فاتن حمامة رحلة من الكلمات والصور

فاتن حمامة رحلة من الكلمات والصور

مثلت‭ ‬رحلة‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ (‬1931‭ - ‬2015‭) ‬بين‭ ‬الكلمات‭ ‬والصور‭ ‬ثراءً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬لعشاق‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬معاً،‭ ‬ولقراء‭ ‬الرواية‭ ‬ومشاهدي‭ ‬السينما‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬حتى‭ ‬لقبت‭ ‬الفنانة‭ ‬بسيدة‭ ‬الشاشة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أكسبت‭ ‬الشخصيات‭ ‬روحاً‭ ‬جديدة‭ ‬بفنها‭ ‬التعبيري،‭ ‬الذي‭ ‬صاحبها‭ ‬طفلة‭ ‬وشابة‭ ‬وسيدة‭ ‬ناضجة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬القصير،‭ ‬أقدم‭ ‬زاويتين‭ ‬لقراءة‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة؛‭ ‬في‭ ‬الأولى‭ ‬أرصد‭ ‬رحلة‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬بشخصياتها‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬إلى‭ ‬شاشة‭ ‬السينما،‭ ‬وفي‭ ‬الثانية‭ ‬أوثق‭ ‬لرجال‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة،‭ ‬وخلفها‭.‬

فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬إلى‭ ‬شاشة‭ ‬السينما

سوف‭ ‬تبقى‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬النجمة‭ ‬العربية‭ ‬الأولى‭ ‬صاحبة‭ ‬أكبر‭ ‬تعاون‭ ‬وتعبير‭ ‬عن‭ ‬الكلمة‭ ‬الأدبية‭ ‬المكتوبة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬العالمي،‭ ‬فهي‭ ‬صاحبة‭ ‬الشخصيات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬قرأناها‭ ‬في‭ ‬الروايات،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬اكتسبت‭ ‬وجهاً‭ ‬ثقافياً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ممثلة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬بمن‭ ‬فيهن‭ ‬رفيقة‭ ‬رحلتها‭ ‬شادية‭.‬

هذا‭ ‬الوجه‭ ‬أكسب‭ ‬الفنانة‭ ‬الراحلة‭ ‬صفة‭ ‬الجدية،‭ ‬وأدخلها‭ ‬قلوب‭ ‬القراء‭ ‬والمشاهدين،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬منشورة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬واسع‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وبلغات‭ ‬عالمية،‭ ‬ونحن‭ ‬نحرص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬الذي‭ ‬يُنشر‭ ‬بعد‭ ‬الاحتفاء‭ ‬الـعاطفي‭ ‬الـمليء‭ ‬بالشجن،‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬رحيلها،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬تنسب‭ ‬إلى‭ ‬الممثلة‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الاختيارات‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬لها‭ ‬كانت‭ ‬مصحوبة‭ ‬برؤية‭ ‬مخرجين‭ ‬عشقوا‭ ‬الأدب،‭ ‬ورأوا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬كتابات‭: ‬تولستوي‭,‬‭ ‬والدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭,‬‮ ‬‭ ‬وتوفيق‭ ‬الحكيم،‭ ‬وإحسان‭ ‬عبدالقدوس،‭ ‬ويوسف‭ ‬إدريس‭,‬‭ ‬ولطيفة‭ ‬الزيات،‭ ‬وغيرهم‭.‬‮ ‬
‮ ‬‭ ‬

