عرشُ السُّلطان أكْبر

عرشُ السُّلطان أكْبر

في‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬دلهي‭ ‬إلى‭ ‬أجرا،‭ ‬توقفت‭ ‬في‭ ‬محطاتٍ‭ ‬كثيراتٍ،‭ ‬كُنتُ‭ ‬أقرأ‭ ‬خلالها‭ ‬صفحاتٍ‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬طبقات‭ ‬أكبري‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬نظام‭ ‬الدين‭ ‬أحمد‭ ‬بخشي،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ - ‬بلسانه‭ - ‬ذكراً‭ ‬مجملاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬جلائل‭ ‬فتوحات،‭ ‬وعظائم‭ ‬حالات،‭ ‬أتباع‭ ‬الحضرة‭ ‬المقدسة‭ ‬المنزلة‭ ‬لمركز‭ ‬دائرة‭ ‬الرأفة‭ ‬وقطب‭ ‬فلك‭ ‬الخلافة‭ ‬السلطان‭ ‬السعيد،‭ ‬ملك‭ ‬الملوك‭ ‬العادل،‭ ‬مُظهر‭ ‬القدرة‭ ‬الإلهية،‭ ‬صاحب‭ ‬التأييد‭ ‬السماوي،‭ ‬رافع‭ ‬عرش‭ ‬العظمة‭ ‬والجلال،‭ ‬باني‭ ‬قصر‭ ‬الدولة‭ ‬والإقبال،‭ ‬رافع‭ ‬المسند‭ ‬الحقيقي‭ ‬والمجازي،‭ ‬أبي‭ ‬الفتح‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬أكبر‭ ‬بادشاه‭ ‬غازي،‭ ‬خلَّد‭ ‬الله‭ ‬ملكه،‭ ‬وأيد‭ ‬ظلال‭ ‬عدله‭ ‬وإحسانه‮»‬‭. ‬

كنتُ‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬امتلك‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات،‭ ‬لكنه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬مدحه‭ ‬وزيره‭ ‬وصديقه‭ ‬أبو‭ ‬الفضل‭ ‬بن‭ ‬المبارك،‭ ‬أشهر‭ ‬مؤرخي‭ ‬عصر‭ ‬السلطان‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬نامه‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬به‭ ‬أحداث‭ ‬ست‭ ‬وأربعين‭ ‬سنة‭ ‬قضاها‭ ‬السلطان‭ ‬بالحكم،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬هجاء،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مناقب‭ ‬عند‭ ‬محبيه،‭ ‬أصبح‭ ‬مجرد‭ ‬مثالب‭ ‬عند‭ ‬كارهيه،‭ ‬وبين‭ ‬المحبة‭ ‬والبغض،‭ ‬وبين‭ ‬الحقائق‭ ‬والأساطير،‭ ‬وبين‭ ‬دلهي‭ ‬وأجرا،‭ ‬ومدن‭ ‬وعواصم‭ ‬أخرى،‭ ‬وجدت‭ ‬طرفاً‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل،‭ ‬بل‭ ‬إنني‭ ‬تحدثت‭ ‬إلى‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬أكبر‭ ‬نفسه،‭ ‬واستمعتُ‭ ‬منه،‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬مات‭ - ‬تاريخياً‭ - ‬في‭ ‬العام‭ ‬1605م،‭ ‬فإن‭ ‬لقائي‭ ‬به‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬قرون‭! ‬

إنه‭ ‬العام‭ ‬2008م‭. ‬

يمتد‭ ‬بساط‭ ‬أحمر،‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬قصر‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬عاصمته‭ ‬أجرا‭ ‬بالهند،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬سلَّم‭ ‬هرمٍ‭ ‬زجاجيٍّ‭ ‬عملاق‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قازان‭ ‬عاصمة‭ ‬تتارستان،‭ ‬إحدى‭ ‬جمهوريات‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭. ‬

سيهبط‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المركبة‭ ‬التي‭ ‬أقلته،‭ ‬ويلوح‭ ‬للجماهير‭ ‬المصطفة‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬البساط‭ ‬المُفضي‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬الكبير،‭ ‬وكأنه‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬الأغنية‭ ‬التي‭ ‬رددها‭ ‬له‭ ‬محبه‭: ‬

‮«‬عظيم‭ ‬الشان،‭ ‬شاهنشاه»؛‭ ‬أي‭ ‬عظيم‭ ‬الشأن،‭ ‬ملك‭ ‬الملوك‭. ‬

أمعنتُ‭ ‬النظر،‭ ‬لهذا‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬بعث‭ ‬شخصية‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مرقدها‭ ‬بعد‭ ‬400‭ ‬سنة،‭ ‬إنه‭ ‬الممثل‭ ‬إريتيك‭ ‬روشان،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬ليقدم‭ ‬فيلمه‭ ‬‮«‬جودا‭ ‬أكبر‮»‬‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المنبر‭ ‬الذهبي‭ ‬الدولي‭ ‬لسينما‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬مهرجان‭ ‬قازان‭ ‬الدولي‭ ‬لسينما‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‮»‬‭).  ‬جاء‭ ‬إريتيك‭ ‬روشان‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬فنية،‭ ‬لوالدين‭ ‬منتجين‭ ‬للسينما،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬ظهر‭ ‬طفلاً‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬بوليوود،‭ ‬وعمل‭ ‬لسنوات‭ ‬مخرجاً‭ ‬مساعداً،‭ ‬وتزوج‭ ‬ممثلة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬له‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬جودا‭ ‬أكبر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ - ‬مع‭ ‬مواطنته‭ ‬ملكة‭ ‬جمال‭ ‬العالم‭ ‬الممثلة‭ ‬آيشورايا‭ ‬راي‭ - ‬أبواب‭ ‬النجومية‭ ‬والشهرة‭ ‬بعد‭ ‬تجسيده‭ ‬شخصية‭ ‬السلطان‭ ‬المغولي‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر،‭ ‬وبعد‭ ‬نجاح‭ ‬لافت‭ ‬للفيلم‭ ‬التاريخي‭ ‬تجارياً‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وخارجها‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬روشان‭ ‬نال‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬لقائنا‭ ‬الأول‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬ممثل‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬بالمهرجان‭ ‬نفسه‭. ‬

لم‭ ‬أبحث‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬الشبه‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬السلطانين؛‭ ‬الحقيقي‭ ‬والممثل،‭ ‬فقد‭ ‬تكفلت‭ ‬المنمنمات‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬مخطوطات‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬نامه‮»‬‭ ‬المصورة‭ ‬بتقديم‭ ‬ملامح‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬استلهمها‭ ‬الفيلم،‭ ‬والتي‭ ‬منحت‭ ‬صفات‭ ‬أخرى‭ ‬إضافية،‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬المؤرخون‭ ‬المحبون،‭ ‬تعطي‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية‭ ‬مظاهر‭ ‬القوة،‭ ‬ولمَ‭ ‬لا،‭ ‬وهو‭ ‬يصطاد‭ ‬ويروض‭ ‬الحيوانات‭ ‬البرية،‭ ‬ويصارع‭ ‬ويهزم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أضخم‭ ‬منه‭ ‬جسدياً،‭ ‬مثلما‭ ‬تمنحه‭ ‬خصال‭ ‬الرحمة،‭ ‬والتسامح‭ ‬الديني‭. ‬

نحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬دلهي،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬مدوناً‭ ‬قديماً‭ ‬‮«‬دهلي‮»‬،‭ ‬سننتقل‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬تالية‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬بصمات‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬مثل‭ ‬عاصمته‭ ‬فتح‭ ‬بور‭ ‬سيكري،‭ ‬في‭ ‬راجستان،‭ ‬وحتى‭ ‬ميناء‭ ‬سورات‭ ‬في‭ ‬كوجرات،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أكرا‭ (‬أجرا،‭ ‬وآغره‭ ‬في‭ ‬كتاباتٍ‭ ‬أخرى‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬ضريح‭ ‬تاج‭ ‬محل‭. ‬

رقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬كبيرة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬مُلك‭ ‬السلطان‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬نشاطات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬بلاط‭ ‬السلطان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قبلة‭ ‬المؤرخين‭ ‬ومَحج‭ ‬الأدباء‭ ‬ومجلس‭ ‬المفكرين‭ ‬وقاعدة‭ ‬العقائد‭ ‬والمذاهب،‭ ‬ومدرسة‭ ‬العلماء،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬مقرباً‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجلسه‭ ‬الخاص‭/ ‬خاص‭- ‬ي‭ ‬ذ‭ ‬محل‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬سمي‭ ‬في‭ ‬جُل‭ ‬الكتابات‭ ‬التاريخية‭ ‬‮«‬عبادت‭ - ‬خانه‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مكان‭ ‬العبادة‮»‬‭. ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬دهلي‭ ‬التي‭ ‬تمثل،‭ ‬مع‭ ‬سلطانها،‭ ‬مركز‭ ‬الهندوستان،‭ ‬ونهاية‭ ‬طبقة‭ ‬سلاطينها‭.‬

