سؤال الابتسامة بين الضّحِك والمُضْحِك..؟

سؤال الابتسامة  بين الضّحِك  والمُضْحِك..؟

في‭ ‬تعريف‭ ‬الضّحك

يفيد‭ ‬الضحك‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬اللغوي،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التبسم‭ ‬أولى‭ ‬مراتبه،‭ ‬ثم‭ ‬الإهلاس‭ ‬وهو‭ ‬إخفاؤه‭ (‬عن‭ ‬الأموي‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬الافترار‭ ‬والانكلال‭ ‬وهما‭ ‬الضحك‭ ‬الحسن،‭ ‬ثم‭ ‬الكتكتة‭ ‬أشد‭ ‬منهما،‭ ‬ثم‭ ‬القهقهة‭ ‬والقرقرة‭ ‬والكركرة،‭ ‬ثم‭ ‬الاستغراب،‭ ‬ثم‭ ‬الطخطخة‭ (‬وهي‭ ‬أن‭ ‬تقول‭: ‬طيخ‭ ‬طيخ‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬الإهزاق‭ ‬والزهزقة،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬الضحك‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬مذهب‮»‬‭.‬

وأُتي‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬بصيغة‭ ‬الحال،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬لما‭ ‬خاطبت‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬النملة‭ ‬أمّتها‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬سديد،‭ ‬وقول‭ ‬حكيم،‭ ‬وهي‭ ‬تأمر‭ ‬وتحذّر‭ ‬وتعتذر‭ ‬عن‭ ‬سليمان‭ ‬وجنوده‭ ‬بعدم‭ ‬الشعور،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬فَتَبَسَّمَ‭ ‬ضَاحِكًا‭ ‬مِنْ‭ ‬قَوْلِهَا‭}‬‭ (‬سورة‭ ‬النمل‭: ‬19‭)‬‭. ‬أي‭: ‬‮«‬تبسّم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الاستبشار‭ ‬والفرح‭ ‬والسرور‭ ‬بما‭ ‬أطلعه‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬دون‭ ‬غيره‮»‬‭.‬

هكذا‭ ‬إذن،‭ ‬تثبت‭ ‬لنا‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬فِعليْ‭: ‬التبسّم‭ ‬والضحك،‭ ‬منسوبان‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬سليمان،‭ ‬،‭ ‬وتولّدا‭ ‬عنده‭ ‬بفعل‭ ‬عُجْبه‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬النملة،‭ ‬باعتباره‭ ‬أمراً‭ ‬مفاجئاً‭ ‬صدر‭ ‬منها‭ ‬بلا‭ ‬توقع‭ ‬منه،‭ ‬ما‭ ‬أوقعه‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المتعجّب‭ ‬المدهوش،‭ ‬الذي‭ ‬افترّ‭ ‬له‭ ‬الثّغرُ‭ ‬وانْكلّ؛‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬الجميلة،‭ ‬المستحسنة‭ ‬للضحك،‭ ‬تنطبق‭ ‬عموماً‭ ‬على‭ ‬ضحك‭ ‬الناس،‭ ‬وظاهرة،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬في‭ ‬تفاعلهم‭ ‬المباشر،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬علاقتهم‭ ‬الإيجابية‭ ‬بالموضوع‭ ‬المُضحك،‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭.‬

لكن،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الضحك‭ ‬بوصفه‭ ‬معطى‭ ‬جمالياً،‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬السمات‭ ‬الحسنة‭ ‬المميزة‭ ‬للإنسان‭ ‬عما‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬المخلوقات،‭ ‬فإنه‭ ‬كذلك،‭ ‬يعدّ‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إليها‭ ‬عقل‭ ‬ولا‭ ‬يتصوّرها‭ ‬خيال،‭ ‬لاسيما‭ ‬حين‭ ‬يحبّ‭ ‬الضحك‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬ملمحه‭ ‬مظهراً‭- ‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬طبعاً‭ - ‬سامياً،‭ ‬لتجلّي‭ ‬بعض‭ ‬آيات‭ ‬الرضا‭ ‬والبِشر‭ ‬والجمال‭ ‬والنور‭ ‬الإلهي،‭ ‬والظهور‭ ‬كشيء‭ ‬مختصّ‭ ‬بجليل‭ ‬ما‭ ‬يُحمد‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬وكمالاته،‭ ‬ومن‭ ‬كرم‭ ‬أفعاله‭ ‬وآثاره‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬رأفته‭ ‬ورحمته‭ ‬بخلقه‭. ‬ونلمس‭ ‬دلالة‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬النبيّ‭ ‬محمد‭ ‬‭ ‬مرفوعاً‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭: ‬‮«‬وإذا‭ ‬ضحك‭ ‬ربّك‭ ‬إلى‭ ‬عبدٍ‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬فلا‭ ‬حساب‭ ‬عليه‮»‬‭.‬

