وجهًا لوجه: خالد ربيع السيد وحسين الجفال

وجهًا لوجه: خالد ربيع السيد وحسين الجفال
        

الحاجة ملحة إلى السينما في السعودية

  • قائمة المنع في العالم العربي لا تقف عند أفلام «الكرنكة»
  • ليست هناك منهجية حرفية ولا أنشطة ثقافية تقود إلى تلاقي الكتاب مع السينمائيين
  • لا توجد سينما متطورة وواعية دون نقد جيد
  • السينما الخليجية بعضها يتطور والبعض بدأ قويًا ثم توقف
  • الشباب الإماراتي منتبه جدًا إلى السينما التسجيلية

          الناقد خالد ربيع السيد.. من ومضة سريعة أمام الكاميرا تتضح ملامحه، كل فيلم يمر على الشاشة يلتقطه، يحلله ويتناوله بالمدح أو القدح، لم يكن «فانوسه السحري» سوى عين شاخصة للسينما السعودية التي بدأتْ خجولا ولاتزالُ في وطأة الخيبة بالرغم من تحايلها على الواقع ومواربتها في رمزية سريالية أحيانًا، يكتبُ كثيرًا لينبشَ العتمة من فانوسه ليخلع رأسَ البدايات عنه، ليُعيد الكتابة مرة أخرى كي يقفَ على حافة المشهد، سنقف معه - ههنا في ارتباك وشيك ومغامرة محتملة وحلم مؤجل، وليكن - هو حافتنا لملامسة البُعدِ الآخر من الضوء، للمراهنة على المسافاتِ النائية من الصورةِ التي نتأملها ببطء، ولنكن نحنُ حافته في مجتمع يريدُ مكاشفة عيوبه المتمردة، لئلا تشيخ الآمال، لئلا تنهار المثل الحالمة في صدمة مباغتة، لنرى ما يقوله خالد ربيع إذن:

  • في كتابك «فيلموغرافيا السينما السعودية» رصد أم نقد للبدايات؟

          - هو من هذا وذاك، إذ قدمتُ في بدايته لمحة تعريفية بأعمال المخرج السعودي الرائد عبدالله المحيسن «اغتيال مدينة»، «الإسلام جسر المستقبل»، «تطوير الرياض»، «الصدمة» و«ظلال الصمت» وبالمناسبة الفيلم الأخير «ظلال الصمت» اعتبره نبوءة وقراءة استشرافية في وقتها ومستقبلية لما دار ويدور اليوم في العالم العربي من ثورات وانتفاضات ضد الأنظمة الحاكمة.. ثم تناولت بالرصد الفيلموغرافي الأفلام التي أنتجت في الساحة السعودية بين عام 1977 باعتبارها السنة التي ظهر فيها أول فيلم سعودي وهو فيلم «اغتيال مدينة» لعبدالله المحيسن، الذي قدم فيه رؤية تحذيرية عن اغتيال مدينة بيروت، وكانت تلك السنة بداية اشتعال الفتيل الذي فتك بالمدينة على مدى ستة عشر عامًا. واستمر الكتاب يرصد الأفلام السعودية إلى عام 2007، وهي السنة التي وضعت فيها الكتاب، والحقيقة أن الكتاب لا يحتوي على نقد بالمعنى الاصطلاحي للنقد، فهو عرض، وقراءة وتعريف، ثم حصر وتوثيق.

  • كيف نستلهم مستقبلاً سينمائيًا وليس لدينا دور خاصة لعرض الأفلام؟

          - هذه المشكلة قائمة ومع ذلك تمكن الشباب والمهتمون بأمر إنتاج الأفلام السينمائية من المضي قدمًا نحو صناعة أفلامهم، واستطاعوا أن يعرضوا أفلامهم بمختلف الوسائل وشاركوا بها في عدد من المهرجانات الإقليمية.