 

أمام‭ ‬ضريح‭ ‬همايون‭ ‬

كان‭ ‬والده؛‭ ‬السلطان‭ ‬همايون‭ (‬17‭ ‬مارس‭ ‬1508م‭ -‬7‭ ‬مارس‭ ‬1556م‭)‬،‭ ‬من‭ ‬أحفاد‭ ‬أشهر‭ ‬اثنين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المعارك‭ ‬الآسيوية؛‭ ‬الأمير‭ ‬تيمور‭ (‬تيمورلنك‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬التاريخية‭ ‬العربية،‭ ‬وتعني‭ ‬تيمور‭ ‬الأعرج‭)‬،‭ ‬وملك‭ ‬المغول‭ ‬الأشهر‭ ‬جنكيز‭ ‬خان،‭ ‬منهما‭ ‬جاء‭ ‬عُمر‭ ‬شيخ‭ ‬ميرزا‭ ‬حاكم‭ ‬فرغانة،‭ ‬والد‭ ‬سيد‭ ‬السلاطين‭ ‬محمد‭ ‬بابر،‭ ‬فاتح‭ ‬الهند‭ ‬وجَدُّ‭ ‬سلطاننا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭. ‬لقد‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬يشرح‭ ‬سلالته،‭ ‬السابقة‭ ‬عليه‭ ‬واللاحقة‭ ‬له،‭ ‬للشيخ‭ ‬ياسين‭ ‬العجلوني‭. ‬

وقفت‭ ‬أمام‭ ‬مدخل‭ ‬ضريح‭ ‬السلطان‭ ‬همايون‭ (‬1530م‭)‬،‭ ‬في‭ ‬دلهي،‭ ‬تحمل‭ ‬كل‭ ‬مآثر‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية،‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬آثارها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬الإسلامية‭ (‬قديماً‭)‬،‭ ‬الهند‭ ‬والباكستان‭ ‬وبنجلاديش‭ ‬وكشمير‭ (‬حالياً‭). ‬وهي‭ ‬عمارة‭ ‬مزجت‭ - ‬بمرونة‭ - ‬تقاليد‭ ‬العمارة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬وحضارة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الفتوحات،‭ ‬حيث‭ ‬استخدمت‭ - ‬كتقليد‭ ‬محلي‭ - ‬الحجر‭ ‬والخشب‭ ‬كمادتين‭ ‬أساسيتين،‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬العمارة‭ ‬الفارسية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وتركستان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬التي‭ ‬شيدت‭ ‬من‭ ‬الطوب‭ ‬الطيني‭ (‬اللبن‭) ‬والمحروق‭ (‬الآجر‭)‬،‭ ‬وزينت‭ ‬بالفسيفساء‭ ‬الخزفية‭. ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬التزيين‭ ‬الخارجي‭ ‬تميزت‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية‭ ‬بالنقش‭ ‬على‭ ‬الحجر‭ ‬والجص‭ ‬والفسيفساء‭ ‬الرخامية‭ ‬والترصيع‭ ‬والحجارة‭ ‬الملونة‭. ‬

كانت‭ ‬الأبنية‭ ‬المغولية‭ ‬في‭ ‬رحلتنا‭ ‬ذوات‭ ‬مساقط،‭ ‬وهي‭ ‬صحون‭ ‬واسعة‭ ‬محاطة‭ ‬بأروقة‭ ‬مسقوفة‭ ‬أحياناً‭ ‬بقباب‭ ‬صغيرة،‭ ‬ومن‭ ‬النافورة‭ ‬التي‭ ‬رأيناها‭ ‬أمام‭ ‬الضريح،‭ ‬والحدائق‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بالقلاع،‭ ‬كما‭ ‬شاهدناها‭ ‬من‭ ‬علٍ،‭ ‬تتضح‭ ‬العناية‭ ‬الكبرى‭ ‬بتنظيم‭ ‬الحدائق‭ ‬والمياه،‭ ‬وهو‭ ‬إرث‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬الصفويين‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وشاعت‭ ‬العقود‭ ‬المدببة‭ ‬الفارسية،‭ - (‬قسمها‭ ‬العلوي‭ ‬مقعر‭ ‬نحو‭ ‬الخارج‭) ‬والفاطمية‭ (‬بقوس‭ ‬علوي‭ ‬مستقيم‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬انتشرت‭ ‬القباب‭ ‬ذوات‭ ‬الأقواس‭ ‬المدببة‭ ‬والدائرية،‭ ‬ومعظمها‭ ‬من‭ ‬طبقتين‭ ‬بينهما‭ ‬فراغ‭ ‬واسع،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬عنصرها‭ ‬العلوي‭ ‬يشبه‭ ‬الكأس‭ ‬المقلوبة‭. ‬أما‭ ‬الأروقة‭ ‬فهي‭ ‬مظللة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مظللة،‭ ‬تعلوها‭ ‬قبة‭ ‬أو‭ ‬قنطرة‭. ‬وهناك‭ ‬رفوف‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬الواجهات‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬الأروقة‭ ‬أو‭ ‬أسفل‭ ‬طاسة‭ - ‬القبة‭ ‬من‭ ‬ألواح‭ ‬حجرية‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬رخام‭ ‬محمول‭ ‬بواسطة‭ ‬مساند‭ ‬حجرية،‭ ‬وقلَّ‭ ‬استعمال‭ ‬الأعمدة‭ ‬واستخدمت‭ ‬العضائد‭ ‬بدلاً‭ ‬منها‭.‬

أما‭ ‬مآذن‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الحجر،‭ ‬وهي‭ ‬تبدو‭ ‬مضلعة‭ ‬أو‭ ‬أسطوانية‭ ‬مخروطية‭ ‬ذات‭ ‬شكل‭ ‬نخلي،‭ ‬زخارفها،‭ ‬وزخارف‭ ‬الجدران‭ ‬في‭ ‬المنشآت‭ ‬تنتهي‭ ‬بمقرنصات‭ ‬ومحاريب‭ ‬ونقوش‭ ‬حجرية،‭ ‬وتطعم‭ ‬حجارة‭ ‬البناء‭ ‬الأساسية‭ ‬بحجارة‭ ‬من‭ ‬لون‭ ‬مختلف‭ (‬خلط‭) ‬كالرخام‭. ‬وقد‭ ‬شاع‭ ‬استخدام‭ ‬الرخام‭ ‬الأبيض‭ ‬كمادة‭ ‬أساسية‭ ‬للبناء،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬فسيفساء‭ ‬حجرية‭ ‬أو‭ ‬رخامية‭ ‬أو‭ ‬أحجار‭ ‬كريمة‭ ‬مغروسة‭ ‬أو‭ ‬مخلوطة،‭ ‬مثلما‭ ‬خلطت‭ ‬قطع‭ ‬الزجاج‭ ‬الملون‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬لتعكس‭ ‬أشعة‭ ‬الضوء‭ ‬بافتتان‭ ‬ملون‭. ‬وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬الرسوم‭ ‬الجدارية‭ ‬الملونة‭ ‬بالحوائط‭ ‬والسقوف‭ ‬والعضائد‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬الترصيع‭ ‬لسرعتها‭ ‬وقلة‭ ‬كلفتها،‭ ‬مثلما‭ ‬رسمت‭ ‬المواضيع‭ ‬الزخرفية‭ ‬بالألوان‭ ‬فوق‭ ‬أرضية‭ ‬بيضاء‭ ‬من‭ ‬الكلس‭ ‬أو‭ ‬الجص‭ ‬أو‭ ‬عجينة‭ ‬الصدف،‭ ‬بحيث‭ ‬تبدو‭ ‬كالرخام‭ ‬الناصع‭ ‬البياض‭. ‬عمارة‭ ‬ستبلغ‭ ‬قمتها‭ ‬في‭ ‬ضريح‭ ‬حفيده‭ ‬شاه‭ ‬جهان‭ ‬وزوجته‭ ‬المحبة،‭ ‬والمعروف‭ ‬باسم‭ ‬تاج‭ ‬محل،‭ ‬الذي‭ ‬اختتمنا‭ ‬به‭ ‬رحلتنا‭ ‬في‭ ‬راجستان‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭.‬

 

