ديموغرافيا العرب

ديموغرافيا العرب

يظل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مكلفاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬الأعباء‭ ‬المالية‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬نظير‭ ‬الخدمات‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تزيد‭ ‬التكاليف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬المتدفقون‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الوظائف‭ ‬المناسبة‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬وإن‭ ‬تباينت،‭ ‬مرتفعة،‭ ‬قياساً‭ ‬بالمعدلات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬أو‭ ‬البلدان‭ ‬الناشئة‭. ‬وعندما‭ ‬يكون‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنوياً،‭ ‬فإن‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬2‭.‬4‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬

هناك‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تخفيض‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الســـــكاني‭ ‬إلــــى‭ ‬1‭ ‬فـــي‭ ‬المائة،‭ ‬مثل‭: ‬تونس‭ ‬والمغرب‭ ‬ولبنان،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬بـــلدانـاً‭ ‬مازال‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬يدور‭ ‬فيها‭ ‬حول‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنوياً،‭ ‬ومنها‭: ‬السودان‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن‭ ‬وفلسطين‭ ‬والكويت‭. ‬ويزيد‭ ‬المعدل‭ ‬عن‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬عمان‭ ‬وقطر‭ ‬والبحرين‭. ‬وتتسم‭ ‬المجتمعات‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬بارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الشباب‭ ‬وصغار‭ ‬السن‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬حيث‭ ‬يمثلون‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬بلدانهم،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بين‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬حاولت‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬رئيسة،‭ ‬مثل‭:‬‭ ‬مصر‭ ‬والمغرب‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬وتبنت‭ ‬برامج‭ ‬لتنظيم‭ ‬الأسرة‭ ‬وتحديد‭ ‬النسل،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬النتائج‭ ‬بشيء‭ ‬مفيد‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ونجحت‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خارج‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬لغالبية‭ ‬السكان،‭ ‬وعجزت‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬ملائمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬لتوفير‭ ‬وظائف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والدوائر‭ ‬الحكومية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬أي‭ ‬فائدة‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬فاعلية‭ ‬منتجة‭. ‬وقد‭ ‬زادت‭ ‬عملية‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬مخصصات‭ ‬الإنفاق‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬ميزانيات‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭.‬

لكن‭ ‬التطور‭ ‬الديمغرافي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬ظاهرة‭ ‬النمو‭ ‬السريع‭ ‬للسكان،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬المعدلات‭ ‬قياساً‭ ‬بالمعدلات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬الأرياف‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬وكذلك‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الرزق،‭ ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬ظاهرة‭ ‬المجتمعات‭ ‬السكانية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬أعداداً‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وصغار‭ ‬السن،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الخصوبة‭ ‬العالية‭ ‬للنساء‭ ‬العربيات‭ ‬المصنفات‭ ‬ضمن‭ ‬سن‭ ‬الإنجاب‭. ‬وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬الأرياف‭ ‬إلى‭ ‬المدن‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وبعد‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬ومصر‭ ‬والعراق‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن،‭ ‬وبعد‭ ‬اعتماد‭ ‬قوانين‭ ‬للإصلاح‭ ‬الزراعي،‭ ‬ما‭ ‬أحدث‭ ‬تحولات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الزراعي‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬التخلف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬الحديثة،‭ ‬فقد‭ ‬انعدمت‭ ‬الخدمات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬والمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬وغيرها‭. ‬وقد‭ ‬عملت‭ ‬قوانين‭ ‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬على‭ ‬تفتيت‭ ‬الأراضي‭ ‬وتدهور‭ ‬العملية‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتدني‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الزراعية،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الكثير‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬والمراكز‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الهجرة‭ ‬قيام‭ ‬أحياء‭ ‬عشوائية‭ ‬ومدن‭ ‬من‭ ‬صفيح‭ ‬تتدنى‭ ‬فيها‭ ‬الخدمات‭ ‬الارتكازية‭ ‬وتفتقر‭ ‬إلى‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬أقاموا‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬نشطوا‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬والمهن‭ ‬المتدنية‭ ‬الأجر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬مهارات‭ ‬محددة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬المرء‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء‭ ‬غير‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬القاهرة‭ ‬وبغداد‭ ‬ودمشق‭ ‬والخرطوم‭ ‬وصنعاء‭ ‬والدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭. ‬وقد‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬ألأحياء‭ ‬والأطراف‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬غير‭ ‬المرخصة‭ ‬وذات‭ ‬المخاطر‭ ‬العالية‭ ‬على‭ ‬ساكنيها‭. ‬وتشكل‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬الإنشائية‭ ‬تعديات‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الغير،‭ ‬خصوصاً‭ ‬الأراضي‭ ‬المملوكة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭. ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬قد‭ ‬أوجدت‭ ‬مجالاً‭ ‬خصباً‭ ‬للأعمال‭ ‬الإجرامية‭ ‬وغير‭ ‬القانونية،‭ ‬وأتاحت‭ ‬إمكانات‭ ‬لتجارة‭ ‬المخدرات‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬إجرامية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭.‬