          وسائل العرض في وقتنا الحاضر لا تتوقف عند دور العرض بالرغم من أهمية ذلك، ولا شك في أن عدم وجود دور للعرض له تأثير قوي في عدم تطور الصناعة السينمائية وبالتالي يصعب التكهن بما ستئول إليه في المستقبل، ولكن تسليمًا لإرادة الحياة فإنني أتوقع أن يبرز لدينا ثلة من السينمائيين وسوف يحققون وجودا جيدًا نسبيًا، ولا شك في أن هناك بوادر جيدة بدأنا نسمع عنها في السنوات القليلة الماضية. ولكن مشكلات السينما في السعودية ليست محصورة في هذا السبب فقط، هناك مشكلات فنية أخرى تجعل الخوض في غمار السينما مغامرة تغلب عليها سمات الضعف، وكما ألاحظ وأسمع أن هناك ورشا تنظم هنا وهناك في مدن المملكة للتغلب على نواحي الضعف هذه.. ولكن دعني أقل إن الأهم من توفير دور العرض هو توفير المؤسسات والهيئات والمعاهد السينمائية، فإذا كانت لدينا هيئات أو جمعيات أو معاهد خاصة بالسينما فستتبعها عملية إنشاء الدور ومن ثم سيزدهر هذا الفن في المجتمع.

  • البعض ينظمون مهرجانات للأفلام وآخرون يعتبرونها فتنة وخيانة؛ أهي لعبة مصالح أم تعصب مؤقت؟

          - هو صراع التنوير في المجتمعات النامية، ونحن شئنا أم أبينا نمثل مجتمعًا ناميًا تحكمه حزمة من المفاهيم والموروثات الفكرية والمعتقدات الخاطئة والصائبة،ولابد لثقافة تتكون من هذه التوليفة أن تتصارع في محاولة كل فئة أن تبسط ثقافتها ومعتقداتها سواء الفكرية أو الدينية، وما أجزم به هو انتصار التطور الذي لن يستطيع الوقوف أمامه جاهل أو متعصب لفكرة أيًا كان، وبكل تأكيد هو صراع مؤقت سيتلاشى كما تلاشى غيره.. ولعلك تذكر تمامًا ما حدث عند ظهور الأطباق اللاقطة للبث الفضائي، كما أتذكر ويتذكر غيري ما حدث عند ظهور الهاتف الجوال المدمج بكاميرا.. وإن عدنا الى الماضي فسنجد صراعات قامت عند ظهور الإذاعة، وعند ظهور التلفزيون وعند ظهور الفيديو..وكل تلك الصراعات تؤدي إلى زوال الفكر الرجعي.

  • هل ينعكس سلبًا أن يكتب المخرج السيناريو وبالتالي تضعف المعالجة الفكرية والفنية للفيلم؟

          - بكل تأكيد يحدث هذا، وقد تحدثت وكتبت كثيرًا في هذه الناحية، وأحيانًا يكون هناك محتوى فكري جيد، ولكن تأتي الإمكانات الفنية المتواضعة وتجعله هشًا وضعيف القيمة الفنية.. العمل السينمائي عمل متكامل ينبغي أن تتضافر جميع عناصره من تمثيل، ومونتاج، وتصوير، ومؤثر صوتي، ومكياج، وديكور، وإضاءة.. وغير ذلك لإخراج فيلم جاذب وحري بالمشاهدة والتقدير. السيناريو المحبوك دائمًا يكون الخطوة الأولى لتحقيق فيلم جيد، فهو الخريطة الواصفة لدقائق ووظائف العناصر، وبقدر ما يكون السيناريو مجودا يسهّل مهمة التنفيذ، غير أن التنفيذ قد يسقط في الضعف بسبب قلة التجرية وضعف الإمكانات المادية والفنية والبشرية.

  • «لا صناعة لفيلم ناجح دون سيناريو جيد»، ألم تغن الساحة الأدبية في صنوف الأدب كالرواية والقصة مخيلة المخرجين وكتاب السيناريو لإحداث نقلة في هذا المجال؟

