عبدالله العروي... مؤرخ المفاهيم ومُنظِّر القطيعة المعرفية

عبدالله العروي... مؤرخ المفاهيم  ومُنظِّر القطيعة المعرفية

يحار‭ ‬المرء‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدرج‭ ‬المؤرخ‭ ‬المغربي‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬وأبحاث‭ ‬علمية‭ ‬وفكرية‭ ‬متنوعة‭ ‬أكسبته‭ ‬صفة‭ ‬المفكر‭ ‬الموسوعي‭. ‬تعددت‭ ‬اهتماماته‭ ‬المعرفية،‭ ‬فكتب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والبيداغوجيا‭ ‬والفلسفة‭ ‬والأدب‭ ‬والرواية،‭ ‬وأرسى‭ ‬نظريات‭ ‬جريئة،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬مقولته‭ ‬حول‭ ‬‮«‬العقل‭ ‬الموروث‮»‬،‭ ‬فوجّه‭ ‬نقداً‭ ‬للعقل‭ ‬العربي‭ ‬التراثي،‭ ‬معتبراً‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬أصل‭ ‬الإحباط‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬طابعه‭ ‬السكولائي‭ ‬الاجتراري‭ (‬Scolastique‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬المؤرخ‭ ‬الجزائري‭ ‬محمد‭ ‬أركون‭ (‬1928‭-‬2010‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬الممتد‭ ‬منذ‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬التنويري‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬تخلفنا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطالب‭ ‬بطيّ‭ ‬الصفحة‭ ‬معه،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬العقل‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬العقل‭ ‬التأصيلي،‭ ‬ورفض‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬العقل‭ ‬الإسلامي‭ ‬ككل‭.‬

‭(‬انظر‭: ‬المصباحي،‭ ‬محمد‭: ‬العقل‭ ‬والمدينة‭ ‬عند‭ ‬الجابري‭ ‬وأركون‭ ‬والعروي‭ ‬ونصّار،‭ ‬في‭: ‬الفلسفة‭ ‬والمدينة،‭ ‬أعمال‭ ‬المؤتمر‭ ‬الفلسفي‭ ‬اللبناني‭ - ‬العربي،‭ ‬المركز‭ ‬الدولي‭ ‬لعلوم‭ ‬الإنسان،‭ ‬جبيل،‭ ‬2013‭). ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬إنتاجه‭ ‬الفكري‭ ‬والتاريخي‭ ‬والروائي،‭ ‬اشتهر‭ ‬العروي‭ ‬بكونه‭ ‬امؤرخ‭ ‬المفاهيمب،‭ ‬فأصدر‭ ‬خمسة‭ ‬كتب‭ ‬مهمة،‭ ‬هي‭: ‬امفهوم‭ ‬الأيديولوجياب،‭ ‬امفهوم‭ ‬الحريةب،‭ ‬امفهوم‭ ‬التاريخب،‭ ‬امفهوم‭ ‬العقلب،‭ ‬وامفهوم‭ ‬الدولةب‭. ‬اتسقت‭ ‬إصداراته‭ ‬هذه‭ ‬مع‭ ‬أطروحاته‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬وفلسفة‭ ‬التاريخ‭ ‬والرواية‭ ‬والسياسة‭ ‬ونقد‭ ‬المثقفين‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ولعل‭ ‬الأهم‭ ‬خلاصاته‭ ‬الجريئة‭ ‬حول‭ ‬القطيعة‭ ‬المعرفية‭ ‬مع‭ ‬التراث،‭ ‬فمن‭ ‬هو‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬مقاربة‭ ‬أفكاره‭ ‬التأسيسية‭ ‬في‭ ‬حقلي‭ ‬اتأريخ‭ ‬المفاهيمب‭ ‬واالقطيعة‭ ‬مع‭ ‬التراثب؟

‭ ‬

هوية‭ ‬العروي‭... ‬المؤرخ‭ ‬والروائي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬

اوُلد‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬أزمور‭ (‬المغرب‭) ‬عام‭ ‬1933،‭ ‬ونال‭ ‬دبلوم‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬عام‭  1956،‭ ‬وفي‭ ‬العلوم‭ ‬التاريخية‭ ‬عام‭ ‬1958،‭ ‬ثم‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬التبريز‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الإسلاميات‭ ‬عام‭ ‬1963‭. ‬وختم‭ ‬اختصاصه‭ ‬عام‭ ‬1976‭ ‬بدكتوراه‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬عمل‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬الجامعي‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬يُفهم‭ ‬من‭ ‬سجله‭ ‬الأكاديمي‭ ‬مدى‭ ‬اهتمامه‭ ‬الشخصي‭ ‬باختصاصات‭ ‬إنسانية‭ ‬وعلمية‭ ‬في‭ ‬آن‭: ‬سياسة،‭ ‬تاريخ،‭ ‬إسلاميات‭. ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬معروفاً‭ ‬ومشهوراً‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬غرباً‭ ‬وشرقاً،‭ ‬ليس‭ ‬عمله‭ ‬الأدبي،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬علامة‭ ‬الاستفهام،‭ ‬وكان‭ ‬البدء‭ ‬بتعريفه‭ ‬أديباً‭ ‬روائياً،‭ ‬يكتب‭ ‬بالعربية‭ ‬مباشرة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬لغات‭ ‬أجنبية‭. ‬عُرف‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬بكتابه‭ ‬الأبرز‭: (‬L>Idéologie‭ ‬Arabe Contemporaine‭) ‬الصادر‭ ‬بالفرنسية‭ ‬عام‭ (‬1967‭), ‬والذي‭ ‬ترجم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬االأيديولوجيا‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرةب‭ (‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مدخلاً‭ ‬لبروز‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬أعقبه‭ ‬بكتابين‭ ‬االعرب‭ ‬والفكر‭ ‬التاريخيب‭ ‬واأزمة‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭: ‬تقليدية‭ ‬أم‭ ‬تاريخية‭?‬ب،‭ ‬عاين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬معضلة‭ ‬التأخر‭ ‬التاريخي‭ ‬عندنا،‭ ‬وقام‭ ‬بتشخيص‭ ‬الأزمة‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬تأرجحها‭ ‬بين‭ ‬المنطق‭ ‬السلفي‭ ‬والمنزع‭ ‬الانتقائي‭). ‬صدرت‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬رواية‭ ‬االيتيمب،‭ ‬ثم‭ ‬ظهرت‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬رواية‭ ‬االغربةب،‭ ‬ورواية‭ ‬االفريقب‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬ورواية‭ ‬اأوراقب‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ (‬انظر‭: ‬خليل،‭ ‬خليل‭ ‬أحمد،‭ ‬موسوعة‭ ‬أعلام‭ ‬العرب‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني،‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬2001،‭ ‬ص‭ ‬812‭ - ‬813‭). ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬أصدر‭ ‬رواية‭ ‬اغيلةب،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬نقل‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭: ‬اتأملات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الرومان‭: ‬أسباب‭ ‬النهوض‭ ‬والانحطاطب‭ ‬للفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬مونتسكيو‭ ‬Montesquieu،‭ ‬وادين‭ ‬الفطرةب‭ ‬للأديب‭ ‬والفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬Jean-Jacques Rousseau‭. ‬أصدر‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬اخواطر‭ ‬الصباح‭: ‬يوميات‭ (‬1967‭-‬1973‭)‬ب‭ ‬سجل‭ ‬فيها‭ ‬خواطره‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬صيف‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬اندلعت‭ ‬الحرب‭ ‬العربية‭ ‬ذ‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الثانية،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو،‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬ندوباً‭ ‬وجراحاً‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬الجمعية‭ ‬العربية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬الثالثة‭.  