رحلة‭ ‬مبكرة‮ ‬‭ ‬

كانت‭ ‬الرحلة‭ ‬مبكرة،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬التاسعة‭ ‬عشرة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬أخلاق‭ ‬للبيع‮»‬‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬النفاق‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي،‭ ‬وهي‭ ‬نص‭ ‬من‭ ‬أجرأ‭ ‬النصوص‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭,‬‭ ‬حيث‭ ‬تناول‭ ‬الكاتب‭ ‬حبوب‭ ‬الشجاعة‭ ‬والمروءة‮ ‬‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬بطله،‭ ‬وراح‭ ‬ينتقد‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬العربية‭ ‬ومؤسساتهم،‭ ‬ورمى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بأشد‭ ‬الانتقادات‭ ‬بسبب‭ ‬هزيمة‭ ‬1948‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬السباعي‭ ‬كان‭ ‬ضابطاً‭ ‬تخرَّج‭ ‬في‭ ‬دفعة‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وأحمد‭ ‬مظهر‭ ‬وأيضاً‭ ‬عزالدين‭ ‬ذوالفقار،‭ ‬الذي‭ ‬تزوَّج‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬وأخرج‭ ‬لها‭ ‬أفلاماً‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬أدبية،‭ ‬وكان‭ ‬السباعي‭ ‬قد‭ ‬نشر‭ ‬أعماله‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬نشر‭ ‬روايتيه‭ ‬الشهيرتين‭ ‬‮«‬السقا‭ ‬مات‮»‬،‭ ‬و«أرض‭ ‬النفاق‮»‬‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬المخرج‭ ‬محمود‭ ‬ذو‭ ‬الفقار،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شقيقاً‭ ‬لزوج‭ ‬فاتن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬بكتابة‭ ‬السيناريو‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬أبوالسعود‭ ‬الإبياري،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬قد‭ ‬بدا‭ ‬شبه‭ ‬أخرس‭ ‬قياساً‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬الأدبي،‭ ‬وآثر‭ ‬الابتعاد‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬النقد‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وقامت‭ ‬فاتن‭ ‬بأداء‭ ‬شخصية‭ ‬الزوجة‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬بين‭ ‬فكي‭ ‬زوجها‭ ‬وأمها،‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬توفق‭ ‬بينهما‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬الرجل‭ ‬يقوم‭ ‬بأعمال‭ ‬غير‭ ‬متوقَّعة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬شجاعاً‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬حماته‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المتاعب،‭ ‬حتى‭ ‬يزول‭ ‬المفعول‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬السينمائيون‭ ‬قد‭ ‬نظروا‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬باعتباره‭ ‬مغارة‭ ‬علي‭ ‬بابا‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬كنوز‭ ‬رائعة‭ ‬مختفية‭ ‬في‭ ‬الظلام،‭ ‬والطريف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬بين‭ ‬بدايات‭ ‬علاقة‭ ‬الأدب‭ ‬بالسينما‭ ‬قد‭ ‬ارتبطت‭ ‬بوجود‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تشكل‭ ‬ظاهرة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬آثار‭ ‬في‭ ‬الرمال‮»‬،‭ ‬المأخوذ‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬فديتك‭ ‬يا‭ ‬ليلى‮»‬‭ ‬ليوسف‭ ‬السباعي‭ ‬أيضاً‭ ‬وإخراج‭ ‬جمال‭ ‬مدكور‭ ‬عام‭ ‬1954‭.‬

والفيلم‭ ‬أقرب‭ ‬في‭ ‬موضوعه‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬ألمانية‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬حذار‭ ‬من‭ ‬الشفقة‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬ستيفان‭ ‬زفايج،‭ ‬لكن‭ ‬المؤلف‭ ‬أضاف‭ ‬من‭ ‬عندياته‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬العمل‭ ‬المليء‭ ‬بالغموض‭ ‬والرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تداعيات،‮ ‬‭ ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬فاتن‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬إبراهيم،‭ ‬الذي‭ ‬أحب‭ ‬فتاة‭ ‬كسيحة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬مرضها،‭ ‬وعندما‭ ‬انتحرت‭ ‬أخته‭ ‬فقد‭ ‬الذاكرة،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الفيلم‭ ‬النفسي‭ ‬بعد‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬المنزل‭ ‬رقم13‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬كمال‭ ‬الشيخ،‭ ‬ورغم‭ ‬الدور‭ ‬القصير‭ ‬نسبياً‭ ‬للشخصية‭ ‬التي‭ ‬جسدتها‭ ‬فاتن،‭ ‬فإنها‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬تساعد‭ ‬خطيبها‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬المرضية‭ ‬ليتزوجا‭ ‬وقد‭ ‬طرد‭ ‬عنه‭ ‬ماضيه‭ ‬المليء‭ ‬بالقلق‭ ‬والحب‭ ‬والشفقة‭.‬‮ ‬