حين‭ ‬أشرقت‭ ‬الشمسُ‭ ‬

قبل‭ ‬وفاته،‭ ‬أرسل‭ ‬السلطان‭ ‬همايون‭ ‬ابنه‭ ‬الأمير‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬دهلي‭ ‬إلى‭ ‬سوالك،‭ ‬مع‭ ‬ركن‭ ‬السلطنة‭ ‬بيرام‭ ‬خان،‭ ‬لدفع‭ ‬ورفع‭ (‬قتال‭) ‬اسكندر‭ ‬خان‭ ‬أفغاني‭. ‬وحين‭ ‬وصل‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬كلانور‭ (‬تتبع‭ ‬لاهور‭ ‬عاصمة‭ ‬إقليم‭ ‬البنجاب‭ ‬في‭ ‬الباكستان‭ ‬حالياً‭) ‬جاء‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬السلطان‭ ‬همايون،‭ ‬فأجلس‭ ‬بيرم‭ ‬خان‭ ‬الأمير‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬السلطنة‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭ ‬سنة‭ ‬963‭ ‬هـ،‭ ‬بموافقة‭ ‬أمراء‭ ‬وقادة‭ ‬الجيش،‭ ‬أمام‭ ‬قصبة‭ (‬قلعة‭) ‬كلانور‭. ‬

يقول‭ ‬نظام‭ ‬الدين‭ ‬أحمد‭ ‬بخشي،‭ ‬بترجمة‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالقادر‭ ‬الشاذلي،‭ ‬عن‭ ‬الفارسية،‭ ‬بتصرف‭:‬

عندما‭ ‬أشرقت‭ ‬الشمسُ‭ ‬على‭ ‬العَرش،

وعقدَ‭ ‬الفلكُ‭ ‬رباطه‭ ‬جيداً‭ ‬على‭ ‬الغُلام،

فرح‭ ‬كل‭ ‬العظماء،‭ ‬ورفعوه‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬عالياً،

ونشروا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬لائق‭ ‬بالعرش‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬سعيد‭ ‬الحظ،

فكلما‭ ‬كانت‭ ‬الشمسُ‭ ‬عالية،‭ ‬استفاد‭ ‬العالمُ‭ ‬من‭ ‬نورها‭.‬

تبدأ‭ ‬سنوات‭ ‬حكم‭ ‬جلال‭ ‬الدين،‭ ‬بالنوروز،‭ ‬وهو‭ ‬عيد‭ ‬أول‭ ‬السنة‭ ‬الشمسية،‭ ‬واحتفال‭ ‬أساسه‭ ‬فارسي،‭ ‬مطلعه‭ ‬21‭ ‬مارس،‭ ‬حين‭ ‬تدخل‭ ‬الشمس‭ ‬برج‭ ‬الحمل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بداية‭ ‬الربيع‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وقد‭ ‬اعتاد‭ ‬المغول‭ ‬الاحتفال‭ ‬به‭ ‬تسعة‭ ‬عشر‭ ‬يوماً‭ (‬مقابل‭ ‬12‭ ‬يوماً‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إيران‭).‬

السنوات‭ ‬التاليات‭ ‬امتدت‭ ‬في‭ ‬بسط‭ ‬النفوذ،‭ ‬بالحرب‭ ‬والحصار‭ ‬حيناً،‭ ‬وبعهود‭ ‬السلام‭ ‬حيناً‭ ‬آخر،‭ ‬فخضعت‭ ‬قلاع‭ ‬كواليار،‭ ‬ورنتهبور،‭ ‬وترهنده،‭ ‬وكاكرون‭ ‬وغيرها‭ ‬وقصبتي‭ ‬سكندره،‭ ‬وأركدار‭ ‬وسواهما،‭ ‬يروض‭ ‬الأفيال‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مالوه،‭ ‬ويصيد‭ ‬القردة‭ - ‬في‭ ‬فيروزه،‭ ‬ويغزو‭ ‬ويخضع‭ ‬مناطق‭ ‬وولايات‭ ‬عدة،‭ ‬ويخلع‭ ‬الألقاب‭ ‬على‭ ‬حلفائه،‭ ‬ومنهم‭ ‬شاه‭ ‬الصفويين‭ ‬طهماسب‭.‬

كانت‭ ‬هناك‭ ‬رابطة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬الود‭ ‬والاتحاد‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬الأب‭ ‬همايون‭ ‬وشاه‭ ‬طهماسب‭ ‬صفوي،‭ ‬لذلك‭ ‬أراد‭ ‬طهماسب‭ ‬تجديد‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الابن،‭ ‬فأرسل‭ ‬معصوم‭ ‬بيك‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬بهدايا‭ ‬وتحف‭ ‬مع‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬بلاط‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬آكره،‭ ‬فأنعم‭ ‬السلطان‭ ‬على‭ ‬الرسول‭ ‬بمبلغ‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬تنكه،‭ ‬واستضافه‭ ‬شهرين‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الخلافة،‭ ‬ومنحه‭ ‬خلعة‭ ‬خاصة‭ ‬وجواداً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بتحف‭ ‬وهدايا‭ ‬هندوستانية‭ ‬إلى‭ ‬طهماسب‭. ‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬العاطفة‭ ‬الجياشة‭ ‬تجاه‭ ‬المقربين‭ ‬كان‭ ‬يقابلها‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬قاس‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬ضد‭ ‬الخائنين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬به‭ ‬ضد‭ ‬أدهم‭ ‬خان‭ ‬كوكلتاش،‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬الخان‭ ‬الأعظم‭ ‬وكيل‭ ‬السلطنة،‭ ‬غروراً‭ ‬وغواية،‭ ‬وتهجم‭ ‬على‭ ‬الحرم‭ ‬السلطاني،‭ ‬فخرج‭ ‬له‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬وضربه،‭ ‬وأمر‭ ‬بإلقائه‭ ‬حياً‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬القصر،‭ ‬ولما‭ ‬بقي‭ ‬فيه‭ ‬رمق‭ ‬حياة،‭ ‬أعاد‭ ‬جنوده‭ ‬الكرة،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬جودا‭ ‬أكبر‭ (‬214‭ ‬دقيقة‭) ‬قاسياً‭ ‬وعنيفاً،‭ ‬لكنه‭ ‬يكشف‭ ‬بعداً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬الحاكم،‭ ‬الذي‭ ‬ينزع‭ ‬قناع‭ ‬الحلم‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬معها‭.‬

 

لقاء‭ ‬مع‭ ‬البرتغاليين

ولكن‭ ‬محك‭ ‬قراءة‭ ‬تاريخ‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر‭ ‬يظهر‭ ‬جلياً،‭ ‬في‭ ‬علاقته،‭ ‬كسلطان‭ ‬مسلم،‭ ‬بالأديان‭ ‬الأخرى،‭ ‬السماوية‭ ‬والأرضية،‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬أو‭ ‬جاءتها‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭. ‬

ففي‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬تم‭ ‬توثيق‭ ‬أول‭ ‬حضور‭ ‬للكاثوليك‭ ‬الأوربيين‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الهند‭. ‬وقد‭ ‬راسل‭ ‬السلطان‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر‭ ‬إلى‭ ‬البعثة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬ومدينة‭ ‬جوا‭ ‬‮«‬Goa‮»‬‭ ‬وكانت‭ ‬برتغالية،‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬أساطيل‭ ‬البرتغال‭ ‬عام‭ ‬916هـ‭/ ‬1510م،‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬جوا‭ ‬وديو‭ ‬‮«‬Diu‮»‬‭ ‬ودامان‭ ‬‮«‬Daman‮»‬‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬الهند‭ ‬الغربية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬الشواطئ‭ ‬الهندية،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬وصلت‭ ‬أعالي‭ ‬خليج‭ ‬البنغال‭ ‬عام‭ ‬944هـ‭/ ‬1537م‭. ‬أراد‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬البعثة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬البرتغالية‭ ‬أن‭ ‬يوفدوا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬يعرِّفه‭ ‬بدينهم،‭ ‬كما‭ ‬يكشف‭ ‬الباحث‭ ‬الدكتور‭ ‬سعد‭ ‬الغامدي،‭ ‬أستاذ‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬ودراساته‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬له،‭ ‬شارك‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ (‬عام‭ ‬الفيلم‭ ‬أيضاً‭)‬،‭ ‬بمؤتمر‭ ‬أقامته‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬كلية‭ ‬دار‭ ‬العلوم‭  - ‬جامعة‭ ‬المنيا‭.‬