وضع‭ ‬العروي‭ ‬مؤلفاتٍ‭ ‬علمية‭ ‬شكلت‭ ‬بصمة‭ ‬معرفية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭: ‬امجمل‭ ‬تاريخ‭ ‬المغربب،‭ ‬اثقافتنا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التاريخب،‭ ‬االإسلام‭ ‬والحداثةب‭ (‬بالفرنسية‭)‬،‭ ‬اإسلاموية،‭ ‬حداثوية،‭ ‬ليبراليةب‭ (‬بالفرنسية‭)‬،‭ ‬االسنّة‭ ‬والإصلاحب‭ (‬2008‭)‬،‭ ‬ امن‭ ‬ديوان‭ ‬السياسةب،‭ ‬اابن‭ ‬خلدون‭ ‬وميكيافيلليب،‭ ‬االعرب‭ ‬والفكر‭ ‬التاريخيب‭ ‬واالأصول‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬للوطنية‭ ‬المغربيةب‭. 

 

العروي‭ ‬متحدثاً‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬مفكراً‭ ‬وعالِماً

في‭ ‬كتاب‭ ‬اهكذا‭ ‬تكلم‭ ‬عبدالله‭ ‬العرويب‭ (‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الباحثين،‭ ‬منتدى‭ ‬المعارف،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬2015‭) ‬يتحدث‭ ‬العروي‭ ‬عن‭ ‬مجموع‭ ‬إنتاجه‭ ‬الفكري‭ ‬امشدداً‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬وحدة‭ ‬تتجاوب‭ ‬وتتكامل‭ ‬أجزاؤهاب‭. ‬جاء‭  ‬في‭ ‬كلامه‭: ‬ادليل‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬هو‭ ‬الآتي‭: ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬نشر‭ ‬لي‭ ‬هو‭ ‬الحوار‭ ‬التلفزيوني‭ ‬المعنون‭ ‬بــــ‭ ‬ارجل‭ ‬الذكرىب،‭ ‬الذي‭ ‬كُتب‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1961،‭ ‬والذي‭ ‬سيُعاد‭ ‬نشره‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ (‬أي‭ ‬2015‭). ‬يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬موضوع‭ ‬الذاكرة‭. ‬الموضوع‭ ‬نفسه‭ ‬تناولته‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬االآفةب‭ ‬وفي‭ ‬كتاب‭ ‬االسنة‭ ‬والإصلاحب‭. ‬ينقسم‭ ‬كتاب‭ ‬االأيديولوجيا‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرةب‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬فصول‭: ‬العرب‭ ‬والأصالة؛‭ ‬العرب‭ ‬والاستمرار‭ ‬التاريخي؛‭ ‬العرب‭ ‬والعقل‭ ‬الكوني؛‭ ‬العرب‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭. ‬يمكن‭ ‬تجزئة‭ ‬أعمالي‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬محاور،‭ ‬كل‭ ‬محور‭ ‬مرتبط‭ ‬بأحد‭ ‬هذه‭ ‬الفصول‭: ‬الأيديولوجيا،‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي،‭ ‬التأصيل،‭ ‬التعبير‭. ‬المحور‭ ‬الأول،‭ ‬وصف‭ ‬وتعبير‭ ‬لمقالات‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬لم‭ ‬أدرس‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬الفلسفة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬فقط‭. ‬هذا‭ ‬موضوع‭ ‬محدد‭. ‬اخترت‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬أيديولوجياً‭. ‬من‭ ‬يُسَمّ‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬بالأيديولوجيا،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يبرر‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يكون‭ ‬الفكر‭ ‬أيديولوجياً؟‭ ‬ثم‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعنيه‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬مؤلفات‭: ‬امفهوم‭ ‬الأيديولوجياب،‭ ‬امفهوم‭ ‬الحريةب‭ ‬وامفهوم‭ ‬الدولةب‭. ‬وزدت‭ ‬الأمور‭ ‬توضيحاً‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬عدة،‭ ‬جمعتها‭ ‬في‭ ‬كتابي‭: ‬اأزمة‭ ‬المثقفين‭ ‬العربب،‭ ‬واثقافتنا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التاريخب‭. ‬زد‭ ‬إلى‭ ‬هذين‭ ‬المؤلفين‭ ‬المحاضرة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬اعوائق‭ ‬التحديثب‭. ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬أعمالي‭ ‬يكوِّن‭ ‬وحدة‭ ‬حول‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬وما‭ ‬يميزها‭ ‬عن‭ ‬الواقعية‭ ‬والموضوعية‭. ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبحث‭ ‬الموضوعي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تسود‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬الأيديولوجيا‭. ‬الغرض‭ ‬منه‭ ‬إظهار‭ ‬أن‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬بالفعل،‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬خاطئ‭ ‬غير‭ ‬مطابق‭ ‬للواقع‭. ‬دراسة‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عامة،‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬يمسّ‭ ‬بالضرورة‭ ‬بلداً‭ ‬بعينه،‭ ‬أي‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخصني‭. ‬لذلك‭ ‬كتبت‭ ‬مجمل‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب،‭ ‬جذور‭ ‬التاريخية‭ ‬الوطنية،‭ ‬المغرب‭ ‬والحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬ومقالات‭ ‬جمعتها‭ ‬في‭ ‬مؤلف‭ ‬مباحث‭ ‬تاريخية‭. ‬الجزء‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬أعمالي‭ ‬تعميق‭ ‬للجزء‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أي‭ ‬تأصيل‭ ‬للتاريخانية‭. ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬التأريخية‭ ‬إلى‭ ‬التاريخانية‭. ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التحليلات‭ ‬أيديولوجية‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تطبق‭ ‬المنطق‭ ‬السليم‭ ‬لدراسة‭ ‬الحاضر‭ ‬والماضي‭. ‬لولا‭ ‬أننا‭ ‬نذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج،‭ ‬لنقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التحليلات‭ ‬إذا‭ ‬حولت‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬تخفق‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬وإن‭ ‬التحليلات‭ ‬المناقضة‭ ‬لها‭ ‬تضمن‭ ‬وحدها‭ ‬النجاح‭. ‬هذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أسميه‭ ‬أنا‭ ‬تاريخاني‭. ‬فوجب‭ ‬أن‭ ‬أُبرِره،‭ ‬أن‭ ‬أُؤَسّس‭ ‬له‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬التاريخ،‭ ‬ثم‭ ‬مفهوم‭ ‬العقل‭. ‬يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذين‭ ‬الكتابين‭ ‬االسنة‭ ‬والإصلاحب‭ ‬وامن‭ ‬ديوان‭ ‬السياسةب‭. ‬هذه‭ ‬محاولة‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬تأصيل‭ ‬التاريخانية‭ ‬بصفتها‭ ‬بوصلة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬الهادف‭. ‬وأخيراً‭ ‬الجزء‭ ‬الرابع‭ ‬الذي‭ ‬يتقاطع‭ ‬مع‭ ‬محتوى‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬يُعنى‭ ‬بالتعبير‭. ‬يتكوّن‭ ‬من‭ ‬خواطر‭ ‬الصباح‭ ‬التي‭ ‬تسجل‭ ‬وقع‭ ‬الأحداث‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬تنظير‭ ‬أو‭ ‬تعقيل‭. ‬ومن‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬تُستحضر‭ ‬الغربة‭ ‬واليتيم‭ ‬وأوراق‭ ‬أخرى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬ذكريات‭ ‬الصبا‭. ‬فيما‭ ‬يصف‭ ‬الفريق‭ ‬وغيلة‭ ‬أوضاع‭ ‬الحاضر،‭ ‬وتستكشف‭ ‬الآفة‭ ‬آفاق‭ ‬مستقبل‭ ‬مظلم‭. ‬لا‭ ‬دور‭ ‬هنا‭ ‬للعقل،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬والخيال‭. ‬انكب‭ ‬جل‭ ‬المحللين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬فقط،‭ ‬ظناً‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬الباقي‭ ‬كله‭ ‬شرح‭ ‬وتوظيف‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭. ‬تصرفوا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أقدم‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬جديدة،‭ ‬عوض‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬انتقدتها‭. ‬لم‭ ‬أقدم‭ ‬التاريخانية‭ ‬كأيديولوجيا‭ ‬بديلة،‭ ‬بل‭ ‬وسيلة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأيديولوجيا،‭ ‬وللالتصاق‭ ‬بالواقع‭ ‬لنضمن‭ ‬بعض‭ ‬النجاح‭ ‬لما‭ ‬نُقدِم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تدبيرب‭ (‬انظر‭: ‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬ص‭ ‬16‭-‬17‭-‬18‭).  

