«الإغواء» الإلكتروني بين وقت الفراغ ومعنى الحياة

الإغواء» الإلكتروني بين وقت الفراغ ومعنى الحياة
        

          بفعل دلالات كلمة إغواء سوف يذهب هذا العنوان بقارئه، بالأحرى بك، بعيدًا عن جوهر معناه، ودوري الآن أن أستعيدك من حيث ذهب خيالك إلى الموضوع الذي يهتم به هذا المقال، وفي هذه «اللعبة» بين ابتعاثك إلى ما تحيل عليه دلالة لفظية لكلمة من الكلمات، ثم استعادتك إلى موضوع آخر يكمن جوهر اللعب، أو بالأحرى «فلسفة اللعب»، الذي يهتم به هذا المقال.

          بداية أود الإشارة إلى مقولة للكاتب المصري مصطفى ذكري في كتابه «على أطراف الأصابع» يقول فيها: «بينما تبدو التسلية تتعلق بوقت فراغ فإذا هي تتعلق بمعنى حياة»، في مفارقة لافتة عن أن الوقت لا يذهب سدى، في أغلب الأحوال، حتى لو بدا أنه يستنزف أحيانا في التسلية، بل إن ما قد يبدو تسلية أو لعبًا لتزجية الوقت له أثر خفي آخر يقوم بعمله، مؤثرًا فيما هو أكثر جدية في الحياة.

          واليوم على شاشات الكمبيوتر تنتشر آلاف المواقع المهتمة بالألعاب الافتراضية من كل لون، وفي كل المجالات، وأمامها يقضي مستخدمو الحواسيب ساعات طويلة محدقين بالشاشات، يمارسون لعبة من ألعابهم المفضلة ويكررون لعبها بلا كلل، فكيف يرى المختصون هذه الظاهرة؟ هل تقضي على وقت البشر؟ وما سر «الغواية» التي تمسك بالشخص وتجعله مثل المدمن جالسًا أمام لعبته لساعات، أو حتى لأوقات متكررة في اليوم أكثر من مرة؟ بصياغة أخرى هل يتعلق الأمر بتزجية وقت الفراغ؟ أم يتعلق بمعنى الحياة؟

          منذ سنوات ونحن نشهد انتشارًا رهيبًا لألوان جديدة من الألعاب الإلكترونية  Computer Games التي يمارسها الشباب والفتيات، من سن المراهقة حتى نهاية العشرينيات ربما، ومن بين أشهرها على الإطلاق ألعاب الفيديو الخاصة باستلهام مباريات كرة القدم المعروفة باسم «بلاي ستاشن» Play Station، التي حققت شهرتها بفضل تطور تصميم الجرافيك فيها، بحيث يصبح ثلاثي الأبعاد فتتماثل حركة اللاعبين مع حركتهم في الواقع. وكانت التصاميم قد حققت طفرة مبكرة في المجال نفسه، في ألعاب أخرى كانت تعتمد أفكارًا مثل الحروب أو المصارعة أو المغامرات.

بدايات اللعب الافتراضي

          تعود البدايات الأولى لفكرة الألعاب الإلكترونية للعام 1947، حينما اخترع البروفيسور الأمريكي توماس  جولدسميث الابن لعبة أطلق عليها «أداة أنبوب الأشعة المهبطية المسلية» (يمكن التنويه بأن هذه اللعبة كان نموذجها المطور ما عرف في السبعينيات بـ«أتاري» ويضم ألعابًا مستلهمة من لعبة التنس الأرضي).

          وخلال سنوات قليلة واكبت العقد التالي اختراعات شبيهة لعدة ألعاب بسيطة مثل: «نيمرود» (سنة 1951) في بريطانيا، ثم «OXO» (سنة 1952) بواسطة البروفيسور البريطاني ألكساندر. دوغلاس، و«تنس فور تو» (سنة 1958)، ولعبة حرب الفضاء  Space War (سنة 1961) بواسطة معهد ماساتشوستس للتقنية.

          أما أول لعبة اخترعت لغرض تجاري فهي لعبة الآركيد «كمبيوتر سبيس» سنة 1971، وقد كانت تعمل عن طريق وضع القطعة النقدية كما في بعض أجهزة الآركيد الحالية, احتوت على شاشة تلفزيون بدون ألوان. في نهاية الستينيات ابتكر المخترع الأمريكي ذو الأصول الألمانية «رالف هـ. باير» أول جهاز ألعاب فيديو ماجنا فوكس الذي أطلق سنة 1972، وكان أول جهاز ألعاب فيديو يتصل بالتلفزيون لعرض الصور.

