العلامة المجدِّد الشيخ عبدالله العلايلي

العلامة المجدِّد الشيخ عبدالله العلايلي

مقاربة‭ ‬الموضوع‭ ‬الديني‭ ‬اليوم،‭ ‬مطلوبة‭ ‬بإلحاح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتنوّرين،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهلة‭ ‬والمدّعين،‭ ‬والعلايلي‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتنورين،‭ ‬ونحن‭ ‬أحوج‭ ‬إليه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭.‬

هو‭ ‬مفكّر‭ ‬ومناضل،‭ ‬جهوده،‭ ‬مواقفه،‭ ‬كتاباته‭... ‬ترفض‭ ‬أشكال‭ ‬الظلم،‭ ‬لتؤسس‭ ‬ثقافة‭ ‬عربية‭ ‬إسلامية‭ ‬متجدّدة،‭ ‬فماذا‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التجديدية‭ ‬لمفهوم‭ ‬الإسلام‭ ‬وتطبيقاته؟

اعتمد‭ ‬العلايلي‭ ‬حديثاً‭ ‬شريفاً‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬‭ ‬دليلاً‭ ‬لفكره‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬هو‭:‬

‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يبعث‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬يجدّد‭ ‬لها‭ ‬دينها‮»‬،‭ ‬فكتب‭: ‬‮«‬إن‭ ‬التجدّد‭ ‬هو‭ ‬إحياء‭ ‬الإيمان،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بالإصلاح،‭ ‬والمصلحون‭ ‬حاجة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ضرورية‭ ‬للتقويم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬العقل‭ ‬والشرع‮»‬‭.‬

فالله،‭ ‬عند‭ ‬العلايلي‭: ‬‮«‬إله‭ ‬باق‭ ‬قديم‭ ‬يدير‭ ‬هذا‭ ‬الكون‮»‬،‭ ‬والدين‭ ‬عنده‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬مستمرة‭ ‬ومتجددة‭ ‬ومتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬ومكانه‮»‬‭. ‬‮«‬ولأن‭ ‬الإسلام‭ ‬دين‭ ‬الحق،‭ ‬والعدل،‭ ‬والحرية،‭ ‬والعلم،‭ ‬والعقل،‭ ‬فإن‭ ‬المسلمين‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يعمدوا‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬إسلامهم‭ ‬بما‭ ‬تقتضيه‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬فإنهم‭ ‬سيبتعدون‭ ‬طوعاً‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا‭ ‬معاً‮»‬‭.‬

ففي‭ ‬رأيه‭: ‬الشريعة‭ ‬ليست‭ ‬ديناً،‭ ‬بل‭ ‬منهج‭ ‬حياة‭ ‬وسلوك‭. ‬وكل‭ ‬منهج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬متطلّب‭ ‬للتجديد‭ ‬حتى‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬وكانت‭ ‬مرتكزات‭ ‬فهمه‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وللوعي‭ ‬التام‭ ‬للأحاديث‭ ‬الشريفة،‭ ‬الصحيحة،‭ ‬ثم‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬الفقهي‭ ‬الشامل‭ ‬لعلوم‭ ‬الخلاف‭ ‬والأصول‭ ‬والاستدلال‭. (‬‮«‬أين‭ ‬الخطأ؟‮»‬‭ ‬ص19‭).‬

