الظاهرة تتفاقم عربياً والغرب بدأ الانتباه وسائل التواصل الاجتماعي تضر بالصحة العقلية للمراهقين

الظاهرة تتفاقم عربياً والغرب بدأ الانتباه وسائل التواصل الاجتماعي  تضر بالصحة العقلية للمراهقين

يمارس المشهد الرقمي ضغطاً  متزايداً  على  المراهقين في هذه الأيام، وهو ما نشعر به فعلياً وبشكل يومي. بل إن هناك عادات يومية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مسلكنا الاعتيادي، تتعلق باحتلال الفضاء الافتراضي مساحة كبيرة من اهتمام الأفراد في أغلب المجتمعات العربية، والأمر هنا يتجاوز المراهقين إلى البالغين من مختلف الأعمار تقريباً، وهي ظواهر لها ارتباط وثيق باستخدام وسائط التواصل الاجتماعي. 

إن كثيرين أصبحوا يشعرون بأزمة إذا ما انقطعت شبكة الإنترنت، أو فقدوا القدرة على استخدام وسائط التواصل الاجتماعي، إما بسبب السفر مثلاً، أو الوجود في أماكن لا تتوفر فيها شبكة اتصالات جيدة بالإنترنت. وهناك اليوم كما نعرف جميعاً العديد من قنوات التواصل الاجتماعي: «فيس بوك وتويتر وإنستجرام وسناب تشات وتمبلر». 
وأصبحت الظاهرة اليوم تفوق التخيل، ليس في منطقتنا العربية فقط، بل وفي الغرب أساساً. وفي تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية عن أزمة المراهقين الخاصة بالاستخدام المفرط لوسائط التواصل الاجتماعي، وشيوعها في الولايات المتحدة الأمريكية، كتبت جوون إريك أودوري June Eric Udorie: «لقد قررت قراراً واعياً أن أتجنب تطبيقي «سناب تشات» و«إنستجرام» بسبب الضغط الذي يسببه استخدامهما على شقيقتي الصغيرة التي تبلغ من العمر 14 عاماً. إذا أغلقت والدتي الـ «واي فاي» في الساعة 11 مساء، فسوف تتوسل لي أختى أن أضبط تلفوني المحمول على الهوت سبوت/واي فاي. فهي تحتاج دائماً إلى تحميل قصصها من الـ «سناب شات» مرة أخرى، أو أن ترد على رسالة جاءت لها منذ دقيقتين، لأنها لا ترغب في أن يشعر أصدقاؤها بأنها تتجاهلهم. فإذا رفضتُ طلبها موضحة لها أنه يمكن تأجيل ذلك حتى الصباح، فإنها تباغتني باتهام جاهز: «أنت تدمرين حياتي الاجتماعية». وتقول الكاتبة تعليقاً على ما تفعله أختها: «إنني أرى أن مثل هذا الكلام، وما يعبر عنه من طريقة تفكير، حتى لو كان مصدره فتاة مراهقة يمكن أن يتسبب في إصابتي بالجنون وبلا مبالغة». 
كانت واحدة من الدراسات الحديثة في هذا الصدد قد توصلت إلى أن المراهقين الذين ينخرطون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترات الليل بشكل خاص، يمكن أن يتضرر نومهم، ما يؤدي إلى زيادة احتمالات خطر إصابتهم بالقلق والتوتر والاكتئاب.

استهلاك عاطفي وتوتر
وقد استند القائمون على هذه الدراسة إلى استبيانات رأي، قام فيها الدارسون بالاستماع إلى مجموعة كبيرة من المراهقين، الذين أشار كثير منهم إلى الضغط  الشديد الذي يشعرون به بسبب إحساسهم بضرورة  متابعة والرد على ما يصلهم من رسائل أو تعليقات على مدى الساعات الأربع والعشرين يومياً خلال الأسبوع على وسائط التواصل، كما عبر الكثير منهم عن القلق والتوتر الشديدين اللذين يتعرض لهما هؤلاء إذا لم يستطيعوا الإجابة والرد فوراً على رسائل مرسلة إليهم على أي وسيلة من وسائل التواصل، فضلاً عن القلق الناجم عن عدم قدرتهم مثلاً على الرد أو التفاعل مع المشاركات التي يبثها وسطهم الافتراضي على وسائط التواصل. 
وتشير كاتبة الموضوع إلى أن المراهقين يستهلكون أنفسهم عاطفياً بالإخلاص التام لوسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن إحدى الإحصاءات تشير إلى أن نسبة خمسة طلاب من المرحلة الثانوية  بين كل عشرة سوف يستيقظون في الليل ويدخلون على وسائل التواصل الاجتماعي فقط للتأكد من أنهم لم يفتهم شيء مما بثه الآخرون أو تفاعلوا حوله أو تناقلوه.
ولعل أسوأ ما في هذا الأمر أن المراهقين يحتاجون إلى فترات أطول من النوم مقارنة بما يحتاج إليه البالغون من فترات النوم اليومية، وبالتالي يمكن أن يغدو استهلاك وسائل التواصل ليلاً مضراً بصحتهم بالمعنى الحرفي. وقد أظهرت الأبحاث أن المراهقين يحتاجون من خمس إلى تسع ساعات نوم ليلا، وأن المتوسط يحصل على 5 و7 ساعات فقط. 
إن نقص ساعات النوم، لفترات طويلة، يمكن أن يتسبب في إصابة المراهقين بالتعب والهياج العصبي والاكتئاب، بالإضافة إلى زيادة احتمالات إصابتهم بنزلات برد وإنفلونزا وأحياناً بالتهابات المعدة، بسبب نقص المناعة غالباً الناجم عن نقص ساعات النوم والإرهاق الذهني والبدني.  ومن بين ما تورده أودوري في موضوعها مقتطفات من مقولات المراهقين الذين تناولتهم الدراسة، ومنها مثلا ما تقوله إحدى الفتيات: «هذه الأيام، أشعر بالتعب دائماً في المدرسة، ولست من هؤلاء الأشخاص الذين يمكن أن يظلوا مستيقظين حتى الثانية صباحاً للدردشة. يتطلب العمل المنزلي والضغط للحصول على درجات مدرسية ممتازة أن أظل أعمل إلى وقت متأخر ليلاً. ويبدو أن معظم زملائي في المدرسة يشعرون بالاستنزاف كذلك».