 

منزلة‭ ‬الابتسامة‭ ‬من‭ ‬الضّحك

وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدّم‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬أعلاه،‭ ‬يتّضح‭ ‬لنا‭ ‬كذلك،‭ ‬كيف‭ ‬تبدّدت‭ ‬حيرة‭ ‬السائل،‭ ‬واطمأن‭ ‬قلبه،‭ ‬لمّا‭ ‬دقّ‭ ‬في‭ ‬أذنيه‭ ‬صوت‭ ‬الرّد‭ ‬على‭ ‬تساؤله،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬الضحك‭ ‬عن‭ ‬البارئ‭ ‬تعالى،‭ ‬بإثبات‭ ‬صريح‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬المصطفى‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬ترسّخت‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬الأذهان،‭ ‬باعتباره‭ ‬إنساناً‭ ‬ودوداً،‭ ‬وصاحب‭ ‬طلعة‭ ‬بهية‭ ‬ووجه‭ ‬مبشور‭ ‬مؤتلق‭ ‬بالنور،‭ ‬وكان‭ ‬بدوره،‭ ‬يضحك‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬نواجذه‭ ‬وتظهر‭ ‬ضواحكه،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭ ‬إلاّ‭ ‬والابتسامة‭ ‬مطبوعة‭ ‬على‭ ‬محياه،‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الابتسامة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬عظّم‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬وقيمتها‭ ‬أيّما‭ ‬تعظيم،‭ ‬لدرجة‭ ‬عدّها‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكريمة،‭ ‬والصدقة‭ ‬التي‭ ‬تحسب‭ ‬لصاحبها‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬حسناته،‭ ‬رغم‭ ‬إمكانية‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يأتيها‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬تمَحُّلٍ،‭ ‬وأن‭ ‬يصدرها‭ ‬بطلاقة‭ ‬بلا‭ ‬أقل‭ ‬جهد‭ ‬مُحتمل،‭ ‬لأنها‭ ‬كسلوك‭ ‬لطيف،‭ ‬وحركة‭ ‬نفسية‭ ‬وجسدية‭ ‬اجتماعية،‭ ‬تحمِل‭ ‬تجلياً‭ ‬جميلاً‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬الباطن،‭ ‬وتفصح‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬مميزة‭ ‬تعتمل‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬والخاطر‭ ‬الإنسانيين،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬الإحسان‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬اضطلاعها‭ ‬بقدرة‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬وقع‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬الأفئدة،‭ ‬وتأثير‭ ‬جليل‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬البشرية،‭ ‬المجبولة‭ ‬بفطرتها،‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬والراحة‭ ‬تجاه‭ ‬من‭ ‬يركنون‭ ‬بالسلام‭ ‬إلى‭ ‬جانبهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬جُبلت‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬أحسن‭ ‬إليها،‭ ‬وعلى‭ ‬الانجذاب‭ ‬صوب‭ ‬أصحاب‭ ‬الوجوه‭ ‬الخيرة،‭ ‬ذوي‭ ‬الابتسامات‭ ‬الهادئة‭ ‬البريئة،‭ ‬الصافية‭ ‬والحقيقية،‭ ‬النابعة‭ ‬بصدق‭ ‬من‭ ‬قلوبهم‭ ‬الطيبة‭.‬

وبهذه‭ ‬المزايا‭ ‬الحسنة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬الفعالة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الابتسامة،‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬النبي‭ ‬‭ ‬وعناية‭ ‬بها،‭ ‬لذلك‭ ‬فلا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬نجده‭ ‬يحُث‭ ‬النّاس‭ ‬عليها‭ ‬ويدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬ملازمتها،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬مثلاً،‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬المشهور‭: ‬‮«‬تبسُّمك‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أخيك‭ ‬صدقة‮»‬‭.‬