‮«‬بين‭ ‬الأطلال‮»‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عادت‭ ‬فاتن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1959‭ ‬إلى‭ ‬يوسف‭ ‬السباعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬بين‭ ‬الأطلال‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬ذيوعاً‭ ‬ومبيعاً،‭ ‬وهي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الرومانسية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬روايات‭ ‬تحوَّلت‭ ‬أغلبها‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬صديقه‭ ‬عزالدين‭ ‬ذوالفقار‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬إني‭ ‬راحلة‮»‬،‭ ‬و«رُد‭ ‬قلبي‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬فاتن‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬لأسند‭ ‬إليها‭ ‬الدورين‭ ‬في‭ ‬الفيلمين‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مديحة‭ ‬يسري‭ ‬ومريم‭ ‬فخر‭ ‬الدين،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬طليقته‭ ‬في‭ ‬‮«‬بين‭ ‬الأطلال‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬الفنانة‭ ‬من‭ ‬موهبة‭ ‬وحضور‭ ‬ملحوظين،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬مريم‭ ‬فخر‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬زوجة‭ ‬أخيه‭ ‬محمود‭ ‬ذو‭ ‬الفقار،‭ ‬وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬جسَّدت‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬دور‭ ‬أم‭ ‬لفتاة‭ ‬ناضجة‭ ‬تأتيها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬لتخبرها‭ ‬بأن‭ ‬أستاذها‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬يود‭ ‬الزيارة‭ ‬كي‭ ‬يخطبها،‭ ‬وعندما‭ ‬يأتي‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاب‭ ‬تُصدم‭ ‬الأم‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬هو‭ ‬ابنها،‭ ‬وكما‭ ‬نلاحظ‭ ‬فإن‭ ‬السباعي‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الغموض‭ ‬ويدفع‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬الحكاية،‭ ‬وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬المخرج‭ ‬بالنص‭ ‬الأدبي‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬دون‭ ‬الخروج‭ ‬عنه،‭ ‬فإذا‭ ‬بهذه‭ ‬الأم‭ ‬تفسر‭ ‬لابنتها‭ ‬الحكاية‭ ‬وتخبرها‭ ‬بأنها‭ ‬ابنة‭ ‬الكاتب‭ ‬الشاب‭ ‬محمود،‭ ‬الذي‭ ‬أحبته‭ ‬وهي‭ ‬صغيرة‭ ‬السن،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تتزوجه‭ ‬وعاشت‭ ‬تعاني‭ ‬بعد‭ ‬زواجها‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬وإنجابها‭ ‬طفلاً‭ ‬افترقت‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طلقها‭ ‬أبوه‭ ‬لإصرارها‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬الكاتب‭ ‬حبيبها‭ ‬أثناء‭ ‬مرضه،‭ ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬رحيله‭ ‬قامت‭ ‬بتمريض‭ ‬امرأته‭ ‬حتى‭ ‬الرحيل،‭ ‬ثم‭ ‬تولّت‭ ‬تربية‭ ‬ابنتها،‭ ‬وهذه‭ ‬البنت‭ ‬بالتبني‭ ‬تأتي‭ ‬بالابن‭ ‬الحقيقي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أطلال‭ ‬الماضي‭.‬

يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬متداخلة‭ ‬يجيد‭ ‬السباعي‭ ‬كتابتها،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يذكر‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬قدر‭ ‬قصة‭ ‬الحب‭ ‬المستحيلة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬وإحدى‭ ‬قارئاته،‭ ‬فتفانى‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭,‬‭ ‬ومثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬فإن‭ ‬الفيلم‭ ‬أحب‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التداخل‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬ومازلنا‭ ‬نذكر‭ ‬كيف‭ ‬تفانت‭ ‬الحبيبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حبيبها‭ ‬وهو‭ ‬يموت،‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬ظلت‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬أرملته‭ ‬حتى‭ ‬النَّفس‭ ‬الأخير‭.‬


