتف، رغم صعوبة الحياة والظروف التي كان يعيشها.
قلبه المولع بالزمن والماضي الجميل حفظ بين طيات وتلافيف العقل أجمل الصور والأحداث والمواقف، وفي أدراج الذاكرة «عكوس» لأشخاص وأماكن ومواقع يصعب تلاشي ملامحها. كان يستعيد الصور المحفوظة بعد تغير الحياة، والطفرة الاقتصادية، في محاولة لإيقاف الزمن، ليبقى صامدا أمام حبه وعشقه لكويت الماضي.. كويت الكفاح.. كويت السور والجرار والقصور.. يقلِّب في أدراج الذاكرة.. باحثا في دهاليز العقل عن تفاصيل الصور والأصوات القادمة من عالم الـ«هولو» والـ«يامال».
تحول ولعه بالماضي وصفاء الحياة في ذلك الوقت إلى هواية، دفعته لجمع كل ما يقع بين يديه من ورقة أو صورة، وربما طابع أو قطعة قماش تعود للماضي. فوجد نفسه في سن مبكرة ولديه كم من «العكوس»، (الصور الفوتوغرافية كان يطلق عليها قديما العكوس)، التي تذكره بفرجان زمان والرفقاء والأصدقاء الذين مارسوا معه الألعاب الشعبية القديمة، والزملاء الذين التحقوا معه بالمدارس النظامية التي بدأت بالانتشار بعد افتتاح مدرسة المباركية، ثم الأحمدية.
«عكوس من الماضي»
فؤاد أحمد سعود المقهوي، قرأ الكويتيون من عشَّاق الماضي ذاكرته، وتجولوا في خياله السابح في الماضي لانتشال درر الأمس من خلال صفحاته التي تنشرها جريدة «الوطن» بعنوان «من أرشيف الصحافة الكويتية»، وأخيرا تتابع الأجيال الحديثة الباحثة عن تاريخ وطنها وأهلها هذا التاريخ من خلال الصور والمعلومات الموجزة التي ينشرها في زاوية «من الماضي» بجريدة «الوطن».
هذه الصور التي تُشعر الزميل المقهوي بمرور شريط سينمائي يمر عبر ضوء الذاكرة، تلون شفاهه بابتسامة فرح لاستعادة الذكرى، والأمل باسترجاعها، دفعته إلى التفكير بنقل هذه المشاعر الجميلة إلى كل عاشق لصور الأمس وكفاح الأجداد.. نقاء الحياة بصفاء وتكاتف من عاشوا تلك الفترة. فحول الصور التي في مخيلته إلى معلومات لتوثيق «العكوس» التي يمتلكها وطبعها في كتاب مصور، ليتمكن كل كويتي وغير كويتي من الغوص في الماضي من خلال تقليب الصفحات.
«ذكريات من ماضي الكويت»، يضم بين دفتي الغلاف 195 صفحة، تضم 94 صورة بالأبيض والأسود، لأشخاص وأماكن وأحداث مر عليها أكثر من نصف قرن.. صور بهتت ألوانها على الورق بفعل الزمن، إلا أن الإحساس بها أعمق من كل الألوان.. لقطات لها سحر، تحمل المشاعر السعيدة والجميلة، الحلوة والمرة، ما يجعلها مصدرا للراحة جالبة للطمأنينة والسعادة، مخففة عن كاهل من عاشوا هذا الزمن عناء الحاضر.
من بيت الحكم إلى الشعب
توزعت الصور بين سبعة فصول أو رءوس موضوعات، وحظي رأس الموضوع بعنوان «أمراء ورؤساء دول وشيوخ» بنصيب الأسد، واشتملت الصفحات على 20 صورة قديمة عبَّرت عن حياة الشيوخ والأمراء في الماضي، ليرتوي عشَّاق الماضي، ومن عاشوا عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح من حديث الصور، الذي استهله الباحث في التراث والتاريخ الكويتي بصورة التقطت للمغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح عام 1961، بدل افتتاحية الكتاب، وكأن معد الكتاب أراد أن يؤكد أن الكويت شهدت مع أبوالديمقراطية بداية عصر الانفتاح. وقد أكد صاحب الكتاب أنه يمتلك 165 صورة للمرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح، تلتها لقطة للمغفور له التقطت له بتاريخ 25 فبراير العام 1953 أثناء توجهه إلى قصر السيف في «عيد الجلوس».
انتقل المقهوي من بيت الحكم إلى الشعب، لتضم الصفحات المعنونة بالشخصيات، 20 صورة لأشخاص ربما لا يعرف الجيل الجديد عن بعضهم أي معلومة.