 

ماذا‭ ‬سيضيع؟

يدك‭ ‬في‭ ‬يدي،‭ ‬امنحني‭ ‬ثقتك،‭ ‬وكن‭ ‬متأكداً‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬تخسر‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكسب‭ ‬الكثير‭ ‬حين‭ ‬تطلق‭ ‬سراح‭ ‬ابتسامتك‭. ‬لنبتسم‭ ‬بمحبّة‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬القهر‭ ‬والظروف‭ ‬والآلام‭ ‬والمصادفات‭ ‬المستعصية‭ ‬عن‭ ‬الإمساك،‭ ‬وعن‭ ‬العوارض‭ ‬وأحوال‭ ‬الطوارئ‭ ‬المنفلتة‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان‭ ‬عندما‭ ‬تنعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التحكم،‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬ومعيشه‭ ‬اليومي‭ ‬وواقعه‭ ‬ومصيره‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬لنبتسم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬شروق‭ ‬أوضاع‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬تقلبات‭ ‬صروف‭ ‬الدهر‭ ‬فيها،‭ ‬لنبتسم‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬المرضى‭ ‬والثكالى‭ ‬والحزانى‭ ‬المفجوعين‭.. ‬لنبتسم‭ ‬بمودّة‭ ‬ورأفة‭ ‬أختي‭ ‬وأخي،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها،‭ ‬مِمّن‭ ‬أعيته‭ ‬الوصفات‭ ‬والأدوية،‭ ‬ولا‭ ‬يخفف‭ ‬عنه‭ ‬ويرضيه‭ ‬ويسرّه‭ ‬إلا‭ ‬الابتسامة،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يعالجه‭ ‬ويريحه‭ ‬في‭ ‬الأخير،‭ ‬إلا‭ ‬إيّاها؛‭ ‬وثمة‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬يتموقع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الركن،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الزاوية،‭ ‬منطوياً‭ ‬ومنزوياً‭ ‬داخل‭ ‬حالة‭ ‬معيّنة‭ ‬لا‭ ‬ينتظر‭ ‬فيها‭ ‬شيئاً،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تهبّ‭ ‬عليه‭ ‬رياح‭ ‬الضّحك،‭ ‬ونسْمَة‭ ‬ابتسامة‭ ‬جميلة‭ ‬لكي‭ ‬تخرجه‭ ‬منها،‭ ‬إنها‭ ‬رسالة‭ ‬المواساة‭ ‬والتعزية‭ ‬والمشاطرة،‭ ‬لنسيان‭ ‬همٍّ‭ ‬ودرء‭ ‬غمٍّ‭ ‬ونزع‭ ‬غلٍّ،‭ ‬وهي‭ ‬شارة‭ ‬قَبولٍ‭ ‬وخِطابُ‭ ‬اندماجٍ‭ ‬ومشاركة‭ ‬وتشجيع،‭ ‬لزرع‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬الخلاقة‭ ‬والمواهب‭ ‬الواعدة،‭ ‬ولاستنهاض‭ ‬هِمَم‭ ‬الأمَم‭ ‬سيراً‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل،‭ ‬ولبعث‭ ‬السّكينة‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬الأرواح،‭ ‬وكذلك‭ ‬هي‭ ‬الدواء‭ ‬السِّحري‭ ‬الشّافي،‭ ‬الذي‭ ‬يُبرئ‭ ‬العليل‭ ‬ويكتفى‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬وبإمكانك‭ ‬تقديمه‭ ‬للآخر‭ ‬عن‭ ‬طريقها،‭ ‬بلا‭ ‬تكلفة‭ ‬وبلا‭ ‬أي‭ ‬ثمن،‭ ‬لأنها‭ ‬بالمجان‭ ‬فقط‭ ‬تتيح‭ ‬لك‭ ‬نفسها‭. ‬