اعتمد‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬مقاربته‭ ‬وتأويله‭ ‬للتاريخ‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬مناهج‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬امنهجية‭ ‬التأسيس‭ ‬للمفاهيمب‭ (‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬االتاريخ‭ ‬بالمفهومب‭) ‬التي‭ ‬رأى‭ ‬إليها‭ ‬امفاهيم‭ ‬اجتماعية‭ ‬تاريخية‭ ‬تتغير‭ ‬باستمرارب‭. ‬وقد‭ ‬بلور‭ ‬منهجه‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬أبحاث‭ ‬مثل‭: ‬امفهوم‭ ‬الأيديولوجياب،‭ ‬امفهوم‭ ‬الحريةب،‭ ‬امفهوم‭ ‬الدولةب،‭ ‬امفهوم‭ ‬التاريخب،‭ ‬امفهوم‭ ‬العقلب‭. ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬وضوح‭ ‬المفهوم‭ ‬مسألة‭ ‬ضرورية‭ ‬لفهم‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التخلص‭ ‬امن‭ ‬التساؤلات‭ ‬الزائفةب،‭ ‬قائلاً‭: ‬اإننا‭ ‬لا‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬مجردة‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬زمان‭ ‬ولا‭ ‬مكان،‭ ‬بل‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬تستعملها‭ ‬جماعة‭ ‬قومية‭ ‬معاصرة‭ ‬هي‭ ‬الجماعة‭ ‬العربية‭. ‬إننا‭ ‬نحلِّل‭ ‬تلك‭ ‬المفاهيم‭ ‬ونناقشها‭ ‬لا‭ ‬لنتوصل‭ ‬إلى‭ ‬صفاء‭ ‬الذهن‭ ‬ودقة‭ ‬التعبير‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لأننا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬نجاعة‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬مشروطة‭ ‬بتلك‭ ‬الدقة‭ ‬وذلك‭ ‬الصفاء‭. ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬البدء‭ ‬بوصف‭ ‬الواقع‭ ‬المجتمعي،‭ ‬آخذين‭ ‬المفاهيم‭ ‬أولاً‭ ‬كشعارات‭ ‬تحدد‭ ‬الأهداف‭ ‬وتنير‭ ‬مسار‭ ‬النشاط‭ ‬القومي‭. ‬وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الشعارات‭ ‬نتوخى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬معقولة‭ ‬صافية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ونلتمس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬حقيقة‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬الراهنب‭ (‬العروي،‭ ‬عبدالله،‭ ‬مفهوم‭ ‬العقل‭: ‬مقالة‭ ‬في‭ ‬المفارقات،‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬الخامسة،‭ ‬2012‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬العروي‭ ‬يدرس‭ ‬المفاهيم‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬التاريخية‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬البعد‭ ‬التأسيسي‭ ‬للمفاهيم‭ ‬تأثر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بما‭ ‬أتت‭ ‬به‭ ‬مدرسة‭ ‬الحوليات‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬الرؤية‭ ‬البنيوية‭ ‬للتاريخ،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬بإطلاق‭ ‬بروديل‭ ‬للمدة‭ ‬الطويلة‭. (‬انظر‭: ‬الخراط،‭ ‬محمد‭: ‬تأويل‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي،‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬2013‭).‬

 

التاريخانية‭ ‬والمنهج‭ ‬‮«‬التاريخاني‮»‬‭ ‬

استند‭ ‬العروي‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬إلى‭ ‬المنهج‭ ‬االتاريخانيب‭ (‬أي‭ ‬المنهج‭ ‬المادي‭ ‬التاريخي‭ ‬والفكر‭ ‬الماركسي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عصارة‭ ‬تركيبية،‭ ‬لخلاصات‭ ‬أعمال‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬ولينين‭ ‬وأنطونيو‭ ‬غرامشي‭. ‬جعل‭ ‬من‭ ‬االماركسية‭ ‬التاريخانيةب‭ ‬أفضل‭ ‬مدخل‭ ‬لفهم‭ ‬وتفكيك‭ ‬ودراسة‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭. ‬وحدد‭ ‬مقومات‭ ‬التاريخانية‭ ‬بأربعة‭: ‬ثبوت‭ ‬قوانين‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي‭ (‬حتمية‭ ‬المراحل‭)‬،‭ ‬ووحدة‭ ‬الاتجاه‭ (‬الماضي‭ - ‬المستقبل‭)‬،‭ ‬وإمكان‭ ‬اقتباس‭ ‬الثقافة‭ (‬وحدة‭ ‬الجنس‭)‬،‭ ‬وإيجابية‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬والسياسي‭ (‬الطفرة‭ ‬واقتصاد‭ ‬الزمن‭) (‬انظر‭: ‬الخراط،‭ ‬محمد‭: ‬تأويل‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي،‭ ‬مرحع‭ ‬سابق‭). ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬توضيح‭ ‬منهجه‭ ‬يقول‭: ‬ابما‭ ‬أن‭ ‬التاريخانية‭ ‬حدت‭ ‬بفلاسفة‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬الانكباب‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وحضاراتهم،‭ ‬فإنها‭ ‬عندي‭ ‬دليل‭ ‬يحيلني‭ ‬على‭ ‬مجتمعي‭ ‬وتاريخه‭ (...). ‬التاريخانية‭ ‬ليست‭ ‬تصوراً‭ ‬مغلقاً‭ ‬تركن‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬بشكل‭ ‬جامد،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬وقراءته‭ ‬بشكل‭ ‬موضوعي‭ ‬لفهم‭ ‬الحاضر‭. ‬هذا‭ ‬الحاضر‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬اليوم‭ ‬بوجود‭ ‬أنموذجين‭ ‬مختلفين‭ ‬للمجتمعات،‭ ‬أطلقت‭ ‬اسم‭ ‬التاريخانية‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬ثقافي‭ ‬معين‭ ‬هو‭ ‬التخلفب‭. ‬

غدا‭ ‬العروي‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬الكيلاني‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬اتفكير‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬الدولة‭: ‬الدولة‭ ‬السلطانية‭ ‬وطوبى‭ ‬الخلافةب‭ - ‬امن‭ ‬أكبر‭ ‬دعاة‭ ‬الحداثة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬تجلّى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وضوح‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬التاريخانية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬واحدية‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬الحداثة‭ ‬الأوربية‭. ‬فأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬التاريخانية‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬العروي‭ ‬بلورتها‭ ‬تياراً‭ ‬له‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ - ‬السياسية‭ ‬العربية،‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬يمكن‭ ‬اختصارها‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬مقومات‭:‬

‭< ‬ثبوت‭ ‬قوانين‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي،‭ ‬أي‭ ‬حتمية‭ ‬التمرحل‭ ‬التاريخي‭.‬

‭< ‬وحدة‭ ‬الاتجاه‭ (‬الماضي،‭ ‬الحاضرو‭ ‬المستقبل‭).‬

‭< ‬إمكان‭ ‬اقتباس‭ ‬الثقافة،‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬وحدة‭ ‬الثقافة‭.‬

‭< ‬إيجابية‭ ‬دور‭ ‬الثقافة‭ ‬والسياسي،‭ ‬بما‭ ‬تعني‭ ‬من‭ ‬إمكان‭ ‬اختصار‭ ‬الزمنب‭.‬

 

عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬مؤرخ‭ ‬المفاهيم‭... ‬الحرية‭ ‬والدولة‭ ‬في‭ ‬الحاضرة‭ ‬العربية

أصدر‭ ‬العروي‭ ‬خمسة‭ ‬مؤلفات‭ ‬اتأصيليةب‭: ‬امفهوم‭ ‬الأيديولوجياب‭ (‬الأدلوجة‭)‬،‭ ‬امفهوم‭ ‬الحريةب،‭ ‬امفهوم‭ ‬الدولةب،‭ ‬امفهوم‭ ‬التاريخب،‭ ‬وامفهوم‭ ‬العقلب‭.‬

‭ ‬في‭ ‬شرحه‭ ‬لــــ‭ ‬االمفهومب‭ ‬يقول‭ ‬العروي‭: ‬اقلت‭ ‬إن‭ ‬المفهوم‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬أتناوله،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬عنوان،‭ ‬كاسم‭ ‬اللغويين،‭ ‬أو‭ ‬فرضية‭ ‬كالتي‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬الرياضيون،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ملخص‭ ‬نظيمة‭ ‬فكرية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬النظيمة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬محجر‭. ‬لا‭ ‬يُدرك‭ ‬خارج‭ ‬حالات‭ ‬الكشف،‭ ‬إلاّ‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬الفكّ‭ ‬والتركيب‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭. ‬المفهوم‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬مدار‭ ‬مجموع‭ ‬القضايا،‭ ‬ومقياس‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭. ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجتمع،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬عهد،‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬التجريد،‭ ‬مفهوم‭ ‬واحد‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والشعور‭ ‬والسلوك‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬إدراكه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬إلاّ‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬محدود،‭ ‬أي‭ ‬عبر‭ ‬مفاهيم‭ ‬أخرى‭ ‬أقل‭ ‬تجريداً‭ ‬وأكثر‭ ‬حملاً‭. ‬إذا‭ ‬لازمنا‭ ‬مسلكاً‭ ‬وسطاً‭ ‬بين‭ ‬الأكثر‭ ‬تجريداً‭ ‬الأقل‭ ‬مضموناً‭ ‬والأقل‭ ‬تجريداً‭ ‬الأقل‭ ‬مضموناً،‭ ‬تناولنا‭ ‬مفاهيم‭ ‬عدة‭ ‬تدرك‭ ‬بعضها‭ ‬بواسطة‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬وتشير‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المفهوم‭ ‬المهيمن‭ ‬عليها‭. ‬وعددها‭ ‬محصور‭ ‬بالضرورة،‭ ‬يقل‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬تجريداً‭ ‬وشمولاً‭. ‬كلامنا‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬تاريخية‭/ ‬اجتماعية،‭ ‬ذات‭ ‬مضامين‭ ‬لا‭ ‬مفاهيم‭ ‬اصطلاحية‭ ‬شكلية‭. ‬تكاد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬تكون‭ ‬مقولات‭ ‬بالمعنى‭ ‬المنطقي،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬أحكاماً‭ ‬مسبقة‭ ‬في‭ ‬العرف‭ ‬الكانطي‭. ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬أي‭ ‬خطاب‭ ‬إلاّ‭ ‬بالوعي‭ ‬بها،‭ ‬وإلاّ‭ ‬عاد‭ ‬لغواً،‭ ‬أي‭ ‬ترديداً‭ ‬للمسموع،‭ ‬بعيد‭ ‬عنا‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬منا،‭ ‬حصل‭ ‬التصديق‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يحصلب‭ (‬انظر‭: ‬العروي،‭ ‬عبدالله،‭ ‬مفهوم‭ ‬العقل،‭ ‬المركز،‭ ‬مرجع‭ ‬سابق،‭ ‬ص‭ ‬14‭ ‬‭- ‬15‭). ‬يوضح‭ ‬العروي‭ ‬شرحه‭ ‬لــــ‭ ‬االمفهومب‭ ‬اتساقاً‭ ‬مع‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬عليها‭: ‬اكتبت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬تتفاوت‭ ‬دقةً‭ ‬وشمولاً،‭ ‬فانعكس‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬بعض‭. ‬الحرية‭ ‬تحيل‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬والأدلوجة‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭... ‬إلخ‭. ‬وكما‭ ‬أحالت‭ ‬الدراسات‭ ‬المنجزة‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬بعض،‭ ‬فإنها‭ ‬تحيل‭ ‬ضمنياً‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬غير‭ ‬منجزة‭. ‬ذُكرت‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬وذُكر‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬الحرية،‭ ‬والجدل‭ ‬ضمن‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬التاريخ،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬أتمم‭ ‬المجموعة‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الثقافة‭ ‬والثورة‭ ‬والأمة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مفهوم‭ ‬مهيمن‭ ‬على‭ ‬الكل،‭ ‬هو‭ ‬بالطبع‭ ‬مفهوم‭ ‬الحداثة‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬مضمون‭ ‬وترتيب‭ ‬المفاهيم‭ ‬المذكورةب‭. (‬المرجع‭ ‬نفسه،‭ ‬ص‭ ‬15‭). ‬

لقد‭ ‬أولى‭ ‬العروي‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬للمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬عليها‭ ‬بجهد‭ ‬علمي‭ ‬استثنائي،‭ ‬يحتاج‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬شروحات‭ ‬وتعقيبات‭ ‬لفهم‭ ‬خلاصاتها‭ ‬ونتائجها‭. ‬لا‭ ‬يتوخى‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬الإحاطة‭ ‬بها‭ ‬كونها‭ ‬تتطلب‭ ‬تفريعاً‭ ‬معرفياً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شرحه‭ ‬العروي‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬أعلاه،‭ ‬لذا‭ ‬ستقتصر‭ ‬معالجتنا‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬إطلالة‭ ‬سريعة‭ ‬حول‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬أدركت‭ ‬بها‭ ‬الليبرالية‭ ‬العربية‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬سياقاتها‭ ‬الغربية،‭ ‬ورأي‭ ‬العروي‭ ‬فيها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬امفهوم‭ ‬الدولةب‭ ‬ذ‭ ‬كما‭ ‬أدركه‭ ‬العروي‭ - ‬في‭ ‬التداول‭ ‬العربي‭. ‬

