تدريس أدب الشتات ... الأدب الأمريكي المسلم حقلاً ناشئاً
بدايات الأدب الأمريكي المسلم
هل يوجد شيء يسمى الأدب الأمريكي المسلم Muslim American Literature ؟ أعتقد أنّه موجود، فهو يبدأ مع مسلمي حركة الفنون السوداء (1965-1975)، فرواية «السيرة الذاتية لمالكوم إكس» The Autobiography of Malcom X هي واحدة من نصوصه الأيقونية.
يتضمّن الأدب الأمريكي المسلم الكتابات الصوفية الأمريكية، والروايات العرقية العلمانية، وكتابات المسلمين المهاجرين ومسلمي الجيل الثاني، والأدب الأمريكي المسلم الديني، فالكثير من الأعمال التي سأصنّفها في خانة أدب أمريكي مسلم (أ. أ.م) يمكن أن تُقرَأ أيضاً ضمن تصنيفات أخرى على غرار الأدب الأمريكي الإفريقي، والأدب الأمريكي العربي، والأدب الجنوب آسيوي، وكتابات نساء العالم الثالث، والأدب المسلم الشتاتي، والأدب المكتوب بالإنجليزية... وهلمّ جرّا.
ففي الوقت الذي لا يمكن أن نتجاهل فيه موقع تلك الأعمال ضمن التصنيفات الأخرى، فإنّنا سنحقّق شيئاً ما بقراءة هذه الأعمال باعتبارها جزءاً من المشهد الثقافي الأمريكي المسلم، وعلى غرار الأدب الأمريكي اليهودي في ثلاثينيات القرن العشرين، فإنّ الأدب الأمريكي المسلم هو مرحلة تقويمية وسيكون من الأهميّة بمكان أن نرصد تطوّراته.
بداية، أقترح التقسيم التالي للأدب الأمريكي المسلم كخطوة أولى، أو وسيلة لوضع ترتيب مبدئي لنصوص عدة، ستُقابل بتحد أو ربّما تُسقَط نهائياً في الأخير.
تزعم الفئة الأولى «أنبياء الانشقاق» (The Prophets of Dissent) أنّ الأعمال المسلمة في حركة الفنون السوداء هي أولى الكتابات في الأدب الأمريكي التي تصرح بمكانة ثقافية ذات هويّة مسلمة، تنتمي الكتابات المسلمة المعاصرة التي تأثّرت أدبيّاً بمنجزات حركة الفنون السوداء أيّما تأثّر إلى هذه الفئة، وتتميّز بالمقابل بمكانتها «الخارجية» ونقدها الأخلاقي للقيم الأمريكية السائدة، وأكثر ما يميّزها نبرتها النبوئية والرؤيوية.
وخلافاً لذلك، فإنّ كتّاب «الجماهير المتعدّدة الأعراق»، كما أدعوهم، ينزعون إلى أن يحظوا بمكانة «داخلية» في الآداب الأمريكية، وغالباً ما يدلفون من خلال برامج MFA والمؤسسة الأدبية، وينشرون أعمالهم من خلال سوق الكتاب الجامعي، ويسجلون مراجعات نقدية في الصحف الشائعة، وهم لا يتقاسمون جماليات عامة، بل هم مؤلفون فرادى من عرقيات مختلفة ومن روحانيات وعلمانيات عديدة. في الواقع إنّني أسائل نفسي عن وضع كلّ هؤلاء في فئة واحدة، وقد فعلت ذلك مؤقتاً ومن باب الإحاطة فحسب.
ومن جهة أخرى، تبدو الفئة الثالثة «المتعالون الأمريكيون الجدد»
(NewAmericanTranscendentalists)ذ بالـــتعبير الجمالي - متناسقة، حيث تضمّ أفراداً يتقاسمون قاعدة ثقافية صوفية واسعة تشكّل دعامة لأعمالهم الأدبية، وغالباً ما تُظهِر أعمالهم ألفة مع الشعراء الصوفيين من مختلف الآداب الإسلامية الكلاسيكية (مثل التركية، والفارسية، والعربية، والأردية) وتبدي ألفة أيضاً مع الكتّاب المتعالين الأمريكيين في القرن التاسع عشر، وهذا ما أدّى إلى نزوع نحو الروحاني والشطحات في الشعر الأمريكي الحديث.