‮«‬الله‭ ‬معنا‮»‬

كانت‭ ‬فاتن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الروائي‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬ككاتب‭ ‬للقصة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الله‭ ‬معنا‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1955‭,‬‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬قصته‭ ‬مباشرة‭ ‬للسينما‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مأخوذاً‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬أدبي،‭ ‬وقد‭ ‬تأخر‭ ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية،‭ ‬منها‭ ‬إصرار‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬محو‭ ‬دور‭ ‬الرئيس‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬وقد‭ ‬جسّدت‭ ‬فاتن‭ ‬دور‭ ‬ابنة‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬تاجروا‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الفاسدة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬حبيبها‭ ‬ابن‭ ‬العم‭ ‬الضابط‭ ‬ذراعه‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين،‭ ‬فوقفت‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬ونقلت‭ ‬إليهم‭ ‬وثائق‭ ‬تُدين‭ ‬أبيها،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬دور‭ ‬وطني‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬بما‭ ‬يناصر‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬وحركات‭ ‬التحرر‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬مأخوذة‭ ‬عن‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس،‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬الطريق‭ ‬المسدود‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مليء‭ ‬بالانحلال‭ ‬وتصدم‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬الكاتب‮ ‬‭ ‬المفضل،‭ ‬الذي‭ ‬تحبه‭ ‬وتتصوره‭ ‬مثالياً،‭ ‬فتذهب‭ ‬للعمل‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬وتكتشف‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬فساداً‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬والشقة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيها،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬وتسعى‭ ‬لتغيير‭ ‬الكاتب‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بمرحلة‭ ‬التطهر‭,‬‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬هي‭ ‬صنو‭ ‬شخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬قدمها‭ ‬إحسان‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬أخرى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬فاتن‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتقمص‭ ‬شخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬نادية‭ ‬في‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أنام‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بأبيها‭ ‬مهما‭ ‬ارتكبت‭ ‬من‭ ‬شرور‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬صُدم‭ ‬المشاهد‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬تؤدي‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬بشياكة‭ ‬قللت‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الغصة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭ ‬وجعلتها‭ ‬تتوب‭ ‬عن‭ ‬مواقفها،‭ ‬وهي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأب‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬زوجته‭ ‬الجديدة‭ ‬الخليعة،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تطفئ‭ ‬الشمس‮»‬‭ ‬يكاد‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬السابق،‭ ‬فهي‭ ‬ابنة‭ ‬الأصول‭ ‬التي‭ ‬تحب‭ ‬رجلاً‭ ‬متزوجاً‭ ‬وتؤجر‭ ‬شقة‭ ‬يلتقيان‭ ‬فيها‭ ‬منفردين،‭ ‬لكن‭ ‬الحبيب‭ ‬العجوز‭ ‬يتركها‭ ‬ويرجع‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭.‬
‮ ‬‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬ابنة‭ ‬الأصول‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬الكاتب،‭ ‬وقد‭ ‬عادت‭ ‬فاتن‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬إحسان‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬انقطاع‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الخيط‭ ‬الرفيع‮»‬‭ ‬لبركات،‭ ‬و«إمبراطورية‭ ‬ميم‮»‬‭ ‬لحسين‭ ‬كمال‭,‬‭ ‬وهما‭ ‬مأخوذان‭ ‬من‭ ‬قصتين‭ ‬قصيرتين‭ ‬للكاتب‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬توجد‭ ‬علاقات‭ ‬بين‭ ‬الفيلم‭ ‬والرواية‭ ‬إلا‭ ‬خطوطاً‭ ‬رفيعة،‭ ‬ففي‭ ‬الأقصوصة‭ ‬هناك‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬يعشق‭ ‬ابنة‭ ‬ليل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنتبه‭ ‬إليه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬مخموراً‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬المطر،‭ ‬وهذه‭ ‬العاهرة‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬أرستقراطية‭ ‬تعيش‭ ‬عاشقة‭ ‬لرجل‭ ‬ميسور،‭ ‬ويحبها‭ ‬شاب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدري‭ ‬حتى‭ ‬تكتشف‭ ‬عواطفه‭ ‬فتدخل‭ ‬حياته‭ ‬ليعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خيطاً‭ ‬رفيعاً‭ ‬بين‭ ‬الحب‭ ‬والامتلاك