وصل‭ ‬الوفد‭ ‬الديني‭ ‬البرتغالي‭ ‬إلى‭ ‬بلاط‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر،‭ ‬بمدينة‭ ‬الفتح‭ ‬في‭ ‬سيكري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬986هـ‭/ ‬1578م،‭ ‬يمثل‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬القس‭ ‬بول‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬مظاهر‭ ‬تأثر‭ ‬السلطان‭ ‬بشروح‭ ‬الوفد‭ ‬كثيراً،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬خصص‭ ‬مربياً‭ ‬منهم‭ ‬ليعلّم‭ ‬ابنه‭ ‬مراد‭ ‬اللغة‭ ‬البرتغالية،‭ ‬وطلب‭ ‬أكبر‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يُعَلَّمَ‭ ‬هو‭ ‬نفسُهُ‭ ‬اللغة‭ ‬البرتغالية‭ (‬وهو‭ ‬الأمي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭). ‬

وضم‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬رعاية‭ ‬الطقوس‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬الأُخَر‭ ‬التي‭ ‬يعتنقها‭ ‬مواطنوه،‭ ‬كالهندوسية‭ ‬والبوذية‭ ‬واليانية‭ ‬والزرادشتية‭ ‬والبوذية‭ ‬التبتية‭ ‬اللاما‭ ‬والسمنية‭ ‬السندية‭ ‬والبراهمية،‭ ‬كما‭ ‬سمح‭ ‬ببناء‭ ‬كنس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الفتح‭ ‬بسيكري،‭ ‬وبناء‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬لاهور‭. ‬وترك‭ ‬لهم‭ ‬ولبقية‭ ‬مواطنيه‭ ‬حرية‭ ‬التعبد،‭ ‬وشاركهم‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬أقاموها‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬الفتح‭ ‬في‭ ‬سيكري،‭ ‬لكنه‭ ‬رفض‭ ‬طلباً‭ ‬لهم‭ ‬بأن‭ ‬يعتنق‭ ‬المسيحية‭.‬

هكذا‭ ‬كان‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬مسلماً‭ ‬وهندياً،‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬فهو‭ ‬مسلم‭ ‬يتبع‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وأحاديث‭ ‬الرسول،‭ ‬ويجد‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنّة‭ ‬مصدر‭ ‬سماحته،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬هندي‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ترابط‭ ‬تلك‭ ‬الأعراق‭ ‬والأديان‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬قوي‭ ‬موحد‭ ‬يستلزم‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عادلاً‭ ‬في‭ ‬سياسته‭ ‬الدينية‭ ‬التسامحية‭ ‬تجاه‭ ‬من‭ ‬ينتمون‭ ‬إليها،‭ ‬كافة‭ ‬الأديان،‭ ‬ودليلاً‭ ‬يهدي‭ ‬إلى‭ ‬حريات‭ ‬التعبد‭ ‬والتسامح‭ ‬في‭ ‬ما
بين‭ ‬أصحاب‭ ‬الديانات‭ ‬وأتباعها‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬دولته‭. ‬وتكفي‭ ‬إشارات‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬الله‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬نهج‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭: ‬‭{‬لَا‭ ‬إِكْرَاهَ‭ ‬فِي‭ ‬الدِّينِ‭ ‬قَدْ‭ ‬تَبَيَّنَ‭ ‬الرُّشْدُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْغَيِّ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬البقرة‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬256‭)‬،‭ ‬‭{‬إِنَّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬هَادُوا‭ ‬وَالنَّصَارَى‭ ‬وَالصَّابِئِينَ‭ ‬مَنْ‭ ‬آمَنَ‭ ‬بِاللَّهِ‭ ‬وَالْيَوْمِ‭ ‬الْآخِرِ‭ ‬وَعَمِلَ‭ ‬صَالِحًا‭ ‬فَلَهُمْ‭ ‬أَجْرُهُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬رَبِّهِمْ‭ ‬وَلَا‭ ‬خَوْفٌ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬وَلَا‭ ‬هُمْ‭ ‬يَحْزَنُونَ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬البقرة‭: ‬62‭).  ‭{‬فَبِمَا‭ ‬رَحْمَةٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬لِنْتَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَلَوْ‭ ‬كُنْتَ‭ ‬فَظًّا‭ ‬غَلِيظَ‭ ‬الْقَلْبِ‭ ‬لَانْفَضُّوا‭ ‬مِنْ‭ ‬حَوْلِكَ‭ ‬فَاعْفُ‭ ‬عَنْهُمْ‭ ‬وَاسْتَغْفِرْ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَشَاوِرْهُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الْأَمْرِ‭}‬‭ ‬‭(‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭: ‬من‭ ‬الآية‭  ‬159‭). ‬‭{‬وَمَا‭ ‬كَانَ‭ ‬لِنَفْسٍ‭ ‬أَنْ‭ ‬تُؤْمِنَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬بِإِذْنِ‭ ‬اللَّهِ‭}‬‭(‬سورة‭ ‬يونس‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬100‭).  ‭{‬وَلَا‭ ‬تُجَادِلُوا‭ ‬أَهْلَ‭ ‬الْكِتَابِ‭ ‬إِلَّا‭ ‬بِالَّتِي‭ ‬هِيَ‭ ‬أَحْسَنُ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬العنكبوت‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬46‭). ‬

 

سطور‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬نامه‮»‬‭ ‬

سنعود‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬نامه‮»‬،‭ ‬ذلك‭ ‬السجل‭ ‬التاريخي‭ ‬لسنوات‭ ‬حكم‭ ‬السلطان‭ ‬جلال‭ ‬الدين،‭ ‬وفيه‭ ‬يقدم‭ ‬الوزير‭ ‬أبو‭ ‬الفضل‭ ‬بن‭ ‬الشيخ‭ ‬مبارك‭ ( ‬958-1011هـ‭/‬‭ ‬1551-1602م‭)‬؛‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬والمستشار‭ ‬الخاص‭ ‬للسلطان‭ ‬سيرة‭ ‬تفصيلية‭. ‬

كان‭ ‬تفتُّح‭ ‬ذهن‭ ‬ذلك‭ ‬المؤرخ‭ ‬والمعلم‭ ‬وراء‭ ‬انفتاح‭ ‬السلطان‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬أديان‭ ‬الهند،‭ ‬فالمعلم‭ ‬خبير‭ ‬بأسرارها‭ ‬التي‭ ‬يرويها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬السلطان،‭ ‬رواية‭ ‬العارف‭ ‬بأسرارها،‭ ‬ولمَ‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬صديق‭ ‬علماء‭ ‬الهندوس،‭ ‬وإمامهم‭ ‬في‭ ‬‮«‬عبادت‭ ‬خانه‮»‬‭.‬

وقفت‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬السلطان‭ ‬ساحة‭ ‬للنقاش،‭ ‬وأمامه،‭ ‬على‭ ‬مرأى،‭ ‬أول‭ ‬مسرح‭ ‬مفتوح،‭ ‬كانت‭ ‬تؤدى‭ ‬به‭ ‬الاستعراضات‭ ‬والأداءات‭ ‬الموسيقية‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬العلماء‭ ‬يتبادلون‭ ‬الآراء‭ ‬والأفكار،‭ ‬كان‭ ‬الفنانون‭ ‬يلعبون‭ ‬على‭ ‬الأوتار‭. ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬لغة‭ ‬البلاط‭ ‬السلطاني،‭ ‬يعلمها‭ ‬لمن‭ ‬شاء‭ ‬من‭ ‬الأكابر‭. ‬وقد‭ ‬ساند‭ ‬أفكار‭ ‬سلطانه،‭ ‬ودافع‭ ‬عنها،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬قدم‭ ‬حياته‭ ‬فداء‭ ‬لها،‭ ‬حيث‭ ‬اغتيل‭ ‬بمؤامرة‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬ابن‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر،‭ ‬الأمير‭ ‬سالم‭ (‬الملقب‭ ‬بجهان‭ ‬كير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭)‬،‭ ‬بيد‭ ‬بير‭- ‬سينغ‭ - ‬Bir‭- ‬Singh،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬4‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬1011هـ‭/ ‬12‭/ ‬8‭/ ‬1602م،‭ ‬كما‭ ‬يروي‭ ‬حاكم‭ ‬بخارى،‭ ‬عبدالله‭ ‬البخاري‭.‬

مقابل‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬أبوالفضل‭ ‬من‭ ‬مديح‭ ‬مفصّل‭ ‬في‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬نامه‮»‬‭ ‬يأتي‭ ‬هجوم‭ ‬مؤلف‭ ‬منتخب‭ ‬التواريخ‭. ‬إنه‭ ‬الإمام‭ ‬البدعوني،‭ ‬أحد‭ ‬سبعة‭ ‬أئمة‭ ‬بمسجد‭ ‬السلطان‭ (‬إمام‭ ‬الأربعاء،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إمام‭ ‬لكل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الأسبوع‭)‬،‭ ‬صاحب‭ ‬الصوت‭ ‬الحسن،‭ ‬والترتيل‭ ‬الجميل‭ ‬ومترجم‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬السلطان،‭ ‬معجم‭ ‬البلدان‭ ‬لياقوت‭ ‬الحموي،‭ ‬وجامع‭ ‬التواريخ‭ ‬لرشيد‭ ‬الدين‭ ‬الهمداني‭.‬