وأخيراً، «الحجاج الجدد» (New Pilgrims) وهي التسمية التي أطلقتها على فئة فضفاضة من الكتّاب الذين لم يكن الإسلام بالنسبة إليهم مجرّد صيغة انشقاق، أو خلفية ثقافية أو قاعدة روحانية لكتاباتهم فحسب، بل كان الموضوع الهدف والجليّ في إبداعاتهم. وكان «الحجاج الجدد» - من ضمن الفئات الأربع - من يكتبون علناً بدوافع وصيغ دينية على غرار آن برادستريت وكوتون ماثر (Cotton Mather) والبيوريتانيين «Puritans» الذين ظهروا في مطلع التاريخ الأمريكي، ولم يمنعهم هذا الأمر من أن يكونوا قادرين على إنتاج أدب عظيم مثلما لم يحل الكتاب البيوريتانيين العظماء عن ذلك.
وهنا أمثلة ذ على سبيل المثال لا الحصر - عن بعض الكتّاب من كلّ فئة، وهي ليست مطلقاً قائمة نهائية.
أنبياء الانشقاق من حركة الفنون السوداء
مارفين إكس: ولعلّ ديوانه «الطيران إلى الله» (1969) أوّل كتاب شعري يؤلّفه بالإنجليزية كاتب أمريكي مسلم.
صونيا سانشيز ويعدّ كتابها «كتاب أزرق لنساء ساحرات كحليات» (1974) عملاً معبّراً عن الفترة التي اعتنقت فيها الإسلام.
أميري بركة : يعيد كتابه «الكتلة السوداء» (1966-2002) الأصل اللاهوتي اليعقوبي لدولة الإسلام إلى الدراما، وعلى غرار سانشيز، فقد كان الكاتب مسلماً فترة قصيرة، ولكنّ تأثير الإسلام يمتدّ لجزء كبير في معظم إنتاجه.
أسكيا محمد تور: وهو منغمس في الشعر الإسلامي خلال مرحلة (ح.ف.س)، وهو أيضا من مؤسسي هذه الحركة.
أنبياء الانشقاق المتأخرون
«فـــــكر بـــخط الـــــــيد» (calligraphy of Thought)
هو شعر منطقة شرق خليج كاليفورنيا لشباب «الجيل م»، من فناني الكلمة المنطوقة الأمريكيين المسلمين الذين يواصلون اليوم انتهاجهم الصيغة المعارضة الرؤيوية التابعة لحركة الفنون السوداء.
سهير حماد: شاعرة فلسطينية نيو يوركية، وهي المغنية الأولى في السلسلة التلفزيونية شعر داف جام (Def Poetry Jam) في قناتي «broadway» و«HBO»، وكـــــــــانت إشادتــــها بالشاعرة جون جوردن في كتابها الأوّل «ولد فلسطينياً... ولد أسود» عام 1996 قد أرست خطّ انشقاقها عن «ح.ف.س» على الأقل باعتبارها أكبر مؤثّر في عملها.
الحاج مليك الشاباز (El Hadj Malik El shabaz) صاحب رواية «مالكوم إكس» (Malcom X)
هو علامة فارقة في هذا النوع من الكتابة الأمريكية المسلمة، بل ولكلّ كتّاب الفئات الأربع في حقيقة الأمر.
شعراء الجماهير المتعددة الأعراق
الشاعر الأمريكي الكشميري آغا شاهد علي: شخصية مؤثّرة في المشهد الشعري الأمريكي العام بفضل الجائزة الأدبية التي تحمل اسمه في جامعة يوتا، استدعى «الغزال» إلى الموضة في اللغة الإنجليزية، ولهذا فهي تدرّس الآن ضمن أشكال أخرى في برامج MFA.
شهاب نعومي ناي: شاعرة أمريكية فلسطينية على غرار الشاعر العابر الثقافات، حيث تحتل أعمالها مكانة بارزة في الآداب الأمريكية ويطغى المضمون الإسلامي على معظم أعمالها.