الأماكن في 14 لقطة
رغم أن بعض الوجوه التي ضمتها صفحات الكتاب، التقطت صورها في أماكن كانت معروفة في الكويت قديما، فإن الجزء الثالث من الكتاب حمل رأس موضوع بعنوان «الأماكن»، حيث ينقل جامع التاريخ متصفحي كتابه من السور إلى شارع الأمير، ليعود بالجميع الزمن إلى الحوائط الطينية وأسواق الكويت القديمة، إلى الأسواق والحفيزات والمحال الجديدة التي امتدت على شارع أحمد الجابر، وشارع الخليج منذ بدايات الستينيات، من خلال 14 لقطة التقطت في زمن كاميرات الأبيض والأسود.
يقف الباحث فؤاد المقهوي عند مكان يلزم كل كويتي المرور به تطبيقا لمبدأ التكافؤ الاجتماعي، وهو وزارة التربية والتعليم، ليقدم لمحبي التراث والماضي 16 «عكس» لطلبة مدارس الكويت وثانوية الشويخ، الذين عاشوا العصر الذهبي للتعليم في الكويت. وتعكس الصور بعض الأنشطة والفعاليات التي كانت تمارس في المدارس، وعلاقة الطلبة بمدرسيهم.
يضم القسم الخامس من الكتاب، الخاص بالرياضة، 8 صور لبداية انتشار الأندية الرياضية، منها صور لأعضاء فريق نادي المعارف ونادي النهضة.
ومن رياضة البدن إلى رياضة القيادة والسيارات، يمكن الانتقال إلى القسم السادس، والذي يحمل رأس موضوع باسم «السيارات». ويضم هذا الجزء 6 صور استهلها بلوحة سيارة لأحد الشيوخ، والتي استخدمت في الخمسينيات، ليقحمنا معه إلى الورشة العسكرية التي كانت تقع بجانب قصر نايف، ليعرض لنا شكل سيارة قديمة من نوع أولدزموبيل. ومن الورشة يقدم دليلا على أن الحوادث في الكويت بدأت عام 1964، وذلك بعد تسجيل أول حادث مروري وصف بأنه حادث انقلاب، وقد وقع بالقرب من دوار السالمية في ذلك الوقت. ولم ينس أن يذكرنا بتاكسي زمان من خلال صورة لوقوف سيارات التاكسي في ساحة الصفاة أمام مبنى دائرة المالية قديما.
إعلانات محلية وعربية
ينتهي المتجول من رحلته بين دفتي الكتاب بالقسم الأخير، الذي يضم عشر صور لإعلانات ورقية، محلية وعربية لسيارات وحفلات وعروض سينمائية وغيرها. وقد أراد الباحث من خلال هذه الإعلانات أن يسلط الضوء على الإعلانات في ذلك الوقت والمقارنة بين إعلانات الماضي والحاضر، لذلك استعان ببعض الإعلانات العربية لشح الإعلانات المحلية في ذلك الوقت.
وأرجع الباحث فؤاد المقهوي سبب تصنيفه للكتاب واستخدام المواضيع السبعة المذكورة إلى شعوره بأنها العناصر التي تهم القارئ، فمن خلال رحلته الصحفية وكتابته في هذا المجال، لمس مدى اهتمام القراء بها وتفاعلهم معها.
الانتقال بالفكر يشبه الانتقال بين طيات كتاب، ما جعل الباحث ينقلنا معه إلى اللحظات التي قرر فيها تنفيذ الكتاب، فقد كانت بين يديه مجموعة كبيرة من الصور، يعرف بعضها، ويمتلك معلومات عن البعض الآخر، لكنه كان بحاجة لمعلومات عن الأماكن والشخصيات والأحداث لبعض الصور. ويصف المقهوي رحلة بحثه عن المعلومة، بأنها المرحلة الأصعب، وقد استمرت أربع سنوات تقريبا، وربما كان البحث والحصول عن المعلومات أهم المعيقات التي تسببت في تأجيل طباعة الكتاب.
المقربون من الباحث فؤاد المقهوي يعلمون بكم الصور التي يمتلكها، والتي يصعب حصرها في كتاب. ويؤكد المقهوي هذه الحقيقة، معلنا أنه وجد الحل في إصدار سلسلة من الكتب في السنوات القادمة، وكلما جمع معلومات كافية لإصدار جزء، حيث ستتبع هذا الكتاب أجزاء أخرى. إلا أن هذا الأمر لا يمنعه من السعي لعرض التاريخ للأبناء من خلال المعارض الخاصة، التي يقوم بتنظيمها سنويا، في سبيل عرض مجموعاته التي يعتبرها من أفضل مصادر توثيق التاريخ. وقد افتتح معرضه الأول عام 2011 .