«خير جليس» يشكو من الوحدة... وأطفال «اقرأ» لا يقرأون كيف نشجع أطفالنا على المطالعة والقراءة؟

«خير جليس» يشكو من الوحدة... وأطفال «اقرأ» لا يقرأون كيف نشجع أطفالنا  على المطالعة والقراءة؟

«الذين يعرفون كيف يقرأون هم الذين سيقودون الجنس البشري مستقبلاً»، هكذا قال الكاتب الفرنسي فولتير، ومن قبله قال شاعر «العربية» الأكبر أبوالطيب المتنبي: 
أعز مكان في الدنى سرج سابحٍ 
وخير جليس في الزمان كتابُ

وفي هذا تأكيد على أن القراءة ليست ترفاً ثقافياً أو حاجة عابرة، بل هي حاجة فكرية ثقافية ملحة وضرورية في كل زمان ومكان، ولو أن فولتير والمتنبي عاشا في زماننا لأزعجهما حالنا وشكوَا حزنهما إلى أقرب كتاب، فما عاد الكتاب خير جليس، بعد أن احتل مكانه الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والألعاب الإلكترونية التي عمقت الهوة بين شبابنا وأطفالنا وبين القراءة، حتى صارت مكتبات المدارس خاوية على عروشها تئن تحت أكوام الغبار، وتشكو حالها لزمن كنا فيه قادة ورواداً نبراسنا {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (سورة العلق - الآية: 3). فكيف نغرس لدى أطفالنا وطلابنا عادة المطالعة؟ وكيف نعيد دور مكتبة المدرسة المفقود؟
في البداية، يؤكد رائد أدب الأطفال يعقوب الشاروني أنه لكي يُحب التلاميذ القراءة، فلابد أولاً أن يحبوا الكتاب المدرسي المقرر عليهم، ليكون مدخلاً لحب القراءة عموماً، ويتحقق ذلك من خلال البحث عن الشكل المُفضل عند القارئ الصغير لهذا الكتاب؛ فمثلاً يحب الصغار قصص الرسوم المتتالية (الاستربس) في المجلات الموجهة إليهم.
ويضيف: وجدتُ الكتب المدرسية في فرنسا وألمانيا للمرحلة الابتدائية تستخدم بتوسع هذه الشرائط المرسومة، كذلك يُحب الأطفال أن تكون كل معلومة مصحوبة برسم ملون واضح، وهو ما نجده في كل كتب المعلومات والثقافة العلمية على مستوى العالم؛ لذلك لابد من تقسيم المعلومات إلى فقرات غير طويلة، وأن تكون كل فقرة مصحوبة برسم ملون واضح متقن، أيضاً يحب الأطفال الكلمات المتقاطعة، لذلك تستخدم بعض الدول هذا الأسلوب في الكتب المدرسية، على أن تكون الكلمات المطلوب التعرف عليها مُستقاة من المادة الدراسية التي يدور حولها الكتاب.
ويتابع الشاروني: ولكي يتردد الطالب على مكتبة المدرسة، فلابد أن تكون مفتوحة طوال اليوم الدراسي، لمدة نصف ساعة قبل بدء الدراسة، ونصف ساعة بعدها، وأن تظل مفتوحة في النوادي الصيفية بكل مدرسة، مؤكداً ضرورة أن يتعرف المدرس على ما يوجد في المكتبة المدرسية من كتب، وأن يصحب معه إلى الفصل، عند شرح موضوع معين، كتبًا من المكتبة مرتبطة بالموضوع الذي سيشرحه؛ وفي هذا لابد من التوسع في استخدام دوائر المعارف، على أن يحث المدرس طلبته على التردد على المكتبة للاستفادة مما يعرضه في الفصل من كتب.
ويشير كاتب الأطفال البارز إلى أهمية مساعـــــدة الوالـــــدين للطفل على تعديل عادات استخدام الكتاب المدرســـي فــــي البيت، فلابد من تخصيص مكان للمــذاكرة، وأن يرتب التلميذ كتب المدرسة على نحو يجعل من السهل عليه الوصول بسرعة إلى أي كتاب يبحث عنه، وبطريقة محببة إلى نفسه، كتجليد الكتب بألوان زاهية وتلوين الأرفف التي توضع عليها والمكتب الذي سيذاكر عليه بألوان مبهجة تبعث السعادة في نفسه، وتجعل مكان القراءة جاذباً للطفل.
 