في‭ ‬كتابه‭ ‬امفهوم‭ ‬الحريةب‭ ‬ذالذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬فصول‭ - (‬الفصل‭ ‬الأول‭: ‬طوبى‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬التقليدي؛‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭: ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التنظيمات؛‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭: ‬الحرية‭ ‬الليبرالية؛‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭: ‬نظرية‭ ‬الحرية؛‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭: ‬اجتماعيات‭ ‬الحرية‭)‬،‭ ‬يقرر‭ ‬العروي‭ ‬أن‭ ‬الليبرالية‭ ‬افي‭ ‬صورتها‭ ‬المبسطة‭ ‬تقر‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬هو‭ ‬أصل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وأن‭ ‬الحرية‭ ‬هي‭ ‬حقه‭ ‬البديهي‭ ‬والطبيعي‭. ‬لا‭ ‬تطرح‭ ‬أبداً‭ ‬الحرية‭ ‬كمشكل،‭ ‬بل‭ ‬تسجلها‭ ‬فقط‭ ‬كظاهرة‭ ‬طبيعية‭ ‬تابعة‭ ‬لوجود‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭. ‬وهكذا‭ ‬تنزع‭ ‬الحرية‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬المساجلات‭ ‬الفلسفية‭ ‬لتوضع‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬السياسة‭ ‬التطبيقية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬التاريخ‭ ‬والتطورب‭ (‬انظر‭: ‬العروي،‭ ‬عبدالله،‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬الخامسة،‭ ‬1993‭). ‬يقول‭ ‬العروي‭: ‬اإن‭ ‬الليبرالية‭ ‬مرت‭ ‬بمراحل‭ ‬أربع‭ ‬أساسية‭: ‬مرحلة‭ ‬التكوين،‭ ‬ومرحلة‭ ‬الاكتمال،‭ ‬ومرحلة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ومرحلة‭ ‬التقوقع،‭ ‬وكل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬تتميز‭ ‬بالتشديد‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬أساسي‭ ‬خاص‭ ‬بها،‭ ‬الذات‭ ‬أولاً،‭ ‬والفرد‭ ‬العاقل‭ ‬ثانياً،‭ ‬والمبادرة‭ ‬الخلاقة‭ ‬ثالثاً،‭ ‬والمغايرة‭ ‬والاعتراض‭ ‬رابعاًب‭.‬

‭ ‬يلحظ‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والباحث‭ ‬المغربي‭ ‬رزين‭ ‬يونس،‭ ‬قارئاً‭ ‬العروي،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬فهمه‭ ‬لكيفية‭ ‬استيعاب‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬لـــ‭ ‬االليبراليةب‭: ‬اأن‭ ‬ضعف‭ ‬الفكر‭ ‬الليبرالي‭ ‬يكمن‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬لم‭ ‬يتمثل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬صائب،‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬قطعته‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي،‭ ‬فراح‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬بمنطق‭ ‬فلاسفة‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬متداخلة‭ ‬مع‭ ‬حرية‭ ‬مفهومة‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الفلاسفة‭ ‬المتأخرين،‭ ‬مثال‭: ‬جان‭ ‬ستوارت‭ ‬ميل‭. ‬كيف‭ ‬يعقل‭ ‬إذاً‭ ‬أن‭ ‬نرسي‭ ‬دعائم‭ ‬الدولة،‭ ‬بدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬لم‭ ‬نستوعبها‭ ‬حق‭ ‬الاستيعاب؟‭ ‬فالفكر‭ ‬الغربي‭ ‬قطع‭ ‬مع‭ ‬هاجس‭ ‬الدولة‭ ‬الثيوقراطية،‭ ‬مؤسساً‭ ‬في‭ ‬البدء،‭ ‬الأطروحة‭ ‬القائلة‭ ‬باقتران‭ ‬الدولة‭ ‬والحرية‭: ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬تتربع‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والدين،‭ ‬والذي‭ ‬تجد‭ ‬تفسيراً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬السلط،‭ ‬لينتهي‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬بالتشديد‭ ‬على‭ ‬الحرية‭ ‬المطلقة‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الخطاب‭ ‬الغربي،‭ ‬راضياً‭ ‬قانعاً‭ ‬ومكتفياً‭ ‬بحرية‭ ‬ممارسة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الدولة،‭ ‬إنما‭ ‬يريد‭ ‬حرية‭ ‬أشمل‭ ‬وأوسع،‭ ‬أبستطاعتنا‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬كما‭ ‬نظر‭ ‬لها‭ ‬جان‭ ‬ستيوارت‭ ‬ميل‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬لم‭ ‬يبرح‭ ‬بعد‭ ‬منطق‭ ‬القبيلة‭. ‬لقد‭ ‬انتقد‭ ‬ميل‭ ‬النظام‭ ‬الإنجليزي‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بحرية‭ ‬أكبر‭. ‬والمسافة‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الإنجليزي‭ ‬والنظام‭ ‬العربي‭ ‬مسافة‭ ‬امتداد‭ ‬البصر‭. ‬هذا‭ ‬شيء‭ ‬واقعي‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يُقال،‭ ‬إن‭ ‬الفكر‭ ‬الليبرالي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬التصاقه‭ ‬بحقيقة‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬غابت‭ ‬عنه‭ ‬الفكرة‭ ‬الحقيقية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التنظير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬موطنها‭ ‬الأصلي‭. ‬زدْ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭: ‬اأن‭ ‬خصوصية‭ ‬الليبرالي‭ ‬العربي‭ ‬أنه‭ ‬يعبد‭ ‬الحرية‭ ‬باندفاع‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحس‭ ‬به‭ ‬زميله‭ ‬الأوربي‭. ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬مجتمعه‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الحريةب‭ (‬انظر‭: ‬رزين‭ ‬يونس،‭ ‬الدولة‭ ‬والحرية‭ ‬موانع‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الليبرالي‭ ‬العربي‭: ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬أطروحات‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬في‭: ‬هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬مرجع‭ ‬سابق،‭ ‬ص‭ ‬274‭-‬275‭).    

