حسن فتحي... البحث عن الهوية المعمارية العربية

حسن فتحي...  البحث عن الهوية المعمارية العربية

حسن‭ ‬فتحي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الرموز‭ ‬التي‭ ‬غيّرت‭ ‬الفكر‭ ‬المعماري‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬السبعينيات‭ ‬وبخاصة‭ ‬متعلقات‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬مدّ‭ ‬الحداثة‭. ‬ولد‭ ‬عام‭ ‬1900‭ ‬بمدينة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬بمصر‭ ‬وقدّم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬أطروحات‭ ‬وتصورات‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الفلسفة‭ ‬النظرية‭ ‬وبين‭ ‬الممارسة‭ ‬المعمارية‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬ترسخ‭ ‬قيم‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬الإسلاميةـ‭ ‬وتتجسّد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أطروحات‭ ‬فتحي‭ ‬النظرية‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬القرنة‭... ‬قصة‭ ‬مدينتين‮»‬‭ ‬Qurna‭ ... ‬A‭ ‬tale‭ ‬of‭ ‬two‭ ‬villages‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬جامعة‭ ‬شيكاغو‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬والذي‭ ‬ترجم‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬عمارة‭ ‬الفقراء،‭ ‬حيث‭ ‬نال‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭. ‬

يعتقد‭ ‬فتحي‭ ‬أن‭ ‬العمارة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬تعاني‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬تغريب‮»‬‭ ‬ثقافي،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬العمارة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬‮«‬توقفت‮»‬‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قاطبة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬لفتحي‭ ‬تمثل‭ ‬العمارة‭ ‬‮«‬الإسلامية‮»‬‭ ‬فناً‭ ‬تراثياً‭ ‬وإقليمياً،‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تحتفظ‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬بفنها‭ ‬الخاص‭.‬

وكتابات‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬‮«‬التراث‮»‬‭ ‬تظهر‭ ‬إدراكاً‭ ‬عميقاً‭ ‬لجوانب‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬دورته‭ ‬الحركية‭ ‬زمنياً،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬متعلقات‭ ‬التراث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الثقافية،‭ ‬فالتراث‭ ‬يعني‭ ‬لحسن‭ ‬فتحي‭ ‬كل‭ ‬الخبرات‭ ‬الموروثة‭ ‬والتركة‭ ‬التي‭ ‬تناقلتها‭ ‬الأجيال،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬يعني‭ ‬القدم‭ ‬بل‭ ‬ترتبط‭ ‬أهميته‭ ‬بدوره‭ ‬المجتمعي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬الزمني‭. ‬

‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬التراث‮»‬‭ ‬كمفهوم‭ ‬وفلسفة‭ ‬مجردة‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬أحياناً،‭ ‬فإنه‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬إسقاطها‭ ‬سريعاً‭ ‬على‭ ‬متعلقات‭ ‬العمارة‭ ‬عموما،‭ ‬والبيئة‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬تأثر‭ ‬بها‭ ‬خصوصا‭. ‬ويعلق‭ ‬كورتيس‭ ‬Curtis‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬العمارة‭ ‬الحديثة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1900‮»‬‭ ‬Modern‭ ‬Architecture‭ ‬since‭ ‬1900‭ ‬على‭ ‬مرجعية‭ ‬فتحي‭ ‬للعمارة‭ ‬الفرعونية‭ ‬والإسلامية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬فكرة‭ ‬للعودة‭ ‬للأصول،‭ ‬ففتحي‭ ‬كان‭ ‬يأمل‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬بعث‭ ‬العمارة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬بتشجيع‭ ‬الفلاح‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬لنفسه‭ ‬بأساليب‭ ‬وأشكال‭ ‬رخيصة‭ ‬غير‭ ‬مكلفة‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭  ‬نفسه‭ ‬أثبتت‭ ‬نجاحها‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‮»‬‭.‬

يعتقد‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬أن‭ ‬العمارة‭ ‬‮«‬الإسلامية‮»‬‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬في‭ ‬بنيتها‭ ‬التشكيلية‭ ‬بالحيز‭ ‬الفراغي‭ ‬نفسه‭ ‬وليس‭ ‬بمجرد‭ ‬التلاعب‭ ‬بالحوائط‭ ‬والجدران،‭ ‬وأنها‭ ‬تنشأ‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالمحيط‭ ‬الخارجي‭. ‬