عالم من المتعة
وتقول نجــــلاء عــلام (كــــاتبة أطــفـــــال ورئيسة تحرير مجلة قطـــر الندى): كــــنت تلمــــيذة نشـــيــطة فــــي الصــــف الثالث الابـــــتدائي، أجري وألهو في الفسحة المدرسية، وفجأة جاءت المعلمة وقالت: حصة القراءة ستبدأ... واصطحبتنا إلى المكتبة، ودخلتُ حينها عالمًا من المتعة والمعرفة، لم أخرج منه حتى الآن.
وأردفت: المكتبة المدرسية كانت رافداً أساسياً لغـــــرس بذور الموهبة داخل المبدعين في جيلنا، لأنها كانــــت توفر الاطلاع على الكتب بشكل مجاني، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكتب وثبات مســــتـــوى الدخول في بعض الدول العربية، ولكـــــنها أصبحت الآن عبئاً على المؤسسات التعليمـــــية تريد التخلص منه؛ فالوقت لم يعد متاحاً لحصة المكتبة أو المطـــالعة، وتكدس المناهج جـــعل الطلاب ينفرون من القراءة، وهناك بعض المبادرات المحمودة في هذا المجال كمشروع «تحدي القراءة العربي» الذي أطلقه الشــــيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتشجيع الطلاب على القراءة في الوطن العربي، والذي أتــمنــى أن يتـــــكرر في جميع الدول العربية.
الصديق والرفيق
ويرى أحمد عبدالنعيم، (رسام وكاتب أطفال)، أن تنمية عادة القراءة عند الطفل تبدأ من البيت ومن اليوم الأول لإدراكه في الشهور الأولى، وعندما يصل إلى مرحلة طرح الأسئلة، وعلينا أن نتقبلها ونرحب بها ونساعده على المعرفة من خلال الكتاب. فنغرس في عقله أن الكتاب هو مصدر المعرفة، وأن الرجوع إليه هو الطريق الصحيح للإجابة عن تساؤلاتنا في أي مجال.
وحول دخول «الميديا» منافسة للكتاب في عصر التكنولوجيا، يرى عبدالنعيم أن «الميديا» قد تكون منافساً، ولكن يبقى الكتاب الصديق والرفيق الذي ننفس عن مشاعرنا بداخله ونجد لديه الحلول لمشكلاتنا وننجذب إليه بالصورة والرسمة؛ لذلك – كما يقول عبدالنعيم - يجب أن يحتوي الكتاب على رسوم تنعش الحواس داخل الطفل، وقد أدرك الغرب المعرفة بالحواس الخمس، وأنتج عديداً من الكتب التي يستطيع الطفل من خلالها أن يقرأ ويلمس ويستنشق عبير الكتاب أيضاً. وصنع له الكتاب من الورق المقوى والقماش والخشب، ليصاحب الطفل حتى داخل حمام السباحة ولا يتأثر بأي عوامل لكي يظل رفيقا لا يمل منه الطفل ويتعود على وجوده إلى جواره كجزء من حياته كالألعاب والدمى التي يحرص على اصطحابها حتى في فراشه.
وحول ضعف الإقبال على المكتبات المدرسية وغياب دورها، يقول عبدالنعيم: لا شك في أن هناك مشكلة ليست في الطفل القارئ، لكن في غياب عوامل جذب الطفل إلى القراءة ودخول المكتبة، ومن هذه العوامل الجاذبة إقامة المسابقات والندوات والمناقشات المفتوحة، التي تساعد الطفل في اختيار الكتاب الذي يتوافق مع هوايته.
ويضيف: أنا ضد من يقول إننا أمة لا تقرأ، بالعكس، فأرقام توزيع كثير من الكتب تصل إلى أرقام فلكية وتحصد الجوائز، فقط علينا أن نهتم أكثر بالكتاب، ويجب أن يكون هناك وقت للحوار حول الكتاب وتشجيع الطفل على التعبير بحواسه بالكتابة أو الرسم أو حتى الإلقاء.
 