لذلك‭ ‬صاغ‭ ‬العلايلي،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الإيمان‭ ‬العاقل‭ ‬الذي‭ ‬يعتمده،‭ ‬مقولات‭ ‬تجديدية‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي‭ - ‬يهمّه‭ ‬إيجاد‭ ‬أفضل‭ ‬السبل‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬المعرفية‭ ‬والتطبيق‭ ‬العملي‭ - ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عرفه‭ ‬أن‭ ‬الفقيه‭ ‬هو‭ ‬المجدّد،‭ ‬أي‭ ‬العالم‭ ‬بالأحكام‭ ‬الشرعية‭ ‬من‭ ‬أدلتها‭ ‬التفصيلية،‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬تجرأ‮»‬‭ ‬واجتهد،‭ ‬طبعاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شرح‭ ‬مطولاً‭ ‬أن‭ ‬المجدّد‭ ‬الفقيه‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬قدرة‭ ‬إبداعية‭ ‬نفّاذة،‭ ‬ويكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬حركية‭ ‬التطور‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬الاستنباط‭ ‬الفقهي‭ ‬من‭ ‬الأدلّة‭ ‬المشروعة،‭ ‬وأن‭ ‬يوظف‭ ‬قدرته‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬الدينامية‭ ‬لصيانة‭ ‬العلاقة‭ ‬العضوية‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وقواعد‭ ‬أصول‭ ‬الفقه،‭ ‬وقد‭ ‬توّج‭ ‬صراحته‭ ‬وشجاعته‭ ‬في‭ ‬التصدّي‭ ‬للمواضيع‭ ‬‮«‬الإشكالية‮»‬‭ ‬بشعار‭:‬

‮«‬ليس‭ ‬محافظةً‭ ‬التقليد‭ ‬مع‭ ‬الخطأ‮»‬،‭ ‬و«ليس‭ ‬خروجاً‭ ‬التصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬المعرفة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬شعار‭ ‬توّج‭ ‬به‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أين‭ ‬الخطأ؟‮»‬‭.‬

ولأن‭ ‬الدين‭ ‬عنده‭ ‬‮«‬حضارة‭ ‬ومحبة‭ ‬وتسامح،‭ ‬وليس‭ ‬مدعاة‭ ‬لتناحر‭ ‬وتعصّب‭ ‬وتخلّف‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬قدّم‭ ‬العلايلي‭ ‬الشريعة‭ ‬العملية‭ ‬‮«‬أيديولوجيا‮»‬‭ ‬متكاملة،‭ ‬واعتبرها‭ ‬مدخلاً‭ ‬للحل‭ ‬الأمثل‭ ‬بين‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬القائمة‭.‬

فالتحجّر‭ ‬والجمود‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬خطر‭ ‬عليها،‭ ‬يحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬عبادات‭ ‬روتينية‭ ‬فاقدة‭ ‬لمعناها‭ ‬وجوهرها،‭ ‬وهي‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬‮«‬فالتحجّر‭ ‬يؤول‭ ‬إلى‭ ‬حتمية‭ ‬التخلّف‭ ‬والانحدار‮»‬‭.‬

كان‭ ‬يصرّح‭ ‬متعجباً‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كيف‭ ‬يستباح‭ ‬التزمت‭ ‬حيال‭ ‬الحنفية‭ ‬السمحة،‭ ‬أليس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬مسخ‭ ‬لطبيعتها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬عجيب‭ ‬غريب؟‭!‬‮»‬‭.‬

كان‭ ‬العلايلي‭ ‬جريئاً‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬مفهومه‭ ‬للأمور‭ ‬العقدية‭ ‬والشرعية،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬اجتهاداته‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬جاءت‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التبسيط‭ ‬والمران،‭ ‬مفرقاً‭ ‬بين‭ ‬العبادات‭ ‬والمعاملات،‭ ‬فالأولى‭ ‬هي‭ ‬‮«‬السويّة‭ ‬النفسية‮»‬،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تسامي‭ ‬الفرد‭ ‬روحياً،‭ ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬السوية‭ ‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬الخاضعة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬العاملة،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬كتب‭ ‬مفصلاً‭ ‬فهمه‭ ‬للصوم‭ ‬والصلاة‭ ‬والحج،‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬مفصلاً‭ ‬مفاهيم‭ ‬إسلامية‭ ‬عامة‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬إن‭ ‬طبّقت‭ ‬حقّقت‭ ‬مجتمعاً‭ ‬إسلامياً‭ - ‬إنسانياً‭ ‬مثالياً‭.‬

