استهلاك الموارد ومعدل النمو.. هل تنجح البشرية في فك الارتباط بينهما؟

استهلاك الموارد ومعدل النمو.. هل تنجح البشرية في فك الارتباط بينهما؟
        

          اقترن النمو الاقتصادي والسكاني الكبير في القرن العشرين بزيادة هائلة في معدلات استخراج واستهلاك الموارد الطبيعية، الأمر الذي أفضى إلى آثار بيئية سلبية ومدمرة متسارعة الوتيرة.
          ويحذر تقرير جديد صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الإنسانية قد تلتهم ما يقدر بنحو 140 مليار طن من المعادن والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية سنويًا، بحلول العام 2050- أي ثلاثة أضعاف ما تلتهمه الآن- ما لم «يفك الارتباط» بين معدل النمو الاقتصادي ومعدل استهلاك الموارد الطبيعية.

          حسب التقرير، الذي حمل عنوان «فك الارتباط بين استخدام الموارد الطبيعية والأثر البيئي وبين النمو الاقتصادي»، فإن مواطني الدول المتقدمة يستهلكون في المتوسط 16 طنا من تلك الموارد الرئيسية الأربعة لكل فرد (وقد يصل الاستهلاك إلى 40 طنا أو أكثر). وبالمقارنة فيستهلك الفرد العادي في الهند اليوم حوالي أربعة أطنان كل عام!

          ويحذر التقرير، الذي أعده فريق الموارد الدولي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، من أنه مع نمو التعداد وزيادة الرخاء، خاصة في الدول المتقدمة، فإن إمكانية ارتفاع مستويات استهلاك الموارد في المستقبل تعد «أعلى بكثير مما يمكن أن يكون مستداما»، هذا إذا أمكن تحقيقها أصلا، نظرا لأن الموارد العالمية محدودة.

          والواقع أن العالم يستنفد بالفعل المصادر رخيصة الثمن وعالية الجودة لبعض المواد الأساسية، مثل البترول والنحاس والذهب، التي يتطلب إنتاجها بدوره كميات متزايدة على الدوام من الوقود الأحفوري والمياه العذبة.

          ويقول الفريق إن تحقيق معدل إنتاجية للموارد (تحقيق المزيد بتكلفة أقل) يفوق معدل النمو الاقتصادي هو المقصود بـ «فك الارتباط». ولكن الهدف يتطلب بصورة ملحة إعادة التفكير في العلاقات بين استخدام الموارد والرفاهية الاقتصادية، مدعوما باستثمارات ضخمة في الابتكارات التقنية والمالية والاجتماعية لتجميد نصيب الفرد بين الاستهلاك في الدول الغنية، ومساعدة الدول النامية على اتباع مسار أكثر استدامة.

          ويشير الخبراء إلى أن الميل للتوسع الحضري قد يساعد أيضا، حيث تتيح المدن وفورات الحجم الكبير، كما تتيح زيادة فاعلية تقديم الخدمات. ويقولون إن الأماكن المكتظة بالسكان تستهلك موارد أقل للفرد من تلك ذات الكثافة الضئيلة، ويعزى ذلك للوفر في مجالات مثل توصيل المياه والإسكان وإدارة المخلفات والتدوير واستخدام الطاقة والنقل.

          ويقول آخيم شتاينر الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: «إن فك الارتباط أمر منطقي من جميع وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».

          ويضيف: «يؤمن الناس بأن المساوئ البيئية هي الثمن الذي لابد أن ندفعه مقابل «المحاسن»، ولكننا لا نستطيع بل لا نحتاج إلى الاستمرار في التصرف كما لو كانت هذه المقايضة أمرا حتميا. إن فك الارتباط جزء من التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون وأكثر كفاءة في استخدام الموارد المطلوبة لتحفيز النمو، وتوليد أنواع جديدة من التوظيف والقضاء على الفقر بطريقة تبقي على البصمة الكربونية للإنسان داخل حدود كوكبنا».

          «يمثل اجتماع (ريو +20) الذي سيعقد العام المقبل فرصة للإسراع في نمو هذه «البراعم الخضراء» للاقتصاد الأخضر، التي تنبت في مختلف الدول النامية والمتقدمة، والإكثار منها».