لم‭ ‬يحب‭ ‬البدعوني‭ ‬فكرة‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الأديان،‭ ‬فغاب‭ ‬عن‭ ‬ساحة‭ ‬الحوار،‭ ‬وسحب‭ ‬السلطان‭ ‬منه‭ ‬نصف‭ ‬أرضٍ‭ ‬كانت‭ ‬تدر‭ ‬عليه‭ ‬مخصصاً‭ ‬يقتات‭ ‬منه‭ ‬وعياله،‭ ‬فاعتزل‭ ‬مجلسه‭ ‬واستقال‭ ‬من‭ ‬الإمامة؛‭ ‬فسحبت‭ ‬منه‭ ‬بقية‭ ‬الأرض،‭ ‬فاعتزل‭ ‬الناس‭ ‬والبلاط،‭ ‬واختفى‭ ‬علناً،‭ ‬بينما‭ ‬أخذ‭ ‬يراقب‭ ‬سراً‭ ‬الأحداث‭ ‬ويدوّنها،‭ ‬من‭ ‬شاهدي‭ ‬عيان‭ ‬ثقة،‭ ‬دَوّن‭ ‬أسماءهم‭ ‬في‭ ‬منتخب‭ ‬التواريخ،‭ ‬وأخفى‭ ‬كتابه،‭ ‬وحين‭ ‬عُثر‭ ‬عليه‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬المؤلفات‭ ‬طلباً،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬أخرج‭ ‬بجرأة‭ ‬سلطان‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬كلياً‭.‬

وبينما‭ ‬تدور‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬تتصدره‭ ‬قصة‭ ‬زواج‭ ‬السلطان‭ ‬بالأميرة‭ ‬الهندوسية،‭ ‬فإن‭ ‬التفاصيل‭ ‬كلها،‭ ‬الخاصة‭ ‬بالزواج،‭ ‬أو‭ ‬المؤامرات،‭ ‬أو‭ ‬الحروب،‭ ‬تصبّ‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬شخصية‭ ‬لقائد‭ ‬مغولي‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬استثناءً،‭ ‬وأن‭ ‬يأخذ‭ ‬بالسلام‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمنحه‭ ‬المعارك‭. ‬

 

مسجد‭ ‬فتح‭ ‬بور‭ ‬سكري‭ ‬

اتجهنا‭ ‬للصلاة‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬فتح‭ ‬بور‭ ‬سكري‭ (‬أنشئ‭ ‬في‭ ‬1571م‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬تناوب‭ ‬عليه‭ ‬أئمة‭ ‬السلطان،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المساجد‭ ‬المغولية‭ ‬التي‭ ‬بناها‭ ‬جلال‭ ‬الدين،‭ ‬ومساحته‭ ‬165‭ ‬متراً‭ ‬طولاً‭ ‬و133‭ ‬متراً‭ ‬عرضاً،‭ ‬ويضم‭ ‬قاعة‭ ‬صلاة‭ ‬ومدرسة‭ ‬تؤلفها‭ ‬سلسلة‭ ‬غرف‭ ‬تحيط‭ ‬بالصحن،‭ ‬وله‭ ‬أبواب‭ ‬ثلاثة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬الصحن‭ ‬ورواقه‭. ‬تشبه‭ ‬قاعة‭ ‬الصلاة‭ ‬مسجد‭ ‬أصفهان‭ ‬ذا‭ ‬التأثير‭ ‬السلجوقي،‭ ‬أما‭ ‬الغرف‭ ‬وراء‭ ‬الرواق‭ ‬فيبرز‭ ‬بها‭ ‬التأثير‭ ‬العثماني،‭ ‬بينما‭ ‬يبدو‭ ‬التأثير‭ ‬الهندي‭ ‬في‭ ‬الزخارف‭. ‬

‭ ‬يرتفع‭ ‬المسجد‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬الشارع‭ ‬بثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬متراً‭ ‬ونصف‭ ‬المتر،‭ ‬وتحته‭ ‬مستودعات‭ ‬وخزانات‭ ‬ماء،‭ ‬صعدنا‭ ‬الأدراج‭ ‬التي‭ ‬تتقدم‭ ‬البوابات،‭ ‬لنواجه‭ ‬بالبناء‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الرملي‭ ‬الأحمر‭ ‬المرصّع‭ ‬بالرخام‭ ‬الأبيض،‭ ‬ثم‭ ‬عبرنا‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬الصلاة،‭ ‬وهي‭ ‬أضيق‭ ‬من‭ ‬الصحن‭ (‬133‭ ‬x‭ ‬109‭ ‬أمتار‭). ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مكاناً‭ ‬يضم‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬قبور‭ ‬النساء‭.‬

في‭ ‬سنة‭ ‬حكمه‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬الثلاثاء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬974هـ،‭ ‬أراد‭ ‬السلطان‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬أيام‭ ‬النوروز‭ ‬في‭ ‬صيد‭ ‬القمرغه،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬تركية‭ ‬تصور‭ ‬إحدى‭ ‬طرق‭ ‬المغول‭ ‬بالصيد،‭ ‬وفيها‭ ‬يحيط‭ ‬الجيش‭ ‬بمنطقة‭ ‬الصيد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬ثم‭ ‬يتقدم‭ ‬أفراده‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬لتضيق‭ ‬الحلقة،‭ ‬بينما‭ ‬يقوم‭ ‬السلطان‭ ‬بالصيد‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة،‭ ‬ثم‭ ‬يُسمح‭ ‬للوزراء‭ ‬والمقربين‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬النوروز‭ ‬الأخيرة‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬الصيد‭.‬

كما‭ ‬رأينا،‭ ‬كانت‭ ‬الهند،‭ ‬وخاصة‭ ‬راجستان،‭ ‬مكاناً‭ ‬رحباً‭ ‬لكل‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭. ‬رأينا‭ ‬طيور‭ ‬الطاووس‭ ‬تقفز‭ ‬من‭ ‬سور‭ ‬بيت‭ ‬لفناء‭ ‬آخر‭. ‬تابعنا‭ ‬القردة‭ ‬تتقافز‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬معبد‭ ‬إلى‭ ‬شجرته‭. ‬كانت‭ ‬السناجب‭ ‬تلهو‭ ‬في‭ ‬براءة،‭ ‬والبقر‭ ‬يعبر‭ ‬في‭ ‬استرخاء‭. ‬الغزلان‭ ‬تتماهى‭ ‬مع‭ ‬رمال‭ ‬الصحراء،‭ ‬والجمال‭ ‬تمرح‭ ‬فوق‭ ‬الكثبان‭. ‬حديقة‭ ‬حيوانات‭ ‬سوارها‭ ‬المدن‭ ‬وسقفها‭ ‬السماء‭. ‬

 

ترويض‭ ‬الفيلة‭... ‬وصيد‭ ‬القردة

بدأ‭ ‬الأمراء‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬القمرغه‭ ‬بطرد‭ ‬الحيوانات‭ ‬حول‭ ‬لاهور‭ ‬أمامهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ناحية،‭ ‬حتى‭ ‬عد‭ ‬المؤرخون‭ ‬بأنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬حيوان،‭ ‬بين‭ ‬غزلان‭ ‬وبقر‭ ‬وحشي‭ ‬وابن‭ ‬آوى‭ ‬وثعالب‭. ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬قطرها‭ ‬خمسة‭ ‬فراسخ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ناحية‭ ‬أقيمت‭ ‬خيمة‭ ‬سلطانية‭ ‬معتادة،‭ ‬يركب‭ ‬منها‭ ‬السلطان‭ ‬يومياً‭ ‬على‭ ‬جواد‭ ‬سريع،‭ ‬وبدأ‭ ‬الصيادون‭ ‬يزيدون،‭ ‬فسُمح‭ ‬للأمراء،‭ ‬وللمقرّبين‭ ‬بعدهم،‭ ‬حتى‭ ‬شارك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بالجيش‭ ‬في‭ ‬الصيد،‭ ‬وحتى‭ ‬يتم‭ ‬رياضته،‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬تهته،‭ ‬وعندما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭ ‬نهر‭ ‬لاهور‭ ‬قفز‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬راكبا‭ ‬فرسه،‭ ‬ثم‭ ‬عبر‭ ‬سابحاً،‭ ‬بينما‭ ‬غرق‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬تبعه،‭ ‬وهو‭ ‬السلطان،‭ ‬تعلم‭ ‬الرماية،‭ ‬والسباحة،‭ ‬وركوب‭ ‬الخيل،‭ ‬وترويض‭ ‬الفيلة،‭ ‬وصيد‭ ‬القردة‭.‬