وحين‭ ‬لمس‭ ‬العلايلي‭ ‬اتجاهاً‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬المسلمين‭ ‬لجعل‭ ‬الشريعة‭ ‬قاعدة‭ ‬للحكم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬إسلامية،‭ ‬أطلق‭ ‬صرخة‭ ‬عالية‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستنعكس‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬كنه‭ ‬الإسلام‭ ‬وجوهره،‭ ‬وأن‭ ‬الفشل‭ ‬سيُعزى‭ ‬إلى‭ ‬مبادئه،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬القوالب‭ ‬الفقهية‭ ‬الجامدة‭ ‬التي‭ ‬شوّهت‭ ‬حقيقة‭ ‬الدين‭.‬

العلايلي‭... ‬هذا‭ ‬الشيخ‭ ‬الأحمر‭... ‬ولذلك‭ ‬حكاية،‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬خطبة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬تأبين‭ ‬الشهيد‭ ‬عدنان‭ ‬المالكي،‭ ‬أجمعت‭ ‬الصحف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬خطبته‭ ‬أنه‭ ‬فجّر‭ ‬ثورة‭ (‬في‭ ‬عام‭ ‬1955‭) ‬ونعتته‭ ‬بالشيخ‭ ‬الأحمر،‭ ‬قال‭ ‬معقباً‭: ‬‮«‬لازمني‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬فترة،‭ ‬وتداولته‭ ‬الألسن،‭ ‬وقد‭ ‬أوضحتُ‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بالألوان،‭ ‬بل‭ ‬أسير‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬سير‭ ‬النضج‭ ‬في‭ ‬الفاكهة،‭ ‬فهو‭ ‬الخضرة‭ ‬والحمرة‭... ‬وعندما‭ ‬تتوقف‭ ‬الفاكهة‭ ‬عن‭ ‬التلوّن‭... ‬تسقط‮»‬‭.‬

كــــانت‭ ‬للعلايـــلي‭ ‬اجتـــهادات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني‭ ‬عملي،‭ ‬هدفها‭ ‬تضييق‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬الغني‭ ‬والفقير،‭ ‬فقد‭ ‬شرّع‭ ‬مطالبة‭ ‬الفقراء‭ ‬للأغنياء‭ ‬لتحصيل‭ ‬‮«‬حقوقهم‮»‬،‭ ‬فالحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬الناس‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭: ‬الماء‭ ‬والكلأ‭ ‬والنار‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬شرح‭ ‬أن‭ ‬الزكاة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬تحريم‭ ‬الكنز‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الثروات،‭ ‬واعتبر‭ ‬حبْس‭ ‬الزكاة‭ ‬كحبس‭ ‬الكريات‭ ‬الحمراء‭ ‬أو‭ ‬البيضاء‭ ‬عن‭ ‬التداول‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬الجسم،‭ ‬وتحدّث‭ ‬عن‭ ‬إشراك‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬واجتهد‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬المصرفية‭ ‬والتأمين‭ (‬وأجازه‭)‬،‭ ‬وتحدّث‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬تصنيع‭ ‬لحوم‭ ‬الأضاحي‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعتمد‭) ‬في‭ ‬الحج‭ ‬لمساعدة‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬فقراء‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭: ‬‭{‬فَكُلُوا‭ ‬مِنْهَا‭ ‬وَأَطْعِمُوا‭ ‬الْبَائِسَ‭ ‬الْفَقِيرَ‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬الحج‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬28‭)‬،‭ ‬واستند‭ ‬إلى‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭: ‬‭{‬وَأَقْرِضُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬قَرْضًا‭ ‬حَسَنًا‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬المزمل‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬20‭) ‬ليقول‭: ‬إن‭ ‬وُجدت‭ ‬حالة‭ ‬عسر‭ ‬فردي‭ ‬أو‭ ‬جماعي‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬القادرين‭ ‬الإقراض‭ ‬اللاربوي،‭ ‬مع‭ ‬فترة‭ ‬سماح‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭: ‬‭{‬وَإِنْ‭ ‬كَانَ‭ ‬ذُو‭ ‬عُسْرَةٍ‭ ‬فَنَظِرَةٌ‭ ‬إِلَى‭ ‬مَيْسَرَةٍ‭ ‬‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬البقرة‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬280‭).‬