          وقد عرض التقرير، وهو الرابع في سلسلة من التقارير المماثلة، أثناء الاجتماع السنوي للجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث يمثل الاستهلاك والإنتاج المستدامان موضوعين جوهريين، وهو يسبق بعام كامل اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2012 «أو ما يعرف بـ «ريو +20»، الذي سيعقد في ريو دي جانيرو في الفترة من 4-6 يونيو 2012، بمحوريه الأساسيين، وهما الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والإنفاق في إطار دولي للتنمية المستدامة.

          وفي حين لا يعرض التقرير سياسة وخيارات تقنية مفصلة، وهو الأمر الذي ستشمله التقارير التالية، فإنه يقول إن التقنيات التي ساعدت الإنسانية في استخلاص الموارد الطبيعية على نحو متنامٍ لابد أن يعاد توجيهها بطرق أكثر كفاءة في استخدام تلك الموارد.

          وقد تراوح المتوسط العالمي لاستهلاك الموارد في العام 2000 ما بين 8 و10 أطنان للفرد، أي حوالي ضعف معدله العام 1900، وفي العام 2000 بلغ المعدل المتوسط للدول الصناعية (التي يمثل سكانها خمس تعداد العالم) ضعف المتوسط العالمي تقريبا، وأربعة إلى خمسة أضعاف متوسط أفقر الدول النامية.

          وتحتسب المتوسطات العالمية و(الوطنية) لاستهلاك الفرد بقسمة إجمالي ما يستخرجه العالم و(الدولة) من المعادن، والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية على عدد سكان العالم و(الدولة).

          ولكن كاتبي التقرير يشيرون إلى أن التجارة العالمية التي تتوسع بسرعة، تحجب مسئولية استهلاك الموارد وما يتعلق بها من تأثيرات بيئية.

          وقد ساهمت إجراءات الحد من التلوث وغيرها، على مدى القرن الماضي، في الحد من الأثر البيئي للنمو الاقتصادي. وبفضل الابتكارات في مجالات التصنيع وتصميم المنتجات واستخدام الطاقة، والتي ساعد عليها تزايد عدد السكان الذين يعيشون أنماط حياة أكثر كفاءة في المدن، فقد نما الاقتصاد العالمي بمعدل أسرع من زيادة استهلاك الموارد.

          لكن هذا التحسن كان نسبيا فقط، حيث زاد استهلاك الموارد- مع زيادة السكان، واستمرار معدلات الاستهلاك المرتفعة في الدول الصناعية والطلب المتزايد على السلع المادية، خاصة في الصين، والهند والبرازيل وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو- بالمقاييس المطلقة ثمانية أضعاف من 65 مليار طن في العام 1900 إلى 49 مليار طن في عام 2000، وقدرت قيمته اليوم بنحو 59 مليار طن.

          ويحدث فك الارتباط بالفعل، ولكن: «بمعدل لا يكفي لمواكبة احتياجات مجتمع منصف ومستدام»، طبقا لما يقوله التقرير، فقد انخفضت الموارد اللازمة لكل 1000 دولار أمريكي من المخرجات الاقتصادية من 2.1 طن إلى 1.6 طن في الفترة من 1980 إلى 2002.

          ويستعرض التقرير تفاصيل التقدم في أربع دول تدعم فيها سياسات الحكومة فك الارتباط. وقد قدمت كل من ألمانيا واليابان مثالا على الاحتمالات الممكنة، وقد وضعت ألمانيا أهدافا لإنتاجية الطاقة والموارد- تهدف إلى مضاعفتهما بحلول عام 2020 وهناك أيضا أهداف وضعت هدفا لخفض نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 30 في المائة بحلول العام نفسه.

          فيما تلتزم اليابان بالتحول إلى «مجتمع مستدام» يركز على تخفيض الكربون والحد من استهلاك المواد وإعادة استخدامها وتدويرها والاتساق مع الطبيعة، ويجري حساب دقيق لدورة المواد. ويبين التقرير أن الإجراءات التي اتخذتها اليابان «قد تكون أكثر الأمثلة تطورا بين الأمثلة المطبقة لزيادة إنتاجية الموارد والحد من الأثر البيئي السلبي».

          وينص دستور جنوب إفريقيا على ضرورة «استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية على نحو مستدام بيئيا»، وتدعو السياسات صراحة إلى «فك الارتباط بين الموارد والأثر البيئي»، وخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30 إلى 40 في المائة بحلول العام 2050، لكن تنامي الاعتماد على صادرات الفحم والمعادن الأخرى يعوق التقدم. وتعد كثافة الكربون في جنوب إفريقيا الأعلى في العالم، وتبلغ كمية الانبعاث للفرد ضعف المتوسط العالمي.

