الملعب السحري
نعم، إنها تلك المساحة التي تمتد من اللسان وصولاً إلى القلم لينقل إرادته - أي إرادة اللسان -
ولذا يشار إليها باسم ساحة الصراع للأولويات، والتي تقودنا إلى منبع الفكر أو الخيال أو الرغبة... وكثيراً ما تتلاشى في الهواء الطلق إن لم تصح الإرادة وتتمسك بها، والمسمّاة «مربط الفرس».
هنا أجدني - أعترف - بأنني أمرّ بهذا المسار كلما أمسكت بقلمي لأكتب.
فليتقدم قلمي على لساني ليحسم السباق وأتوقف عند «مربط الفرس»، الذي علّمني الوصول إليه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين.
عندما جاءنا رئيساً لتحرير مجلة العربي، وبعد أن اكتشف كم يأخذ مني الراديو والتلفزيون من جهد وكم يتطلب من وقت, نصحني بضرورة تدوين هذه الخبرة بالقلم الساحر - كما كان يسمّيه -.
لقد أخذ بيدي ودلّني على طريق انتقال الفكرة من اللسان إلى القلم، وأذكر أنني شكوت له مرة أنني عندما أقرأ مسودة ما كتبت لا يعجبني، فأعيد الكتابة، فقاطعني قائلاً: هذا هو الخطأ الأكبر... من الآن أعطيني كل ما تكتبين حتى أتمكن من أن أدلك على الطريق، وحذّرني من إعادة القراءة لما أكتب وقال: إن هذا الأسلوب لا يخلق منك كاتبة، ثم اقترح عليّ أمراً آخر... قال - رحمه الله - أنت تسافرين كثيراً... فلماذا لا تدخلين عالم «أدب الرحلات»؟ فاستهوتني الفكرة، ولكن تقدم الكسل عليها... ألم يُقل إن الكسل أحلى من العسل؟
لم ييأس - رحمه الله - وعاود ملاحقتي وقال لي يوماً: «طيب اكتبي قصة»، وضحكت قائلة: يا أبوزياد أنا أكثر إنسانة واقعية على خارطة الكويت، كيف لي أن كتب قصة؟ فقال: جرّبي، وما كنت أتصوّر أنني سوف أجرّب، ولكنه حدث، فقد كان ذلك تحديّاً... وكتبت قصتين بدلاً من واحدة، ونُشرتا في مجلة العربي في ثمانينيات القرن الماضي.
والغريب أنني وجدت اسمي في دراسة كُتبت آنذاك عن القصة القصيرة في الكويت، وشعرت بخجل شديد بدلاً من الفرح، ولما علم أستاذي العظيم بذلك قال لي: أنت عنيفة في تقدير نفسك، فقلت له: هذا يريحني أكثر حتى لا أصبح صورة عن فلانة أو فلانة، فضحك كثيراً.
ليرحمك الله يا أبازياد، كنت صديقاً صدوقاً ومعلماً رائعاً، أذكرك كلما دخلت «مربط الفرس» قائلة: حقاً هو ملعب سحري .