وكانت‭ ‬له‭ ‬اجتهادات‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬العقوبات،‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الفقهي،‭ ‬فدرس‭ ‬النصوص‭ ‬القرآنية،‭ ‬وعطف‭ ‬عليها‭ ‬الأحاديث‭ ‬الصحيحة،‭ ‬ليجد‭ ‬أن‭ ‬القصاص‭ (‬المنصوص‭ ‬عليه‭) ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬المعاودة‭ ‬والتكرار‭ ‬فـ«العقوبات‭ ‬ليست‭ ‬مقصودة‭ ‬بأعيانها‭ ‬الحرفية،‭ ‬بل‭ ‬بغاياتها‮»‬‭ ‬فلا‭ ‬قطع‭ ‬رقاب‭ ‬ولا‭ ‬قطع‭ ‬أيد‭ - ‬يقول‭ - ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬إثبات‭ ‬التهمة‭ ‬وتكرارها،‭ ‬ولا‭ ‬يُلجأ‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬اليأس‭ ‬مما‭ ‬عداها‭. ‬ففي‭ ‬آيات‭ ‬السارق‭ ‬والسارقة‭ ‬والزاني‭ ‬والزانية‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬التحلية‭ ‬بأداة‭ ‬التعريف‭ ‬في‭ ‬اسم‭ ‬الفاعل‭ ‬تجعل‭ ‬الأمر‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التلبس،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المقصود‭ ‬هو‭ ‬المعاودة‭ ‬والتكرار،‭ ‬فالسارق‭ ‬والزاني‭ ‬هو‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬يكرر‭ ‬ويمتهن‭ ‬فعله،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬العلايلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الرجم‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬صراحة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فذهب‭ ‬بذلك‭ ‬مذهب‭ ‬‮«‬الخوارج‮»‬‭.‬

والعقوبة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬العلايلي،‭ ‬ليست‭ ‬للثأر‭ ‬أو‭ ‬للتشفي،‭ ‬بل‭ ‬لصيانة‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الفساد،‭ ‬وإلا‭ ‬لعجّ‭ ‬المجتمع‭ ‬بالمشوّهين‭: ‬مجدوعي‭ ‬الأنوف،‭ ‬مقطوعي‭ ‬الأيدي‭ ‬والأرجل‭... ‬ثم،‭ ‬ألم‭ ‬يسمعوا‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬وَلْيَعْفُوا‭ ‬وَلْيَصْفَحُوا‭ ‬أَلَا‭ ‬تُحِبُّونَ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَغْفِرَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬غَفُورٌ‭ ‬رَحِيمٌ‭}‬‭(‬سورة‭ ‬النور‭: ‬من‭ ‬الآية‭ ‬22‭).‬

وقد‭ ‬تصدّى‭ ‬للعلايلي‭ ‬في‭ ‬‮«‬اجتهاداته‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬اتهمه‭ ‬بتجنب‭ ‬إيراد‭ ‬آيات‭ ‬‮«‬الجلد‮»‬،‭ ‬والاقتصار‭ ‬على‭ ‬شرح‭ ‬آيات‭ ‬مختارة‭ ‬توافق‭ ‬توجّهه،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬أصدر‭ ‬ردوداً‭ ‬اتهمته‭ ‬بـ«التجديف‮»‬‭ ‬وإن‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يتحمّل‭ ‬مغبّة‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬اجتهاداته‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفرّد‭ ‬بها‭.‬

وتحدّث‭ ‬العلايلي‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الإكراه‮»‬،‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية،‭ ‬منتقداً‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬والتفريق‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬التهم‭ ‬ودرجاتها‭.‬

ومن‭ ‬اجتهاداته‭ ‬الفقهية‭ ‬تجاوزه‭ ‬أقوال‭ ‬الفقهاء‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬‮«‬هلال‭ ‬شوال‮»‬،‭ ‬فالقضية‭ ‬عنده‭ ‬‮«‬أبجدية‭ ‬فلكية‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مدار‭ ‬خلاف،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬في‭ ‬اجتهاده‭ ‬على‭ ‬أحاديث‭ ‬نبوية‭ ‬شريفة‭ ‬ثلاثة‭:‬