 

بداية‭ ‬ونهاية

بعد‭ ‬بدء‭ ‬الحملات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية،‭ ‬بزعامة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬القاسم‭ ‬الثقفي‭ (‬92هـ‭/‬710‭ ‬م‭)‬،‭ ‬أسست‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬للمنطقة‭ ‬تحت‭ ‬السيادة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬توجت‭ ‬بتأسيس‭ ‬قواعد‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬إقليمي‭ ‬السند‭ ‬والبنجاب،‭ (‬714م‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بقيت‭ ‬مجرد‭ ‬إدارة‭ ‬تابعة‭ ‬للحكم‭ ‬الأموي‭. ‬

ومثلت‭ ‬الدولة‭ ‬الغزنوية‭ (‬979-1030م‭) ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬فقد‭ ‬ورثوا‭ ‬حكم‭ ‬السامانيين‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬وورثوا‭ ‬حكم‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الهند،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬استقلت‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬العباسي،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تشأ‭ ‬أن‭ ‬تهاجمه،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬سلطانها‭ ‬محمود‭ ‬الغزنوي‭ ‬وطد‭ ‬علاقته‭ ‬بالعباسيين،‭ ‬وحرص‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خلافتهم‭ ‬على‭ ‬اعتراف‭ ‬بأنه‭ ‬سلطان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المؤرخ‭ ‬نظام‭ ‬الملك‭ ‬الطوسي‭ ‬سجل‭ ‬نموذجاً‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الألقاب؛‭ ‬فقد‭ ‬نُعت‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬أمين‭ ‬الملة‭ ‬ويمين‭ ‬الدولة‮»‬،‭ ‬و«نظام‭ ‬الدين‭ ‬وكهف‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬وولي‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‮»‬،‭ ‬ولقب‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬المنتقم‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬و«شهاب‭ ‬الدولة‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الخليفة‭ ‬أصدر‭ ‬مرسوماً‭ ‬معتاداً‭ ‬يمنح‭ ‬بهذه‭ ‬الألقاب‭ ‬سمي‭ ‬فيه‭ ‬الغزنوي‭ ‬‮«‬الناصر‭ ‬لدين‭ ‬الله‮»‬‭. ‬

وقد‭ ‬حقق‭ ‬الغزنويون‭ ‬أساساً‭ ‬لملك‭ ‬مستقر‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وإيران‭ ‬والهند‭ ‬وورثتهم‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬أفغانستان‭ ‬وشبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭ ‬الأسرة‭ ‬الأفغانية‭ ‬الغورية‭ (‬1148-1215م‭) ‬وقد‭ ‬تبلور‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬غياث‭ ‬الدين‭ ‬أبو‭ ‬الفتح‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سام‭ ‬الغوري،‭ ‬الذي‭ ‬مُنح‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬معين‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‮»‬‭ ‬تقديراً‭ ‬لجهوده‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الإسلام‭. ‬وجاء‭ ‬عبده،‭ ‬قطب‭ ‬الدين‭ ‬أيبك،‭ (‬حكم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1206‭ ‬و1210م‭) ‬ليكون‭ ‬المؤسس‭ ‬الحقيقي‭ ‬لسلطنة‭ ‬دهلي‭ (‬دلهي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬أول‭  ‬مؤسس‭ ‬لقواعد‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬إسلامي‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬العباسيين‭. ‬واكتسبت‭ ‬سلطنة‭ ‬دهلي‭ ‬مكانة‭ ‬وأهمية‭ ‬كبيرتين،‭ ‬فتوافد‭ ‬رسل‭ ‬العباسيين‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬‮«‬يمين‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‮»‬‭ ‬السلطان‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬التتمش‭ ‬معترفين‭ ‬به‭ ‬سلطاناً‭ ‬على‭ ‬الهند،‭ ‬وأن‭ ‬عاصمته‭ ‬دهلي‭ ‬من‭ ‬ديار‭ ‬الإسلام‭. ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬التتمش،‭ ‬أوصى‭ ‬بالحكم‭ ‬لابنته‭ ‬رضية،‭ ‬القوية،‭ ‬لكن‭ ‬ابنه‭ ‬ركن‭ ‬الدين‭ ‬فيروز‭ ‬شاه‭ ‬حكم‭ ‬بدلاً‭ ‬منها،‭ ‬وكان‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬فقامت‭ ‬القلاقل‭ ‬والاضطرابات،‭ ‬واعتلت‭ ‬رضية‭ ‬عرش‭ ‬البلاد‭ ‬كأول‭ ‬حاكمة‭ ‬لبلد‭ ‬إسلامي‭ (‬18‭ ‬ربيع‭ ‬الأول‭ ‬634هـ‭/ ‬19‭ ‬نوفمبر‭ ‬1236م‭)‬،‭ ‬وبرعت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬يوم‭ ‬ويوم‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬وظهر‭ ‬أن‭ ‬مسلمي‭ ‬البلاد‭ ‬هناك‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬راقٍ‭ ‬بأن‭ ‬اعترفوا‭ ‬بقدرتها‭ ‬وحكمها‭.‬

لكن‭ ‬اجتياح‭ ‬الشرق‭ ‬في‭ ‬خوارزم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوات‭ ‬جنكيز‭ ‬خان‭ (‬1219م‭) ‬وانهيار‭ ‬قلب‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬هولاكو‭ (‬1258م‭) ‬أفقد‭ ‬الدولة‭ ‬المملوكية‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬حليفاً‭ ‬كانت‭ ‬تكتسب‭ ‬منه‭ ‬شرعية‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الهند‭. ‬وهكذا‭ ‬بدأت‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الأسرة‭ ‬الأفغانية‭ ‬الخلجية‭ (‬1290-1320م‭)‬،‭ ‬ودولة‭ ‬تغلق‭ ‬التي‭ ‬تلتها‭ ‬واستمرت‭ ‬4‭ ‬سنوات،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬حافظت‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬العملات‭ ‬باسم‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬الأربعة،‭ ‬وحين‭ ‬اتخذت‭ ‬الدولة‭ ‬المملوكية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الخلفاء‭ ‬العباسيين‭ ‬خلفاء‭ ‬للدولة،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬الجوارنة،‭ ‬بجامعة‭ ‬اليرموك،‭ ‬أدركت‭ ‬سلطنة‭ ‬دلهي‭ ‬أنها‭ ‬مضطرة‭ ‬لإعلان‭ ‬الولاء‭ ‬للخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬فظهر‭ ‬اسم‭ ‬الخليفة‭ ‬‮«‬المستكفي‭ ‬بالله‮»‬‭ ‬على‭ ‬نقود‭ ‬تداولها‭ ‬تجار‭ ‬دهلي‭ (‬1244م‭). ‬

وحين‭ ‬حضر‭ ‬موفد‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬بموافقة‭ ‬رسمية‭ ‬للسلطان‭ ‬تغلق،‭ ‬دعا‭ ‬خطيب‭ ‬المسجد‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬للخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬ووزعت‭ ‬دراهم‭ ‬ذهبية‭ ‬وفضية‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ - ‬والمحتاجين‭. ‬لكن‭ ‬حملات‭ ‬الأمير‭ ‬تيمور‭ - ‬حتى‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬دهلي‭ - ‬جعلت‭ ‬ممارسات‭ ‬جنوده‭ ‬تعيد‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬وبؤس‭ ‬ومعاناة‭ ‬لم‭ ‬تعرفها،‭ ‬وهي‭ ‬المدينة‭ ‬العامرة‭ ‬بالنشاط‭ ‬والعمران‭ ‬والحضارة‭. ‬