          وتطمح الصين لبناء «حضارة بيئية»، تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالموارد والبيئة. وقد وضعت مؤشرات لفك الارتباط وحددت أهدافا ملزمة تتضمن خفض كثافة الطاقة بمقدار 20 في المائة، كما أدارت برامج لتوفير الطاقة والحد من التلوث في جميع أنحاء البلاد. وتهدف خطة الإجراءات الوطنية لتغيير المناخ انخفاضا قدره 40 إلى 45 في المائة في كثافة ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2020.

          وتمثل الصين على وجه الخصوص حالة اختبارية عالمية، «حيث تريد الاستمرار في نموها الاقتصادي السريع مع استخدام الموارد بأسلوب أكثر استدامة»، كما يقول التقرير:

          «إن الإجراءات التي تطبقها الصين للمواءمة بين تلك الأهداف سوف تكون مهمة للغاية بالنسبة لجميع الدول النامية التي لها النوايا السياسية نفسها».

          ويؤكد التقرير إمكانية الحد من معدل استهلاك الموارد والأثر البيئي من الناحية النظرية، إذا استخدمنا تعريفا لتحسين الاقتصاد القومي لا يقوم على أساس النمو المادي.

          ويقول: «لقد حان الوقت للاعتراف بحدود الموارد الطبيعية المتاحة لدعم التنمية البشرية والنمو الاقتصادي» وسوف يتطلب فك الارتباط «تغيرات مهمة في سياسة الحكومة وسلوك المؤسسات وأنماط الاستهلاك الشعبية، كما سيتطلب الابتكار بما فيه الابتكار الجذري».

          ويصف التقرير ثلاثة سيناريوهات تستهلك بموجبها البلدان المتقدمة والنامية الموارد بإنصاف: «التقارب بحلول العام 2050»:

السيناريو رقم (1): نهج العمل المعتاد في الدول المتقدمة، وتقارب الآخرين منها:

          يبقى استهلاك الموارد للفرد ثابتا في الدول الصناعية على ما كان عليه في العقود الثلاثة الماضية، وتستمر بقية دول العالم في النمط القائم للحاق بها. ويؤدي هذا المسار إلى إجمالي استهلاك سنوي يبلغ 140 مليار طن من المعادن والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، أو ما يعادل 16 طنا للفرد من تعداد السكان،الذي سيبلغ 9 مليارات شخص بحلول العام 2050. ويقول التقرير إن هذا «يمثل مستقبلا غير مستدام على صعيد كل من استخدام الموارد والانبعاث، وغالبا ما يفوق الموارد المتاحة مهما كانت أساليب قياسها وحدود القدرة على استيعاب الأثر البيئي، مهما كانت أساليب تقييمه».

السيناريو رقم (2): انكماش متواضع في الاستهلاك في الدول المتقدمة، وتقارب من جانب الآخرين:

          تخفض الدول الصناعية استهلاك الموارد للفرد إلى النصف فيما ترتفع الدول الأخرى إلى هذا المستوى. النتيجة: يصل إجمالي استهلاك العالم إلى 70 مليار طن في العام 2050. ويشير التقرير إلى أن: «هذا السيناريو يفترض مسبقا القيام بتغييرات هيكلية مؤثرة تؤدي إلى أنماط جديدة من الإنتاج الصناعي والاستهلاك، تكون مختلفة تماما عن النموذج الصناعي الغربي التقليدي شديد الاستهلاك للموارد».

          ويؤدي هذا السيناريو إلى استهلاك عالمي مقداره 70 مليار طن بحلول العام 2050- وهو ما يمثل زيادة قدرها 40 في المائة تقريبا في استخلاص الموارد، مقارنة بالعام 2000. وسيرتفع انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد بنحو 50 في المائة ليصل إلى 1.6 مليون طن للفرد. وسيزيد انبعاث ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بأكثر من الضعف. ولم تنخفض قيم الاستهلاك المطلقة إلا في عدد قليل من الدول يعد على أصابع اليدين- وبنسبة أقل بكثير مما يتطلبه السيناريو الثاني- وفي بعض الحالات لم تتراجع قيم الاستهلاك إلا بسبب خفض معدل استهلاك الفرد عن طريق استيراد الموارد من أماكن أخرى.

