الساسانيـون

الساسانيـون

حكمَ‭ ‬الساسانيون‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الدولة‭ ‬الأشكانية،‭ ‬وامتد‭ ‬حكمهم‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬226م‭ ‬إلى‭ ‬652م‭. ‬ترجع‭ ‬تسمية‭ ‬الساسانيين‭ ‬إلى‭ ‬جد‭ ‬الأسرة‭ ‬ساسان،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سادن‭ ‬معبد‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬اصطخر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬أردشير،‭ ‬ابن‭ ‬ساسان،‭ ‬أو‭ ‬قيل‭ ‬حفيده‭. ‬لقد‭ ‬استطاع‭ ‬أردشير‭ ‬بشخصيته‭ ‬الفذة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬قوية،‭ ‬استعادت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الفرس‭ ‬قد‭ ‬أضاعوها‭ ‬من‭ ‬أيديهم‭. ‬

وقد‭ ‬قام‭ ‬بإصلاحات‭ ‬إدارية‭ ‬وثقافية‭ ‬عدة،‭ ‬ليجعلها‭ ‬منظومة‭ ‬حكم‭ ‬لدولته‭ ‬الفتية،‭ ‬فقسّم‭ ‬رعيته‭ ‬إلى‭ ‬طبقات،‭ ‬لكل‭ ‬طبقة‭ ‬حقوق‭ ‬وواجبات،‭ ‬ورتب‭ ‬ديوان‭ ‬الجند،‭ ‬فنظم‭ ‬الجيوش‭ ‬وأجرى‭ ‬مرتباتهم‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬والحرب‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬على‭ ‬الدوام‭. ‬وأقر‭ ‬الزرادشتية‭ ‬التي‭ ‬رأى‭ ‬فيها‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الإصلاحية‭ ‬للدولة،‭ ‬وليكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬أقر‭ ‬دين‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمي،‭ ‬فجمع‭ ‬الكتاب‭ ‬الديني‭ (‬الأفستا‭) ‬وعني‭ ‬بترجمته‭ ‬وشرحه،‭ ‬وألزم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الدعوة‭ ‬للزرادشتية،‭ ‬وجهد‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬بيوت‭ ‬النار،‭ ‬وأخيراً‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬طبقة‭ ‬شريفة‭ ‬يأتي‭ ‬تراتبها‭ ‬بعد‭ ‬الطبقة‭ ‬المالكة‭ ‬والأرستقراطية‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬له‭ ‬بناء‭ ‬دولته‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬ارتآه،‭ ‬حتى‭ ‬وافاه‭ ‬الأجل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬241م،‭ ‬فتولى‭ ‬بعده‭ ‬ابنه‭ ‬شابور‭ (‬سابور‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬مقطعين‭: ‬شاه‭ ‬ذ‭ ‬بور،‭ ‬ويعني‭ ‬ابن‭ ‬الملك‭. ‬