          - هناك قطيعة ثقافية بين الأدباء والمهتمين بصناعة الأفلام، الكتاب يحققون أحلامهم وأمجادهم الذاتية لمجرد نشر أعمالهم بين دفتي كتاب، ولا ينظرون إلى ما هو أبعد وأثرى من ذلك، ربما بسبب أنه لا يوجد إرث في تحويل الأدب السعودي إلى سينما. هناك روايات سعودية أو خليجية ممتازة وتحتاج إلى التحريض من كاتبها أو إلى مبادرة من مخرج ما لتحويلها الى سيناريو فيلم ثم تنفيذها، ولكن لا يحدث ذلك، والسبب هو هذه القطيعة، فالهواة المهتمون بالسينما بعيدون كل البعد عن الأدب وما ينتجه سواء في بلادنا أو في البلاد العربية المجاورة، ولا أحد منهم تقريبًا يقرأ، قلة قليلة من الشباب الذين تحدثت معهم لديه هذه الرغبة، أذكر منهم المخرج الشاب ماجد الربيعان، فهو قارئ متذوق ومنذ عدة سنوات وهو يحلم بتحويل إحدى روايات عبده خال إلى سينما، ولكن هذه حالة وحيدة، لا أدري ربما هناك من يقرأون ويحلمون فقط..لذلك أقول بشكل عام ليس هناك مخرج لديه الحساسية الفنية المتكاملة ليتداخل مع الأدب أو المسرح أو بقية الفنون التي قد تثري مخيلته لتحقيق فيلم، وهم في أغلبيتهم مستعجلون يريدون عمل أفلام كيفما اتفق، والتجارب في السنوات الماضية أثبتت أن الأغلبية العظمى من الأفلام أنتجت كيفما أتفق، هكذا بالبركة والفبركة والادعاء، والنتيجة ماثلة أمام الجميع وتشير إلى أنه لا سينما سعودية جديرة بخلق ثقافة حقيقية ومؤثرة.. الشباب الناهضون بشأن السينما معظمهم متأثرون بالسينما الأمريكية بشكل خاص ومتشربون بالتقنيات التلفزيونية سواء في طريقة التمثيل أو طرق التناول والمعالجة الدرامية والإخراج بشكل عام.. الأفلام تصنع بطريقة العصف الذهني، أو بسبب أن هذا المخرج متحمس ويريد عمل فيلم، أو أن قصة شفهية ما أعجبت أحدهم وأراد تنفيذها في فيلم.. ليست هناك منهجية حرفية ولا أنشطة ثقافية تقود الى تلاقي الكتاب مع السينمائيين، ومن ثم ترجمة أعمالهم الى أفلام سينمائية.

  • كيف يؤثر تقدم التصوير، والمونتاج، والمزج الفني (المكساج)، والإضاءة و(المكياج) في إنجاح الفيلم؟ وما الذي نحتاج إليه لنطور كل هذا في صناعة فيلم محلي؟

          - كما أسلفت صناعة الفيلم عملية متكاملة، والهشاشة التي ظهرت بها معظم الأفلام السعودية القصيرة جاءت بسبب تراخي بعض العناصر وجودة البعض الآخر، وهذا أمر غير مقبول فالعمل الفني أيًا كان كتلة ومنظومة يجب أن تتجانس وتتواءم عناصرها لإبرازها بالمظهر الأخير الخلاق. الفيلم الجيد يشاهده المشاهد وببساطة يقول: في حلو. هذه الكلمة البسيطة بالضرورة تتكاتف جهود عديدة لتحقيقها.

          تجويد العناصر مهم وأساسي ولا جدال في ذلك، وفي المقابل والموازي أيضًا جودة الآلات والمعدات المستخدمة، نوعية الكاميرا وإمكاناتها، نوعية لاقطات الصوت وكشافات الإضاءة.. كل ذلك غاية في الأهمية.

          وبالرغم من أهمية كل ذلك أعود وأقول إننا نحتاج الى معاهد متخصصة تخرج شبابًا وشابات متخصصين في مختلف تقنيات صناعة الفيلم، الورش لا تكفي والندوات لا تكفي والمشاهدة التي تعقبها جلسات حوارية لا تكفي، وإن كانت جميعها جهودا محمودة ومطلوبة، لكن دون دراسة وتجريب واختبار لن تكون هناك أفلام جديرة بالتقدير، حتى لو تم كما حدث قبل سنوات إشراك متعاونين من الدول العربية المجاورة، فابن البيئة هو الأقدر على نقل رؤاه بالصدق والإحساس المطلوب، فكل التفاصيل التي من شأنها إنجاح الفيلم بشكل أو آخر لها خصوصية لا يدركها سوى ابن البيئة.