السيناريو رقم (3): تقليص شديد في الدول المتقدمة، والتقارب من جانب الآخرين:

          تخفض الدول الصناعية استهلاك الفرد بمقدار الثلثين وتظل الدول الأخرى عند معدلاتها الحالية نفســها. مما ينتج عنه معدل استهلاك عالمي للفرد يبلغ 6 أطنان وإجمالي استهلاك عالمي يبلغ 50 مليار طن، كما كان الحال في العام 2000.

          ويعترف التقرير بأن هذا السيناريو سيكون مقيدا وغير جذاب لرجال السياسة، بحيث «لا يحتمل أن يعد هدفا إستراتيجيا».

          ولكن حتى مع اتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة، تظل مستويات الاستهلاك العالمي في نطاق يعتبره كثير من العلماء غير مستدام، ويؤدي إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 40 في المائة تقريبا إلى 0.75 طن/فرد، ويظل الانبعاث العالمي ثابتا عند مستواه في العام 2000. تتحدى هذه المستويات نهج تفكيرنا الحالي وافتراضاتنا فيما يخص التنمية» كما يقول التقرير: «إذا قامت استثمارات الدول النامية والمتقدمة اليوم، بحيث تحبس الإنسانية في مسار تنموي قائم على النهج المعتاد للأعمال، الذي يعتمد على الاستهلاك الكثيف للموارد، أو تحسن منه قليلا، فسيزداد احتمال مواجهتنا لمشكلات بيئية ومشكلات عدم كفاية العرض».

          «وقد حفزت تلك النتائج فريق الموارد الدولي على التركيز في التقارير المستقبلية على كيفية تحسين إنتاجية الموارد والتوصل إلى بدائل قابلة للتطبيق لصانعي السياسات».

          وتتضمن التحديات المقبلة ما يلي:

  • عدم وجود قناعة لدى صانعي السياسات وعامة الناس بالحدود المادية المطلقة لكمية الموارد المتاحة للاستخدام الآدمي.
  • التفاوت الواسع في مستوى الاستهلاك للفرد يعني أن هناك إجراءات مطلوبة على مختلف المستويات. فالدول الفقيرة، والتي يحتمل أن تكون أول من يشعر بآثار نقص الموارد، لابد أن تمنح الفرصة للاستمتاع بالظروف الجيدة كما في العالم المتقدم. ولكن إذا انتهجت أسلوبا تنمويا قائما على الإسراف، فلن يكون اقتصادها عرضة لمشكلات عدم كفاية العرض فحسب، بل سيزداد مدى تجاوز مصرف الموارد للكوكب للخط الأحمر.
  • ويجري حاليا استنفاد أفضل الخامات المعدنية والوقود الأحفوري وأيسرها استخراجًا. فالمصادر الجديدة عادة ما تكون أبعد منالا وأقل جودة، ويتطلب العثور عليها واستخراجها المزيد من الطاقة مما يزيد من أثرها البيئي. وتبلغ كمية الخامات المطلوب نقلها بعد استخراجها ثلاثة أضعاف نظيرتها من الخامات نفسها منذ قرن مضى، مع ما يسفر عن ذلك من إخلال بنظام الأراضي وآثار سلبية على المياه واستهلاك الطاقة.
  • يزداد استخراج الموارد من الدول ذات المعايير القانونية والبيئية المنخفضة، مما يعني «زيادة الأثر البيئي لكل وحدة من المادة المستخرجة».
  • كلما توسعت التجارة تزداد صعوبة تحديد مسئولية استهلاك الموارد، وهو اعتبار حيوي إذا أرادت الدولة أن تحد من قيمة استهلاكها للفرد، فمثلا هل يجب أن يكون الحد من التعدين وآثاره مسؤولية الدولة التي تستخرج فيها المعادن، أم الدولة التي تتحول فيها المادة الخام إلى منتج نهائي، أم الدولة التي يستهلك فيها المنتج؟
  • عادة ما يؤدي التأثير «الارتدادي» إلى زيادة الاستهلاك بعد أن تصبح الطاقة أو السلع المصنعة أكثر كفاءة، حيث يستفيد المستهلكون من وفورات التكلفة في شراء شيء آخر، أو يستخدمون جهازًا ما بمعدل أعلى- مثل استخدام السيارات الأقل استهلاكا للوقود لمسافات أطول.