ويمثل‭ ‬بيت‭ ‬‮«‬كلليني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬صممه‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬مصر‭ ‬نموذجاً‭ ‬لاستعماله‭ ‬مجموعة‭ ‬مبتكرة‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬الفراغية‭ ‬التي‭ ‬تكررت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬عمارة‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬الخاصة‭ ‬والمتميزة‭ ‬والتي‭ ‬تسمها‭ ‬قباب‭ ‬وقبوات‭ ‬وعناصر‭ ‬تشكيلية‭ ‬وفراغية‭ ‬أخرى،‭ ‬ويرى‭ ‬جيمس‭ ‬ستيل‭ ‬J‭. ‬stell‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬حسن‭ ‬فتحي‮»‬‭ ‬Hasan‭ ‬Fathy‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬هو‭ ‬نمط‭ ‬نموذجي‭ ‬لعمارة‭ ‬حسن‭ ‬حيث‭ ‬يحوي‭ ‬معظم‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تكررت‭ ‬في‭ ‬عمارته‭ ‬لاحقاً‭. ‬

وفي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الطاقات‭ ‬الطبيعية‭ ‬والعمارة‭ ‬البيئية‮»‬‭ ‬يبين‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬ومفردات‭ ‬تقليدية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬كالملقف‭ ‬والدرقاعة‭ ‬والفناء‭ ‬والمشربية،‭ ‬حيث‭ ‬درس‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬علمي‭ ‬سرعة‭ ‬الرياح‭ ‬ودرجة‭ ‬حرارتها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬كعينات‭ ‬للدراسة،‭ ‬وقد‭ ‬اجتهد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬أبحاثه‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬مدى‭ ‬التعقيد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬حرارية‭ ‬وقدرات‭ ‬للعزل‭ ‬الحراري‭ ‬التي‭ ‬تبطنها‭ ‬أبسط‭ ‬البيوت‭ ‬التقليدية‭ ‬مظهراً،‭ ‬والتي‭ ‬تراعي‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية‭ ‬الطبيعة‭ ‬المناخية‭ ‬القاسية‭,‬‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬وتقليل‭ ‬تأثيرها‭ ‬الضار‭ ‬على‭ ‬المحيط‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لفتحي‭ ‬يعتبر‭ ‬عامل‭ ‬المناخ‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬البيئة‭ ‬والعمارة‭ ‬البيئية،‭ ‬فيراه‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيس‭ ‬لخلق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬والعناصر‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالعمارة‭ ‬التقليدية‭. ‬يكتب‭ ‬فتحي‭ ‬‮«‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬عدة،‭ ‬يبدو‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬معطيات‭ ‬المناخ،‭ ‬فالمناخ‭ ‬حدد‭ ‬طبيعة‭ ‬ونمطية‭ ‬حياتهم‭ ‬وقولب‭ ‬عاداتهم‭ ‬وصنع‭ ‬ملابسهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬دوماً‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬بيوت‭ ‬‮«‬مرضية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‮»‬‭ ‬تؤمن‭ ‬لهم‭ ‬‮«‬البيئة‭ ‬المناخية‭ ‬الخاصة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليها‮»‬‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬ينادي‭ ‬فتحي‭ ‬بفكرة‭ ‬ضرورة‭ ‬العودة‭ ‬للعمارة‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬الانعكاس‭ ‬الصادق‭ ‬للمتطلبات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يقلد‭ ‬الأشكال‭ ‬الطبيعية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬آدمية‭ ‬أو‭ ‬حيوانية،‭ ‬في‭ ‬فنه،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬فالنموذج‭ ‬المقلد‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬البيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬ذاتها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬وقواها‭ ‬الطبيعية‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بخلافية‭ ‬إنتاج‭ ‬الأشكال‭.‬

من‭ ‬المراجعة‭ ‬السابقة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬والتي‭ ‬تجسد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬فلسفته‭ ‬الخاصة‭ ‬تجاه‭ ‬التراث‭ ‬ونظرته‭ ‬للعمارة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬المحورية‭ ‬ومناقشتها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭. ‬وهذه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭: ‬

  أولاً‭:‬‭ ‬تعكس‭ ‬رؤية‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬للتراث‭ ‬وواقع‭ ‬العمارة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬بتلك‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬إدراكاً‭ ‬عميقاً‭ ‬لحقبة‭ ‬مهمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬التنوير‭ ‬والنهضة‭ ‬المعمارية‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬لأهميتها‭ ‬في‭ ‬بعث‭ ‬حركة‭ ‬جماعية‭ ‬ونظريات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬تناولها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والكتاب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬وفي‭ ‬المهجر،‭ ‬نقلت‭ ‬مستوى‭ ‬الخطاب‭ ‬المعماري‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬نقلات‭ ‬نوعية‭ ‬بالتضافر‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬أكاديمية‭ ‬وفكرية‭ ‬قادتها‭ ‬الندوات‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬ومعاهد‭ ‬الفكر،‭ ‬قادت‭ ‬لتخريج‭ ‬دفعات‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعماريين‭ ‬العرب‭ ‬وتمخضت‭ ‬عنها‭ ‬ولادة‭ ‬عسيرة‭ ‬لما‭ ‬نعرفه‭ ‬اليوم‭ ‬بالعمارة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬ـ‭ ‬ورؤية‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬التراثية‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عودة‭ ‬دفاعية‭ ‬للتراث‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مد‭ ‬الحداثة‭ ‬الغامر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬المهمة‭. ‬

ثانياً‭:‬‭ ‬يعتمد‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬في‭ ‬فلسفته‭ ‬المنهجية‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬التاريخ‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬القديم‭ ‬لتطويع‭ ‬الأسس‭ ‬والخبرات‭ ‬المتناقلة‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬إغفال‭ ‬الحاضر‭ ‬ومتطلباته،‭ ‬وهي‭ ‬منهجية‭ ‬منطقية‭ ‬ومقبولة‭ ‬وشرعية‭.‬

ثالثاً‭:‬‭ ‬تلاحظ‭ ‬نزعة‭ ‬‮«‬الفردية‮»‬‭ ‬في‭ ‬منهجية‭ ‬حسن‭ ‬فتحي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬سنوات‭ ‬الممارسة‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬مدهشة‭! ‬فعلى‭ ‬امتداد‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬فتحي‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬فكره‭ ‬النظري‭ ‬ومنهجيته‭ ‬الفكرية‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬جماعية‭ ‬يتخرج‭ ‬فيها‭ ‬رواد‭ ‬معماريون‭ ‬فكراً‭ ‬وتطبيقاً‭. ‬

رابعاً‭:‬‭ ‬يلاحظ‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬حسن‭ ‬فتحي‭ ‬وفكره‭ ‬النظري‭ ‬والتطبيقي‭ ‬نزوعه‭ ‬لتفعيل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬والمنهجيات‭ ‬التي‭ ‬تكرست‭ ‬في‭ ‬عمارته‭ ‬وفكره،‭ ‬سواء‭ ‬بسواء؛‭ ‬فمثلاً‭ ‬يعمد‭ ‬لتأصيل‭ ‬العمارة‭ ‬بمفهومها‭ ‬المجرد‭ ‬وربطها‭ ‬بأسس‭ ‬ومضامين‭ ‬إنسانية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬هوياتياً‭ ‬أيديولوجياً‭ ‬أو‭ ‬قومياً‭ ‬أو‭ ‬إقليمياً‭ ‬أو‭ ‬محلياً‭.‬

كان‭ ‬فتحي‭ ‬حالماً،‭ ‬وربما‭ ‬أخيراً،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المعمارية‭ ‬الفائقة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تترك‭ ‬مجالاً‭ ‬للخامات‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬معماره‭. ‬كان‭ ‬حالماً،‭ ‬وربما‭ ‬أخيراً،‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬معمارية‭ ‬خاصة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬وتعتز‭ ‬بتراثنا‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العمارة‭ ‬التفكيكية‭ ‬والقرية‭ ‬الكونية‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬حدثنا‭ ‬عنهما‭ ‬معماريو‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