  • هل عدم الفهم في إخراج الفيلم القصير والفيلم الطويل لدى المخرج يؤدي إلى فشل العمل؟ وما الخصائص الفنية لكل منهما؟

          - يصعب في هذه العجالة توصيف خصائص الفيلمين القصير والطويل، لكن دعني أقل بكلمات بسيطة إن الفيلم الطويل يُدخل المشاهد الى عالم ويأسره بالإيهام السحري للسينما بأن ما يشاهده هو عالم قائم في مكان ما وزمان ما، وهذا الإحساس لا يتأتى إلى المشاهد إلا إذا تكاملت العناصر الدرامية مع الفنية. أما الفيلم القصير فمن المحتمل أن يكون ومضة ولفتة وحدوتة قصيرة أو حتى طويلة مختصرة في زمن عرض قصير، من شأنها إمتاع وتخييل وإثارة تفكير المتلقي..حقيقة من الصعوبة بمكان محاولة شرح الموضوع على عجالة، اعذرني.. لكن بكل تأكيد مخرج الفيلم الطويل يرتكز على عناصر لا حصر لها ومخرج الفيلم القصير يرتكز ويركز على نواح محددة، وفي كل الأحوال الفن السينمائي فن اللاقوانين، ولكل مخرج قوانينه الخاصة، شريطة أن يحقق المتعة والجذب للمشاهد.

  • معظم من يشتغل في الفيلم المحلي كممثل جاء من المسرح، ذلك يضعهم في مأزق حقيقي والتعاطي مع الكاميرا السينمائية، كيف نحل هذا الإشكال؟

          - نحل هذا الإشكال بالتخصص، والتدريب والتجريب. لا بد من مؤسسات عامة أو خاصة تشتغل في ذلك بجدية وعلمية منهجية، إعداد الممثل من كل النواحي التثقيفية والأدائية والجسمانية والتعبيرية. كثير من الأفلام القصيرة التي ظهرت تعاني من ترهل واضح في مستوى التمثيل، بعض الممثلين يجعلونك تشعر بالحرج والاختناق وهو يؤدي الشخصية. لقد استغرقت في تفكير طويل وتأمل لم ينقطعا لعدة أشهر في ركاكة التمثيل التي يظهر بها الممثل السعودي في الأفلام القصيرة، وفي خاتمة الأمر أيقنت بأن عدم قدرة المؤدي السعودي على التمثيل الطبيعي هي إحدى الخصائص والميزات التي تفرزه عن غيره من الممثلين في دول المنطقة، وذهبت في تحليلي لذلك أن السبب يكمن في عدم شعور الممثل بالحرية، هو يريد دائمًا أن يظهر بمستوى لا ينتقده فيه أحد فتتغلب الصنعة على فنه ويسقط في الأداء المفتعل البعيد عن الإحساس أو إيهام المتفرج بالإحساس الطبيعي. تلك معضلة حقيقية، ولا أجد سببًا لها سوى شعور الممثل بأنه غير حر وغير واثق من أدائه، قلة قليلة من الممثلين الذين ظهروا في الأفلام القصيرة أداؤهم طبيعي وعميق ومؤثر ويعطي إحساسًا قويًا بأنهم لا يمثلون، على سبيل المثال أداء إبراهيم الحساوي في فيلم «عايش».. لذلك أرى في ظل الظروف الحالية أن يعمد المخرج ومساعده إلى تدريب الممثلين قبل تشغيل الكاميرا، ثم الاختبار والعرض الخاص عدة مرات قبل العرض العام، وينبغي عدم عرض كل ما يصور على الجماهير، ينبغي أن يدرك الشباب ذلك جيدًا، يجب عليهم أن يعملوا ويستغرقوا في أعمالهم وأن يحذروا ألف مرة قبل الإقدام على العرض.

  • منذ فيلم «اغتيال مدينة» لعبدالله المحيسن 1977م أول فيلم سعودي حتى الوقت الراهن، كيف ترى مسيرة محاولة خلق فيلم محلي؟

          - أراها في مرحلة الإرهاصات والبدايات، وإن كانت البداية الحقيقية لعبدالله المحيسن قوية وربما بشرت أيامها بنهوض سينما محلية جيدة، ولكن حدث عزوف عن الإنتاج السينمائي استمر قرابة الثلاثين سنة. هذه القطيعة حالت دون التطور ودون اكتمال المسيرة بشكل طبيعي. لذلك عندما استأنفت السينما السعودية في 2003 و2004 مع هيفاء المنصور كانت القطيعة قد فعلت فعلتها.