الخوف من الغفلة!
بينما تقول فتاة مراهقة أخرى: «فقدت هاتفي المحمول خلال إجازة الصيف. وشعرت بالكارثة خلال الأسبوع الذي كنت فيه بلا هاتف محمول. فهو يتيح لي الوصول والاطلاع السريع على المعلومات، كما يسمح لي بالتواصل دائماً مع أصدقائي، وهو ما يمكنني من التعرف الدقيق على ما يتعرضون له في حياتهم من تفاصيل بشكل يومي. ولهذا فحين كنت من دون هاتف لأسبوع، شعرت بالخوف من الغفلة (الخوف من الشعور باكتساب الآخرين تجارب لا يمكنني أن أعرف عنها في خلال فترة غيابي، وفي المقابل الرغبة في البقاء على اتصال بما يفعله الآخرون طوال الوقت)، الأمر يشبه كما لو كنت تستمع لشخص يتحدث بلغة لا تعرفها بدقة وتتابعه وأنت تخشى أن تفقد الكثير مما يعنيه، وتخاف أن يفوتك شيء مما يقول. لكن مع نهاية الأسبوع، بدأتُ الاعتياد على عدم وجود هاتف محمول معي، بل إنني استمتعت جداً بالاستراحة القصيرة من وسائل التواصل الاجتماعي. لكن مع ذلك استمر ذلك الإحساس بالحزن الذي أشعر به في مؤخرة رأسي بأن هناك محادثات سوف أفوتها، ورسائل أرسلت وفيديوهات مضحكة شاركها الآخرون ودردشات ليلية لن أستطيع أن أراها أبدا على الأرجح. من جهة أخرى، توصلت دراسة أجراها مركز خدمة المواطن الوطني في الولايات المتحدة إلى أن البنات عوضاً عن التحدث مع آبائهن، وهو الأمر الذي كان يتيح لهن الراحة النفسية في السابق، يسعين في الوقت الراهن لتحقيق الراحة النفسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حين يشعرن بالقلق. وتطرح الدراسة كذلك أن البنات يتعرضن للتوتر أكثر من الأولاد، وتشير إحصائية أجريت على ألف مراهق في أسكتلندا أن تسع فتيات بين كل عشر يتعرضن للتوتر والقلق بأسباب لها علاقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. 

عقدة الكمال
وبهذه المؤشرات والدراسات وما تكشف عنه تدريجياً، أصبح واضحاً أكثر فأكثر كيف تؤثر تلك الوسائل تأثيراً سلبياً على المراهقات. تقول أودوري: أستطيع أن أرى هذا في كل مكان حولي. ضغط الكمال والمثالية، وكمال المظهر، وكمال السلوك والتصرف، وكمال الجسد، وكمال مجموعة الأصدقاء، وكمال عدد رمز الإعجاب (like) على إنستجرام. الكمال، الكمال، الكمال. وإذا لم تستطع أن تحقق تلك المعايير العالية السخيفة، فسوف يبدأ التوبيخ الذاتي فوراً. إن ما يستدعي القلق حقاً هو الوقت، المساحة الزمنية الضائعة في استهلاك وسائل التواصل. والحقيقة الواضحة التي تكشفها هذه الوقائع والدراسات أو تبرهن عليها هي أن الصحة العقلية للمراهقين خاصة البنات، على المحك.
المدهش أننا نعرف ذلك في الحقيقة، ولعلنا في العالم العربي أيضاً، الذي تغيب فيه مع الأسف مثل هذه الدراسات الجادة حول هذا النوع من القضايا، نلاحظ التأثير السلبي حولنا وفي كل مكان.
والأمر جلي أيضاً في الغرب، كما تقول أودوري: نعرف هذا. نعرف أخطار الإنترنت، وقد سمعنا عن البلطجة عبر الإنترنت وأخطار موقع Ask.fm، نعرف الفضائح الوقحة التي تجرى في المدارس. نعرف هذه الأشياء. نعرف أن تلك الدراسات تبرهن على أننا يجب أن نضع أسساً جديدة لتعليم شخصي واجتماعي وصحي وقانوني في المدارس، ونضمن أن يغطي المجال مسائل تمتد من الطعام الصحي والنوم إلى الموافقة القانونية. ومع ذلك رفض نيكي مورجان والحكومة القيام بأي عمل بهذا الشأن. لهذا أطرح السؤال التالي: ماذا ننتظر؟ إن التقاعس عن عمل أي شيء بصدد هذه المسائل يضر بالصحة الجسدية والعاطفية للشباب في هذا البلد. ما الذي يجب أن يحدث قبل أن نفعل شيئاً ما؟
هذا ما تقوله أودوري في الولايات المتحدة، ولعله آن الأوان أن نرفع الصوت بأسئلة كهذه في مجتمعاتنا التي تعاني أساساً قضاياً خطيرة في التنمية والاقتصاد، والكساد، وتحتاج إلى جهود مكثفة في تنمية كفاءة وقدرات أبنائها، التي يمكن لمثل هذه الوسائط أن تقضي عليها مبكراً، فماذا نحن فاعلون؟! ■