‮«‬دعاء‭ ‬الكروان‮»‬

‮ ‬جسدت‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬شخصية‭ ‬آمنة‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬الكروان‮»‬‭ ‬للدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بالريف‭ ‬الصحراوي،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬المرأة‭ ‬هنا‭ ‬بالغة‭ ‬التحجر،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الحب‭ ‬بسهولة،‭ ‬وقد‭ ‬دخلت‮ ‬‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬مهندس‭ ‬الري‭ ‬وأقامت‭ ‬عنده‭ ‬خادمة‮ ‬‭ ‬كي‭ ‬تنتقم‭ ‬منه‭ ‬بالحب‭,‬‭ ‬وبالفعل‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬الاثنان‭ ‬في‭ ‬الحب‭,‬‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬هي‭ ‬التعامل‭ ‬الأول‭ ‬لبركات‭ ‬سينمائياً‭ ‬مع‭ ‬الرواية‭ ‬العربية،‭ ‬وقد‭ ‬منح‭ ‬الفرصة‭ ‬لصديقه‭ ‬الكاتب‭ ‬يوسف‭ ‬جوهر‭ ‬ليحوِّل‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يناسب‭ ‬البيئة،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬فقد‭ ‬دفع‭ ‬المهندس‭ ‬حياته‭ ‬ثمناً‭ ‬لعلاقاته‭ ‬الآثمة‭ ‬السابقة،‭ ‬ورأينا‭ ‬كيف‭ ‬تحولت‭ ‬آمنة‭ ‬من‭ ‬الريفية‭ ‬ذات‭ ‬القلب‭ ‬المتحجر،‭ ‬إلى‭ ‬عاشقة‭ ‬بالغة‭ ‬النعومة‭ ‬تذوب‭ ‬من‭ ‬الهوى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حبيبها‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬أغوى‭ ‬أختها‭ ‬هنادي‭ ‬التي‭ ‬قتلت‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬خالها‭ ‬بسبب‭ ‬الشرف،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬أرق‭ ‬ما‭ ‬قدمت‭ ‬الفنانة،‭ ‬فهذا‭ ‬نص‭ ‬للدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬وهذا‭ ‬يوسف‭ ‬جوهر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬أحواله‭ ‬وهو‭ ‬يكتب‭ ‬نهاية‭ ‬أخلاقية‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الرواية،‭ ‬حيث‭ ‬اختارت‭ ‬آمنة‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬مع‭ ‬عشيقها‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬ليعيشا‭ ‬هناك‭ ‬وسط‭ ‬طوفان‭ ‬البشر‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬طوفان‭ ‬آخر‭ ‬ملحوظ،‭ ‬هو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬روايات‭ ‬أدبية‭ ‬تصلح‭ ‬للسينما،‭ ‬وكان‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مخرجون‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬صلاح‭ ‬أبوسيف‮ ‬‭ ‬وبركات،‭ ‬حيث‭ ‬رأى‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬هي‭ ‬الأصلح‭ ‬لتكون‭ ‬الوجه‭ ‬السينمائي‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية،‭ ‬خاصة‭ ‬دور‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬حب‮»‬‭ ‬ليوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬النضال‭ ‬الشعبي‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬وقت‭ ‬للحب‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬جديد‭ ‬تظهر‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬عام1963‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬فوزية‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬مهندس‭ ‬شاب‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬شباب‭ ‬المقاومة‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬تهاجم‭ ‬معسكرات‭ ‬الإنجليز،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬فوزية‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬للمهندس‭ ‬حمزة‭ ‬بسبب‭ ‬الحب،‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬بإخفاء‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬لها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أصدقاء‭ ‬حمزة،‭ ‬ثم‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬يكمل‭ ‬مشاعرها‭ ‬لحمزة‭ ‬فتصبح‭ ‬مناضلة‭ ‬حقيقية،‭ ‬والسيناريو‭ ‬هنا‭ ‬كتبه‭ ‬لوسيان‭ ‬لامبير،‭ ‬بينما‭ ‬كتب‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬الحوار،‭ ‬وبدت‭ ‬فاتن‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بصورة‭ ‬الفتاة‭ ‬المناضلة،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬مشابه‭ ‬لفيلم‭ ‬آخر‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الباب‭ ‬المفتوح‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬بركات،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لفاتن‭ ‬حمامة‭ ‬الفيلم‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الحرام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬وعالم‭ ‬مختلفين‭ ‬تماماً،‭ ‬إنه‭ ‬الريف‭ ‬الفقير‭ ‬للغاية،‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬ريف‭ ‬آخر‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى‭ ‬لفاتن‭ ‬حمامة‮ ‬مثل‭ ‬‮«‬صراع‭ ‬في‭ ‬الوادي‮»‬‭ ‬و«لن‭ ‬أبكي‭ ‬أبداً‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬ابن‭ ‬القرية‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬مشاهداته‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬التراحيل،‭ ‬وهو‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المزارع‭ ‬يعمل‭ ‬باليومية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتكفل‭ ‬الدولة‭ ‬رعايته،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬أصابه‭ ‬المرض‭,‬‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬أمراض‭ ‬الريف‭ ‬والفقر،‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬تدبير‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الزوجة‭ ‬عزيزة‭ ‬إلى‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالتراحيل‭ ‬والذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬بيتها‭ ‬كي‭ ‬تدبر‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬الضائعة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تتعرض‭ ‬للاغتصاب‭ ‬وتحمل‭ ‬سفاحاً،‭ ‬يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬مليء‭ ‬بالقسوة،‭ ‬ومعاني‭ ‬الحرام‭ ‬المتعددة،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬فاتن‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬البنت‭ ‬الأرستقراطية‭ ‬العاطفية‭ ‬بلباس‭ ‬البؤس‭ ‬والمرض‭ ‬والموت،‭ ‬تعبر‭ ‬بصدق‭ ‬وترى‭ ‬فيها‭ ‬عزيزة‭ ‬التي‭ ‬أخذها‭ ‬وباء العوز‭.‬