ابتسموا‭ ‬جميعاً‭ ‬أعزّائي،‭ ‬واضحكوا‭ ‬ضحكاً‭ ‬خفيفاً‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬المأساة،‭ ‬وينطلق‭ ‬من‭ ‬مخابئ‭ ‬الفكاهة‭ ‬ومَفاوِز‭ ‬اليوم،‭ ‬حتى‭ ‬يرفرف‭ ‬حراً‭ ‬بأجنحته،‭ ‬ثم‭ ‬يتفجّر‭ ‬عميقاً‭ ‬في‭ ‬الملامح،‭ ‬لكن‭ ‬بِلا‭ ‬مكر‭ ‬ولا‭ ‬خديعة‭ ‬ولا‭ ‬تحريضٍ،‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬احتقاراً‭ ‬ولا‭ ‬استفزازاً‭ ‬ولا‭ ‬تشفّياً،‭ ‬يهدم‭ ‬ولا‭ ‬يبني،‭ ‬نكاية‭ ‬عن‭ ‬ثأر‭ ‬متغلغل‭ ‬وحقد‭ ‬دفين‭ ‬يغلي‭ ‬أو‭ ‬شحنة‭ ‬عداء‭ ‬ما‭ ‬كامن‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬ضحِكاً‭ ‬شفّافاً‭ ‬خالصاً‭ ‬وصافياً‭ ‬صادقاً‭ ‬فحسب،‭ ‬لا‭ ‬أقلّ‭ ‬ولا‭ ‬أكثر؛‭ ‬ابتسموا‭ ‬ضاحكين،‭ ‬حتى‭ ‬يُقتل‭ ‬العبوس‭ ‬ويُدفن‭ ‬التشاؤم‭ ‬معه،‭ ‬فالضحك‭ ‬علامة‭ ‬خير،‭ ‬والابتسامة‭ ‬جواز‭ ‬سفرنا‭ ‬ومرورنا‭ ‬معاً،‭ ‬إلى‭ ‬قلوب‭ ‬الآخرين‭ ‬لنجد‭ ‬فيها‭ ‬ثوباً‭ ‬أبيض‭ ‬يستر‭ ‬وحشتنا،‭ ‬حين‭ ‬نركب‭ ‬صهوتها‭ (‬الابتسامة‭) ‬ونتخذها‭ ‬طوق‭ ‬نجاتنا،‭ ‬في‭ ‬عبورنا‭ ‬إليها‭ (‬القلوب‭) ‬ونحن‭ ‬نعاني‭ ‬التعب‭ ‬الأكول،‭ ‬لنعثر‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬يحضننا‭ ‬ونستوطن‭ ‬فيه‭. ‬

 

المُضْحِكُ‭ ‬في‭ ‬الضّحِك

أما‭ ‬في‭ ‬‮«‬لسان‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬الضحك‭ ‬بمعانٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬منها‭ ‬قولهم‭:  ‬‮«‬الضَّحِك‭: ‬معروف،‭ ‬ضَحِكَ‭ ‬يَضْحَكُ‭ ‬ضَحْكًا‭ ‬وضِحْكًا‭ ‬وضِحِكًا‭ ‬وضَحِكًا‭ ‬أربع‭ ‬لغات‭. ‬وفي‭ ‬الحديث‭: ‬يبعث‭ ‬الله‭ ‬السحابَ‭ ‬فيَضْحَكُ‭ ‬أحْسَنَ‭ ‬الضَّحِكِ؛‭ ‬جعل‭ ‬انجلاءه‭ ‬عن‭ ‬البرق‭ ‬ضَحِكًا‭ ‬اسْتعارة‭ ‬ومَجَازاً‭ ‬كما‭ ‬يَفْتَرُّ‭ ‬الضَّاحِكُ‭ ‬عن‭ ‬الثَّغْرِ،‭ ‬وكقولهم‭ (‬ضَحِكَتِ‭) ‬الأرضُ‭ ‬إذا‭ ‬أخْرَجت‭ ‬نَباتَها‭ ‬وزهْرَتها‭. ‬وتضَحَّك‭ ‬وتضَاحك،‭ ‬فهو‭ ‬ضَاحِكٌ‭ ‬وضَحَّاكٌ‭ ‬وضَحُوكٌ‭ ‬وضُحَكة‭: ‬كثير‭ ‬الضحك‭. (‬عند‭ ‬الليث‭): ‬الضُّحْكة‭: ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يُضْحَكُ‭ ‬مِنه‭. ‬والضُّحَكة‭: ‬الرَّجُل‭ ‬الكثير‭ ‬الضَّحِك‭ ‬يُعَابُ‭ ‬عليه‭. ‬ورَجُلٌ‭ ‬ضَحَّاك‭: ‬نعت‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬فعَّال‭. ‬وضَحِكْتُ‭ ‬به‭ ‬ومنه‭ ‬بمعنىً‭. ‬وأضْحَكَهُ‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجلّ‭. ‬والأُضْحوكة‭: ‬ما‭ ‬يُضْحَكُ‭ ‬به‭. ‬وامرأة‭ ‬مِضْحَاك‭: ‬كثيرة‭ ‬الضَّحِك‭. ‬والضَّحَّاكُ‭ ‬مَدْح،‭ ‬والضُّحَكَة‭ ‬ذَمٌّ،‭ ‬والضُّحْكَة‭ ‬أَذَمُّ،‭ ‬وقد‭ ‬أضْحَكني‭ ‬الأمْرُ‭ ‬وهم‭ ‬يتضَاحكون‭ (‬يتبادلون‭ ‬الضحك‭). ‬والضَّاحِكة‭: ‬كل‭ ‬سِنٍّ‭ ‬من‭ ‬مُقَدَّمِ‭ ‬الأضراس‭ ‬مما‭ ‬يَنْدُرُ‭ ‬عند‭ ‬الضحك‭. ‬والضاحكة‭: ‬السِّنُّ‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬الأنياب‭ ‬والأضراس،‭ ‬وهي‭ ‬أربع‭ ‬ضَواحِكَ‭. ‬وفي‭ ‬الحديث‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أوْضَحُوا‭ ‬بِضَاحِكة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬تبَسَّموا‭. ‬والضَّواحِكُ‭: ‬الأسنان‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬عند‭ ‬التبَسُّم‮»‬‭.‬