  • هل مشكلة صناعة فيلم جيد لدينا تكمن في كاتب السيناريو، والمخرج، والممثلين، والوعي، أم أن هناك أمورا أخرى؟

          - هي كل ما ذكرت، إضافة إلى عدم وجود أرضية استثمارية لهذه الصناعة، فإذا كنا نتكلم عن صناعة فهذا يعني مدخلات ومخرجات وعرضا وطلبا وسوقا وحسابات الربح والخسارة، كل هذه المقومات التي يضعها دارس الجدوى أسئلة أساسية عندما يريد أن ينفذ مشروعًا غير متاحة، ولا يمكن الإجابة عنها بأرقام.. أما إذا كنا نتكلم عن صناعة الفيلم بالمفهوم الفني فيمكنك القول إن المشكلة تنطلق مما ذهبت إليه مع إضافة أمور كثيرة، أعتقد أننا تحدثنا عنها. لكن دعني أشر إلى نقطة خفية وهي بالرغم من اختفائها النسبي عن سطح الرؤية فـإنها ظاهرة ومؤثرة ولاعبة لدور رئيس في عدم تجذر هذا الفن في الثقافة المحلية.. فعندما تذهب إلى بلد وتلحظ أن فنًا ما مسيطر وناجز ومتقدم فإنه من المنطقي أن تحكم بأن هذا الفن له تاريخ ومحاولات وتجارب وتفاعلات لا حصر لها عبر سنين طويلة حتى وصل إلى هذا المستوى.. نحن ببساطة نفتقد هذا في الفن السينمائي.

  • كيف يسهم النقد برأيك في الارتقاء بصناعة الفيلم المحلي، وكيف ترى فكرة إنشاء معهد عال للفنون والتمثيل في المملكة؟

          - لعلي أشرت فيما سبق لأهمية فكرة إنشاء المعاهد والمؤسسات. أما فيما يتعلق بالنقد فهو يمثل المرآة التي يرى فيها الفنان نفسه، هو من الأهمية لدرجة اعتبار الناقد أحد شركاء الصناعة السينمائية، فكما لا يوجد فيلم جيد دون سيناريو جيد، فإنه لا توجد سينما متطورة وواعية بدون نقد جيد.

  • بدءا من أول فيلم خليجي «بس يابحر» إلى «حكاية بحرينية» وصولا إلى فيلم «كيف الحال»، كيف يقيم خالد ربيع مسيرة صناعة الفيلم الخليجي؟

          السينما في البحرين بشكل خاص متعمقة وداخلة في النسيج الثقافي للمجتمع، لذلك هي في حالة صحية جيدة، ففي كل سنة يظهر فيلم أو فلمان جديران بالمشاهدة والتقدير. بسام الذواذي قدم عدة أفلام جيدة.. كذلك الأمر في عمان فهناك تجارب جيدة ولعلنا شاهدنا تجارب لمحمود البيماني وعبدالله البطاشي وخالد الكلباني، وهي حقيقة مصنوعة بشكل جيد.. وفي الكويت كانت هناك بداية قوية، كما كان لدينا تمامًا، مع خالد الصديقي، وأيضًا حدثت قطيعة وأيضا عزوف. ولكن منذ سنوات قليلة ظهر سينمائيون كويتيون جديرون بالاهتمام والمتابعة.. أما بخصوص تجربة «كيف الحال»، لأنك ذكرت هذا الفيلم بالتحديد، فهو تجربة محبطة ومنعطف سيئ في بداية الطريق السعودي إذ أدى هذا الفيلم الى التدمير بدلاً من البناء، الفيلم عرض بشكل جماهيري كبير، وليس هذا دليل نجاح وإنما دليل تعطش للمشاهدة، الفيلم رفض من مختلف فئات الجماهير، رفضه المشاهد السعودي العادي لأنه لا يمثله ويظهره بأنه «دلخ» ورفضه الشخص المثقف لأنه لم يمس قضايا حساسة في حياة الناس، ورفضه الشخص المتدين لأنه عرض مشاهد لا تليق بالخصوصية الدينية للمجتمع، ثم رفضه الناقد الفني لأسباب لا حصر لها.