‮  «‬الباب‭ ‬المفتوح‮»‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الآونة‭ ‬كان‭ ‬المخرجون‭ ‬يبحثون‭ ‬لفاتن‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬تناسبها،‭ ‬وقد‭ ‬التفت‭ ‬بركات‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬أدبي‭ ‬كتبته‭ ‬الدكتورة‭ ‬لطيفة‭ ‬الزيات‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الباب‭ ‬المفتوح‮»‬،‭ ‬تبدو‭ ‬فيه‭ ‬المرأة‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الآونة،‭ ‬الفتاة‭ ‬ذات‭ ‬الموقف،‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سلعة‭ ‬لرجل‭ ‬مثل‭ ‬ابن‭ ‬خالتها‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬حسية‭ ‬مع‭ ‬بنات‭ ‬العمارة،‭ ‬ومثل‭ ‬أستاذها‭ ‬الجامعي‭ ‬الرجعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬الخالة،‭ ‬وهو‭ ‬يتقدم‭ ‬لخطبة‭ ‬تلميذته‭ ‬كي‭ ‬يحوطها‭ ‬بأوامر‭ ‬عن‭ ‬الممنوعات‭ ‬اللامتناهية‭,‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلتقي‭ ‬بصديق‭ ‬أخيها،‭ ‬وكلا‭ ‬الشابين‭ ‬مناضل‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبيـة‭ ‬في‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬حمزة‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