سام حمود: شاعر عربي يقيم بالوسط الغربي الأمريكي، نشر أشعاره في الصحف في الوقت نفسه الذي لمع فيه مارفين إكس نُشِرت رواية ناهد راشلين قبيل موجة الأدب الحديثة التي قادها أمثالها من المهاجرين الإيرانيين.
مصطفى متبركة: كاتب أمريكي إفريقي مسلم، ظهرت روايته الأولى «البذرة» عام 2002.
سمينة علي: كاتبة من أبوين هنديين تقيم بالوسط الغربي الأمريكي، روايتها الأولى «مدراس في أيام ممطرة» عام 2002، وقد قدّمت للجمهور على ظهر غلاف «شعراء وكتّاب» في يونيو 2004.
خالد الحسيني: ظهرت روايته الأولى «عداء الطائرة الورقية» (The Kite Runner) عام 2003.
ميشيل محمد نايت: نيويوركي مسلم ذو خلفية كاثوليكية أيرلندية، تحفر روايته المتربعة على القمة (The Taqwacores) عميقاً في قضايا الهوية المسلمة.
وهناك عدد من الصحف التي يمكن أن نعثر فيها على أدب أمريكي مسلم ذي عرقيات متنوّعة، ومن تلك الصحف نذكر «chowrangi» وهي صحيفة أمريكية باكستانية تصدر في نيو جيرسي، و«مزنة» (Mizna) وهي صحيفة أمريكية عربية شعرية تصدر في ميني بوليس.
المتعالون الأمريكيون الجدد
دانييل (عبدالحي) مور: نموذج بارز لهذا النوع من الكتابة الأمريكية المسلمة، هو من مواليد كاليفورنيا، نشر أعماله في أوائل ستينيات القرن العشرين بصفته من شعراء البيت (Beat)، وأصبح صوفياً مسلماً، اعتزل الشعر عقداً من الزمن ثمّ تخلّى عن اعتزاله، وعاد ينشر الشعر بغزارة أفصحت عن موهبة نادرة، تعدّ مجموعته «أناشيد رمضانية» الصادرة عن City Lights، عام 1986) زواجاً بين الشكل والمضمون، كان خير مثال لتضافر «الأمريكي» بـ «المسلم» في الفنّ الأمريكي المسلم.
الظاهرة الرومية: من الظاهر للعيان أنّ الشاعر الأكثر مقروئية في أمريكا هو مسلم، ولهذا تجدر الإشارة إليه، مع أنّني تقنياً لم أضع في حساباتي الأدب المترجم، ومرّة أخرى، لم لا؟ وعلى غرار الكثير من الحدود التي رسمتها، هذه كلّها عشوائيات تنتظر فقط من يضع لها حدّاً.
ومن الصحف التي تنشر هذا النوع من الكتب صحيفة «الأمريكي المسلم» (The American Muslim) و«الصوفي» (Sufi) و«قلبي» (Qalbi) وغيرها.
الحجاج الأمريكيون الجدد
تكتب باميلا تايلور روايات الخيال العلمي الأمريكية المسلمة، وتكتب إيمان يوسف «الرومانس الإسلامي»، ولا تتحدّد هذه المجموعة من المؤلفين ضمن نوع واحد، ويكتب داشام بروكينز الشعر وينشده، ويرعى موقع www.Muslimpoet.com وفي الوقت الذي يهتمّ فيه شعراء على غرار سمنتا سانشيز بإلصاق الإعلانات، فإنّ أمّ زكيّة (Umm Zakiyya) تكتب رواية بعنوان «إذا كان عليّ أن أتكلّم» حول فتاة أمريكية مسلمة كانت رفيقة غرفتها في الكلّية.
قدم كتّاب هذه الفئة من عرقيّات مختلفة، ولكنّهم على خلاف كتّاب فئتي الثانية يجمعهم حدّ أدنى من التناسق، ومن الاهتمام بهوية مسلمة محافظة.