1-‭ ‬‮«‬إنا‭ ‬أمّة‭ ‬أمّية‭ ‬لا‭ ‬نكتب‭ ‬ولا‭ ‬نحسب،‭ ‬الشهرُ‭ ‬هكذا‭ ‬وهكذا،‭ ‬يعني‭ ‬هو‭ ‬مرة‭ ‬تسعة‭ ‬وعشرون‭ ‬ومرة‭ ‬ثلاثون‮»‬‭.‬

2-‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬رأيتموه‭ (‬الهلال‭) ‬فصوموا،‭ ‬وإذا‭ ‬رأيتموه‭ ‬فأفطروا،‭ ‬فإنْ‭ ‬غمَّ‭ ‬عليكم‭ ‬فاقدروا‭ ‬له‮»‬‭.‬

3-‭ ‬‮«‬صوموا‭ ‬لرؤيته‭ ‬وأفطروا‭ ‬لرؤيته،‭ ‬فإنْ‭ ‬غُبي‭ ‬عليكم‭ ‬فأكملوا‭ ‬العدة‭ ‬ثلاثين‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأحاديث‭: ‬‮«‬لا‭ ‬نحسب‮»‬،‭ ‬و«فإن‭ ‬غمّ‮»‬‭ ‬و«فإن‭ ‬غُبي‮»‬،‭ ‬ليصير‭ ‬المعنى‭ ‬عند‭ ‬العلايلي‭ ‬في‭ ‬عبارة‭: ‬‮«‬صوموا‭ ‬للعلم‭ ‬به،‭ ‬إن‭ ‬بالمعاينة‭ ‬البصرية‭ ‬أو‭ ‬المعاينة‭ ‬العقلية‮»‬‭. (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتمده‭ ‬بعض‭ ‬المجتهدين‭ ‬اليوم‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬تفسير‭ ‬يذهب‭ ‬مذهب‭ ‬العلم،‭ ‬في‭ ‬اجتهاد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

لقد‭ ‬حاول‭ ‬العلايلي‭ ‬فاجتهد،‭ ‬وحين‭ ‬جابهه‭ ‬كثيرون‭ ‬متهمينه‭ ‬بشتى‭ ‬الاتهامات،‭ ‬تحدّث‭ ‬في‭ ‬ردوده‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬المرن‭ ‬المساير‭ ‬للعصر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬التراشق‭ ‬الفكري‭ ‬بين‭ ‬‮«‬المتفقهين‮»‬،‭ ‬واستطرد‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬حرّم‭ ‬شرب‭ ‬القهوة‭ ‬وعدّها‭ ‬من‭ ‬المسكرات،‭ ‬وأن‭ ‬آخرين‭ ‬حرّموا‭ ‬التصوير‭ ‬مطلقاً‭ ‬والأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬جميعاً،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشدّة‭ ‬‮«‬سكتوا‭ ‬عن‭ ‬التصدّي‭ ‬لتغلغل‭ ‬التلفاز‭ ‬داخل‭ ‬ردهاتهم‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬كانت‭ ‬توجّهاته‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬معترضاً،‭ ‬أولاً،‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬تراث‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬رأيه‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬تراث‭ ‬أو‭ ‬حاضر‭ ‬أو‭ ‬مستقبل،‭ ‬ففي‭ ‬لحظة‭ ‬أنت‭ ‬تسمّي‭ ‬الماضي‭ ‬تراثاً،‭ ‬وما‭ ‬بعدك‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬كل‭ ‬اللحظات‭ ‬مترابطة‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬تراثية‭ ‬مطلقة‭ ‬مترابطة‭. ‬أما‭ ‬قضية‭ ‬الانقطاع‭ ‬الكلي‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬فليست‭ ‬موجودة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬رؤوس‭ ‬بعض‭ ‬المتخلين،‭ ‬فاللحظة‭ ‬الحاضرة‭ ‬محمّلة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬لا‭ ‬بذاتها‭ ‬فقط‮»‬‭. ‬