المظهر‭ ‬الآخر‭ ‬للهجرة‭ ‬هو‭ ‬الهجرة‭ ‬الخارجية،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬مهمة‭ ‬بقطاع‭ ‬زراعي‭ ‬نشط،‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية،‭ ‬بحثاً‭ ‬وراء‭ ‬العمل‭ ‬والرزق‭. ‬ويتشكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬غالبيتهم‭ ‬من‭ ‬فقراء‭ ‬الأرياف،‭ ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬الاغتراب‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الإنشائية‭ ‬أو‭ ‬مهن‭ ‬الخدمات‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬تأهيلاً‭ ‬تعليمياً‭ ‬أو‭ ‬مهنياً‭ ‬عالياً،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬ممن‭ ‬انتقل‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬أو‭ ‬البلدان‭ ‬الأوربية‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬تعليمية‭ ‬عالية،‭ ‬ومنهم‭ ‬الأطباء‭ ‬والمهندسون‭ ‬والقضاة‭ ‬والمحامون،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن‭ ‬مثل‭ ‬السباكين‭ ‬أو‭ ‬الميكانيكيين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يظلون‭ ‬أقلية‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭.  ‬وقد‭ ‬استوعبت‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان‭ ‬والأردن،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬استقبلت‭ ‬البلدان‭ ‬الأوربية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬فرنسا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬وتونس‭ ‬والجزائر‭. ‬وتمكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مصدراً‭ ‬مهماً‭ ‬للإيرادات‭ ‬السيادية‭ ‬لبلدانهم‭ ‬الأصلية،‭ ‬حيث‭ ‬مثلت‭ ‬تحويلاتهم‭ ‬نسبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الإيرادات‭. ‬وتذكر‭ ‬دراسات‭ ‬متخصصة‭ ‬أن‭ ‬هجرة‭ ‬العمالة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬وربما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬لكن‭ ‬الأعداد‭ ‬آنذاك‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭ ‬واقتصرت‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المهنيين‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلاتهم‭. ‬وظلت‭ ‬أعداد‭ ‬العمالة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬محدودة‭ ‬نسبياً،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الأعداد‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬الارتفاع،‭ ‬أو‭ ‬التزايد،‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة‭ ‬النفطية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬حيث‭ ‬أدى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مداخيل‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنجاز‭ ‬مشاريع‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬ومرافق‭ ‬وخدمات،‭ ‬قد‭ ‬كانت‭ ‬العمالة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬متواضعة‭ ‬الإمكانات‭ ‬والقدرات‭ ‬المهنية‭ ‬بما‭ ‬عزز‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬العربية‭ ‬والآسيوية‭. ‬ويمثل‭ ‬العرب‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وإن‭ ‬انخفضت‭ ‬تلك‭ ‬النسبة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬وتقدر‭ ‬نسبة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬بين‭ ‬الوافدين‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬بحدود‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تقارب‭ ‬السبعين‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