          ومادمنا نتحدث عن السينما الخليجية فلا بد من ذكر التطور الذي تشهده السينما الإماراتية، وقد لفت انتباهي عند مشاهدة عدة أفلام إماراتية وثائقية أنها جيدة وأن الشباب الإماراتي منتبه جيدًا لأهمية السينما التسجيلية، على قدم المساواة مع السينما الروائية، ويبدو حقيقيًا أن الشباب في أبوظبي ودبي قد استفادوا استفادة ممتازة من إقامة المهرجانات لديهم، خصوصًا مهرجان الخليج السينمائي الذي كرس اهتمامه للتجارب الشابة في الخليج والنتائج التي حققها من خلال ثلاث دورات فقط تعتبر نتائج مبشرة بالخير والتقدم، ولعلي هنا أستعير ما قاله السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله قال - ما معناه «لو أننا خرجنا من تجربة مهرجان الخليج بخمسة مخرجين متميزين فقط لكان إنجازًا طيبًا..إذن هذه المهرجانات كونت وستكون سينمائيين إماراتيين وخليجيين جيدين، هذا ما آمله وأرجوه، لا سيما ونحن نشاهد أفلام المخرج الشاب نواف الجناحي ومنال بن عمرو وعلي الجابري من الإمارات، وبشكل عام من الدول الخليجية الأخرى أمثال عبدالله آل عياف وبدر الحمود وعبدالمحسن المطيري وفهد الأسطا ومحمد علي بوراشد ومقداد الكوت ومحمد الدراجي ومحمود البيماني وعبدالله البطاشي وغيرهم.

  • تجسيد الرموز الدينية في السينما العربية كيف تجده وهل يساهم في خلق رؤية سليمة لما هو معتقد لدى الآخر؟

          - هذا موضوع بحث طويل وعميق ولعلي كتبت عنه بالتفصيل في كتاب: الفانوس السحري. تجسيد الرموز الدينية سيمائيًا أمر حساس ويتطلب حذرا، وحرفية، وجدية ودراسة كاملة قبل طرح أي رمز ديني.. الأفلام الدينية بالرغم من قلتها حققت حضورًا عالميًا رائعًا، خصوصًا أفلام مثل «الرسالة» لمصطفى العقاد و«الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين وأفلام أخرى مثل «الوصايا العشرة»، «رابعة العدوية» وغيرها، هي بكل تأكيد أثرت وستؤثر على كل من يشاهدها وحقيقة ستعطي رؤية سليمة للآخر، وهذه الأفلام وغيرها قلة لاقت القبول من جميع فئات الشعوب الإسلامية، والدليل على ذلك صمودها طوال هذه السنوات وتحقيقها للاحترام عند مختلف الشعوب غير الإسلامية.. هذه هي السينما التي نصبو إليها، ونحن جديرون وأولى بتحقيق ما يشابهها، سينما تعرض ثقافتنا وديننا وبيئتنا في لغة فنية إنسانية يقبلها الجميع.

  • لماذا أخذت سينما نجيب محفوظ حظوتها متأخرة وما الذي ميز كتابة نجيب السينمائية عن غيره؟

          - نجيب محفوظ ابن بيئة سينمائية، السينما متجذرة فيها، وهو منذ طفولته اعتاد الذهاب الى السينما..هذه نقطة مهمة، وما أعرفه أن أفلام نجيب محفوظ كان لها حضورها القوي إبان إنتاجها ولم تتأخر حظوتها، ربما تزايدت بعد حصوله على جائزة نوبل، وهذا شأن طبيعي، ولكنها أعمال ولدت قوية وصادقة عكست حياة ابن الحارة القاهرية، وإن كان لي مأخذ هو الآن يمثل سمة في هذه الأفلام، هذا المأخذ هو التركيز سينمائيًا على حياة الليل وما يكتنفها من أجواء الحانات والمراقص والابتذال، وإن كانت تلك الملامح غير مكرسة في الروايات المكتوبة، لكن السينما، تحت حجة واهية ذهبت إلى تلك التناولات وعرضتها بشكل احتفائي وكأنها أساس في حياة المصريين في الحارة المصرية، الحجة كانت تقول : الجمهور عايز كده، أو دعنا ندلل الجمهور.. هذه الرؤية البراجماتية للعب على غرائز المشاهد بغرض تسليته شكلت فيما بعد وجهات نظر على طول وعرض البلاد العربية تعتقد بأن السينما تعني التفسخ.. لهذه الدرجة أخفق مخرجون مصريون في تلك الفترات الزمنية وشكلوا ثقافة غير حقيقية جعلت الشعوب المحافظة تتخذ مواقف أزلية من السينما.. على أية حال هذا ليس موضوعنا ولكني أحببت التطرق له لأنه مؤثر مهم على الأقل على الفئات المتشددة لدينا في بلادنا.