كان‭ ‬شابور‭ ‬كأبيه‭ ‬ملكاً‭ ‬راجح‭ ‬العقل‭ ‬سياسياً‭ ‬محنكاً،‭ ‬اهتم‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الداخلي‭ ‬للدولة،‭ ‬فأقر‭ ‬الأمن‭ ‬وبنى‭ ‬مدناً‭ ‬جديدة‭ ‬أهمها‭:  ‬شابور‭ ‬في‭ ‬فارس،‭ ‬وجنديسابور‭ ‬في‭ ‬الأهواز،‭ ‬وشاد‭ ‬سابور‭ ‬في‭ ‬ميسان‭. ‬كما‭ ‬أقام‭ ‬شابور‭ ‬السدود‭ ‬والقناطر‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬دولته،‭ ‬منها‭ ‬سد‭ ‬شادروان‭ ‬وقنطرة‭ ‬دزفول‭. ‬واستطاع‭ ‬هذا‭ ‬الملك‭ ‬أن‭ ‬يمد‭ ‬سلطانه‭ ‬إلى‭ ‬سمرقند‭ ‬وطشقند،‭ ‬وأن‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وينتزع‭ ‬أرمينية‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬الروم‭ ‬ويضمها‭ ‬إلى‭ ‬أملاك‭ ‬دولته‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نبين‭ ‬هنا‭ ‬أنّ‭ ‬الروم‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬البيزنطية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدين‭ ‬آنذاك‭ ‬بالمسيحية‭ ‬الأرثوذكسية،‭ ‬هذا‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يختلط‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الروم‭ ‬والرومان،‭ ‬فالإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬كانت‭ ‬تدين‭ ‬بالوثنية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدين‭ ‬بالمسيحية‭ ‬الكاثوليكية‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأحداث‭ ‬غير‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬شابور‭ ‬ظهور‭ ‬دعوة‭ ‬دينية‭ ‬جديدة‭ ‬أحدثها‭ ‬مدَّع‭ ‬للنبوة‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬ماني‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عُرف‭ ‬أتباعه‭ ‬باسم‭ ‬المانوية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬الجديد‭ ‬قد‭ ‬مزج‭ ‬بصورة‭ ‬فلسفية‭ ‬بين‭ ‬الزرادشتية‭ ‬واليهودية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬فادعى‭ ‬به‭ ‬ماني‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬أوحي‭ ‬إليه‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الجديد،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬المخلص‭ ‬المنتظر‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تدعو‭ ‬به‭ ‬الأديان‭. ‬لقد‭ ‬ولدت‭ ‬المانوية‭ ‬بأفكارها‭ ‬ومبادئها‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الزرادشتية‭ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬بإلهين‭: ‬النور‭ ‬والظلمة،‭ ‬وكان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬منهما‭ ‬كل‭ ‬حسن‭ ‬وسيئ،‭ ‬وأنّ‭ ‬‮«‬خراب‭ ‬الأبدان‭ ‬عمار‭ ‬الأرواح‮»‬‭. ‬وماني‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬أشكانية‭ ‬عريقة‭ ‬الأصل‭ ‬وثنية‭ ‬الإيمان،‭ ‬لذلك‭ ‬ظن‭ ‬شابور‭ ‬أنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬ربما‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحُكم،‭ ‬فأمر‭ ‬بالقبض‭ ‬عليه‭ ‬والإتيان‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬قصره‭ ‬بنية‭ ‬استجوابه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قتله‭. ‬ويُروى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬حضور‭ ‬ماني‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬شابور،‭ ‬وبعد‭ ‬مناقشة‭ ‬دارت‭ ‬بينهما،‭ ‬اعتنق‭ ‬شابور‭ ‬مذهب‭ ‬ماني‭ ‬وناصره‭.‬

ويذهب‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬شابور‭ ‬عندما‭ ‬آمن‭ ‬بعقيدة‭ ‬ماني‭ ‬إنما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يوحِّد‭ ‬الأديان‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬بدين‭ ‬عالمي،‭ ‬تجمع‭ ‬مبادئه‭ ‬عقائد‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية‭ ‬والزرادشتية‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الفكرة‭ ‬كالطائر،‭ ‬تطير‭ ‬وتحلق،‭ ‬أو‭ ‬تُحبس‭ ‬فتقلق،‭ ‬حيث‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أُسس‭ ‬فيها‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬فساد‭ ‬الروح‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قوامه‭ ‬أنّ‭ ‬شر‭ ‬الدنيا‭ ‬الأزلي‭ ‬بالمال‭ ‬والمرأة،‭ ‬فهما‭ ‬يمثلان‭ ‬السبب‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬تعاسة‭ ‬الإنسان،‭ ‬والحل‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬شيوع‭ ‬الاثنين،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المال‭ ‬بيد‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬متى‭ ‬أراد‭... ‬وكذلك‭ ‬المرأة‭! ‬من‭ ‬هنا‭ ‬شنت‭ ‬الأديان‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬الديانات‭ ‬الإبراهيمية،‭ ‬حرباً‭ ‬على‭ ‬المانوية،‭ ‬واعتبرتها‭ ‬‮«‬إباحية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬خُرَّم‭ ‬دينية‮»‬،‭ ‬و«خرّم‮»‬‭ ‬الفارسية‭ ‬تعني‭ ‬التمتع‭ ‬بالعلن‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭ ‬البهجة،‭ ‬لذا‭ ‬نرى‭ ‬علماء‭ ‬الكلام‭ ‬المعتنين‭ ‬بالديانات‭ ‬يوردون‭ ‬في‭ ‬كتاباتهم‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬خرمدينية‮»‬،‭ ‬هكذا،‭ ‬ويعنون‭ ‬به‭ ‬المانوية‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬دين‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإباحية‭. ‬وترادف‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬بمصطلح‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬زنديق‮»‬‭ ‬وجمعه‭ ‬‮«‬زنادقة‮»‬،‭ ‬مستمدين‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬زندوك‮»‬‭ ‬الفارسية،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬سادن‭ ‬بيت‭ ‬النار‭. ‬