بناءً‭ ‬عليه‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬منهجية‭ ‬دينامية‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فتعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الوثائق‮»‬‭ ‬التاريخية‭ ‬موضوعياً‭ ‬وبتجرّد،‭ ‬‮«‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬أصالة‭ ‬وأعمقهم‭ ‬فهماً‭ ‬للتراث‭ ‬العربي،‭ ‬مع‭ ‬انفتاح‭ ‬شديد‭ ‬على‭ ‬أشكال‭ ‬الحداثة‭ ‬والمعاصرة‭.‬

وقد‭ ‬‮«‬تجرأ‮»‬‭ ‬العلايلي‭ ‬فتحدث‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬أيام‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬وقال‭: ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نغتر‭ ‬بكلمة‭ ‬خليفة‭ ‬وكلمة‭ ‬خلافة،‭ ‬فنصف‭ ‬حكوماتهم‭ ‬بصفة‭ ‬واحدة،‭ ‬فنظام‭ ‬الحكم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬قاعدة‭ ‬واحدة،‭ ‬وجاء‭ ‬تصنيف‭ ‬العلايلي‭ ‬كما‭ ‬يأتي‭:‬

‭- ‬حالة‭ ‬ثيوقراطية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬النبي‭.‬

‭- ‬حالة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لها‭ ‬شكل‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬وعمر‭.‬

‭- ‬أرستوقراطية‭ ‬لها‭ ‬شكل‭ ‬جمهورية‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬عثمان‭.‬

‭- ‬جمهورية‭ ‬بحتة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬علي‭.‬

‭- ‬فوضوية‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الخوارج‭.‬

إن‭ ‬رؤية‭ ‬العلايلي‭ ‬لحركة‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الصيرورة‭ ‬والتطوّر،‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬الرؤية‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التي‭ ‬انتهجها‭ ‬في‭ ‬مقاربته‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فرؤيته‭ ‬موضوعية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬تطابق‭ ‬‮«‬الشرع‮»‬‭ ‬و«العلم‮»‬‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬واحدة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬وإلى‭ ‬الكائن‭ ‬بخاصة،‭ ‬لأنه‭ ‬يتعرض‭ ‬للتبدّلات‭ ‬والتغيّرات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة،‭ ‬وقد‭ ‬كشف‭ ‬العلايلي‭ ‬القناع‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬الإسلام‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬حين‭ ‬قرّر‭ ‬أن‭ ‬الشريعة‭ ‬بمنطق‭ ‬النبي‭ ‬،‭ ‬ومنطق‭ ‬العلم‭ ‬تظلّ‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تكليف‭ ‬وتجدّد‭ ‬دائمين‭. ‬وتحدث‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الزواج‭ ‬عن‭ ‬الكبت‭ ‬الجنسي،‭ ‬فقال‭: ‬إن‭ ‬التحرّر‭ ‬منه‭ ‬ضروري‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬ضمن‭ ‬منهج‭ ‬الأخلاق‭ ‬والفضيلة،‭ ‬لذا‭ ‬حثّ‭ ‬على‭ ‬الزواج‭. ‬وتابع‭: ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بالسباحة‭ ‬والمراقصة‭ ‬والخلاعة‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬شبابنا‭ ‬اليوم،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬ألاعيب‭ ‬وتسلية‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬منها‭ ‬ولا‭ ‬تجدي‭ ‬الخير‭.‬