          كتابة نجيب محفوظ تميزت بالعمق الأصيل في رسم ملامح الحارة المصرية وفي رسم شخصية الإنسان المصري بكل أطيافه ودرجاته الثقافية، لذلك عندما نفذت ونقلت إلى سيناريو كانت شبه مكتملة ولم تتطلب جهودًا اجتهادية في تكوين السينوغراف أو الكركتر، فنجيب وصف وتعمق وأحسن الوصف والغوص فيما هو ظاهر ومختبئ. هذه في رأيي أهم سمة تميزت بها كتابة نجيب محفوظ.

  • هل الحلم بوجود صناعة سينمائية سعودية مطلب ملح؟ كيف يمكن إنجاح ذلك؟

          - هو حلم من فئة محددة من الشباب وليس مطلبًا شعبيًا، مازال الشعب السعودي لا يرى أهمية بالغة في وجود الفن السينمائي، وإذا تحدثت عن صناعة فأنت تتحدث عن اقتصاد ودور الشركات ورجال الأعمال، وكل ذلك غير محقق ولم يدخل بعد في لائحة النشاط الاقتصادي أو التنموي.. هل يمكن إنجاح ذلك؟ لا أدري. فالصناعة والدخول في دائرة الاقتصاد القومي لهما دوافعهما ودراساتهما وإرادة محركي الاقتصاد، لذلك حقيقة لا أدري كيف يمكن إنجاح هذه الصناعة في بيئة تفتقد الأرضية والموروث الثقافي اللذين يدعمانها. لكن من يدري، ربما تدخلت شركات وجهات خارجية في ظل العولمة وقلبت المنظور وحولت الحاجة إلى السينما في السعودية إلى حاجة ملحة. من يدري؟

  • أفلام مرحلة ماسمي بـ «الكرنكة» كيف تقرأها؟ ولماذا مورس عليها الحصار والمنع برأيك؟

          - أفلام الكرنكة المصرية ظهرت في الفترة بين عام 1975 و1981م، وهي سميت بذلك نسبة لفيلم «الكرنك» للمخرج علي بدر خان، وهي مجموعة أفلام تدور أحداثها في أروقة المعتقلات وأجهزة المخابرات، وركزت على تعرية دور مراكز القوى، وتأثيرات الحركات الديمقراطية وترسيخ نظام الدولة البوليسية، من هنا كانت معضلتها، فهي تناهض ما هو قائم من أنظمة، ومن المتوقع جدًا أن تحبس هذه الأفلام ولا تعرض على الجماهير في دور السينما في البلاد العربية، لكن في مرحلة ظهور الفيديو شاهدت الجماهير هذه الأفلام الجديرة بالتقدير، ومنها فيلم «وراء الشمس» للمخرج محمد رضا، وفيلم «أسياد وعبيد» من إخراج علي رضا، وعدة أفلام تنتمي الى التوجه الفكري نفسه أنتجت بعد هزيمة 67، مثل «المتمردون» للمخرج توفيق صالح و«ثرثرة فوق النيل» و«القضية 68» للمخرج صلاح أبوسيف. وقد فرض الحصار على هذه الأفلام بسبب موضوعاتها التثويرية الاستفزازية التي ترفض الأنظمة القمعية، وهي من منظور فني تتميز بالمستوى الاحترافي المعقول وأحيانا تصل الى درجة الجودة والرصانة، لكن أؤكد لك أنه على مر السنين الماضية وبسبب رفضها شاهدها الجمهور بنهم وتلهف وكتب عنها النقاد العرب الكثير الكثير.. فكل ما هو محظور مرغوب.. وقائمة المنع في العالم العربي لا تقف عند أفلام الكرنكة فهناك عشرات الأفلام في مختلف الدول العربية مازالت ممنوعة، ولكن لا جدوى من منعها.

 

 

   

  




 





 





 





 





 





نحن جديرون بسينما تعرض ثقافتنا وبيئتنا وديننا في لغة انسانية مقبولة للجميع