تنزع مواقع الإنترنت الخاصة بهذه الفئة إلى حظر الإيروتيكا والتجديف، وعلى سبيل المثال أصدر اتّحاد الكاتبات المسلمات
(The Islamic Writers Alliance) - وهو فريق من النساء الأمريكيات المسلمات ذ أخيراً أولى أنطولوجياته، ولا ينتمي معظم الكتّاب المذكورين في الأنطولوجيا إلى هذه الفئة، ولكن لا يوجد ما يمنعهم من أن يقوموا بذلك تدريجياً.
وتصوّري عن الأدب الأمريكي المسلم أنّه تركيبة مرنة من ثلاثة عوامل:
تأليف مسلم، وما يتضمّنه هذا العامل ذ رغم غموضه وفضفاضيته- يحول دون توسيع مجاله إلى حدّ الميوعة حتى لا يشمل أيّ عمل عن المسلمين ينجزه مؤلف لا صلة له البتّة بالهويّة المسلمة، على غرار روبرت فريقنو (Robert Ferrigno) بروايته عن بائس مسلم متعصب في أمريكا. إنّ ما يتجلّى في هذا الأدب هو الإسلام كمفهوم ثقافي وليس كمفهوم ديني، فالكاتب «المسلم المرتدّ» ذ كما يدعو أحد الشعراء في قائمة طلبتي نفسه - يظلّ مسلماً في تصوراتي، فأنا لا أهتمّ بدرجات الالتزام والممارسة الدينية بقدر ما يعنيني «الأسلمة الأدبية» (literary Muslimness).
اللغة وجمالية الكتابة
في بعض الحالات هناك اعتقاد متداول عن جماليات ذات جذور إسلامية على غرار الجماليات الإسلامية الأفرومركزية للكتّاب المسلمين في حركة الفنون السوداء.
موضوعات أو محتويات ذات صلة بالإسلام
إذا كانت هويّة الكاتب المسلمة غامضة أو غير معلنة بشكل صريح، وهذه حال معظم كتّاب «الجماهير المتعدّدة الأعراق» فإنّ المحتوى نفسه يظلّ وثيق الصلة بالتجربة الأمريكية المسلمة، وقد اتّخذت من هذا الأمر علامة على أنّ النصّ اختار أن يلج مناقشات الأدب الأمريكي المسلم، وعليه وجب أن يندرج ضمنه.
أثناء وضعي حدوداً للبحث والتي قد يستحيل نشرها، اخترت أن أركّز أكثر على الرواية والشعر، كما أدرجت السير الذاتية وكتابات المذكّرات المنتقاة، لم أدرج الكتابات التي ألّفت بلغات أخرى غير الإنجليزية رغم أنّه يوجد مسلمون في أمريكا يؤلّفون بالعربية والأردية ولغات أخرى، وقد نظرت في كتابات القرن العشرين وما تلاه، ويجرى الآن تنقيب أرشيفي في الفترات السابقة، فمن المحتمل أنّ مرحلة الاستعمار الإسباني قد شهدت كتابات مسلمة، ونعلم مسبقا أنّ بعض العبيد المسلمين في القرن التاسع عشر قد خلّفوا كتابات سرديّة، ويحتاج الأمر إلى بحث أعمق إذا كان المرء سيوسّع نطاق البحث من «الأدب» إلى «الثقافة الأمريكية المسلمة» فإنّه سيدرج الموتاون (Motown) وأغاني الهيب هوب التي ألّفها فنّانون مسلمون، والعروض التلفزيونية على غرار الفيلم الكلاسيكي الأمريكي «الرسالة» للمخرج السوري الأمريكي مصطفى العقاد، وكتب الأطفال، والخطب والمقالات وأجناس أخرى.
هناك متع ونماذج للاقتداء، تنجم عن قراءة هذا الكمّ من النصوص المتناثرة والمنضوية تحت خانة السّرديات الثقافية الأمريكية المسلمة، آن الأوان ذ كما آمل - وقد نشأ هذا الحقل أن يقوم آخرون بعملهم في المناطق التي تجاوزتها في هذا البحث التمهيدي المختصر ■