أما‭ ‬الأسطورة‭ ‬الثانية،‭ ‬التي‭ ‬يزعم‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬أنّها‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬شابور،‭ ‬فهي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬النضيرة‭ ‬ابنة‭ ‬الضيزن‮»‬‭. ‬كان‭ ‬الضيزن‭ ‬ملكاً‭ ‬من‭ ‬ملوك‭ ‬العرب،‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يمد‭ ‬نفوذه‭ ‬فاستولى‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأراضي‭ ‬من‭ ‬مملكة‭ ‬شابور،‭ ‬فغضب‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬وجيّش‭ ‬جيوشه‭ ‬زاحفاً‭ ‬إلى‭ ‬الحَضْر،‭ ‬فرآها‭ ‬محصَّنة‭ ‬بأسوار‭ ‬عتـــــيدة،‭ ‬فضرب‭ ‬شابور‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬شهوراً‭ ‬عدة،‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬قوة‭ ‬جيش‭ ‬شابور‭ ‬في‭ ‬التداعي،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬شابور‭ ‬خارجاً‭ ‬من‭ ‬معسكره‭ ‬للصيد،‭ ‬رأى‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة،‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬ووقع‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬فشغفها‭ ‬حباً،‭ ‬حينها‭ ‬ألقت‭ ‬له‭ ‬رسالــــة‭ ‬تعده‭ ‬فيها‭ ‬بالمــــساعدة‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬المدينة‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يـــعدها‭ ‬بالزواج‭. ‬وتم‭ ‬الاتفـــاق‭ ‬فدلته‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬السور‭ ‬قد‭ ‬بُنيَ‭ ‬من‭ ‬اللَّبِن‭ ‬يمكنه‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬منه‭. ‬قامت‭ ‬النضيــــرة‭ ‬بإلهاء‭ ‬الجـــند‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المكان‭ ‬فأسكرتـــهم‭ ‬حتى‭ ‬ناموا،‭ ‬حينها‭ ‬دخــــل‭ ‬جنود‭ ‬شابور‭ ‬المديــــنـــة،‭ ‬فسقطت‭ ‬الحَضْر‭ ‬بيد‭ ‬شابور،‭ ‬وقُتِل‭ ‬الضيزن‭ ‬في‭ ‬سريره،‭ ‬وتزوَّج‭ ‬شابور‭ ‬النضيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عادت‭ ‬إليه‭ ‬أراضيه،‭ ‬وفي‭ ‬حديث‭ ‬دار‭ ‬بين‭ ‬شابور‭ ‬والنضيرة‭ ‬يسألها‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬جمالها‭ ‬ونعومتــــها‭ ‬ورقتهــــا‭ ‬ونضارتها،‭ ‬قالــت‭: ‬كان‭ ‬أبي‭ ‬يُطعمني‭ ‬المخّ‭ ‬والمحّ‭ ‬والزبد‭ ‬والشَّهْد‭ ‬ويسقيني‭ ‬سُلاف‭ ‬الخمر،‭ ‬فانتفض‭ ‬شابور‭ ‬وقال‭: ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يقدمه‭ ‬والدك‭ ‬لك،‭ ‬ويكون‭ ‬جزاؤه‭ ‬منك‭ ‬هذه‭ ‬الخيـــــانة؟‭! ‬فأمر‭ ‬شابور‭ ‬بربطها‭ ‬بحبل‭ ‬ليجرها‭ ‬جواد‭ ‬جموح‭ ‬حتى‭ ‬تقطعت‭ ‬أشلاؤها‭ ‬وماتت،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬عليـــها‭ ‬أسطورة‭ ‬تحكي‭ ‬أنّ‭ ‬قبائل‭ ‬العرب‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬تعاهدوا‭ ‬على‭ ‬‮«‬وأد‭ ‬البنات‮»‬،‭ ‬والغريب‭ ‬أنّ‭ ‬كل‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية‭ ‬تؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يئدوا‭ ‬بناتهم‭ ‬من‭ ‬الحرائــــر،‭ ‬بل‭ ‬وأدوا‭ ‬بناتهم‭ ‬من‭ ‬الإماء‭!‬

مات‭ ‬شابور‭ ‬عام‭ ‬272م،‭ ‬وعقبه‭ ‬ابنه‭ ‬هرمز‭ ‬الذي‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬تقريباً‭. ‬وتعاقب‭ ‬الملوك‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الدولة‭ ‬الساسانية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لهم‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬مواجهة‭ ‬خصمهم‭ ‬التقليدي‭ ‬من‭ ‬الروم‭ ‬البيزنطيين،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬خطراً‭ ‬داخلياً‭ ‬انعكست‭ ‬آثاره‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬فتن‭ ‬أدعياء‭ ‬الدين‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬قباذ‭ ‬بن‭ ‬فيروز،‭ ‬حين‭ ‬ظهر‭ ‬‮«‬مزدك‮»‬‭ ‬مدعياً‭ ‬ديناً‭ ‬جديداً،‭ ‬يوهم‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬أنه‭ ‬دين‭ ‬إصلاحي‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬ماني‭. ‬فصارت‭ ‬‮«‬المزدكية‮»‬‭ ‬وقتها‭ ‬دين‭ ‬الدولة‭ ‬الجديد،‭ ‬وأصبح‭ ‬لمزدك‭ ‬قوة‭ ‬سياسية،‭ ‬حتى‭ ‬تجرأ‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬تعيين‭ ‬الملك‭ ‬وولي‭ ‬عهده،‭ ‬فلقي‭ ‬حتفه‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الملك‭ ‬قباذ‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬خسرو،‭ ‬المعروف‭ ‬تاريخياً‭ ‬بكسرى‭ ‬أنوشروان‭ (‬أنوشك‭ ‬روان‭ = ‬الروح‭ ‬الخالدة‭). ‬