وقد‭ ‬أسس‭ ‬خلفه‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية،‭ ‬خضر‭ ‬خان،‭ ‬أسرة‭ ‬جديدة‭ ‬اسمها‭ ‬الأسياد،‭ ‬سكت‭ ‬العملة‭ ‬باسم‭ ‬تيمور،‭ ‬وقرأت‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة‭ ‬باسم‭ ‬ابنه‭ ‬الأكبر‭ ‬شاه‭ ‬رخ‭ ‬ميرزا،‭ ‬حتى‭ ‬استولى‭ ‬أمراء‭ ‬الأفغان‭ ‬على‭ ‬الحكم،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬أسرة‭ ‬اللودية‭ (‬1451-1526م‭)‬،‭ ‬وتواكب‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬نقل‭ ‬الخلافة‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬العثمانية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ومرت‭ ‬الدولة‭ ‬الأفغانية‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الضياع‭ ‬السياسي‭ ‬والصراعات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وظهر‭ ‬المغول‭ ‬ببأسهم،‭ ‬ولبى‭ ‬زعيمهم،‭ ‬ظهير‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬بابر‭ (‬حكم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1526‭-‬1530م‭) ‬نداء‭ ‬ناشده‭ ‬فيه‭ ‬الأمير‭ ‬الأفغاني‭ ‬دولت‭ ‬خان‭ ‬لودي‭ ‬للمجيء‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬فدخلها‭ ‬بابر،‭ ‬وهو‭ ‬جد‭ ‬سلطاننا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬أكبر،‭ ‬ووالد‭ ‬السلطان‭ ‬همايون،‭ ‬ليرتبط‭ ‬تاريخاً‭ ‬بدأناه،‭ ‬بآخر‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه،‭ ‬وليستمر‭ ‬حكم‭ ‬المغول‭ ‬بين‭ ‬1526‭ ‬و1857م،‭ ‬وقد‭ ‬حررتهم‭ ‬نزعات‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬اتباع‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة،‭ ‬بل‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬دولة‭ ‬خلافة‭ ‬مستقلة،‭ ‬وفعلوا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬الخلافة‭ ‬تفعل،‭ ‬فقرئت‭ ‬باسمهم‭ ‬الخطبة‭ ‬فوق‭ ‬منابر‭ ‬المساجد‭ ‬المنتشرة‭ ‬بالهند،‭ ‬وهو‭ ‬مظهر‭ ‬سيادي‭ ‬بحت،‭ ‬وسكت‭ ‬العملات‭ ‬والنقود‭ ‬الإسلامية‭ ‬باسمهم،‭ ‬ووشحت‭ ‬المراسيم‭ ‬والفرمانات‭ ‬بتوقيعاتهم‭ ‬وأختامهم‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر‭ ‬خلافاً‭ ‬لهم،‭ ‬بل‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬مظاهر‭ ‬له‭ ‬وحده،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬اتجاهاته‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭. ‬

كان‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬لدى‭ ‬المغول‭ ‬رأسه‭ ‬السلطان‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬جميع‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬والدينية،‭ ‬ولكن‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬حرص‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬مشاورة‭ ‬رجاله،‭ ‬والجلوس‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬لسماع‭ ‬شكواهم‭ (‬أو‭ ‬السير‭ ‬بينهم‭ ‬متخفياً‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬سيرته‭ ‬وأظهر‭ ‬الفيلم‭). ‬لقد‭ ‬علق‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬القصر‭ ‬أجراساً‭ ‬يدقها‭ ‬أي‭ ‬مظلوم‭ ‬لتُسمع‭ ‬شكاواه‭. ‬وكان‭ ‬للسلطان‭ ‬وكيل‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬تصريف‭ ‬الأمور،‭ ‬ووزير‭- ‬يأتي‭ ‬بعده‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭,‬‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬شؤون‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬وميرنجتش‭ ‬يلي‭ ‬الوزير‭ ‬فى‭ ‬المرتبة‭,‬‭ ‬يختص‭ ‬بدفع‭ ‬رواتب‭ ‬الجند‭ ‬والقادة‭ ‬ويشرف‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬البلاط‭ - ‬ويعد‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬جيش‭ ‬السلطان‭ ‬الخاص،‭ ‬ثم‭ ‬خان‭ ‬سامان‭ ‬مختص‭ ‬بالإشراف‭ ‬على‭ ‬البلاط‭,‬‭ ‬يلازم‭ ‬السلطان‭ ‬فى‭ ‬ترحاله،‭ ‬وقاضي‭ ‬القضاة،‭ ‬والمحتسب‭ ‬الذي‭ ‬يراقب‭ ‬سلوك‭ ‬الناس‭ ‬ويمنع‭ ‬ممارسة‭ ‬البدع‭ ‬وارتكاب‭ ‬ما‭ ‬ينافي‭ ‬الشرع‭ ‬والآداب‭. ‬

أخيراً‭ ‬سنصل‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يجتمع‭ ‬فيه‭ ‬علية‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬بلاط‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر،‭ ‬كأني‭ ‬أسمع‭ ‬مشورتهم،‭ ‬وإخبارياتهم‭. ‬كأني‭ ‬أراه‭ ‬يغضب‭ ‬على‭ ‬أحدهم‭ ‬فيأمره‭ ‬ببدء‭ ‬رحلة‭ ‬الحج،‭ ‬وهي‭ ‬الرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أحدهم‭. ‬كأني‭ ‬أرى‭ - ‬قرب‭ ‬بركة‭ ‬المياه‭ - ‬منصة‭ ‬تبدأ‭ ‬عليها‭ ‬وصلة‭ ‬من‭ ‬الفن،‭ ‬لعازفين‭ ‬وراقصات‭. ‬هنا‭ ‬عرش‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬خصالاً‭ ‬وخصائل‭ ‬فرقت‭ ‬الآراء‭ ‬حوله،‭ ‬ولكنه‭ ‬يبقى‭ ‬رمزاً‭ ‬لإمبراطورية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ذهب‭ ‬رجالها،‭ ‬وبقيت‭ ‬آثارها،‭ ‬وعاشت‭ ‬قصصها‭ ‬تُروى،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عبر‭ ‬وآيات‭ ‬منسية،‭ ‬أو‭ ‬تكاد‭ ‬

ضريح‭ ‬السلطان‭ ‬همايون،‭ ‬في‭ ‬دلهي،‭ ‬تميزه‭ ‬كل‭ ‬مآثر‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية،‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬آثارها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهي‭ ‬عمارة‭ ‬مزجت‭ ‬بمرونة‭ ‬تقاليد‭ ‬العمارة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬وحضارة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الفتوحات،‭ ‬حيث‭ ‬استخدمت‭ - ‬كتقليد‭ ‬محلي‭ - ‬الحجر‭ ‬والخشب‭ ‬كمادتين‭ ‬أساسيتين‭.‬

مدينة‭ ‬جودبور،‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭ ‬الزرقاء،‭ ‬التي‭ ‬تتوسط‭ ‬راجستان،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬جولتنا‭ ‬الممتدة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬بيضاوية،‭ ‬لرؤية‭ ‬جغرافيا‭ ‬مملكة‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر،‭ ‬الرحلة‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬دلهي‭ ‬ومرت‭ ‬هنا‭ ‬بتاج‭ ‬راجستان‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬واحة‭ ‬سماوية‭ ‬اللون‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬طهار،‭ ‬أعلى‭ ‬تل‭ ‬هضبة‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الجيري،‭ ‬وسواء‭ ‬كان‭ ‬طلاء‭ ‬المباني‭ ‬باللون‭ ‬الأزرق‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالنظام‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬لون‭ ‬البراهمة‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬تبيان‭ ‬مكانتهم‭ ‬المرموقة‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مع‭ ‬القساوسة‭ ‬والمعلمين‭ ‬أعلى‭ ‬الفئات‭ ‬منزلة‭ ‬بطلاء‭ ‬منازلهم‭ ‬باللون‭ ‬الأزرق،‭ ‬فالفكرة‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬النيلي‭ ‬أضيف‭ ‬إلى‭ ‬الدهان‭ ‬الجيري‭ ‬الأبيض‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬طلاء‭ ‬المنازل‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬النمل‭ ‬الأبيض‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الحشرات‭ ‬الأخرى‭. ‬أصبحت‭ ‬الولاية‭ ‬إقطاعية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬إمبراطورية‭ ‬المغول،‭ ‬وظهرت‭ ‬بها‭ ‬آيات‭ ‬جديدة‭ ‬للفنون‭ ‬والهندسة‭ ‬المعمارية،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬جودبور‭ ‬ممراً‭ ‬لطريق‭ ‬الحرير‭.‬

أمام‭ ‬معبد‭ ‬هندوسي‭ ‬تسير‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬بين‭ ‬نساك‭ ‬زاهدين‭ ‬وفقراء‭ ‬شحاذين‭ ‬وبائعات‭ ‬فقيرات‭ ‬وحيوانات‭ ‬وزوار‭ ‬موسرين‭ ‬جاءوا‭ ‬جميعاً‭ ‬للتبرك‭. ‬إن‭ ‬الهندوسية‭ ‬الآن،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬راجستان،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬كلها،‭ ‬هي‭ ‬الديانة‭ ‬السائدة،‭ ‬مازجة‭ ‬بين‭ ‬عقائد‭ ‬وتقاليد‭ ‬عمرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬عام،‭ ‬لتكون‭ ‬أقدم‭ ‬ديانة‭ ‬حية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يتبعها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬نسمة،‭ ‬منهم‭ ‬نحو‭ ‬900‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وحدها‭.‬