بينما‭ ‬نجد‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬المُضْحِك‮»‬‭ ‬المرادفة‭ ‬لمقابليها‭: ‬Comic‭ (‬بالإنجليزية‭) / ‬Comique‭ (‬بالفرنسية‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬‮«‬أكسفورد‮»‬‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬حاملة‭ ‬لمعنيين‭ ‬إيجابيين؛‭ ‬يربطها‭ ‬أحدهما‭ ‬بالضحك‭ ‬Laugh‭/ ‬Le‭ ‬Rire،‭ ‬لما‭ ‬يغدو‭ ‬عملية‭ ‬متصلة‭ ‬بالفعل‭ ‬والصوت‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬يمارس‭ ‬بها‭ ‬الضحك‭ ‬في‭ ‬أصله‭ ‬على‭ ‬منوال‭ ‬متداول‭ ‬ومستعمل‭. ‬في‭ ‬حين،‭ ‬تفسّر‭ ‬تسمية‭ ‬مُضْحِك،‭ ‬بمعناها‭ ‬الثاني،‭ ‬عندما‭ ‬يطلق‭ ‬اسم‭ ‬الضحك‭ ‬في‭ ‬المعجم‭ ‬نفسه،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حدث‭ ‬عابر‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬شخص،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يصدر‭ ‬منه‭ ‬فعل‭ ‬مثير‭ ‬للضحك،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اجتماعي‭ ‬ما‭ ‬يحضن‭ ‬اللقطة‭ ‬المنبعثة‭ ‬فيه،‭ ‬ما‭ ‬يجسد‭ ‬الضحك‭ ‬أو‭ ‬يثيره،‭ ‬فيصبح‭ ‬وفق‭ ‬ذلك،‭ ‬نعتاً‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬الضحك‭ ‬ويتسبب‭ ‬فيه،‭ ‬ثم‭ ‬يتحول‭ ‬تبعاً‭ ‬لهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للضحك،‭ ‬وموضوعه‭ ‬أيضاً‭.‬

وقد‭ ‬يتحول‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬للسخرية،‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬فيها‭ ‬مُضْحِكاً‭ ‬بطريقة‭ ‬سلبية‭ ‬مثيرة‭ ‬للاستهزاء،‭ ‬فينظر‭ ‬إليه‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الازدراء‭ ‬والاحتقار‭ ‬بهدف‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬قدره‭ ‬والحط‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬وشأنه،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬عليه‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬أوصاف‭ ‬قدحية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬‮«‬ضُحَكَة‭ ‬ومَضْحَكَة‭ ‬ومَسْخَرَة‮»‬،‭ ‬Laughable‭/‬Ridiculous‭ (‬بالإنجليزية‭) /‬Ridicule‭ (‬بالفرنسية‭).‬