يعتبر‭ ‬المؤرخون‭ ‬كسرى‭ ‬أنوشروان‭ ‬أعظم‭ ‬ملوك‭ ‬الدولة‭ ‬الساسانية،‭ ‬سياسة‭ ‬وعدلاً‭ ‬وفضلاً،‭ ‬امتدحه‭ ‬العرب‭ ‬والعجم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يمنع‭ ‬أبناء‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬التعليم،‭ ‬ففي‭ ‬رأيه‭ ‬‮«‬أنّ‭ ‬السَّفَلة‭ ‬إذا‭ ‬تأدبوا‭ ‬طلبوا‭ ‬المعالي،‭ ‬فإذا‭ ‬نالوها‭ ‬تحكموا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الأشراف‮»‬‭. ‬في‭ ‬عهد‭ ‬كسرى‭ ‬أنوشروان‭ ‬استتب‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬رواج‭ ‬التجارة،‭ ‬وازدهرت‭ ‬الزراعة‭ ‬والصناعة،‭ ‬ووضحت‭ ‬العناية‭ ‬بالإنسان‭ ‬عندما‭ ‬أنشأ‭ ‬بيمارستان‭ (‬مستشفى‭) ‬في‭ ‬جنديسابور،‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مدارس‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وبدأ‭ ‬يولي‭ ‬اهتمامه‭ ‬الخاص‭ ‬بالعلم‭ ‬والعلماء،‭ ‬حيث‭ ‬يروى‭ ‬أنه‭ ‬آوى‭ ‬كبار‭ ‬علماء‭ ‬الإغريق‭ ‬وفلاسفتهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طردهم‭ ‬الروم‭ ‬من‭ ‬دولتهم،‭ ‬واحتواهم‭ ‬في‭ ‬بلاطه‭ ‬وأسكنهم‭ ‬جنديسابور‭. ‬وازدهرت‭ ‬حركة‭ ‬ترجمة‭ ‬العلوم‭ ‬من‭ ‬السنسكريتية‭ ‬واليونانية‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬البهلوية‭ ‬الإيرانية‭. ‬مات‭ ‬كسرى‭ ‬أنوشروان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬579م،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬ثمانية‭ ‬وأربعين‭ ‬عاماً،‭ ‬فاعتلى‭ ‬عرش‭ ‬الدولة‭ ‬ابنه‭ ‬هرمز،‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬عهده‭ ‬بالمؤامرات‭ ‬والفتن‭ ‬والثورات‭. ‬وجلس‭ ‬بعده‭ ‬كسرى‭ ‬أبرويز‭ ‬على‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭. ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬أبرويز‭ ‬من‭ ‬المؤامرات،‭ ‬فانقلب‭ ‬عليه‭ ‬كبار‭ ‬قادة‭ ‬جنده،‭ ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬خصمه‭ ‬ملك‭ ‬الروم‭. ‬وكان‭ ‬لزواج‭ ‬أبرويز‭ ‬من‭ ‬مريم‭ ‬بنت‭ ‬القيصر‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬هدنة‭ ‬طويلة‭ ‬بين‭ ‬الخصمين،‭ ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الهدنة‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬دام‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬استطاع‭ ‬فيهما‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬بناء‭ ‬دولته‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتطوير‭ ‬مرافقها،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬إيوان‭ ‬كسرى‭ ‬أبرويز‭ ‬من‭ ‬عجائب‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الزمان‭. ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬أكاسرة‭ ‬الفرس‭ ‬يزدجرد،‭ ‬الذي‭ ‬سقطت‭ ‬دولته‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جنود‭ ‬الإسلام‭ ‬بقيادة‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬وقاص‭ ‬في‭ ‬‮«‬القادسية‮»‬‭ ‬

نحت‭ ‬على‭ ‬صخر‭ ‬لجيوش‭ ‬شابور