          وقد مرت صناعة ألعاب الفيديو منذ ذلك الوقت بستة أجيال متتالية، تطورت فيها كثيرًا وتنوعت وتوزعت على شتى الاهتمامات والأنواع، فهناك ألعاب عن الحروب وأخرى عن الرياضة بكل ألوانها، وفي جميع مجالات الرياضة بألعابها الفردية والجماعية، والمغامرات، والرحلات، وحروب الفضاء، والخيال الروائي، والشخصيات الكارتونية الشهيرة بمسابقات مستلهمة من الأفكار الرئيسية للكارتون، مثل الكارتون الشهير لـ«باباي» آكل السبانخ، وغيرها.

          ويمكن لمن يود أن يتعرف بالتفصيل على كل ما يخص تطور عالم صناعة الألعاب الإلكترونية أن يقرأ على موقع ويكيبيديا

www.en.wikipedia.org/wiki/Video_game

          والحقيقة أن فكرة «الألعاب» كانت فكرة لها تقديرها في العصور القديمة، خصوصا في أوربا، فكثيرًا ما نصادف في الآداب القديمة أساطير عن ألعاب، فيها السحر والحكمة، ابتكرها علماء أو رهبان أو مفكرون، وراحوا يلعبونها (مثل لعبة الشطرنج التي كانت قطعُها وتقسيمات رقعتها تحمل معاني رمزية إلى جانب المعاني العادية).

العلم واللعب

          واليوم حين نتأمل الطفرة الحادثة في برامج الألعاب الإلكترونية نجد أنها نتاج تطور علمي هائل في مجالات عدة، بينها البرمجيات والتقنيات الحديثة في برمجة الحاسب الآلي، وفن التصميم والجرافيك، والرسوم المتحركة، والرياضيات، وربما غير ذلك من مجالات ترتبط بتصميم الألعاب، مما يعني أننا حين نتحدث عن تطور فنون تبدو أن هدفها للتسلية فإن إنتاجها هو نتاج الكثير من الجد.

          هنا يحضرني نموذج أدبي رفيع وهو رواية «لعبة الكريات الزجاجية»، للكاتب الألماني هيرمن هِسّه، قدم فيها تجربة مهمة عن موضوع ارتباط اللعب بالتقاليد الفنية وخصوصًا فنون الموسيقى، مشيرًا إلى العلاقة الوثيقة بين الإبداع والمحافظة على تقاليد الألعاب القديمة وعلى الأنغام الموسيقية القديمة معا قائلاً:

          «كان لتعمُّق علم الموسيقى، الذي بدأ بعد عام 1900 بقليل، أي وسط عصر ازدهار صحافة التسلية (صحافة الاستهلاك)، أكبر أثر يمكن تصوُّره في أصول اللعبة. ونحن، منذ أجيال وأجيال، مثلنا، مثل القرن العشرين كلِّه تقريبًا، لا نرى في الفلسفة أو في الآداب، ولا حتى في الرياضيات، وكذلك الموسيقى، النتاج العظيم الذي عرفتْه ثقافاتُ تلك الفترة التي تمتد من نهاية العصور الوسطى حتى أيامنا هذه، أي منذ تخلِّينا بصفة عامة عن التنافُس في نواحي الإبداع مع تلك الأجيال، ومنذ رفضنا مبدأ سيادة الانسجام وسيادة الدينامية الحسِّية البحتة في العزف الموسيقي».

          ويضيف هرمن هِسِّه: قائلا: «إن العلاقة بين ثقافتنا والموسيقى تعرف لها مثلاً أعلى بالغ القدم، عظيم القدر، تكنُّ له «لعبة الكريات الزجاجية» أعلى احترام وتبجيل. فنحن نذكر في الصين الأسطورية أيام كان يحكمها «قدماءُ الملوك»، أن الموسيقى كانت تلعب دورًا قياديًّا في حياة الدولة والبلاط. وقد كان الناس هناك يساوون آنذاك بين ازدهارها وازدهار الدولة كلِّها، فكان على الأساتذة الموسيقيين أن يسهروا على المحافظة على الأنغام القديمة والإبقاء على نقاوتها. فإذا تدهورت الموسيقى كان ذلك لديهم علامة مؤكدة على تدهور الحكومة والدولة».