وفي‭ ‬كتابه،‭ ‬‮«‬أين‭ ‬الخطأ؟‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يقصد‭ ‬‮«‬الانفراد‭ ‬برأي،‭ ‬أو‭ ‬المخالفة‭ ‬لأجل‭ ‬المخالفة‮»‬،‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬غايته‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬لمعالجة‭ ‬الشريعة‭ ‬العملية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقدم‭ ‬هذه‭ ‬الشريعة‮»‬،‭ ‬وتابع‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬تساورني‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقلّدني‭ ‬أحد،‭ ‬بل‭ ‬أغتبط‭ ‬بالمخالف،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬ليصبّ‭ ‬العلماء‭ ‬كل‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭ ‬قبل‭ ‬فسادها‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬الكتاب‭ (‬أين‭ ‬الخطأ؟‭) ‬ظننا‭ ‬أنه‭ ‬مُنع‭ ‬من‭ ‬النشر‭ ‬أو‭ ‬حرّم‭! ‬لكنّ‭ ‬العلايلي‭ ‬أفاد‭ ‬في‭ ‬مقابلات‭ ‬له‭ ‬بأنه‭ ‬نُشر،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬تعليقاً‭ ‬على‭ ‬مقالاته‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب‭ ‬الجامع‭ ‬لها،‭ ‬أحدث‭ ‬ضجّة،‭ ‬فنفد‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬سريعاً،‭ ‬‮«‬على‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬العلايلي‭ ‬يُحرج‭ ‬المسلمين‭ ‬بالأحكام‭ ‬التي‭ ‬يعطيها‭ ‬أي‭ ‬إحراج،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬هدفه‭ ‬منه‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬بمنطقية‭ ‬جديدة،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭: ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬أيديولوجي،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقدمه‭ ‬للإسلام‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬أيديولوجية‭ ‬متكاملة‭ ‬لعلها‭ ‬تكون‭ ‬حلاً‭ ‬للمشكلات‭ ‬العالمية،‭ ‬بذلك‭ ‬نخدم‭ ‬الإسلام‭ ‬والإنسانية،‭ ‬ونخدم‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولتستفيد‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭ ‬أيضاً‮»‬‭. ‬

إن‭ ‬مفهوم‭ ‬الدين‭ ‬عند‭ ‬العلايلي،‭ ‬كان‭ ‬اجتماعياً‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لحثّ‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬المتواصل‭ ‬والسمو‭ ‬بنفوسهم‭ ‬نحو‭ ‬الخير،‭ ‬فالدين‭ ‬يؤخذ‭ ‬كله‭ ‬بلا‭ ‬تفريق،‭ ‬والقرآن‭ ‬ميزان‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬يُسترشد‭ ‬به‭ ‬لإقامة‭ ‬العدل‭ ‬والصلاح،‭ ‬يقول‭ ‬للمسلم‭: ‬‮«‬إنك‭ ‬تحمل‭ ‬باليد‭ ‬الواحدة‭ ‬كتاباً،‭ ‬وفي‭ ‬اليد‭ ‬الأخرى‭ ‬مصباحاً،‭ ‬فاعرف‭ ‬كيف‭ ‬تبلّغ‭ ‬رسالتك،‭ ‬أنت‭ ‬رحمة‭ ‬مهداة‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬جيل‮»‬‭. ‬إن‭ ‬المشروع‭ ‬الفقهي‭ ‬عنده‭ ‬ليس‭ ‬خروجاً‭ ‬على‭ ‬القديم،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬تصحيح‭ ‬لجهاز‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القديم‭. ‬هو‭ ‬رؤية‭ ‬بعين‭ ‬جديدة‭ ‬سليمة‭. ‬‮«‬والحقيقة‮»‬‭ ‬عند‭ ‬العلايلي‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬نهائية،‭ ‬إذاً‭ ‬هو‭ ‬يحترم‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ويثق‭ ‬بقدرة‭ ‬العقل‭ ‬الإنساني،‭ ‬وبأن‭ ‬الفكر‭ ‬دينامي‭ ‬مبدع‭.‬