خطة عمل
حملنا هموم المكتبات المدرسية وشكواها من العزوف عنها على طبق من «ورق»، وتوجهنا بها إلى «مكتبة المدرسة»، حيث التقينا إيمان إبراهيم (أمينة مكتبة للمرحلة الابتدائية) التي بادرتنا بالقول إنه ليست هناك خطة عمل واضحة ومستمرة ينتهجها الكادر التدريسي من أجل تحفيز الأطفال على المطالعة والبحث، إنما هناك اجتهادات ذاتية تنبع من طبيعة شخصية المدرس أو أمين المكتبة. 
كما أن الأطفال أصبحوا يفضلون قضاء أوقات فراغهم أمام شاشة الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية، وفي رأيي أن المسؤول الأول عن خلق دافع حب المطالعة لدى الطلاب هو معلم الصف ومن ثم أمين المكتبة، لأن الطلاب يهتمون بنصائح معلم الصف ومعلم المادة قبل توجيهات أمين المكتبة.
 كتب قديمة
إسراء محمد (طالبة بالصف الثاني الإعدادي) تحدثت إلينا «بكل صراحة» فقالت: أنا وزميلاتي لا نفضل حصة المكتبة، فمعظم الكتب قديمة ولا تعبر عن اهتماماتنا إلى جانب أن اليوم الدراسي لا يكفي لمذاكرة المناهج التعليمية حتى «نضيع» الوقت في قراءة الكتب الخارجية! وفي الصيف نفضل «تضييع» وقتنا أمام التلفاز والكمبيوتر!
ويتفق معها علي عصام (طالب في الصف السادس الابتدائي) قائلاً: أنا لا أذهب إلى مكتبة المدرسة؛ فالكتب الموجودة بها لا تستهويني، فأنا أحب الكتب المصورة والمجسمة وقصص الرعب والمغامرات، وهذه النوعية من الكتب غير متوافرة في مكتبة المدرسة، وأسعارها مرتفعة جداً؛ لهذا ألجأ إلى قراءتها عبر «الإنترنت».
 
تضافر الجهود
وترى نشوى غرابة (ربة منزل) أن تكوين الطفل ثقافياً يتطلب تضافر جهود جهات عدة تبدأ من الأسرة والمؤسسات التربوية بجميع أنواعها. وفي ما يتعلق بالمدرسة تلقي المسؤولية الأولى على عاتق أمين المكتبة والمدرسين في تفعيل دور المكتبة وتنمية حب الاطلاع لدى الطلاب، وتقول: كأم لثلاثة أطفال في مراحل عمرية مختلفة، أحاول تنمية عادة القــــراءة لديهم، ولكني أحتاج إلى أن تقف المدرسة بجانبي أنا وأمثالي ممن يسعـون إلى تحبيب أطفالهم في القراءة بتوفير كتب شائقة للأطفال تجذبهم، مع الإعلان عن جوائز تشجيعية للأطفال الأكــثر قراءة واستيعاباً لما يقرأون، حتى تكون هناك منافسة بين الطلاب ويكون هناك حافز للقراءة، فتصبح عادة ملازمة لأبنائنا حتى الكبر، في زمن تغولت فيه التكنولوجيا وسحبت البساط من تحت أقدام الكتاب ■