أسباب تدعو إلى التفاؤل

          طبقا للتقرير، هناك يقين بأن نقص الموارد سيؤدي في النهاية إلى استحالة الاستمرار في النهج المعتاد للأعمال، مما يؤكد أن أية دولة ستكون في «مقدمة الركب» عن طريق الاستثمار في الأساليب المبتكرة «سوف تجني الأرباح حين يزداد الضغط على الآخرين للتخلي بسرعة عن أسلوبهم».

          الدول النامية، التي لا تقع تحت عبء التقنيات الحالية، يمكنها أن تقفز إلى الأمام على طريق تبني سلع وأساليب عمل أقل استهلاكًا للموارد، كما حدث في إفريقيا على سبيل المثال، حين تخطى معظمها مرحلة خدمات الهاتف السلكية واتجهت مباشرة إلى الخدمات اللاسلكية.

          تمثل التكلفة المتزايدة للعديد من الموارد ضرورة اقتصادية لاستخدام الأقل، ولكن في الوقت ذاته يمكن أن تؤدي زيادة الأسعار إلى استغلال موارد أكثر تكلفة وأشد خطورة على البيئة مثل بترول القطب الشمالي.

          يمكن للتوسع الحضري أن يحد من معدل الاستهلاك للسكان، حيث يضفي المزيد من الكفاءة على تقديم الخدمات «ويركز الموارد المعرفية والمالية والاجتماعية والمؤسسية اللازمة للابتكارات الموجهة نحو الاستدامة». ولكن قيم الاستهلاك في المدن تكون منخفضة بصورة غير طبيعية إذا اعتمدت المنطقة الحضرية على الطاقة والموارد المستمدة من المناطق الريفية المحيطة بها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهلاك قاطني المناطق الحضرية يزيد مع نمو الاقتصاد. «وهذا يعبر عن معضلة المدن في مجال الاستدامة» كما يقول التقرير، «فهي تقود الاستخدام العالمي غير المستدام للموارد، ولكنها أيضا الأعلى إمكانية في مجال الابتكارات الموجهة نحو الاستدامة».

          حتى في يومنا هذا، يوجد اختلاف شاسع بين معدل استهلاك الموارد في الدول المختلفة، والدول التي يتساوى فيها إجمالي الناتج المحلي للفرد. ويشير ذلك إلى أنه يمكن للدول أن تكون أقل إنتاجية للموارد وأن تنمي مع ذلك اقتصاداتها.

-----------------------------

  • «لابد أن ندرك أن الرفاهية والرخاء لا يعتمدان على الاستهلاك المتزايد لكمّ أكبر من الموارد. إن فك الارتباط لا يعني وقف التنمية، لكنه يعني تحقيق المزيد باستخدام موارد أقل. إن الاستهلاك العالمي للموارد يتزايد على نحو خطير، ولا يعد هذا نمطًا مستدامًا بأي حال من الأحوال».

إرنست فون ويزساكير
الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية
والرئيس السابق للجنة البيئة التابعة للبوندستاج (البرلمان الألماني).

  • «يعد فك الارتباط بين الأثر البيئي والاستهلاك وبين النمو إنجازا مهما للغاية - وطريقة لإزالة حجر العثرة الذي يتمثل في ضرورة المقايضة بين التنمية الاقتصادية والبيئة. ويمكن للدول النامية أن تغير فكرتها عن معنى التنمية في عالم شحت موارده. وقد تزايد استهلاك الموارد على نحو خطير عما كان عليه في عصر أجدادنا الأوائل، وقد نتج ذلك جزئيا عن زيادة الكفاءة التي أدت إلى انخفاض أسعار الموارد. ومع ازدياد الأسعار الحقيقية للطعام والمعادن النفيسة والطاقة والموارد الأخرى زيادة كبيرة في الوقت الحالي تصبح الشروط المسبقة لبذل جهود معينة في مجال الارتباط أكثر إلحاحا من أي وقت مضى».

أشوك كوسلا
الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية
ورئيس الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ومؤسسة بدائل التنمية» في الهند.

 

 

أحمد خضر الشربيني   

 




 





غلاف التقرير





لابد من التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون





يصل إجمالي الاستهلاك السنوي من المعادن والوقود والخامات إلى 140 مليار طن في أرجاء العالم





الرفاهية والرخاء لا يعتمدان على الاستهلاك المتزايد للطاقة