بحيرة‭ ‬يغتسل‭ ‬فيها‭ ‬الهندوس‭ ‬تبركاً،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬العتيقة‭ ‬في‭ ‬جيبور،‭ ‬المدينة‭ ‬الوردية،‭ ‬إحدى‭ ‬محطات‭ ‬راجستان،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الحمام‭ ‬بكثرة،‭ ‬وفي‭ ‬بحيرات‭ ‬المدن‭ ‬الراجستانية‭ ‬الأخرى‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أسراب‭ ‬من‭ ‬‮ ‬طيور‭ ‬البط‭ ‬المنفوش‭ ‬الشعر‭ ‬والبلشون‭ ‬الأبيض‭ ‬والغاق‭ ‬والرفراف‭... ‬وغيرها‭.‬

استمر‭ ‬حكم‭ ‬المغول‭ ‬آباء‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬ونسله‭ ‬للهند‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1526‭ ‬م‭ ‬إلى‭ ‬1858م،‭ ‬تاريخ‭ ‬استيلاء‭ ‬البريطانيين‭ ‬على‭ ‬شبه‭ ‬القارة،‭ ‬وازدهرت‭ ‬فنون‭ ‬المغول‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬النقش‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ (‬الصورة‭ ‬أعلاه‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬قصر‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭)‬،‭ ‬ورسوم‭ ‬المنمنمات‭ (‬الصورة‭ ‬الوسطى‭ ‬تبين‭ ‬مقطعاً‭ ‬من‭ ‬منمنمة‭ ‬عملاقة‭ ‬لحفل‭ ‬زفاف‭ ‬مغولي‭)‬،‭ ‬ورسوم‭ ‬جدارية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬‮«‬تاج‭ ‬ليك‮»‬،‭ (‬الصورة‭ ‬الثالثة‭) ‬المغطى‭ ‬بالرخام‭ ‬الأبيض‭ ‬والعائم‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬بيكولا‭ ‬الصناعية،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬القصر‭ ‬عام‭ ‬1743م‭ ‬وتم‭ ‬بناؤه‭ ‬في‭ ‬1746م‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬مهارانا‭ ‬جاغات‭ ‬سينغ‭ ‬الثاني،‭ ‬الملك‭ ‬الثاني‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬لميوار،‭ ‬أقدم‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬566م‭.‬

وجوه‭ ‬راجستانية‭ ‬مختلفة‭ ‬لأعمال‭ ‬بسيطة‭: ‬بائعة‭ ‬ثمار‭ ‬برية‭ ‬لاذعة‭ ‬المذاق‭ ‬في‭ ‬جودبور،‭ ‬

مهما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬جمال‭ ‬ضريح ومسجد‭ ‬تاج‭ ‬محل،‭ ‬فلا‭ ‬أصدق‭ ‬من‭ ‬معاينته‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬الطريق‭ ‬الرسمية‭ ‬المؤدية‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬يامونا،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬كشبح‭ ‬بناء‭ ‬أسطوري‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬الخرافية‭. ‬فهذا‭ ‬البناء‭ ‬المرمري‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أجرا‭ (‬أكره‭ / ‬أكرا‭) ‬شمال الهند،‭ ‬يعد‭ ‬درة‭ ‬العمارة‭ ‬المغولية،‭ ‬التي‭ ‬شيدها‭ ‬الإمبراطور‭ ‬شاه‭ ‬جهان تكريماً‭ ‬لذكرى‭ ‬زوجته‭ ‬ممتاز‭ ‬محل،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنته‭ ‬اليونيسكو عام‭ ‬1983م‭ ‬موقعاً‭ ‬تراثياً‭ ‬عالمياً‭. ‬بدأ‭ ‬بناء‭ ‬تاج‭ ‬محل‭ ‬عام‭ ‬1632م‭ ‬وانتهى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1653م‭ ‬وسط‭ ‬حدائق‭ ‬محيطة‭ ‬بنهر‭ ‬يامونا،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬أكرا‮»‬‭ ‬مدينة‭ ‬أباطرة‭ ‬المغول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عاصمتهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬الإمبراطور‭ ‬شاه‭ ‬جهان،‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬الهند‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬سنة،‭ ‬بنقل‭ ‬العاصمة‭ ‬من‭ ‬‮«‬أكرا‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬دلهي‭ ‬التي‭ ‬تبعد‭ ‬عنها‭ ‬حوالي‭ ‬204‭ ‬كم،‭ ‬والتي‭ ‬غدت‭ ‬عاصمة‭ ‬الهند‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭.‬‭ ‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬جيبور،‭ ‬تبدو‭ ‬قلعة‭ ‬أمبر‭ (‬عنبر‭) ‬العملاقة‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬وبساتين‭ ‬كاستديو‭ ‬سينمائي‭ ‬مذهل‭... ‬هنا‭ ‬نتذكر‭ ‬السلطان‭ ‬أكبر‭ ‬لأن‭ ‬لدينا‭ ‬الفرصة‭ ‬لركوب‭ ‬الفيلة،‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬القلعة‭ ‬حتى‭ ‬باحتها‭ ‬الداخلية‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬صاعدة،‭ ‬مخيفة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتمسك‭ ‬ركاب‭ ‬الفيلة‭ ‬بهوادجهم‭. ‬

تعد‭ ‬جيبور‭ ‬مدينة‭ ‬أمراء‭ ‬راجستان‭ ‬وحكام‭ ‬راتهور،‭ ‬المسورة‭ ‬بالتلال‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬جهات،‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬يحفل‭ ‬بالفنون‭ ‬التقليدية‭ ‬المغولية‭ ‬من‭ ‬حياكة‭ ‬السجاد‭ ‬وصناعة‭ ‬الزجاج‭ ‬ودباغة‭ ‬الجلود‭ ‬وحفر‭ ‬على‭ ‬الحجر‭ ‬والرخام‭ ‬والعاج‭. ‬أسسها‭ ‬المحارب‭ ‬راجبوتس‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬وأصبحت‭ ‬القلعة‭ ‬الجبلية‭ ‬عاصمة‭ ‬الولاية‭ ‬وتتميز‭ ‬بالطراز‭ ‬العمراني‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬الهندي‭ ‬والفارسي‭. ‬تكفي‭ ‬زيارة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المعماري‭ ‬المفتوح‭ ‬بالمدينة‭ ‬لينقل‭ ‬لنا‭ ‬خلاصة‭ ‬الفن‭ ‬المغولي‭.‬

بحلول‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجري‭ / ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬بنيت‭ ‬باكورة‭ ‬الآثار‭ ‬المعمارية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دلهي‭ ‬وحولها،‭ ‬ومن‭ ‬أشهرها‭: ‬قطب‭ ‬منار‭ ‬أو‭ ‬منارة‭ ‬قطب‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬قطب‭ ‬الدين‭ ‬أيبك‭ (‬602هـ‭/ ‬1206م‭ ‬–‭ ‬607هـ‭/ ‬1211م‭) ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬حصن‭ ‬لال‭ ‬كوت‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببنائه‭ ‬راجا‭ ‬برتوي‭ ‬آخر‭ ‬حاكم‭ ‬هندوسي‭ ‬لإمارة‭ ‬دلهي،‭ ‬والذي‭ ‬تغلب‭ ‬عليه‭ ‬قطب‭ ‬الدين‭ ‬أيبك‭ ‬أول‭ ‬حاكم‭ ‬مسلم‭ ‬لمدينة‭ ‬دلهي،‭ ‬وكان
لا‭ ‬يزال‭ ‬نائباً‭ ‬عن‭ ‬السلطان‭ ‬شهاب‭ ‬الدين‭ ‬الغوري،‭ ‬لكن‭ ‬البناء‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الهجري‭/ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خلفائه‭. ‬هي‭ ‬ثاني‭ ‬أطول‭ ‬المنارات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعد‭ ‬منارة‭ ‬الجيرالدا‭ ‬في‭ ‬إشبيلية‭ (‬يبلغ‭ ‬ارتفاعها‭ ‬97‭.‬5‭ ‬متراً‭) ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬قطب‭ ‬منار‭ ‬250‭ ‬قدماً،‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬75‭ ‬متراً،‭ ‬ومحورها‭ ‬من‭ ‬أسفل‭ ‬47‭ ‬قدماً،‭ ‬ومن‭ ‬أعلى‭ ‬7‭ ‬أقدام‭ ‬فقط،‭ ‬وللمنارة‭ ‬ثلاث‭ ‬شرفات‭ ‬للأذان،‭ ‬تقوم‭ ‬كل‭ ‬شرفة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مقرنصات،‭ ‬وبها‭ ‬378‭ ‬درجاً،‭ ‬والمنارة‭ ‬المخروطية‭ ‬حولها‭ ‬كتابة‭ ‬عربية‭ ‬منها‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