ظل‭ ‬الوجه‭ ‬المثقف‭ ‬لفاتن‭ ‬حمامة‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف،‭ ‬فهي‭ ‬تتعامل‭ ‬دوماً‭ ‬مع‭ ‬بركات‭ ‬وكاتبات‭ ‬شابات‭ ‬جديدات‭ ‬مثل‭ ‬كاتيا‭ ‬ثابت،‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬لها‭ ‬إحدى‭ ‬حلقات‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬حكاية‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬باب‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬لها‭ ‬روايتها‭ ‬الجديدة‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬للسيدات‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬الهلال‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬العرض‭ ‬الأول‭ ‬للفيلم‭,‬‭ ‬وهنا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬امراة‭ ‬مطلّقة‭ ‬يسعى‭ ‬طليقها‭ ‬للعودة‭ ‬إليها،‭ ‬وعندما‭ ‬ترفض‭ ‬يفضح‭ ‬علاقاتها‭ ‬برئيس‭ ‬تحرير‭ ‬المطبوعة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأرشيف،‭ ‬أما‭ ‬الكاتبة‭ ‬الثانية،‭ ‬فهي‭ ‬سكينة‭ ‬فؤاد‭ ‬صاحبة‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬فاطمة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬سمعها‭ ‬الناس‭ ‬مسلسلاً‭ ‬إذاعياً،‭ ‬وفيه‭ ‬نرى‭ ‬الفتاة‭ ‬البورسعيدية‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬سلوك‭ ‬أخيها‭ ‬الفاسد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتورَّع‭ ‬عن‭ ‬مساعدة‭ ‬قوات‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬صار‭ ‬عضواً‭ ‬بارزاً‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬رجال‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬فسعت‭ ‬إلى‭ ‬فضحه‭ ‬وكشف‭ ‬أمره‭.‬

تلك‭ ‬ملامح‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الفنانة‭ ‬بين‭ ‬الكلمة‭ ‬المقروءة‭ ‬والصورة‭ ‬السينمائية،‭ ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬فاتن‭ ‬دوماً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬مصوراً‭ ‬بارعاً،‭ ‬يعرف‭ ‬تماماً‭ ‬كيف‭ ‬يجعل‭ ‬الكاميرا‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬تقاسيم‭ ‬الأداء،‭ ‬وهو‭ ‬وحيد‭ ‬فريد،‭ ‬وكما‭ ‬نرى‭ ‬فإن‭ ‬بركات‭ ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬هذا‭ ‬الثلاثي‭ ‬دوماً‭ ‬لتكون‭ ‬الراحلة‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يكون‭. ‬بركات‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اقتبس‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬العالمية‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬تمصيرها‭ ‬وقدّمها‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬لحن‭ ‬الخلود‮»‬‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬توسا‮»‬،‭ ‬و«ارحم‭ ‬دموعي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ملك‭ ‬الحديد‮»‬‭ ‬لجورج‭ ‬أونيه‭,‬‭ ‬و«شيء‭ ‬في‭ ‬حياتي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬لقاء‭ ‬قصير‮»‬‭ ‬البريطانية،‭ ‬و«حبيبتي‮»‬‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬مجرية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬دمعة‭ ‬فابتسامة‮»‬‭ ‬لجابور‭ ‬فالازي‭.‬

أما‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف،‭ ‬فقدمها‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬البنت‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬‮«‬لك‭ ‬يوم‭ ‬يا‭ ‬ظالم‮»‬،‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬تيريز‭ ‬راكان‮»‬‭ ‬تأليف‭ ‬إميل‭ ‬زولا‭,‬‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬شخصية‭ ‬رومانسية‭ ‬ماثلة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الناس‭ ‬هي‭ ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬الحب‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬هنا‭ ‬آنا‭ ‬كارنينا‭ ‬كما‭ ‬تخيلها‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬ذو‭ ‬الفقار‭ ‬وليس‭ ‬تولستوي‭ ‬‭>‬