          وهذه إشارة دالة على أن تطور الألعاب والحفاظ على تقاليدها ليس لهوًا كما قد يبدو بقدر ما هو دلالة على مدى تطور الحكومات والدول.

          للتدليل على ذلك مثلا يمكن الإشارة إلى الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سبتمبر 2009 بعنوان «تثقيف الابتكار»، بهدف تحسين القدرات التكنولوجية والرياضية والعلمية والهندسة لدى الطلاب الأمريكيين. هذه الحملة غير الاعتيادية خططت لتسخير قوة الألعاب التفاعلية للمساعدة على تحقيق تفوق الطلاب ونشر المعرفة، وتوسيع طاقات الابتكار والخيال.

إدمان اللعب عربيًّا

          لكن ما يبدو لافتًا في موضوع الألعاب الإلكترونية الحديثة أنها قد لا تعني لمستخدميها، خصوصا في المنطقة العربية شيئًا من هذا، بل هم قد يتحولون إلى إدمان اللعب على حساب الكثير من أوقات مخصصة للعمل، أو حتى على حساب التواصل الاجتماعي والأسري في البيوت، حيث تجلس الأمهات اليوم ليلعبن لعبة من الألعاب المنتشرة على «الفيس بوك» مثل Farm Ville، وكذلك الأبناء من الأطفال ربما على حساب التواصل الاجتماعي داخل البيت لعدد من الساعات يوميا، وهناك ألعاب أخرى تعتمد على ألعاب القمار، يمارسها الأفراد لساعات، والأمثلة كثيرة جدًا.

          ولعله من البديهي أن يقوم القائمون على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) بتوفير هذه الألعاب لمستخدمي الشبكة، لأنها تزيد من أرباحهم الرهيبة، لأن انشغال المستخدمين بهذه الألعاب يعني أن يظلوا لعدد من الساعات يجلسون أمام شاشات الكمبيوتر، يفتحون صفحاتهم بشكل مستمر وبلا انقطاع، وبالتالي تزداد فرص عرض الفيس بوك أو غيره من المواقع لعرض إعلانات المعلنين لعدد خيالي من الساعات يفوق أي فرص إعلانية أخرى.

          لكننا حين ندخل إلى عالم صناعة ألعاب الفيديو أو الألعاب الإلكترونية نرى كيف أن تصميم أي لعبة من هذه الألعاب ليس أمرًا هينًا، ولا يتم التعامل معه في حقل التصميم بوصفه خدمة ترفيهية يقدمها القائمون على هذه الألعاب، بل الحقيقة إنها نتاج دراسات نفسية وسلوكية عدة، بمقتضاها يتم تصميم اللعبات بحيث تجذب المستخدم وتتمكن من إغوائه بإعادة اللعب مرات لا متناهية، مسببة له حالة تشبه الإدمان، كما أننا حين نتحدث عن الألعاب الإلكترونية فإننا نتحدث عن سوق يصل حجمها السنوي إلى 50 مليار دولار في أرجاء العالم، فما  سر إغواء المصممين لمستخدمي الألعاب الإلكترونية؟

سر الإغواء الإلكتروني

          طبعا الفكرة الرئيسية التي يتأسس عليها ارتباط اللعب بالمتعة تعود لأن اللعب بشكل عام يعلمنا أشياء جديدة بشكل أو آخر، وهي تفعل ذلك على النحو الذي يستهوي طريقة عمل المخ لدينا، عبر نظام متتال للعب وبتعقيدات يجب حلها للوصول للمراحل الختامية للعبة. قبل نحو خمس سنوات كان راف كوستر، مصمم عدد من الألعاب الإلكترونية المهتمة بالخيال مثل Ultima Online، وStar wars Galaxies قد انتهى من كتاب بعنوان «نظرية المتعة في تصميم الألعاب» أوTheory of Fun for Game Design، والذي كتب فيه أنه في الألعاب يقوم موضوع «التعلم» مقام العقاقير التي يتم إدمانها في الحياة. وفيه يقول: «عندما نتكلم عن نظرية اللعب فنحن هنا عادة ما نتحدث عن الولوج إلى «الدائرة السحرية»: فأنت في هذه الحال تدخل إلى عالم لا تنطبق عليه قوانين الواقع، والذي عادة ما يرتبط بالأحكام التي يطلقها الآخرون و بفكرة العقاب. الناس يرغبون في أن يشعروا بحرية تجريب الأشياء أو تعلمها دون أن يخضعوا لأحكام أو عقاب من أحد».