ولأنه‭ ‬ينادي‭ ‬‮«‬بفصل‭ ‬المعرفة‭ ‬عن‭ ‬الخرافة‭ ‬والدين‭ ‬عن‭ ‬الشعوذة‮»‬‭ ‬طالب‭ ‬بتحرير‭ ‬الشريعة‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الماضي،‭ ‬ليواجه‭ ‬العالم‭ ‬بالتجدد‭ ‬والتحرّك‭ ‬الدائم،‭ ‬وأعلن‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬العلم‭. ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يتوجّه‭ ‬في‭ ‬كلامه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬عقلنة‭ ‬الدين‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬تحدّث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬استعمار‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬ظنت‭ ‬أن‭ ‬تحرّرها‭ ‬هو‭ ‬اتباع‭ ‬تفكيرها،‭ ‬فلما‭ ‬خاب‭ ‬أملها‭ ‬من‭ ‬المنهج‭ ‬الغربي‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬فكرها‭ ‬الخاص‭ ‬وينابيعها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬حقّها،‭ ‬لكن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الينابيع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ - ‬في‭ ‬نظر‭ ‬العلايلي‭ - ‬عودة‭ ‬عقلية‭ ‬مستنيرة‭ ‬ورشيدة،‭ ‬فهو‭ ‬ضدّ‭ ‬أخذ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ضد‭ ‬الانغلاق،‭ ‬أي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تنخّل‭ ‬واستصفاء‭.‬

لقد‭ ‬جاء‭ ‬فكر‭ ‬العلايلي‭ ‬الفقهي‭ ‬إزاء‭ ‬الفكر‭ ‬العام‭ ‬‮«‬منفرداً‭ ‬بجدّته‭ ‬ومرونته‭ ‬وشموليته،‭ ‬متفقاً‭ ‬مع‭ ‬جوهر‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬للتشريع‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وحاملاً‭ ‬طاقة‭ ‬خارقة‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬الفكر‭ ‬الفقهي‭ ‬المعاصر‮»‬،‭ ‬فدعا‭ ‬إلى‭ ‬التسليم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قالت‭ ‬المدارس‭ ‬الفقهية‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬وتناكرها،‭ ‬وإلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أخذ‭ ‬حلّ‭ ‬أي‭ ‬مشكلة‭ ‬عارضة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬الفقهية‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قائلها‭.‬

العلايلي،‭ ‬العالم،‭ ‬حامل‭ ‬شهادات‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف،‭ ‬والخطيب‭ ‬لسنوات‭ ‬على‭ ‬منبر‭ ‬الجامع‭ ‬العمري‭ ‬الكبير،‭ ‬ومؤلف‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬‮«‬التفسير‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الحسين‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬السيدة‭ ‬خديجة‮»‬‭ ‬ومؤلف‭ ‬‮«‬إني‭ ‬أتهم‮»‬‭ ‬و«أين‭ ‬الخطأ؟‮»‬،‭ ‬أعدّ‭ ‬نفسه‭ ‬ليكون‭ ‬رجل‭ ‬دين،‭ ‬ولكنه‭ ‬فهم‭ ‬مهمته‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قبل‭ ‬شيء‭ ‬مهمة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فكانت‭ ‬ثورته‭ ‬الإصلاحية‭ ‬ليبيّن‭ ‬الخطأ‭ ‬ويضيء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬حقاً‭ ‬للناس‭ ‬وللمجتمع،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬المواضيع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الدينية‭ ‬العملية،‭ ‬بمنهجية‭ ‬ودينامية،‭ ‬وجرأة‭ ‬هي‭ ‬سمة‭ ‬مشتركة‭ ‬عند‭ ‬الروّاد،‭ ‬ميزها‭ ‬عند‭ ‬العلايلي‭ ‬ثقافة‭ ‬عميقة‭ ‬موسوعية‭.‬

قلت‭ ‬فيه‭: ‬أحب‭ ‬الحياة‭ ‬فناً‭ ‬للعيش،‭ ‬جال‭ ‬في‭ ‬مناحيها‭ ‬كلها،‭ ‬وخرج‭ ‬فائزاً،‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭: ‬الحياة‭ ‬دفقٌ‭ ‬وسكبٌ‭ ‬ومد،‭ ‬جمالية‭ ‬فنها‭: ‬عاطفة‭ ‬وعقل‭ ‬وإرادة،‭ ‬ولذة‭ ‬الجمال‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الانتعاش‭ ‬العام‭ ‬