المسألة‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الديموغرافيا‭ ‬العربية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة،‭ ‬حيث‭ ‬ظلت‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الرئيسة‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬معدلات‭ ‬المواليد‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬برامج‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ونظراً‭ ‬لهذا‭ ‬التسارع‭ ‬في‭ ‬المواليد،‭ ‬فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬قرابة‭ ‬مائة‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬أربعمائة‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬ويقدر‭ ‬معدل‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬للمرأة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الإنجاب‭ ‬حالياً‭ ‬بثلاثة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬سبعة‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭  ‬وكانت‭ ‬لبنان‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة،‭ ‬ثم‭ ‬لحقتها‭ ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬ولاتزال‭ ‬المعدلات‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬حيث‭ ‬تقارب‭ ‬سبعة‭. ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬عكسية‭ ‬بين‭ ‬ارتفاع‭ ‬سن‭ ‬الزواج‭ ‬للمرأة‭ ‬ومعدل‭ ‬الخصوبة،‭ ‬حيث‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬كثيرات‭ ‬يتأخرن‭ ‬في‭ ‬الزواج،‭ ‬وأصبح‭ ‬متوسط‭ ‬العمر‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬25‭ ‬عاماً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬21‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المتوسط‭ ‬للعمر‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬يصل‭ ‬لدى‭ ‬كثيرات‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬ويرى‭ ‬مختصون‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬قابلة‭ ‬للانخفاض‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الزواج‭ ‬مكلفاً‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬ويتردد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬فيه‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بظروفهم‭ ‬المعيشية‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬السكن‭ ‬المناسب،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬انخراط‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قد‭ ‬وسع‭ ‬الاختيارات‭ ‬الحياتية‭ ‬للمرأة‭ ‬ومنحها‭ ‬إمكانات‭ ‬للتأني‭ ‬قبل‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬زواج‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬متكافئاً،‭ ‬كذلك‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لظاهرة‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬المطلَّقات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭.‬

‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التوزيع‭ ‬العمري‭ ‬للسكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يميل‭ ‬نحو‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وصغار‭ ‬السن،‭ ‬تصل‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬35‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬السكان،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تقارب‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬55‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬أخذت‭ ‬نسبة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تعدَّوا‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحسَّنت‭ ‬الظروف‭ ‬الصحية‭ ‬والمعيشية‭ ‬وأصبحت‭  ‬الآن‭ ‬6‭.‬6‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬1‭.‬5‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬الحياة‭ ‬قد‭ ‬تحسنت‭ ‬كثيراً‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬معدل‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬58‭ ‬سنة‭ ‬للرجال‭ ‬و61‭.‬3‭ ‬سنة‭ ‬للنساء،‭ ‬والآن‭ ‬ارتفع‭ ‬هذا‭ ‬المعدل‭ ‬للحياة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬65‭ ‬سنة‭ ‬للرجال،‭ ‬وما‭ ‬يقارب‭ ‬سبعين‭ ‬للنساء،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تفاوتاً‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ثمانين‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬الكويت‭ ‬وقطر،‭ ‬وينخفض‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الستين‭ ‬في‭ ‬جيبوتي‭ ‬واليمن‭. ‬ويمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تحسناً‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬الحياة‭ ‬منذ‭ ‬1985‭ ‬إلى‭ ‬2014،‭ ‬وربما‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام‭. ‬غني‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬الديموغرافية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬بلوغها‭ ‬المستويات‭ ‬العالمية،‭ ‬قد‭ ‬عززت‭ ‬الإمكانات‭ ‬لتعديل‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية،‭ ‬بعد‭ ‬تراجع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬نظراً‭ ‬لتراجع‭ ‬الخصوبة‭ ‬وتحسن‭ ‬معدلات‭ ‬الحياة،‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬التنويه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬الديمغورافية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتعليمية‭ ‬وارتقاء‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