          ويضيف أن الألعاب الأكثر نجاحًا هي تلك التي تقدم لنا من الأدوات غير المعتادة في الواقع مثل الأسلحة أو السحر وغيرهما وتسمح لنا بالوقت لتجربتها. ويقدم كمثال لعبة «سوبر ماريو بروس»، التي صممها  شيجيرو مياموتو منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ففي المرحلة أو الشاشة الأولى، يمتلك اللاعبون، افتراضيًّا القدرة على القفز بشكل استثنائي لتخطي عقبات عدة، ويمكنهم أن يفعلوا  ذلك طالما يحلو لهم، لكن للوصول إلى المرحلة التالية، فإنها تحتاج إلى مرحلة أكثر تركيبًا من إتقان مهارة تمكنهم من قفزة على عدو والدخول إلى منصة. بعد ذلك، يتعلمون المزايا والمكافآت التي يحصلون عليها خفية والبنود، ولكن لا يمكن أن يعرفوا عنها من دون إتقانهم لكل مهارة جديدة في كل مرحلة من مراحل اللعبة. ويوضح أن اللعبة في التصميم تعتمد على دراسة الأبعاد في الواقع وطبيعة الحركة الجسدية بالنسبة للجسم البشري، أما بالنسبة للاعب فهو يعتمد على استخدامه لسلاح المسدس وكيفية القفز بطريقة محددة، وأيضا عليه أن يستخدم حاسة التوقع بنسب متغيرة لتوقع المكان الذي سوف يظهر منه العدو.

          نشرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية تصريحًا لمارجريت روبرتسون مديرة قسم تطوير الابتكار في إحدى الشركات البريطانية المختصة بتطوير تصميم الألعاب الإلكترونية وفيه تقول إن النظام الذي تصمم به الألعاب يتيح لنا اختبار مهاراتنا وقدراتنا في التفكير وهو حقل مغوٍ للناس، خصوصًا أن الجميع لديه رغبة في التعلم، لكن هذه الرغبة في العالم الحقيقي عادة ما تواجه بألوان من الإحباط، لأنها لا تمكننا من اختبار نتائج ما تعلمناه بشكل فوري، بالإضافة الى الاختلاف الكبير بين البيئة التي يتم التعلم فيها بالعالم الواقعي وبينها في العالم الافتراضي الممتلئ بالأصوات والخيال. كما تشير إلى أن أحد مراكز الارتباط بالألعاب من هذا النوع يهمش «وصمة العار» التي نشعر بها عند الإخفاق في تعلم أمر ما في العالم الحقيقي.

الرغبة في السيطرة

          كما يقول دان بيتشباك، المحاضر في مجال تقنيات الإبداع، إن الدماغ البشري يتعلق بفكرة منظومة اللعب، والتي تعد الألغاز واحدة فقط من مكونات هذه المنظومة، لكن هناك سلوكًا آخر مرتبطًا بالمنظومة وهو الرغبة البشرية في السيطرة، وهذا ما توفره العديد من الألعاب، خصوصًا التي ابتكرت في التسعينيات وما بعدها، فقد كانت الأجيال الأولى من ألعاب الفيديو تعتمد على اختبار رد الفعل لدى اللعب ومدى تحكمه في سرعة رد الفعل، واجتياز مراحل مختلفة من اللعبة بناء على ذلك، لكن التصميمات الأحدث للألعاب بدأت تنتبه إلى سلوكيات بشرية مرتبطة باللعب وبينها فكرة التحكم والسيطرة،  ما اقتضى تطويرالتصميمات بحيث تتطلب إضافة إلى المهارة، ألوانًا من التخطيط، والتفكير المسبق، وهذا ما تجلى في عدد من الألعاب الإلكترونية التي لم يحظ مضمونها أو فكرتها الأساسية بإجماع أخلاقي مثل الألعاب التي تأسست على أفكار السرقات والسطو التي سادت الولايات المتحدة لفترة واتهمت بأنها تحفز على العنف وممارسة السلوكيات السلبية.  لكن أجيالاً جديدة من الألعاب حاولت بناء جوانب أخلاقية مثل التخطيط للمستقبل، والتدبر، والاستثمار، مثل Farm Ville، أو غيرها، لكنها تندرج في نفس إطار تصميم ألعاب أخرى تعتمد كلها على إشباع جانب السيطرة، حيث يجد الفرد فيها وسيلة لإشباع رغبته في السيطرة الأمر الذي قد لا يكون متاحًا له في الحياة الواقعية.