في‭ ‬امفهوم‭ ‬الدولةب‭ ‬وزع‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬فصول‭: ‬الأول‭: ‬نظرية‭ ‬الدولة‭ ‬الإيجابية؛‭ ‬الثاني‭: ‬النظرية‭ ‬النقدية‭ ‬للدولة؛‭ ‬الثالث‭: ‬تكوُّن‭ ‬الدولة؛‭ ‬الرابع‭: ‬الدولة‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي؛‭ ‬الخامس‭: ‬دولة‭ ‬التنظيمات؛‭ ‬السادس‭: ‬النظرية‭ ‬وواقع‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬القائمة؛‭ ‬السابع‭: ‬المفارقة‭ ‬الحالية‭. ‬قدم‭ ‬العروي‭ ‬أبرز‭ ‬نظريات‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الأوربي‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬الدولة‭ ‬والتطورات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬لحقته،‭ ‬امنذ‭ ‬أواخر‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬العروي‭ ‬تجاه‭ ‬ملخصات‭ ‬مفاهيم‭ ‬الدولة‭ ‬المتباينة‭ ‬حسب‭ ‬النزعات‭ ‬الفلسفية،‭ ‬سلبياً‭ ‬ولا‭ ‬محايداً،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ناقداً‭ ‬ومحلِّلاً،‭ ‬ومنبهاً‭ ‬للثغر‭ ‬والنواقص‭ ‬التي‭ ‬تعتور‭ ‬أي‭ ‬طرح‭ ‬من‭ ‬الطروحاتب‭ (‬انظر‭: ‬جبرون،‭ ‬محمد،‭ ‬إمكان‭ ‬النهوض‭ ‬الإسلامي‭: ‬مراجعة‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لعبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬مركز‭ ‬نماء‭ ‬للبحوث‭ ‬والدراسات،‭  ‬الطبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬2013،‭ ‬ص‭ ‬112‭). ‬

يدرس‭ ‬العروي‭ ‬الأسس‭ ‬النظرية‭ ‬لمسألة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التجربتين‭ ‬الغربية‭ ‬والعربية‭. ‬اثمة‭ ‬مساران،‭ ‬الأول‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتجربة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬العروي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬وجهات‭ ‬نظر،‭ ‬عند‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬هيغل‭ ‬وماركس‭ ‬وماكس‭ ‬فيبر‭. ‬أما‭ ‬المسار‭ ‬الثاني‭ ‬فيتعلق‭ ‬بالدولة‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬هجري‭ ‬لتأثيرات‭ ‬وضغوط‭ ‬أوربا،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نشوء‭ ‬دولة‭ ‬التنظيمات،‭ ‬وتالياً‭ ‬إلى‭ ‬نشوء‭ ‬التعقيدات‭ ‬الراهنةب‭ (...) ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬فيناقش‭ ‬مسألة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬عبر‭ ‬تعقب‭ ‬تاريخي‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬صعب‭ ‬ومعقد‭. ‬ويخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العناصر‭ ‬المكوِّنة‭ ‬لما‭ ‬نسميه‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭: ‬الدهرية‭ ‬العربية،‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬التنظيم‭ ‬الهرمي‭ ‬الآسيوي‭ (...)‬،‭ ‬ويشير‭ ‬العروي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اسم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التقليدية،‭ ‬والتسمية‭ ‬الأقرب‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬السلطانية،‭ ‬لأنها‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬والأقل‭ ‬التباساً،‭ ‬أما‭ ‬الخلافة‭ ‬فهي‭ ‬طوبى‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الإسلامي‭. ‬أما‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬ودولة‭ ‬فيعيده‭ ‬إلى‭ ‬سلفية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬يعني‭ ‬شيئاً‭ ‬واقعياً‭. ‬تلك‭ ‬الدعوة‭ ‬تبررها‭ ‬ظروف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ظروف‭ ‬مواجهة‭ ‬الفقهاء‭ ‬لليبرالية‭ ‬الغربيةب‭ (‬انظر‭: ‬زيادة،‭ ‬خالد،‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭: ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬موقع‭ ‬حكمة‭ ‬الإلكتروني‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الإحاطة‭ ‬الواسعة‭ ‬بخلاصات‭ ‬العروي‭ ‬انظر‭: ‬العروي،‭ ‬عبدالله،‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة،‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬بيروت،‭ ‬الطبعة‭ ‬التاسعة،‭ ‬2011‭).‬

 

العروي‭ ‬والقطيعة‭ ‬

مع‭ ‬العقل‭ ‬التراثي

اشتهر‭ ‬العروي‭ ‬بدعوته‭ ‬إلى‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬االعقل‭ ‬التراثيب؛‭ ‬لأنه‭ ‬بهذا‭ ‬الفعل‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الإحباط‭ ‬الذي‭ ‬ولدّه‭ ‬فيه‭ ‬العقلان‭ ‬التراثي‭ ‬والنهضوي‭ (‬انظر‭: ‬المصباحي،‭ ‬محمد‭: ‬العقل‭ ‬والمدينة‭ ‬عند‭ ‬الجابري‭ ‬وأركون‭ ‬والعروي‭ ‬ونصّار،‭ ‬في‭: ‬الفلسفة‭ ‬والمدينة،‭ ‬مرجع‭ ‬سابق‭). ‬الاستمرارية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬امفهوم‭ ‬أيديولوجيب‭ ‬لذا‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تخطي‭ ‬االتأخر‭ ‬التاريخيب‭ ‬وتجاوزه،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬اوهذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بالقفز‭ ‬فوق‭ ‬حاجز‭ ‬معرفي،‭ ‬حاجز‭ ‬تراكم‭ ‬المعلومات‭ ‬التقليدية،‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬فيها‭ ‬أبداً‭ ‬النقد‭ ‬الجزئي،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬هو‭ ‬طيّ‭ ‬الصفحة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أسميته‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬أسميه‭ ‬بالقطيعة‭ ‬المنهجية‭... ‬مَن‭ ‬نفى‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬ضرورة‭ ‬القطيعة‭ ‬أصبحت‭ ‬جهوده‭ ‬تحقيقية‭ ‬تافهةب‭. ‬اعتبر‭ ‬العروي‭ ‬أن‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬التغيير‭ ‬والتقدم‭ ‬الحقيقيين،‭ ‬هو‭ ‬الابتعاد‭ ‬الحقيقي‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬للعقل،‭ ‬وعن‭ ‬الموروثات‭ ‬التي‭ ‬تأتّت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭. ‬

ويقول‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التجديد‭ ‬الفاعل‭ ‬خلاّقاً‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مقلد‭. (‬كساب،‭ ‬إليزابيت‭: ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬المقارن،‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬2012‭). ‬

ينتقد‭ ‬العروي‭ ‬خطاب‭ ‬الأصالة‭ ‬والفكر‭ ‬السلفي‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬بالحداثة،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬التاريخي،‭ ‬عربياً،‭ ‬يكون‭ ‬بـــ‭ ‬االدعوة‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬التاريخي،‭ ‬لأن‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الرومانسية‭ ‬والفوضوية،‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬الغاضب،‭ ‬إلى‭ ‬الثوروية‭ ‬الفارغة،‭ ‬يقوي‭ ‬فقط‭ ‬جانب‭ ‬الفكر‭ ‬السلفي،‭ ‬وهذا‭ ‬الفكر‭ ‬كان‭ ‬سبب‭ ‬التخلف،‭ ‬وسيبقى‭ ‬سبب‭ ‬التخلف‭ (...) ‬ليس‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الفكر‭ ‬السلفي‭ ‬أو‭ ‬مفهوم‭ ‬الأصالة،‭ ‬لا‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬الفكر‭ ‬التاريخي‭ ‬ومقوماته‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬مفهوم‭ ‬الأصالة‭ ‬ذاته‭ ‬يعاني‭ ‬اضطراباً‭. ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬تارة‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬الدين،‭ ‬وأخرى‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة،‭ ‬وثالثة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬أنثروبولوجي،‭ ‬ومرة‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬تاريخي‭. ‬ولكل‭ ‬مفهوم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم،‭ ‬فئة‭ ‬تدافع‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬سياسي‭ ‬يسنده‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬مفهوماً‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬حوله‭ ‬أمراً‭ ‬مستصعباًب‭ (‬انظر‭: ‬هاني،‭ ‬إدريس،‭ ‬كيف‭ ‬جرى‭ ‬مفهوم‭ ‬القطيعة‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬موقع‭ ‬هسبريس،‭ ‬25‭ ‬مارس‭ ‬2010‭).‬

يخلص‭ ‬العروي‭ ‬إلى‭ ‬اأن‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬التراث،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قائمة؛‭ ‬وهي‭ ‬قطيعة‭ ‬تمس‭ ‬الميادين‭ ‬كافة‭. ‬وما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬لهذا‭ ‬القديم،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬الرومانسي،‭ ‬ونتيجة‭ ‬انخداع‭ ‬يحول‭ ‬دوننا‭ ‬ودون‭ ‬رؤية‭ ‬واقع‭ ‬القطيعة‭ ‬هذه‭. ‬فليس‭ ‬الوفاء‭ ‬للتراث،‭ ‬هو‭ ‬الواقع،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الانفصال‭ ‬عنه،‭ ‬هو‭ ‬الواقع‭ ‬الحقيقي‭. ‬ويبدو،‭ ‬أن‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬لايزال‭ ‬متخلفاً‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬تحديداً‭. ‬إننا‭ ‬امنذ‭ ‬النهضة،‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬بأجسامنا‭ ‬في‭ ‬قرن‭ ‬وبأفكارنا‭ ‬وشعورنا‭ ‬في‭ ‬قرن‭ ‬سابق،‭ ‬بدعوى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬االروح‭ ‬الأصليب،‭ ‬وتلك‭ ‬كانت‭ ‬خدعة‭ ‬من‭ ‬القسم‭ ‬المتأخر‭ ‬في‭ ‬نفسانيتنا‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعناب‭ (‬انظر‭: ‬هاني،‭ ‬إدريس،‭ ‬كيف‭ ‬جرى‭ ‬مفهوم‭ ‬القطيعة‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬مرجع‭ ‬سابق‭). ‬

قدم‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬أطروحاته‭ ‬بنياناً‭ ‬فكرياً‭ ‬علمياً‭ ‬متراصاً،‭ ‬اتسم‭ ‬بالعقلانية‭ ‬والعمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬على‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري،‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬بالتجديد‭ ‬والدعوة‭ ‬المتكررة‭ ‬للأخذ‭ ‬من‭ ‬الحداثة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬خلاصاً‭ ‬معرفياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬وثقافياً،‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الانسداد‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬لقد‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬العقل‭ ‬حدوده‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭: ‬الا‭ ‬يكون‭ ‬العقل‭ ‬عقلانية،‭ ‬لا‭ ‬يُجسد‭ ‬في‭ ‬السلوك،‭ ‬إلاّ‭ ‬إذا‭ ‬انطلقنا‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬وخضعنا‭ ‬لمنطقه،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬تجديد‭ ‬وتوضيح‭ ‬وتعقيل،‭ ‬أبدلنا‭ ‬به‭ ‬المنطق‭ ‬الموروث،‭ ‬منطق‭ ‬القول‭ ‬والكون،‭ ‬منطق‭ ‬العقل‭ ‬بإطلاقب‭ >‬