وعلى‭ ‬العكس‭ ‬مِمّن‭ ‬يُسْخرُ‭ ‬منه،‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬‮«‬قاموس‭ ‬لغوي‭ ‬إنجليزي‮»‬‭ ‬مغاير،‭ ‬نعتاً‭ ‬آخر‭ ‬يوصف‭ ‬به‭ ‬الشخص‭ ‬اللطيف‭ ‬الجميل،‭ ‬الذي‭ ‬يلمحه‭ ‬الناس‭ ‬طريفاً‭ ‬ومرناً‭ ‬خفيف‭ ‬ظل،‭ ‬نظراً‭ ‬لما‭ ‬يميزه‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬إتيان‭ ‬فعل‭ ‬الضحك‭ ‬بسهولة،‭ ‬سواء‭ ‬أمارسه‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه‭ ‬وأبداه‭ ‬كتجلٍّ‭ ‬له‭ ‬حين‭ ‬ترتسم‭ ‬ملامح‭ ‬الانشراح‭ ‬والسعادة‭ ‬على‭ ‬وجهه،‭ ‬أو‭ ‬مارسه‭ ‬حين‭ ‬يتضاحك‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التبادل،‭ ‬قصد‭ ‬إضحاكهم‭ ‬بتوليده‭ ‬للضحك‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭. ‬وهذا‭ ‬الشخص‭ ‬هو‭ ‬الجدير‭ - ‬في‭ ‬نظرنا‭- ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬بوصف‭ ‬‮«‬الآخر‭ ‬الضاحك‮»‬‭ ‬The‭ ‬other‭ ‬Laugher‭. ‬

أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاصطلاحية،‭ ‬فيقصد‭ ‬بالضحك‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الخاصية‭ ‬المميزة‭ ‬للإنسان،‭ ‬ويندرج‭ ‬ضمن‭ ‬ظاهرة‭ ‬عامة،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬الفكاهة،‭ ‬والضحك‭ ‬أحد‭ ‬المظاهر‭ ‬الدالة‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬رسالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مقصود‭ ‬منها‭ ‬إنتاج‭ ‬الضحك‭ ‬أو‭ ‬الابتسام‮»‬‭.‬

هكذا‭ ‬إذن،‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬دلالة‭ ‬الضحك‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والاصطلاح،‭ ‬ولمنزلة‭ ‬الابتسامة‭ ‬وطبيعة‭ ‬المُضحك‭ ‬ضمنه،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذكر‭ ‬صفة‭ ‬الضاحك‭ ‬فيه،‭ ‬التي‭ ‬تلتصق‭ ‬بالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يداوم‭ ‬الضحك‭ ‬ويكثر‭ ‬منه،‭ ‬ما‭ ‬يجعله،‭ ‬والحالة‭ ‬هذه،‭ ‬متميزاً‭ ‬بالضحك‭ ‬عن‭ ‬غيره‭. ‬وهي‭ ‬إشارة‭ ‬لا‭ ‬نتوخى‭ ‬منها‭ ‬تقديم‭ ‬تعريف‭ ‬محدد‭ ‬ودقيق‭ ‬لماهية‭ ‬الضحك،‭ ‬لأنه‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعرف،‭ ‬إذ‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬نظرية‭ ‬ودراسات‭ ‬عدة‭ ‬أقيمت‭ ‬حوله،‭ ‬وهي‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها،‭ ‬يعتمد‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بدرجة‭ ‬واضحة،‭ ‬وترتكز‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬معينة‭ ‬تربط‭ ‬نفسها‭ ‬بالضحك،‭ ‬منها‭ ‬مثلاً‭: ‬التفوق‭ ‬والسيطرة،‭ ‬والتناقض‭ ‬في‭ ‬المعنى،‭ ‬والتنفيس‭ ‬عن‭ ‬الطاقة‭ ‬الزائدة،‭ ‬والإحساس‭ ‬بالمفاجأة،‭ ‬والدهشة،‭ ‬والبهجة‭... ‬وغيرها‭).‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬النظريات‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬أنا‮»‬‭ ‬تضحك،‭ ‬وهناك‭ ‬‮«‬آخرون‮»‬‭ ‬تضحك‭ ‬معهم‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬تضحك‭ ‬عليهم‭ ‬