          وهذا التطور في التصميمات جعل المصممين اليوم ينصتون جيدا لعلماء مختصين في دراسات علم النفس وفي تكنولوجيا الابتكار والإبداع، وفي تحليل الدوافع البشرية عند الأفراد لتصميم ألعاب جديدة بناء على تحليلاتهم ودراساتهم، ومن بين من يهتم  المصممون بأفكاره في الوقت الراهن جورج لوينشتاين George Loewenstein، وهو عالم متخصص في علم السلوك الاقتصادي، وله مقولة حول الفضول البشري معرفًا إياه بأنه منطقة تحض العقل على التعرف على شيء ما بشكل غامض، دون أن يكون لديه معرفة بطبيعة ما يتصور أنه يريد أن يعرفه، وهي منطقة تخضع اليوم لدراسة معمقة من مصممي الألعاب الإلكترونية لتصميم ألعاب تقوم على فكرة دافع الفضول الغامض لدى البشر، وهو مماثل لما يمتلكه المغامرون أو محبو المغامرات والأعمال غير التقليدية.

          وهناك عنصر آخر يستلهمه المصممون من السينما والفنون المرئية عمومًا وهو عنصر التشويق، والإثارة في تصاعد الأحداث عبر تصميم بعض الألعاب المتسلسلة من مرحلة إلى أخرى، ويكون الدافع لدى اللاعب هنا هو اجتياز مراحل بعينها للوصول إلى مرحلة محددة يتشوق للوصول إليها.

دافع الخسارة!

          لا يعد اجتياز المراحل فقط ما يثير اهتمام اللاعبين فالخسارة هي التي تحفزهم على اللعب مرة أخرى ولتكرار اللعبة بلا توقف أو إدمانها، أملاً في تجاوز الإخفاقات، وفي كل مرحلة تتصاعد الحوافز وفقًا لمراحل اللعب التي يدركها اللاعب كلما صعد إلى مرحلة أخرى من مراحل اللعب. وبشكل عام يقول متخصصون إن الفشل أو خسارة لاعب هو في حد ذاته دافع من دوافع إغواء اللاعبين، وأحيانا يتعمد اللاعب الخسارة من أجل السيطرة، خصوصًا في حالة مثل ألعاب سباقات السيارات التي يجد فيها اللاعب نفسه مضطرًا للاصطدام عمدًا بسيارة أخرى من أجل التقاط الأنفاس من فرط الإثارة أو وصوله لمرحلة من عدم السيطرة. وهذا في الواقع ضمن نتائج دراسة لمعهد هلنسكي للاقتصاد المختص بقياس دوافع وردود فعل الدماغ، قام بها فريق بحثي حول ردود الفعل على عدد من ألعاب الفيديو.

          لكن المدهش فعلاً أن بعض المصممين يقولون إن فكرة الموت تمثل دافعًا مغويًا للعب لدى الكثيرين، ليس بمجرد قتل عدو افتراضي في اللعبة، مثلا، بل بالتعبير عن ذلك قائلين: «لقد قُتلت ولكن بعد أن تمكنت من قتل العدو»، ويرى المحللون أن هذا الدافع له علاقة ما بالواقع، حيث تعد فكرة الموت من الأفكار التي تسيطر على الكثير من البشر، ولها اهتمام كبير في أفكار الناس. هكذا نرى كيف أن «اللعب» انتقل بنا بين الدوافع الخفية في النفس البشرية، ومن الطموح إلى الفشل، ومن وصمة العار التي ترتبط بالفشل إلى روح السيطرة، ومن الفضول والرغبة في استكشاف المجهول إلى الموت وما وراء الحياة. وهو ما يؤكد حقًا أن «فلسفة اللعب» ليست كما قد تبدو متعلقة فقط بتزجية الوقت أو بوقت الفراغ بل هي، بلا مبالغة، تتعلق بمعنى الحياة.. لكن بيت القصيد هنا يمكن أن يصبح أنه بينما «اللعب» الآن وهنا -عربيًّا- يتعلق فقط بوقت الفراغ فإنه هناك في الغرب - يتعلق فعلاً بمعنى الحياة.

 

 

إبراهيم فرغلي   

 




 





 





 





عرض فني يستعرض تاريخ صناعة ألعاب الفيديو